ترجمة وتحرير: نون بوست
يتذكر أحمد أبو طويل جيدا اليوم الذي أصيب فيه محمد الدرة، البالغ من العمر 12 سنة، عندما كان يختبأ خلف والده أثناء مظاهرة في مدينة غزة سنة 2000، برصاص جنود إسرائيليين. وقد حدث ذلك في اليوم الثاني من الانتفاضة الثانية، عندما كان يبلغ طويل الثامنة من عمره. وفي هذا السياق، قال طويل: “كنا أطفالاً في ذلك الوقت”، لقد كبرنا في السن ونحن نحاول إيجاد معنى لحياتنا، لكننا لم نستطع العثور عليه”.
في الوقت الحالي، تحصّل طويل، البالغ من العمر 26 سنة، على شهادة جامعية في مجال المحاسبة، لكنه لا يستطيع العثور على وظيفة ولا السفر خارج قطاع غزة، الذي تساوي مساحته مساحة ديترويت أو فيلادلفيا، نتيجة للحصار الذي فرض عليه بداية من سنة 2007. وعموما، يعيش طويل في مخيم جباليا للاجئين في غزة مع أفراد أسرته الثمانية، بما في ذلك شقيقتيْه العاطلتيْن عن العمل ووالده، الذي يعمل كموظف في الخدمة المدنية في السلطة الفلسطينية، ولا يتلقى سوى 50 في المائة من راتبه. وتجدر الإشارة إلى أن هذه العائلة تقضي نصف أيامها في الظلام الدامس بسبب انقطاع الكهرباء.
على غرار الكثير من المحتجين الشباب الذين خرجوا للتظاهر على حدود غزة مع “إسرائيل” وتحدثوا مع موقع ميدل إيست آي البريطاني خلال هذا الأسبوع، أشار الطويل إلى أنه “يعود للاحتجاج، كل أسبوع، لأنه يعتقد أن الاحتجاج يعد أفضل وسيلة لتغيير حياته، حتى لو كان يخاطر بها خلال هذه العملية”.
أضاف المصدر ذاته، وهو يسخر من المناشير التي أسقطتها الطائرات الإسرائيلية دون طيار في وقت سابق من هذا الأسبوع، قائلا: “لقد قتلوا أحلامنا، ومحيطنا، وبحرنا من خلال عدم السماح لنا بتجاوز تسعة أميال عن الحدود، والآن يتحدثون عن تحسين حياتنا؟”. لقد رسمت إسرائيل عزة، في سنة 2025 في هذا النشرة، بأضواء ساطعة، وأشجار خضراء، ومباني شاهقة. وأردف طويل قائلا: “إننا نحتج من أجل التعبير عن بركان الغضب الذي يشتعل في صدورنا منذ سنوات، فالمحتلون لا يملكون ذرة رحمة في قلوبهم”.
كتب على النشرة “غزة 2025”
“عندما تصبح الحقوق الأساسية أحلامًا”
في كل يوم جمعة وفي أيام الخميس، ينظم طويل مع رفاقه مظاهرة. وفي كل هذه المرات، يعيش طويل ورفاقه فاجعة اغتيال قريب أو صديق على يد الإسرائيليين وانتهاك لطفولة مليئة بذكريات الأزمات السياسية على غرار الانتفاضة الثانية، واحتلال غزة، والحروب الثلاثة المدمرة. ومن بين المتضررين من رصاص الاحتلال الإسرائيلي كان أحمد ماضي، البالغ من العمر 23 سنة، يقطن كذلك في مخيم جباليا. خلال الشهر الماضي، في أحد احتجاجات التي يتم تنظيمها أيام الجمعة، قُتل ابن عمه، البالغ من العمر 15 سنة، حسين ماضي، على الحدود.
على الرغم من أن حسين كان مراهقا، إلا أنه كان على وعي تام بظروف حياتنا الصعبة. وكان يحلم بمنزل لا ينقطع الكهرباء عنه، وبأن يسافر مع فريق الكرة الطائرة الذي لعب في صفوفه. وفي هذا السياق، قال طويل: “أنا شخصياً أتمنى الحصول على منزل وعلى وظيفة، تؤمّن لي حياة كريمة. في الحقيقة، إنه لأمر مؤسف للغاية عندما تصبح الحقوق الأساسية مجرد أحلام”.
قال أحمد ماضي أنه “يأمل في أن تمنح الاحتجاجات الحالية زخما أكبر للقضية الفلسطينية”
كان أحمد ماضي يعمل في متجر كبير في سوق جباليا. لكن قبل أربعة أشهر، فقد وظيفته بعد تفاقم تدهور اقتصاد قطاع غزة. لقد حاول ماضي إيجاد فرصة عمل أخرى، لكن جهوده لم تؤت أكلها. فضلا عن ذلك، كان شقيقاه الأكبر سنا منه عاطليْن عن العمل، وكان والده دون وظيفة منذ 10 سنوات.
في هذا الشأن، صرح ماضي أنه “يأمل في أن تمنح الاحتجاجات الحالية زخما أكبر للقضية الفلسطينية”. وأضاف المصدر ذاته أن “المفاوضات مع الإسرائيليين كانت غير مثمرة”. وفي الوقت الحالي، يريد الإسرائيليون أن تكون القدس عاصمة لهم، دون اعتبار اتفاقية أوسلو لسنة 1993، التي تم التفاوض عليها قبل ولادة ماضي، والتي تركت مسألة القدس معلقة، وموضوعاً للاتفاقيات التي ستعقد في المستقبل. وعلى أية حال، اعترفت الولايات المتحدة، حاليا، بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وأردف المصدر ذاته قائلا: “نحن شعب مسالم. صحيح أننا نعاني من العديد من الانقسامات، لكننا لا نؤذي أحداً. نحن لا نشكل أي خطر على القوات الإسرائيلية التي تقتلنا، والتي تعتقد أن ممارسات العنف التي تسلطها علينا ستجعلنا نتراجع ونستسلم”. وتابع المصدر نفسه قائلا: “نحن هنا للدفاع عن حقوقنا وأحلامنا. نحن نعاني لأننا محاصرون، لكننا سنخلق الأمل على الرغم من أسلحتهم الموجهة نحو صدورنا”.
