فتح اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، فجر يوم 31 يوليو/تموز 2024، إثر استهدافه بغارة صهيونية على مقر إقامته في العاصمة الإيرانية طهران، الباب مشرعًا أمام تأثيرات عملية الاغتيال على العديد من الملفات الساخنة في المنطقة.
جاء اغتيال هنية بعدما قاربت حرب الإبادة على قطاع غزة تمام الشهر العاشر من العدوان الذي استخدمت فيه آلة الحرب الإسرائيلية شتى صنوف القتل والدمار بحق الشعب الفلسطيني، رافعةً هدف تصفية المقاومة الفلسطينية، وفي القلب منها حركة حماس.
ملف التفاوض بشأن “صفقة الأسرى” كما يريده الاحتلال، و”وقف إطلاق النار” كما تريده المقاومة الفلسطينية، الملف الأكثر جوهرية الذي يعتمد عليه مستقبل حرب الإبادة على قطاع غزة، وبناءً عليه يكون التساؤل: هل ستنجح المقاومة في تحويل ملف الصفقة إلى عنوان إيقاف الحرب والتوصل إلى اتفاق يلبي طموحات الشعب الفلسطيني، أم أن الاحتلال سينجح في كسر شوكة المقاومة وانتزاع أسراه واستكمال حربه حتى تحقيق أهدافه؟
في جوهر التساؤلات عن التأثيرات المتوقعة يكمن التساؤل عن مصير مفاوضات صفقة التبادل، التي بات واضحًا للجميع كما هو واضح للمقاومة أن رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، يتعمد المماطلة والتسويف فيها هربًا من تقديم أي التزامات تقضي بإنهاء الحرب، ما سيعني بلا شك الضرر المباشر على مستقبله السياسي الذي سيكون على المحك بعد الانهيار المتوقع لائتلافه الحكومي إن تم التوصل إلى صفقة تتضمن وقفًا كاملًا لإطلاق النار، فهل سيدفع الاغتيال المقاومة إلى إعادة النظر في استراتيجيتها التفاوضية؟ وهل سيؤثر غياب إسماعيل هنية على شكل وطبيعة المفاوضات؟ خصوصًا أن حدود التأثير لا تتعلق باستراتيجيات التفاوض فقط، بل تصل إلى مستويات إدارة الملف حركيًّا ووطنيًّا.
يمكن تلخيص مستويات التأثير المتوقعة لغياب القائد إسماعيل هنية عن المشهد القيادي الفلسطيني عمومًا، والمشهد القيادي الحمساوي على نحو التحديد، في 4 مستويات للتأثير على مجريات العملية التفاوضية، تشمل: الموقف، والاستراتيجية، والعلاقات البينية وطنيًّا، وإدارة ديناميكيات اتخاذ القرار داخل حركة حماس.
تأثير اغتيال إسماعيل هنية على الموقف التفاوضي
على مدار الجولات التفاوضية، تعامل رئيس وزراء الاحتلال مع الملف من منطلق انعدام الرغبة في التوصل إلى أي صفقات تنتهي بموجبها الحرب، وبالتالي انصب تركيزه على محاولات التملص من استحقاقات الصفقة، الأمر الذي تدركه المقاومة وعبّرت عنه بالتأكيد المستمر على أن نتنياهو يتعمد تعطيل وتسويف المفاوضات، وذلك من قبل جريمة اغتيال إسماعيل هنية، وهو ما أكدته مجددًا في تعقيبها على ما استجد في لقاء روما للوسطاء مع رئيس الموساد، دافيد برنياع، في البيان الصادر بتاريخ 29 يوليو/تموز 2024، إذ قالت الحركة: “من الواضح أن نتنياهو عاد من جديد لاستراتيجية المماطلة والتسويف والتهرب من خلال وضع شروط جديدة”.
منذ انطلاق قطار المفاوضات ساد التعامل بمنطق “العقل البارد”، الأساس الذي تعاملت وفقه المقاومة مع مستجدات الأحداث، ولم تأخذ أي موقفٍ بناءً على رد الفعل ارتباطًا بمجريات الحرب، وفي الإطار ذاته فإن حماس تأخذ في الحسبان أن الاغتيالات حدثٌ واردٌ وحاضرٌ في الحرب العدوانية الكبرى التي تستهدف المقاومة وخاصة رأس الحركة، وبناءً عليه كان تعاطي المقاومة مع حدث اغتيال الاحتلال لنائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، الشيخ صالح العاروري، في أوائل يناير/كانون الثاني الماضي، أنه وعلى الرغم من حجم الحدث وتأثيره، فإنه وارد في التقدير والاحتمالات، وكانت الوجهة بألّا تدع الحدث يؤثر على مجرى المفاوضات ولا على مجريات الميدان والمواجهة.
