بعد يومين من افتتاح السفارة الأمريكية في القدس المحتلة والاعتراف بها رسميًا عاصمة لدولة الاحتلال تزامن مع سقوط ما يقرب من 60 شهيدًا فلسطينيًا بأيدي جيش الكيان الصهيوني خلال مسيرات حق العودة السلمية على هامش فعاليات إحياء الذكرى السبعين للنكبة، يعقد العرب والمسلمون اجتماعين طارئين في كل من القاهرة وإسطنبول.
غياب رد الفعل العربي الرسمي حيال التحركات الأمريكية والهمجية الإسرائيلية والاكتفاء ببيانات الإدانة والتعبير عن القلق أثار موجة استنكار عارمة داخل الشارع العربي من المحيط إلى الخليج في الوقت الذي حالت فيه الأنظمة دون تنفيس الشعوب عن غضبها في ظل آلة القمع المسيطرة على معظم الأجواء العربية في الآونة الأخيرة.
ورغم أن موعد افتتاح السفارة كان محددًا سلفًا وترتيبات الحفل معلنة للجميع، فإن أحدًا لم يتحرك حينها واكتفى البعض بانتظار ما يمكن أن ينجم عن هذه التحركات في الوقت الذي يمارس فيه جيش الاحتلال عمليات القتل والتنكيل بالفلسطينيين خلال الأسابيع الماضية دون أن يحرك أحد ساكنًا.
الجامعة العربية تعقد اليوم الخميس اجتماعا طارئا لها في القاهرة بحضور وزراء خارجية الدول الأعضاء لبحث تداعيات التحركات الأمريكية الإسرائيلية الأخيرة ومناقشة كيفية التصدي لها، فيما دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى قمة إسلامية في إسطنبول غدًا الجمعة لمناقشة الملف ذاته.. فهل تسفر تلك الجهود عن جديد؟
اجتماع طارئ للجامعة العربية
يأتي الاجتماع الطارئ (بعد 3 أيام من افتتاح السفارة) لوزراء الخارجية العرب اليوم في القاهرة بناءً على طلب المملكة العربية السعودية بوصفها الرئيس الحاليّ للقمة العربية، وذلك لمناقشة التطورات الأخيرة في فلسطين سواء مخططات تهويد القدس عن طريق نقل السفارة الأمريكية بها أم الممارسات الوحشية الصهيونية ضد الشعب الفلسطيني.
من المنتظر أن يناقش الاجتماع الذي لم تحدد بعد هوية الوزراء المشاركين فيه مسألة الخروج بموقف عربي موحد ضد الجرائم التي يتعرض لها الفلسطينيون خلال الفترة الأخيرة خاصة، حسبما أوضح الأمين العام المساعد للجامعة العربية السفير حسام زكي الذي قال إن اجتماع المندوبين الدائمين ناقش مشروع قرار يدعم الصمود الفلسطيني ويرفض القرار الأمريكي بشأن القدس.
زكي خلال مؤتمر صحفي له أمس الأربعاء مع كل من السفير السعودي لدى مصر ومندوبها الدائم بالجامعة العربية أسامة نقلي، وسفير فلسطين لدى مصر ومندوبها الدائم بالجامعة العربية دياب اللوح، كشف أن الاجتماع سيتضمن موقفًا عربيًا قويًا عبرت عنه القمة العربية الأخير في الظهران بالمملكة العربية السعودية ( 15 من أبريل/نيسان الماضي).
تعليق الآمال على موقف عربي أو إسلامي موحد قادر على تغيير الوضع ميدانيًا أمر مستعبد في ظل هرولة الكثير من الدول التي تتتشدق بالقضية الفلسطينية هذه الأيام نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني
وإن لم يعط الأمين العام المساعد للجامعة العربية أي تفاصيل بشأن مشروع القرار المزمع اتخاذه اليوم إلا أنه وعلى حد وصفه قال إنه سيمثل أقصى المواقف السياسية التي يمكن أن يتخذها مجلس الجامعة العربية في دعمه للصمود الفلسطيني ورفضه للقرار الأمريكي.
يذكر أنه أمس الأربعاء عقد اجتماع عاجل للمندوبين الدائمين في الجامعة العربية، تمهيدًا لقمة اليوم، حيث قال سفير السعودية إن الاجتماع ناقش موضوعين، الأول افتتاح السفارة الأمريكية في القدس، والثاني التصعيد الأخير ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، كما تضمن تكليفًا من مجلس الجامعة العربية للأمانة العامة بإعداد خطة تحرك عربية للتعامل مع القرار الأمريكي.
