رمضان ليبيا على وقع الحرب والانقسام

يستقبل الليبيون رمضانهم الثامن بعد ثورة فبراير 2011 التي أطاحت بنظام معمر القذافي، على وقع حرب مشتعلة في عديد من مناطق البلاد، وعنف وفوضى في أغلب المدن والقرى، ما ينغّص فرحتهم بهذا الشهر الفضيل.
حرب وفوضى فاقمت أزمة الليبيين المتواصلة منذ سنوات، فكانت سببًا في ارتفاع أسعار المواد الأساسية، وغياب بعضها عن الأسواق، ونقص في السيولة المالية عن البنوك في أغلب مناطق البلاد، لا سيما النائية منها.
حرب وعنف
رغم دخول أولى أيام شهر رمضان الكريم ودعوات التهدئة الصادرة عن جهات محلية ودولية عديدة، تتواصل المعارك في مدينتي درنة وسبها الليبيتين بين الفصائل المسلحة، معارك كانت سببًا في مضاعفة المعاناة الإنسانية لسكان هذه المدن وما جاورها.
ففي درنة تواصل قوات الكرامة التابعة للواء المتقاعد خليفة حفتر ووجهات أخرى تدعمه، كالحكومة المصرية والإماراتية، عملياتها العسكرية، البرية والجوية، لدخول المدينة التي يحاصرها منذ ثلاث سنوات، رغم الرفض الشعبي والرسمي لهذه الخطوة لما يمكن أن تشكله من خطورة على حياة عشرات الآلاف من المدنيين في المدينة.
العنف والاشتباكات لم يقتصر على مدينتي سبها ودرنة فقط، بل امتد إلى مناطق أخرى في البلاد
وتدير قوات حفتر نقاط تفتيش في مداخل المدينة، ما يحد بشدة من قدرة المدنيين على مغادرة المدينة ودخولها، ويصعّب دخول المواد الغذائية إليها ومساعدة المستشفيات وتزويدها بالمواد الطبية الضرورية، ويقلّص فرص استقدام الوقود اللازم لها.
أما في مدينة سبها جنوب البلاد، فتتواصل المواجهات المتقطعة بين كتائب قبائل التبو المستعينة بمرتزقة أفارقة خاصة من القوات التشادية والسودانية المتمرّدة، وقبيلة أولاد سليمان الموالية لحكومة الوفاق، مما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، ونزوح العشرات من العائلات من المدينة التي أعلن مركزها الطبي حالة الطوارئ القصوى، مناشدًا جميع العناصر الطبية والشبه طبية المساعدة بضرورة الحضور والالتزام والالتحاق بأعمالهم.
أعمال العنف تؤرق الليبيين
العنف والاشتباكات لم يقتصر على مدينتي سبها ودرنة فقط، بل امتد إلى مناطق أخرى في البلاد، ما أجبر السلطات الأمنية على اتخاذ إجراءات استثنائية بمناسبة هذا الشهر الكريم، وفي هذا الشأن رفعت مديريات طرابلس وسرت وطبرق حالة التأهب طيلة رمضان، وكانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين قد أكّدت في شهر أبريل/نيسان الماضي، أن مليونًا ومئة ألف ليبي في حاجة لمساعدات إنسانية مؤكدة حاجتها إلى 85 مليون دولار للاهتمام بهم، وبحسب إحصاءات المنظمة في الشهرين الأخيرين هناك أكثر من 165 ألف نازح داخل ليبيا في حين تمكن 341 ألف ليبي من العودة إلى منازلهم.
نقص في السيولة
هذه الأزمة كانت سببًا في تواصل معاناة قرابة المليونين موظف حكومي في ليبيا، من تأخر صرف رواتبهم للشهر الرابع على التوالي خلال العام الحاليّ، نتيجة نقص في السيولة، ويضطر كثير من الليبيين للوقوف في طوابير طويلة لساعات عدّة عند البنوك للحصول على أموال وسط شح في الأوراق النقدية، ولا يمكن للمواطن الليبي سحب أكثر من 300 دينار وهو السقف الأقصى للسحب الذي وضعته المصارف بسبب غياب السيولة، ولا يكفي هذا المبلغ وفقًا لعديد من الليبيين، مصاريف يوم واحد بالنسبة إلى بعض الأسر التي تعوّدت على سقف أعلى من الاستهلاك، خاصة مع الانخفاض الكبير لقيمة الدينار بين 2011 و2018.
فضلاً عن نقص السيولة، تسبّبت أحداث الفوضى والعنف والانقسام في ارتفاع أسعار المواد الغذائية في البلاد
وتحولت العديد من المحلات والفضاءات التجارية الكبرى، نتيجة تأخر صرف المرتبات والنقص الحاد في السيولة النقدية، إلى التعامل بالبطاقات الإلكترونية أو عن طريق الشيكات المصرفية عوضًا عن التعامل النقدي، وأيضًا البيع بالتقسيط حتى تساهم في إيجاد حل للمواطنين في هذا الشهر الفضيل.
وتنفق ليبيا سنويًا 30 مليار دولار لتغطية الإنفاق العام من دعم ورواتب ونفقات حكومية، ويشكل عدد العاملين في القطاع الحكومي نحو 25% من سكان ليبيا، ويبلغ الحد الأدنى للأجور للفرد الواحد 450 دينارًا (321 دولارًا)، حسب بيانات رسمية.