في الوقت الذي يدعي ويراهن فيه رئيس وزراء الاحتلال على أن الضغط العسكري سيفلح في تغيير موقف المقاومة أو انتزاع تنازلات، بات واضحًا أن المقاومة تمضي في مسار المفاوضات على قاعدة الثبات على المبادئ الرئيسية والمرونة في التفاصيل الثانوية، والامتناع عن منح الاحتلال الفرصة بأن يحدد جدول الأعمال أو يحرف المسار أو يدفع المقاومة إلى الزاوية التي يحمّلها فيها مسؤولية فشل المفاوضات.
فيما لم تقدم المقاومة على إدخال تغييرات جوهرية على استراتيجيتها التفاوضية إلا في إطار استخلاص العبر من التجربة المباشرة، ما كان على أثر انهيار الهدنة الإنسانية الأولى في ديسمبر/كانون الأول 2023، وبناءً عليه فإن التأثير الذي يعوّل عليه الاحتلال يتمثل بأن يشكل الاغتيال ضغطًا مضاعفًا قد يؤدي إلى انتزاع تنازلات جوهرية من قيادة الحركة، بما يثبت نظرية نتنياهو بكون الضغط العسكري أجدى الطرق، أو أن يدفع الاغتيال الحركة إلى الانسحاب من المفاوضات، فتعفي نتنياهو من المسؤولية داخليًّا ودوليًّا عن إفشال المفاوضات.
تأثير الاغتيال على تغييب الخبرة التفاوضية
على جانب آخر، فإن غياب شخصية بحجم وتأثير القائد إسماعيل هنية لا يقتصر على رد الفعل المنتظر من المقاومة على حادثة الاغتيال، بل كان للشهيد إسماعيل هنية بالمعنى الشخصي دور مباشر جدًّا في إدارة ومتابعة ملف المفاوضات، ليس من موقعه بوصفه رئيسًا للمكتب السياسي فقط، بل أيضًا ارتباطًا بكونه قائدًا مخضرمًا للحركة عايش معها مراحل مفصلية مهمة جدًّا في مفاوضاتها السابقة.
كان الشهيد إسماعيل هنية قائد حركة حماس ومرجعتيها في قطاع غزة في الفترة ما بين العام 2007 والعام 2017، أي أنه تمت في عهده جولات المفاوضات الأكثر حسمًا، في ملف صفقة شاليط التي تكللت بإنجاز الصفقة في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2011، وأطلق بموجبها سراح 1027 أسيرًا فلسطينيًّا، منهم 450 من الأسرى ذوي أحكام المؤبدات، ما يجعلها من الصفقات الأكبر والأهم في تاريخ الشعب الفلسطيني من حيث العدد والنوعية ومن حيث تأثيرها المستقبلي على مجريات العمل الوطني والسياسي للشعب الفلسطيني، وهي صفقة تمت أيضًا في وجود بنيامين نتنياهو بموقع رئاسة وزراء الاحتلال.
تحت قيادة الشهيد إسماعيل هنية أيضًا أدارت حركة حماس لسنوات الاستراتيجية التفاوضية في ملف الأسرى الأربع لدى المقاومة في قطاع غزة، ومنهم الأسيران الجنديان: هدار جولدن وشاؤول آرون اللذان أسرا خلال العمليات القتالية في الحرب العدوانية على قطاع غزة عام 2014، والأسيران أبرهام منغستو وهشام السيد، وهي استراتيجية حديدية لم تفرج فيها المقاومة عن أي معلومة بشأن مصير الأسرى المذكورين دون التزام الاحتلال بإطلاق سراح من أعيد اعتقالهم من محرري صفقة شاليط، ولسنوات ثلاثة كان إسماعيل هنية صاحب القرار الحاسم في الملف، الذي تسلّم مسؤوليته فيما بعد القائد يحيى السنوار الذي حافظ على الاستراتيجية التفاوضية ذاتها.