اجتماع لوزراء الخارجية العرب يبحث سبل مواجهة التحركات الأمريكية
قمة إسطنبول
وبالتوازي مع اجتماع الجامعة العربية، أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أمس الأربعاء، عددًا من الاتصالات الهاتفية مع بعض زعماء الدول العربية والمسلمين في مقدمتهم أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، والرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو، ونظيره السوداني عمر البشير، والإيراني حسن روحاني، لبحث ترتيبات عقد قمة إسلامية طارئة في إسطنبول غدًا الجمعة.
الاتصالات – وفق مصادر في الرئاسة التركية – ناقشت مع عدد من قادة منظمة التعاون الإسلامي كيفية التصدي للقرار الأمريكي، فيما أكدوا ضرورة ألا يبقى المجتمع الدولي صامتًا إزاء الانتهاكات بحق الفلسطينيين، وشددوا على أهمية اتخاذ أعضاء المنظمة موقفًا حازمًا ومشتركًا إزاء الأحداث الأخيرة في فلسطين.
الرئيس التركي خلال كلمة له عقب مأدبة إفطار رمضانية لأسر الشهداء في العاصمة أنقرة أمس قال “لن نسمح قط بأن تغتصب مدينة القدس من قبل إسرائيل”، مبينًا أن أن العالم يواجه جريمة كبيرة ضد الإنسانية في فلسطين، مشيرًا أن بلاده “لن ترضى عن ظلم “إسرائيل” حتى لو أغمض العالم عيناه عما يحصل هناك”.
السفير أحمد محمود الدبلوماسي السابق بالخارجية المصرية، يرى أن اجتماع اليوم سيكون لتسجيل موقف ليس أكثر، لافتًا إلى أن المجتمعين لن يتمكنوا من الخروج بنتائج أكبر
كما حذر من أن الصمت عن الممارسات التي وصفها بـ”الوقحة وغير الإنسانية” لدولة الاحتلال ستتسبب في فتح باب خطيرة للغاية، كاشفًا أن نقل الولايات المتحدة الأمريكية سفارتها من تل أبيب إلى القدس دون الاكتراث بقرارات الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية، زاد الحكومة الإسرائيلية غطرسة.
أردوغان انتقد صمت المجتمع الدولي خاصة الأمم المتحدة إزاء ما يحدث للفلسطينيين، قائلًا: “الأمم المتحدة منتهية ومستهلكة ومنهارة أمام هذه الأحداث، وحاليًّا لا نستطيع التواصل مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش”، مضيفًا “لو أنّ ما تمارسه “إسرائيل” ضد الفلسطينيين حدث في مكان آخر بالعالم لقامت المنظمات الدولية والدول ولم تقعد، إلا أنّه مع الأسف قوبل بلا مبالاة كبيرة”، محذرًا أنه في حال الصمت أكثر على الطغيان الإسرائيلي فإن العالم سينجر بسرعة إلى فوضى يسودها قطّاع الطرق.
ممثلو دول منظمة التعاون الإسلامي، بالأمم المتحدة، أدانوا بدورهم التحرك الأمريكي الأخير في القدس والاعتداءات الصهيونية ضد العزل من الفلسطينيين، وذلك خلال اجتماع عقد أمس لتناول آخر تطورات الشأن الفلسطيني، تناول الخطوات التي من الممكن اتخاذها حيال هذه التطورات داخل الأمم المتحدة خلال الأيام المقبلة.
أثار قرار ترامب حالة من الغضب في الشارع العربي
ما الجديد؟
عقد قمتين طارئتين منفصلتين في كل من القاهرة وإسطنبول كان التعليق الأول الذي ساقه بعض أنصار الفريق المؤيد لفشل مثل هذه التحركات في اتخاذ أي قرارات قادرة على تغيير الوضع الحاليّ، متسائلين: إن كانت هناك نوايا صادقة حقًا في تبني موقفًا قويًا تجاه التحركات الأمريكية والصهيونية فلماذا لا يعقد اجتماع واحد يضم ممثلي الدول العربية (الجامعة العربية) وممثلي الدول الإسلامية (منظمة التعاون الإسلامي) ويكون القرار المتخذ ملزمًا للجميع بما يقدم صورة أكثر قوة للدول العربية والإسلامية في موقفها من القضية الفلسطينية؟
البعض ذهب في تفسيره لعقد قمتين لا يفصل بينهما سوى 24 ساعة إلى صراع النفوذ بين القاهرة والرياض من جانب وأنقرة من جانب آخر، حتى لو كان الاجتماعان بناءً على دعوة منظمة إقليمية لها كيانها التنظيمي، الجامعة والمنظمة، علمًا بأنها ليست المرة الأولى التي يتكرر فيها هذا الموقف.
