على غرار أغلب الدول الإسلامية، استقبل الجزائريون أمس الخميس شهر رمضان الكريم، شهر يخصّصه أهل الجزائر للعبادة والاحتفال والتضامن، لما فيه من خير كثير. ففيه تمتلئ المساجد بالمصلين، ويسارع الجزائريون لمساعدة المساكين، دون أن يغفلوا عن الاحتفال بهذا الشهر الفضيل.
احتفال بقدومه
احتفال أهل الجزائر بشهر رمضان يبدأ قبل قدومه بأيام، ففي الأيام العشرة التي تسبقه من شهر شعبان تبدأ الاستعدادات والاحتفالات، وذلك بتجديد مستلزمات المطبخ، وتهيئة المنزل من خلال تنظيفه بالماء والورد واقتناء كل المستلزمات الضرورية للاستمتاع بأجواء شهر الصيام.
وقد ورث الجزائريّون عادة شراء أوان جديدة منذ القدم، تفاؤلاً برمضان، وتحرص النسوة على شراء قدور طهي جديدة تستخدم لإعداد الطبق الرئيسي على مائدة رمضان، والتي غالباً ما تكون مصنوعة من الفخار. وتحتفظ عديد الأسر بعادات خاصة، كتحضير الفلفل الحار أو “المخلل”، وهو فلفل يضاف إليه الخل والثوم والملح ويوضع في عبوة خاصة، ويحضر يوميّاً على مائدة الإفطار.
تعمل العائلات الجزائرية على تهيئة الاطفال الذين سيصومون لأول مرة بشكل خاص
وخلال الأيام التي تسبق رمضان، تزدهر أسواق التوابل في الجزائر، وتعتبر التوابل أساسية لمختلف الأطباق خلال شهر رمضان، إذ تضيف إليها نكهة خاصة. غير أن العديد من العائلات تُفضّل تحضيرها في البيوت بطريقة تقليدية.
فضلا عن ذلك، تبدأ بعض الجمعيات الخيرية في تنظيف الأحياء والمساجد استعداداً لاستقبال المصلين. وتستقدم المساجد القرّاء المميّزون. ويستعدّ أصحاب المقاهي للشهر الفضيل الذي تتغير فيه ساعات العمل، وتبدأ مع آذان صلاة المغرب أي مع موعد الإفطار مباشرة وحتى موعد الإمساك.
السفرة الجزائرية في رمضان
كما تعمل العائلات على تهيئة الاطفال الذين سيصومون لأول مرة، إذ يمثل صوم الطفل في التقاليد الجزائرية انتقاله من مرحلة الطفولة إلى مرحلة النضج والإدراك، ولذا يسعى الأهل إلى إشعار أبنائهم بأهمية الصيام لأول مرة في حياتهم، وتمرينهم وتعويدهم على الصبر عن الطعام والشراب، ليتم ذلك في إطار احتفالي.
“قعدة” و “بوقالات”
الاحتفالات لا تقتصر على الأيام التي تسبق قدوم رمضان فقط، بل خلاله أيضًا. فما يميز هذا الشهر عن غيره كثرة التزاور بين العائلات، والسمر وتجاذب أطراف الحديث حول صينية الشاي والقهوة والحلويات التقليدية، ما يعطي هذه السهرات التي تسمى “القعدة” نكهة خاصة تجعلها تختلف عن غيرها من سهرات الأيام العادية الأخرى.
في ليالي رمضان يستمتع الجزائريون بالحفلات الفنية
ومن مظاهر الاحتفال أيضًا، ما يسمى بـ “البوقالات” أو “الفال”، وهي عبارة عن تجمع للنساء والفتيات طيلة سهرات رمضان في حلقات يستمعن فيها لمختلف الحكم والأمثال الشعبية ساعيات إلى معرفة مصيرهن من خلال ما تحمله هذه الأخيرة من نظرة تفاؤلية.
إلى جانب السهرات في البيت، يكون الجزائريون طوال شهر رمضان على موعد مع عشرات الحفلات الفنية في مختلف الفضاءات الثقافية، فخلال هذا الشهر الفضيل يحرص الديوان الوطني للثقافة والإعلام على تنظيم الحفلات طربية وأندلسية وشعبية للترويح على الناس بعد تعب الصيام.