لعبت الخبرة الكبرى للشهيد إسماعيل هنية في إدراك الألاعيب التفاوضية الإسرائيلية، وأهمية طول النفس واستخلاص العبر والدروس من التجارب التفاوضية السابقة، دورًا مهمًّا في رسم الاستراتيجية التفاوضية لحركة حماس بشأن ملف الأسرى، وقد كانت هذه البصمات واضحةً في الثبات الكبير للحركة على مطالبها على مدار الأشهر العشر للعدوان.
وعلى الرغم من أهمية الخبرة الشخصية وتأثيرها على الدور المؤسسي، فإن تعدد التجارب التفاوضية للمقاومة ونجاحها في انتزاع صفقة بحجم صفقة شاليط، وسنوات مستمرة من الثبات ورفض الرضوخ لمحاولات الاحتلال تهميش وإهمال ملف الأسرى الأربع في القطاع، واستمرار النهج التفاوضي ذاته ما بين عهدي قيادة إسماعيل هنية ويحيى السنوار، يوحي على نحو مؤكد أن الخبرة التفاوضية تترجم على شكل سياسات حركية تعمل وفقها اللجان المكلّفة بإدارة ملف التفاوض.
تأثير الاغتيال على صيغ التكامل الوطني والتنسيق الفصائلي
أنجزت حماس وبشكل أكثر تميزًا ووضوحًا صيغةً تشاركيةً مهمةً وتكامليةً من خلال إدارتها ملفّ التفاوض على الأسرى، والردود على المقترحات المقدمة من الوسطاء، عبر إخضاعها للتشاور الفصائلي مع قوى المقاومة، والتفاعل بخصوص الملاحظات والصيغ، وتقديم رد جماعي على عروض الاحتلال والوسطاء.
ينسب للشهيد إسماعيل هنية الإشراف مباشرةً على استراتيجية العمل المشترك مع قوى المقاومة، والحرص على الانفتاح الأوسع والشراكة في مناقشة كل التفاصيل على مدار سنوات توليه رئاسة المكتب السياسي، الأمر الذي يظهر جليًّا بتتبّع مسار تطور الانفتاح في العلاقات الوطنية للحركة انطلاقًا من تعزيز العلاقات بين القوى في قطاع غزة، ما كان واضحًا تمامًا في “مسيرات العودة” والغرفة المشتركة لفصائل المقاومة، ثم انتقال وتطور هذه الصيغ إلى المستويات القيادية المركزية في حركة حماس مع قادة القوى والفصائل الإسلامية والوطنية مع وصول إسماعيل هنية إلى رئاسة المكتب السياسي وانتقاله إلى ممارسة مهامه من الخارج.
لقد تواصل التطور المستمر لآليات العمل الوطني المشترك، خصوصًا بين فصائل المقاومة، بشكل ملحوظ في خلال السنوات الأخيرة، وعكس نفسه على العديد من الملفات في مختلف ساحات العمل والفعل الفلسطيني، فتطور تطورًا لافتًا في الانتخابات المحلية والنقابية والطلابية في الضفة الغربية، وتطور أيضًا في الحراك السياسي الخارجي والجولات الخارجية بمشاركة وفود جماعية للقوى في زيارات للدول والأحزاب الحليفة، وكان الانعكاس واضحًا وبارزًا في تطور العمل الميداني المشترك لمقاتلي المقاومة في ميدان المواجهة في قطاع غزة.
وعلى النسق ذاته، حرص الشهيد إسماعيل هنية دائمًا على عقد لقاءات مع قادة فصائل المقاومة، خاصةً حركة الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، سواء بلقاءات ثنائية أو ثلاثية، كان أبرزها اللقاء الذي جمع إسماعيل هنية بكل من الأمين العام لحركة الجهاد، زياد النخالة، ونائب الأمين العام للجبهة الشعبية، جميل مزهر، في العاصمة التركية إسطنبول، نهاية أبريل/نيسان الماضي، وجرى خلاله بحث ملف الصفقة والتفاوض وسبل إيقاف العدوان على قطاع غزة.