أردوغان: لو أنّ ما تمارسه “إسرائيل” ضد الفلسطينيين حدث في مكان آخر بالعالم لقامت المنظمات الدولية والدول ولم تقعد، إلا أنه مع الأسف قوبل بلا مبالاة كبيرة
في 13 من ديسمبر/كانون الأول 2017، دعا قادة الدول الإسلامية العالم إلى الاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية، وذلك ردًا على القرار الأمريكي بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”، وقال القادة في بيان لهم في ختام قمة منظمة التعاون الإسلامي في إسطنبول: “نعلن القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين وندعو الدول إلى أن تعترف بدولة فلسطين وبالقدس الشرقية المحتلة عاصمة لها”.
البيان حينها أكد أن الزعماء يعتبرون قرار واشنطن الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” مؤشرًا على انسحاب الولايات المتحدة من دورها كراع للسلام في الشرق الأوسط، ووصفت القرار الأمريكي بأنه “تقويض متعمد لجميع جهود السلام وقوة دافعة للتطرف والإرهاب وتهديد للسلم والأمن الدوليين”، وبعد مرور 6 أشهر على هذه القمة يبقى السؤال: ماذا تحقق منها؟ وهل أسفرت عن جديد يجبر ترامب على التراجع عن قراره؟
المؤشرات العامة تذهب إلى أن ما سيحدث في قمة الغد لن يختلف كثيرًا عما حدث في قمة ديسمبر/كانون الأول، فالإدانة والشجب والاستنكار والرفض الدبلوماسي النتائج المتوقعة، خاصة في ظل حالة الانقسام التي تشهدها الأجواء العربية والإسلامية، ويكفي الإشارة إلى أن الرئيس الفلسطيني نفسه لن يشارك في تلك القمة على عكس القمة السابقة ويكتفي بإيفاد رئيس الحكومة رامي الحمد الله.
وفي المقابل لم يعول الكثيرون على اجتماع الجامعة العربية، كونه لن يضيف جديدًا، بحسب السفير أحمد محمود الدبلوماسي السابق بالخارجية المصرية الذي يرى أن اجتماع اليوم سيكون لتسجيل موقف ليس أكثر، لافتًا إلى أن المجتمعين لن يتمكنوا من الخروج بنتائج أكبر.
محمود في تصريحات له لوكالة “سبوتنيك” أوضح أن الدول التي ستلبي اجتماع الجامعة العربية غير العادي، من المتوقع أن تسجل رفضها لنقل السفارة الأمريكية للقدس، وستتطرق لقتل عشرات الفلسطينيين في مسيرة العودة الكبرى، وتطالب “إسرائيل” بوقف عمليات القتل، ولن تكون هناك إجراءات أكثر.
وعلى عكس ما تردد بشأن عقد هذا الاجتماع بطلب سعودي، لفت الدبلوماسي المصري السابق إلى أن الاجتماع هذه المرة – غير العادي – لم يكن بطلب من المملكة العربية السعودية كما يشاع، ولكنه بناء على طلب مندوب فلسطين لدى الجامعة العربية، وتزكية من دولتين عربيتين، ولكن السعودية يتم استطلاع رأيها والحصول على موافقتها، باعتبارها الرئيس في الدورة الحاليّة للجامعة العربية.
تعليق الآمال على موقف عربي أو إسلامي موحد قادر على تغيير الوضع ميدانيًا أمر مستعبد في ظل هرولة الكثير من الدول التي تتتشدق بالقضية الفلسطينية هذه الأيام نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني وبناء علاقات غير مسبوقة مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تسير في معظمها نحو تفعيل ما أطلق عليه “صفقة القرن” وهي الخطة التي أعلن بعض زعماء العرب موافقتهم عليها بصورة كاملة.
آخرون يرون أن تبني مواقف فردية قد يكون ورقة الضغط الوحيدة في أيدي بعض الدول، كما فعلت تركيا ومعها جنوب إفريقيا من سحب لسفيريهما في واشنطن وتل أبيب تنديدًا بالمجازر الأخيرة وقرار نقل السفارة، علمًا بأن هناك أوراق ضغط أخرى يمكن للعرب والمسلمين العزف عليها حال توفرت الإرادة لذلك، بعيدًا عن الأوراق السياسية كقطع العلاقات أو تجميدها، ويكفي الإشارة إلى أن ما يزيد على 2400 مليار دولار إجمالي حجم الاستثمارات العربية والخليجية في الخارج تستحوذ أمريكا على النصيب الأكبر منها.