يعدّ شهر رمضان من أكثر شهور سنة ومواسمها أهميةً في عالم الإعلان والدعايات، فما أنْ يقترب حضوره حتى وتنهال الإعلانات التجارية بكثافة في منصاتٍ عديدة سواء في القنوات التلفزيونية أو مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، حيث يُدرك المُعلنون وأصحاب العلامات التجارية والشركات أنّ كثافة المُشاهدة خلال هذا الوقت من العام، تضمن لهم سرعة انتشار الرسالة الإعلانية للعلامة التجارية المُعلن عنها بشكلٍ أكبر من أي وقتٍ آخر، وبالتالي فيعتبرون الإعلان خلال رمضان فرصةً كبيرة لا يجب تفويتها أبدًا.
وما أنْ يبدأ رمضان حتى يتسارع المستهلكون متزاحمين بشكلٍ أكبر من أيّ وقتٍ من العام لامتلاك ما يجدونه أمامهم من منتجاتٍ تجارية، سواء على مستوى الطعام والشراب، أو على مستوى الملابس والزينة وما إلى ذلك. بطريقةٍ تُظهر بوضوحٍ تامٍّ أن روح رمضان قد اختُطفت من قبل الرأسمالية ومؤسساتها الاستهلاكية.
ولا يتوقّف الأمر عند هذا الحدّ وحسب، بل أنّ العديد من العلامات التجارية تجعل من رمضان وصومه وما يتعلّق به من طقوس وعبادات، فكرةً رئيسية تساعد في الترويج وتضمن لفت أنظار المشاهدين، الذين يلجؤون بشكلٍ عام خلال ساعات صيامهم وما بعدها لمشاهدة التلفاز أو متابعة مواقع الإنترنت بهدف تضييع الوقت والتخفيف عن أنفسهم عناء الصوم.
فمما لا شكّ فيه أنّ المناسبات الدينية والطقوس الاجتماعية تمثّل عاملًا مهمًّا في تشجيع المستهلِك على شراء المُنتَج المروَّج له، خاصة إذا تحوّل ذلك المُنتَج مع الوقت إلى عاداتٍ راسخة تتكرّر في كلّ مناسبة وفي وقتٍ معيّن من السنة أو حتى في حال كانَ جزءًا لا يتجزأ من الطقس الدينيّ؛ خذ على سبيل المثال عصير قمر الدين أو عصير فيمتو كمثال على الحالة الأولى، والتمر كمثال على الحالة الثانية.
العديد من العلامات التجارية تجعل من رمضان وصومه وما يتعلّق به من طقوس وعبادات، فكرةً رئيسية تساعد في الترويج وتضمن لفت أنظار المشاهدين
وبصفتهما جزءًا لا يتجزأ من الأجواء الرمضانية المعتادية؛ سواء كجزءٍ دينيّ أو عُرفيّ مُتعارف عليه اجتماعيًا، فقد باتا يشكّلان عادةً راسخة في رمضان، وبالتالي فليس من الغريب أبدًا أنْ تنشط الإعلانات والدعايات المتعلقة بهما خلال الشهر، في سياقٍ دينيّ يتخذ من العبادات فكرةً مركزيةً له.
كما تحاول العلامات التجارية في الوقت ذاته استغلال هذا الوقت من السنة، بوصفه فرصةً لتوطيد العلاقات الاجتماعيّة واللقاءات الأسريّة سواء على وجبة الفطور أو ما بعدها، للترويج لمنتجاتها بكونها جزءًا مهمًّا من تلك اللقاءات والجَمعات، أو حتى بوصفها هي التي تجمعهم حول مائدة الإفطار وتثري بدورها لقاءاتهم.
ولا عجب أنْ تستخدم تلك الإعلانات والدعايات العبادات أو الشعائر المختلفة كالصلاة أو الحجاب أو صلة الرحم كوسيلةٍ للفتِ انتباه المشاهدين وجذب اهتمامهم للمُنتج، فتارةً ما ترى فتاةً محجبة تظهر في إعلانٍ ما لأوّل مرة فقط لمناسبة ظهور الحجاب مع شهر رمضان، وبمجرّد انتهاء الشهر تعود الشركة لإعلانٍ سابق يختفي فيه الحجاب أو سجادة الصلاة أو المسبحة وما إلى ذلك.
ومن خلال استخدامها للموسيقى، بكونها واحدة من أكثر الأدوات الإبداعية الأكثر فعالية في التأثير على المشاهِد، تحاول تلك الإعلانات إثارة استجابة فورية في الجمهور، لا سيّما إذا كانت الموسيقى مألوفة ومحبوبة، وترتبط بمشاعر قوية مثل التآلف والحبّ من جهة، أو في حال كانت مرتبطة ارتباطًا مباشرًا بالطقس الدينيّ نفسه. خذ على سبيل المثال هذا الإعلان التركيّ لشركة كوكا كولا في شهر رمضان، وكيف قامت الشركة باستخدام الموسيقى الصوفيّة في بدايته لارتباطها ارتباطًا عميقًا بالخلفية الدينية للشعب التركيّ.
أو لاحظ أيضًا كيف حوّلت شركة ماكدونالدز من السحور الرمضانيّ كمادةٍ صالحة للترويج لمنتجاتها، مستخدمةً بالأساس فكرة العائلة واجتماعها، أو الحنين لها ولكبار السن كنوعٍ من النوستالجيا في هذا الطقس الدينيّ. كما عملت الشركة نفسها في إحدى حمَلاتها الإعلانية على فكرةٍ لصنع فانوسٍ رمضانيٍّ خاص بالمنتج من خلال العلبة التي تُقدّم فيها الوجبة.
ولا يتوقف الأمر عند الأطعمة والمشروبات وحسب، بل إنّ العديد من العلامات التجارية لشركات الألبسة أو الأحذية، تستغل رمضان أيضًا، بوصفه شهرًا مميزًا في السنة، للتسويق لمنتجاتها التي تلائمه بشكلٍ خاص، باعتبار أنّ غيرها من المنتجات غير مناسبة له. وربما يكون العنصر الأنثوي هو العنصر الأكثر استهدافًا في هذا الجانب، من خلال الترويج للملابس “المحتشمة” التي تتلاءم مع أجواء رمضان الروحانية على خلاف غيره من أشهر السنة المتبقية، فيمتلئ السوق بملابس الصلاة أو الألبسة الطويلة أو تلك المزخرفة بزخارف إسلامية أو عربية، وغيرها من الأمثلة العديدة.
وبالمحصلة؛ لا شكّ أنّ الرأسمالية استطاعت اختراق روح رمضان والعديد من الطقوس الدينية ببثها لثقافة الاستهلاك وتحفيز الجماهير على امتلاك المنتجات العديدة من خلال الترويج لها بوصفها جزءًا لا يتجزأ من رمضان، أو كما لو أنّ الصيام وما يرافقه من إفطار أو سحور لا يتمّ من دونها أو لا يكتمل جوّه بغيابها.