لا يمكن الدفع بأن الاغتيال سيسهم في قطع الطريق أمام استمرار ديناميكيات العمل المشترك بين حماس وقوى المقاومة، خصوصًا في التشاور بخصوص ملف الصفقة أو المواقف الوطنية الكبرى، وإن كان لا يمكن إنكار تأثير حجم تقدير رأس الهرم لأهمية هذه العلاقة، فإنه لا يمكن تجاوز أنه ليس في الإمكان عدّ مثل هذه التوجهات وعلى هذه المستويات توجهاتٍ فردية، بل إنها تعبر عن توجه قيادي مقر تتشكل وفقه محددات العمل الوطني والعلاقات مع الفصائل ومستوياتها وعمقها.
التأثير على التوازن الداخلي في إدارة ملف التفاوض وآليات اتخاذ القرار
نجح الشهيد إسماعيل هنية في عكس الكثير من التوجهات التي يحملها، والتي راكم العديد منها نتيجة الخبرة الطويلة في ميدان العمل السياسي الذي لم ينقطع عنه يومًا، متدرجًا من العمل الجماهيري إلى شتى مستويات العمل السياسي، وصولًا إلى رأس الهرم في حركة حماس، وهي توجهات حوّلها إلى محددات للعمل ضمن صيغ العمل الوطني واستراتيجيات التفاوض وحتى العمل المؤسسي في الحركة وأطرها التي كان له دور بارز في تطويرها والإيمان بجدواها.
العلاقة ما بين مكونات الحركة، خصوصًا ضمان المساهمة التكاملية بين أجنحتها، ما يعني التكامل ووحدة الموقف بين قيادة حماس داخل الأراضي المحتلة وخاصة قطاع غزة من جهة، والقيادة في خارج الأراضي المحتلة من جهة أخرى، خصوصًا في تفاصيل الصفقة وأبعادها، بما يشمل تفاصيل الانسحاب الإسرائيلي وملفات إعادة الاعمار والتفاصيل التي ستنعكس انعكاسًا مباشرًا على حياة سكان قطاع غزة، والتي تدركها بشكل أكثر تفصيلًا قيادة حركة حماس داخل القطاع.
وهذا التوازن في الموقف والتكامل في الشراكة والموقف المفصلي لقيادة الحركة في قطاع غزة في ملف التفاوض، كان واضحًا خلال الفترة السابقة التي كان يقود فيها إسماعيل هنية المكتب السياسي، وفي الشق ذاته إدارة التكامل أيضًا بين موقف الجناح العسكري والمستوى السياسي، بما يجعل المشهد الميداني متكاملًا مع النسق السياسي ومكمّلًا له.
لا يمكن إنكار أن مثل هذه التباينات في المواقف قد سبق وظهرت في تجارب سابقة داخل حركة حماس، خصوصًا في التعامل مع ملف المفاوضات لإنهاء العدوان على غزة عام 2014، وتجلت بشكل أكثر وضوحًا إثر خطاب الناطق باسم كتائب القسام، أبو عبيدة، بعد محاولات اغتيال القائد محمد الضيف في 20 أغسطس/آب 2014، عندما طالب الوفد المفاوض في القاهرة بالانسحاب معلنًا أن “المفاوضات ولدت ميتة”، في الوقت الذي كانت تشارك قيادة حماس السياسية في المفاوضات بالعاصمة المصرية، ما عكس تباينًا واضحًا في الاجتهاد بخصوص الموقف الأنسب ودفع إلى خروج الأمر إلى السطح علانية.
لم تبرز في خلال سنوات قيادة إسماعيل هنية لمكتب حماس السياسي أي ملامح لخلافات بين قيادة الداخل والخارج في الحركة، أو خلافات بين المستويين العسكري والسياسي، والأمر سواءٌ في خلال عمر هذه الحرب، الذي كان واضحًا فيه حجم الانسجام بين الأطر الحركية، والتكامل بين الموقف السياسي والميدان والخطاب العسكري، ما يعني أن حركة حماس استطاعت أن تتجاوز مسببات التباين السابقة وأن تعالجها وتنظمها ضمن إطارها الرسمي والطبيعي، ناهيك بوجود عدد لا بأس به من أعضاء المكتب السياسي من قطاع غزة في الخارج خلال فترة الحرب، وبالتالي مساهمتهم ورأيهم وتأثيرهم كلها حاضرة على الطاولة، ما يعزز من تقليص احتمالات تأثير اغتيال إسماعيل هنية على تكامل وتماسك الموقف الداخلي في الحركة، والموقف من ملف التفاوض على نحو التحديد.