ثمن باهظ
بعد تنظيم العديد من الاحتجاجات، غالباً ما يتجمع المتظاهرون في خيام بالقرب من مخيم البريج للاجئين من أجل التواصل ودعم بعضهم البعض. وفي هذا الصدد، يظل إياد أبو عويني، طالب جامعي يدرس التاريخ، يبلغ من العمر 27 سنة، في الخيام بعد فترة طويلة من غروب الشمس لمناقشة الأحداث الأخيرة مع الشباب. وأكد عويني أنه “لن يثق بالقادة الفلسطينيين أو الأحزاب السياسية بعد الآن، بل بصوت الشباب فقط”.
قال مؤمن مطير، البالغ من العمر 26 سنة والعاطل عن العمل: “تحاول إسرائيل أن تقول للعالم إن جميع المتساكنين في غزة هم نسخة مصغرة من حركة حماس، ولكن ذلك غير صحيح. نحن فلسطينيون ولكل شخص معتقداته السياسية الخاصة”
أضاف المصدر ذاته قائلا: “على مر التاريخ، اكتشفنا أنه لا يمكن الفوز بالحرية والكرامة من غير تكبد بعض الخسائر. أعلم أن هذه الحقيقة قاسية، لأننا سنفقد أحباءنا، لكن للحرية ثمن باهظ في فلسطين”. وتابع عويني قائلا: “تم احتلالنا منذ الانتداب البريطاني، والآن نحن محتلون من قبل “إسرائيل” “.
من جانب آخر، يعتقد عويني أن ” “إسرائيل” حاولت التلاعب بحقيقة الاحتجاجات التي جرت على الحدود من خلال قولهم إما أن الشباب المتظاهر ينتمي إلى أحزاب سياسية أو أنهم إرهابيون موالون لحركة حماس. ولقد صدقت الولايات المتحدة مزاعم “إسرائيل”، بيد أن الحقيقة أبسط من ذلك بكثير”.
في سياق متصل، أشار عويني قائلا: “نحن محتجون مسالمون. وعلى الرغم من أنه لا يتم التصدي للمتظاهرين، في جميع أنحاء العالم، عن طريق استخدام الرصاص، إلا أننا نتعرض للقتل على الرغم من أننا جميعاً متظاهرون عُزّل”.
متظاهرون فلسطينيون خلال مواجهة مع القوات الإسرائيلية قرب مدينة غزة، اندلعت خلال مظاهرة سلمية تم تنظيمها خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر.
أدلى صديقه مؤمن مطير، البالغ من العمر 26 سنة والعاطل عن العمل، بتصريحاته قائلا: “تحاول إسرائيل أن تقول للعالم إن جميع المتساكنين في غزة هم نسخة مصغرة من حركة حماس، ولكن ذلك غير صحيح. نحن فلسطينيون ولكل شخص معتقداته السياسية الخاصة. وعلى الرغم من أن حركة حماس تسيطر على غزة، إلا أنه لا يعني ذلك أن جميع المتظاهرين موالون لها”.
وأردف المصدر ذاته قائلا: “نحن هنا لنعبر عن موقفنا ولنطالب بحقوقنا من أجل وضع حد للأزمة الإنسانية التي نعاني منها”. خلال يوم الثلاثاء، بينما كانت احتجاجات النكبة جارية في غزة، كان مطير يشيع جنازة صديقه آمد العديني، البالغ من العمر 30 سنة، الذي قتله الجنود الإسرائيليون، يوم الاثنين، خلال مظاهرة على حدود غزة.
قال أحمد رواغ، البالغ من العمر 28 سنة: “لا يعلم ترامب أن لكل شاب فلسطيني حلم يراوده وطموحات كبيرة قتلتها الانتهاكات الإسرائيلية”
في الواقع، أشار مطير إلى أن صديقه عديني كان المسؤول عن تنظيم الاحتجاجات الرئيسية في الضفة الغربية وغزة، التي دارت خلال شهر آذار/ مارس سنة 2011، وطالبت بإنهاء الصراع بين حركتيْ حماس وفتح. علاوة على ذلك، ساهم عديني في قيادة المظاهرات المنددة بخطة براور، التي دعت إلى تدمير قرى البدو ونزوح سكانها، قبل أن يتم منعها خلال سنة 2013؛ مؤكدا أن صديقه لم يتوان أبداً عن دعم حقوق الشباب.
في السياق ذاته، أفاد أحمد رواغ، البالغ من العمر 28 سنة، الذي كان من بين المتظاهرين القادمين من مخيم البريج للاجئين، إنه قد تم الترويج للمظاهرات التي ينظمونها بطريقة خاطئة. وفي هذا الصدد، قال رواغ: “لا يعلم ترامب أن لكل شاب فلسطيني حلم يراوده وطموحات كبيرة قتلتها الانتهاكات الإسرائيلية”. وأردف المصدر ذاته قائلا: “نريد أن نحظى بحياة كريمة وبوظيفة. نحن في القرن الواحد والعشرين، مازالت هذه المطالب مجرد أحلام، لكننا سنواصل الاحتجاج لنستعيد أراضينا وكرامتنا”.
المصدر: ميدل إيست آي