ولا تزال الإيرادات غير النفطية من الضرائب والجمارك متدنية منذ عام 2011، إذ قال مصرف ليبيا المركزي في تقرير حديث إن إيرادات الجمارك خلال عام 2017 بلغت نحو 164 مليون دينار، بينما الإيرادات المقدرة تبلغ نحو 250 مليون دينار، فيما لم تصل بعد الإيرادات النفطية إلى المستويات المنتظرة نتيجة تذبذب الإنتاج.
ارتفاع الأسعار
فضلاً عن نقص السيولة، تسبّبت أحداث الفوضى والعنف والانقسام في ارتفاع أسعار المواد الغذائية في البلاد، ما استوجب اعتماد سياسة التقشف عند بعض العائلات متوسطة الدخل وتغيير عاداتها في الإنفاق والتأقلم مع الظروف الجديدة هذه الأيام، حتى تكفي الأموال إلى نهاية الشهر.
وبلغ سعر كيلو البطاطس 3 دينارات ليبية (2.21 دولار)، في حين وصل سعر الطماطم إلى 4 دينارات (2.94 دولار)، أما البقوليات فقد ارتفعت بنسبة بسيطة، أما اللحوم الحمراء فقد بلغ سعر الكيلو للحم الخروف 45 دينارًا (33 دولارًا)، والبقر 30 دينارًا (22 دولارًا)، أما كيلو لحم الدجاج فقد بلغ 25 دينارًا (18.4 دولار).
تعاني ليبيا من نقص كبير في السيولة المالية
ويعود سبب ارتفاع الأسعار، للأوضاع الأمنية التي عطلت عمليات التوريد باعتبار أن ليبيا تعتمد في نسبة كبيرة من استهلاكها المحلي على التوريد من الخارج، كما أن عمليات التهريب التي تتم للسلع المدعمة تساهم بشكل كبير في زيادة الأسعار، بالإضافة إلى أن العديد من التجار بسبب الأنانية المفرطة يستغلون شح بعض المواد لرفع أسعارها باعتبارهم يرون بعض المناسبات فرصة للربح السريع.
وما زاد من حدة هذه الأزمة على مستوى المواد الاستهلاكية، عجز صندوق موازنة الأسعار عن توريد المواد الغذائية خلال رمضان والمساهمة في توفيرها للأسواق والمستهلكين، نتيجة عدم فتح اعتماد من مصرف ليبيا المركزي للصندوق.
وصندوق موازنة الأسعار هو صندوق حكومي تأسس من أجل تحقيق استقرار في أسعار السلع والخدمات، وتوفيرها بتكلفة مناسبة لجميع المواطنين، وتحدد السلع والخدمات التي يوفرها الصندوق أو يلتزم بموازنة أسعارها بقرار من الوزارات المختصة.
يمثّل استمرار الأزمات السياسية في البلاد، وتواصل العنف والفوضى بيئة خصبة لمزيد من تدهور الأوضاع الإنسانية في ليبيا
وعرفت الأسواق الليبية، قبيل شهر رمضان ركودًا كبيرًا على غير المعتاد، نتيجة ارتفاع الأسعار وانخفاض سعر صرف الدولار الأمريكي واحتكار بعض التجار على بيع السلع المدعومة، وأصبح الليبيون في السنوات الأخيرة، من بين الأضعف على مستوى القدرة الشرائية والاستهلاكية بسبب انهيار الوضع الاقتصادي وارتفاع أسعار المواد الأساسية.
حملات مقاطعة
أمام هذا الارتفاع الكبير في الأسعار، أطلق عديد من الليبيين حملات مقاطعة لعدد من السلع الغذائية، اعتراضًا على الارتفاع المتواصل لأسعارها، وأطلقوا خلال الفترة الماضية حملات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، دعوا فيها المواطنين إلى مقاطعة شراء عدد من السلع الأساسية والضرورية، مثل المواد الغذائية بأنواعها كافة واللحوم والأسماك والدواجن والبيض وغيرها.
وانتشر، منذ نهاية الأسبوع الماضي، هاشتاغ جديد على مواقع التواصل الاجتماعي “#خلو_الحليب_عندكم“، يدعو إلى مقاطعة الحليب المعلّب، وطالبت تغريدات من المواطنين الليبيين مقاطعة شراء الحليب، للضغط على شركات إنتاجه في ليبيا وإجبارها على تخفيض سعره، وكتب ناشط ليبي يدعى عمر على حسابه الخاص في موقع توتير: “من يوم فطمتني أمي معاش شربت حليب، مع هذا خلوه عندكم”.
#خلو_الحليب_عندكم
من يوم فطمتني امي معاش شربت حليب 😹
مع هذا خلوه عندكم— ⭕mar | ⵄⵓⵎⴰⵔ (@OmarBogdadi) May 10, 2018
وطالب الليبيون بأن تتماشى أسعار منتجات الحليب مع القدرة الشرائية للمواطن الليبي، معتبرين أن حملة مقاطعة منتجات شركة الحليب هي “سلوك حضاري لا يقدم عليه سوى المواطن الواعي الذي يبادر لإحداث التغيير“.
ويمثّل استمرار الأزمات السياسية في البلاد، وتواصل العنف والفوضى بيئة خصبة لمزيد من تدهور الأوضاع الإنسانية في ليبيا، وتراجع الأوضاع الاقتصادية وما يصاحبها من تداعيات على الأوضاع المعيشية للمواطن الليبي خاصة في شهر رمضان الكريم.