ويمكن القول إنه وبقدر الانعكاسات التي نجح الشهيد إسماعيل هنية في تثبيتها في أسس العمل داخل مؤسسات وأطر حركة حماس، إلا أن البناء المؤسسي للحركة أيضًا قد وصل إلى مرحلة من النضج التي تترجم عبرها التوجهات إلى سياسات حركية تنضبط إليها مؤسسات الحركة وتتبنى فيها استراتيجيتها، وبالتالي فإن ديناميكيات العمل الوطني المشترك في حماس ستبقى مستمرة على النسق ذاته وبالفعالية ذاتها تحت مسؤولية دائرة العلاقات الوطنية التي تدير الملف وفق التوجهات المقرة في المؤسسات الحركية، والأمر سواءٌ في إدارة الملف التفاوضي وتحديد مستويات المرونة والصلابة في المواقف، ما تتولى مهمته لجان فنية تخصصية تحلل وتقدر وتقدم المقترحات التخصصية لقيادة الحركة لإقرارها وتعمل وفق المحددات المرسومة من المستوى السياسي.
وأما عن تأثير الشغور القيادي على حيوية أداء المؤسسات الحركية لعملها وفعلها، ووفقًا لتصريح خاص من قيادي في الحركة إبان اغتيال الاحتلال لنائب رئيس مكتبها السياسي، صالح العاروري، فإن قيادة حماس قد أعدت نفسها للتعامل مع سيناريوهات أصعب من هذا السيناريو، بما في ذلك سيناريو نجاح الاحتلال في اغتيال صف الحركة القيادي الأول كله، وهو سيناريو حاضر ووارد في ضوء انعدام تردد الاحتلال في اللجوء إلى كل أدوات القتل والعدوان في إطار محاولة تحقيق أهدافه من حرب الإبادة.
وبناءً عليه فقد جهزت حماس الصيغ اللازمة للحفاظ على فعالية المؤسسات القيادية وعلى أسس إدارة الملفات الأكثر محورية من عمل الحركة، وفي القلب منها ملف التفاوض والسعي إلى التوصل لاتفاق يوقف العدوان ويلبي طموحات الشعب الفلسطيني.
وكخلاصة، وعلى الرغم من أن غياب شخصية بحجم وتأثير وتاريخية الشهيد إسماعيل هنية ودوره المؤثر في إدارة ملف التفاوض وصعوبة فصل المجرى التفاوضي عن جريمة بهذا الحجم، فإن احتمالات تأثير عملية الاغتيال على مجرى العملية التفاوضية، أو على دفع حركة حماس للانسحاب من مفاوضات صفقة التبادل ووقف إطلاق النار احتمالات محدودة.
إذ تسعى الحركة – وعلى الرغم من إدراكها المحسوم بانعدام جدية نتنياهو في الخوض بالمسار التفاوضي – إلى تجنب تحمّل مسؤولية فشل المفاوضات، وإلى ألّا تضيع أي فرصة قد تسنح لإيقاف العدوان دون المضي فيها، من غير التنازل جوهريًّا عن أي من خطوطها الحمراء في ملف الصفقة، إضافةً إلى الاقتناع بأن المقاومة قد نجحت في قطع شوط مهم وسجلت نقاطًا جوهريةً في إطار انتزاع مطالبها، خصوصًا بعد الفشل المستمر للاحتلال في تحقيق أي اختراق في أهداف رئيس وزراء الاحتلال المعلنة للحرب.
فيما يشكّل البناء المؤسسي لحركة حماس، والذي يتمتع بالمهنية والصلابة، الضمانة الأهم بأن خبرة الشهيد إسماعيل هنية كما خبرة الشهيد صالح العاروري – اللذين نشط كلاهما نشاطًا فعالًا ومكوكيًّا في ملف صفقة شاليط، وفي رسم ملامح الاستراتيجية التفاوضية الحالية – ستكون حاضرة عبر المؤسسات الحركية واللجان الفنية والتخصصية التي تتولى التعامل مع ملف التفاوض وتديره، سواء عبر قنوات التنسيق الوطني والفصائلي، أم عبر إدارة تكتيكات التفاوض والمناورة ومواجهة ألاعيب الاحتلال والتواطؤ الأمريكي.