تضامن اجتماعي
تستغل الجزائر على المستوى الشعبي والرسمي هذا الشهر الفضيل للتأكيد على التضامن الاجتماعي بين الجزائريين، حيث توزع المساعدات على الأسر الفقيرة وتنظيم قوافل تضامنية تقدم هدايا ومبالغ من المال للمحتاجين، ليكون رمضان بذلك شهر التكافل الاجتماعي والإنساني بين عموم الجزائريين في مختلف أنحاء البلاد.
وتتكفل جمعية الهلال الأحمر الجزائري، وعديد الجمعيات الخيرية الأخرى، بإقامة موائد الرحمة للفقراء والمساكين وعابري السبيل الذين يتعذر عليهم الافطار في الجو الأسري المفترض في مثل هذه المناسبة الدينية.
كما تحرص هذه الجمعيات الخيرية طيلة الشهر على معاضدة جهود الدولة، بتوزيع قفة رمضان، وهي عبارة عن مساعدات اجتماعية تتضمن بعض المستلزمات والمواد الغذائية لمساعدة العائلات الفقيرة على تحضير إفطارها الرمضاني، على بعض المواد الأساسية كالدقيق والسكر والقهوة والأرز والحبوب الجافة وزيت الطاولة ومسحوق الحليب، وغيرها من المواد الغذائية الأساسية.
تقام الأسواق التضامنية، حسب السلطات الجزائرية، بهدف كسر الاحتكار وحماية القدرة الشرائية للمواطن
وتخصص السلطات الجزائرية، كل سنة، ميزانية هامة لهذه العملية، إذ تحصي العائلات المستهدفة وتحددها، ليتم بعدها توزيع المساعدات عليها في شهر الصيام. وعادة ما تتكون هذه القفة من مواد غذائية ومستلزمات الشهر الفضيل، ويقدر ثمنها بحوالي 5000 دينار جزائري (قرابة 50 دولارًا)، بحسب جهات رسمية.
ومن مظاهر التكافل الاجتماعي، فتح السلطات لأسواق تضامنية في العاصمة لمختلف المواد الغذائية، لمساعدة مختلف الفئات على اقتناء مختلف السلع والمواد الغذائية والخضر والفواكه واللحوم وكذا الأجبان بأثمان تنافسية وفي متناول الجميع، وتوزع هذه الفضاءات على مستوى بلديات براقي وبئر توتة والرويبة وباب الزوار.
وتقام هذه الأسواق، حسب السلطات الجزائرية، بهدف كسر الاحتكار وحماية القدرة الشرائية للمواطن، حيث يبيع التجار المشاركين من المستوردين والمنتجين والممونين سلعهم مباشرة للمستهلك دون وساطة، وتعرض فيها المنتجات الغذائية واسعة الطلب خلال الشهر الكريم، على غرار دعمها بالخضراوات والفواكه واللحوم، إضافة إلى البقول والعصائر والحليب ومشتقاته والبيض والفواكه الجافة والفرينة والدقيق وغيرها من المنتجات المحلية.
مساجد عامرة
يمثل شهر رمضان، شهر عبادة بالأساس، لذلك يقبل الجزائريون على المساجد بكثرة لأداء صلاة التراويح، حيث يصلونها ثماني ركعات، وأحيانًا عشر ركعات؛ يقرأ الإمام فيها جزءًا كاملاً من القرآن الكريم، أو جزءًا ونصف جزء، ويتم ختم المصحف عادة ليلة السابع والعشرين، وفي الليالي التالية يبدؤون بالقراءة في صلاة التراويح من أول المصحف.
طيلة شهر رمضان تمتلئ مساجد الجزائر بالمصلين
ويبلغ عدد المساجد في الجزائر، حسب إحصاءات رسمية حاليًا، أكثر من 15 ألف مسجد، إلى جانب 5 آلاف في طور الإنجاز، وأغلبها تم بناؤها في حملات تطوعية للسكان، فيما تتولى الحكومة تسييرها ودفع أجور موظفيها من أئمة وخطباء الجمعة وغيرهم.
وتشهد مساجد البلاد طيلة هذا الشهر الفضيل، اقبال الجزائريين للاستماع إلى الدروس الفقهية، وحضور حلقات تحفيظ القرآن ومجالس الذكر والوعظ الديني والمحاضرات، والمسابقات الدينية، تقربًا إلى الخالق العظيم ورغبة ورهبة في لقائه سبحانه وتعالى. وقبل موعد الأذان بقليل تصدح المآذن بتلاوات خاشعة للقرآن.