ترجمة وتحرير: نون بوست
تحذير: يحتوي هذا المقال على صور ووصف مفصل لعمليات التعذيب.
الرجل نحيف البنية، شعر رأسه محلوق لكن لحيته ممتلئة، عارٍ باستثناء الأصفاد التي تقيد معصميه في غرفة مشرقة بشكل سريري.
هذه الصورة هي الأولى التي تُنشر لمعتقل في “الحرب على الإرهاب” في موقع أسود تابع لوكالة المخابرات المركزية. الرجل الذي ينظر إلى الكاميرا هو عمار البلوشي، أحد خمسة رجال في معتقل غوانتانامو متهمين من قبل الحكومة الأمريكية بالتخطيط لهجمات 11 سبتمبر. (أعلن البنتاغون يوم الأربعاء أن ثلاثة من الرجال الخمسة، باستثناء البلوشي، وافقوا على الإقرار بالذنب في جميع التهم لتجنب عقوبات الإعدام المحتملة). تم القبض على البلوشي لأول مرة في كراتشي، باكستان، في أبريل 2003 ثم تم نقله سرًا بين خمسة مواقع سوداء من أيار/مايو 2003 إلى أيلول/سبتمبر 2006. منذ ذلك الحين، تم احتجازه في غوانتانامو، على الرغم من أنه لم يُدان بأي جريمة.
هذه الصورة، التي شاركها محامو البلوشي مع صحيفة الغارديان، يُعتقد أنها تعود إلى أوائل عام 2004، عندما كان يبلغ من العمر 26 عامًا، وربما تم التقاطها في الموقع الأسود التابع لوكالة المخابرات المركزية في بوخارست، رومانيا، المعروف في اتصالات الحكومة الأمريكية باسم الموقع رقم 7 وباسم موقع الاحتجاز الأسود. في الصورة، يبدو أن البلوشي – الذي استندت إلى قصته شخصية في فيلم “الساعة 12 ونصف بعد منتصف الليل” – كان يُعد للانتقال إلى موقع أسود آخر. الشريط الأسود المرئي عبر وسطه أضافه محاموه للحفاظ على كرامة البلوشي.
بين عامي 2002 و2008، تم إخفاء ما لا يقل عن 119 رجلًا مسلمًا وإيوائهم واستجوابهم في هذه السجون السرية التابعة لوكالة المخابرات المركزية حول العالم، وتم إخضاع 39 منهم لما أطلقت عليه إدارة بوش بشكل ملطف تقنيات “الاستجواب المعزز”. في عام 2014؛ اعترفت الحكومة الأمريكية بأن هذه الممارسات تشكل تعذيبًا، عندما صرح باراك أوباما: “لقد عذبنا بعض الناس”. ولم يُحاسب أي شخص في وكالة المخابرات المركزية على هذه التعذيبات.
التقطت وكالة المخابرات المركزية حوالي 14,000 صورة لمواقعها السوداء والمعتقلين في حوزتها. كان وجود هذه الصور مخفيًا عن الجمهور حتى عام 2015، ولا تزال معظم الصور مصنفة سرية. لكن المحامين المدافعين عن معتقلي غوانتانامو كانوا يترافعون ضد نظام التصنيف العسكري الصارم لسنوات، مما أدى تدريجيًا إلى الإفراج عن المزيد من المواد التي كانت مصنفة سرية سابقًا، بما في ذلك هذه الصورة.
وعلى الرغم من أن التعري القسري كان يُستخدم بشكل متكرر من قبل وكالة المخابرات المركزية كـ”تقنية استجواب معززة” في المواقع السوداء، فإن البلوشي كان عاريًا في هذه الصورة على الأرجح بسبب بروتوكولات النقل التابعة لوكالة المخابرات المركزية. وفقًا لتقرير سابق تم رفع السرية عنه من قبل المفتش العام لوكالة المخابرات المركزية، كان البلوشي قد خضع بالفعل لـ”إجراءات تسليم قياسية” عندما نُقل إلى رومانيا من موقعه الأسود الأول، حفرة الملح، وهو سجن سري في أفغانستان كان يعرف أيضًا بموقع احتجاز كوبالت. تضمنت إجراءات النقل بين المواقع السوداء “تفتيش تجويف الجسم” وفحص من قبل ضابط طبي. وأشارت وكالة المخابرات المركزية إلى الضباط الميدانيين بأنهم بحاجة إلى “التقاط صور له لتوثيق حالته الجسدية في وقت النقل”.
وكان في حفرة الملح في أفغانستان، قبل عدة أشهر من التقاط هذه الصورة؛ حيث واجه البلوشي أقسى أنواع التعذيب على يد وكالة المخابرات المركزية، بما في ذلك ضرب مؤخرة رأسه بالحائط مرارًا وتكرارًا، وهي تقنية أطلقت عليها الحكومة اسم “التجبيس”. كان محققون طلاب يسعون للحصول على شهادات “رسمية” لوظائفهم يصطفون لممارسة “التجبيس” عليه وكأنه أداة تدريب، وتم إبقاؤه عاريًا خلال العملية، التي استمرت لجلسات مدة كل منها ساعتين. (ومنذ ذلك الحين أبلغ الخبراء الطبيون في الدفاع اللجان العسكرية أن التجبيس ربما أدى إلى إصابة دماغية رضحية دائمة).
في أوقات مختلفة؛ تم حرمان البلوشي من النوم لمدة تصل إلى 82 ساعة في المرة الواحدة، وأجبر على الوقوف من خلال تقييد معصميه إلى قضيب في السقف، ورشه بالماء المثلج، وحلق شعره ولحيته قسراً، وتعرض للضرب، ووضع في أوضاع مجهدة، وحرمانه من الطعام. وعندما احتجزته الولايات المتحدة في منتصف عام 2003، كان وزن البلوشي 141 رطلاً. وبحلول أواخر عام 2003، انخفض وزنه إلى 119 رطلاً.
وفي أواخر عام 2003، تم نقل البلوشي من حفرة الملح في أفغانستان إلى رومانيا. تم التعرف على الموقع الروماني لاحقًا على أنه كان في قبو مكتب السجل الوطني للمعلومات المصنفة، وهو مبنى حكومي كبير بالقرب من وسط بوخارست؛ حيث تم تركيب ست زنزانات مسبقة الصنع، مطلية باللون الأبيض ومغطاة بزجاج مقاوم للصدمات، على أقدام مطاطية لإبقاء المعتقلين في حالة من التشويش. وافقت رومانيا، التي كانت تسعى للانضمام إلى حلف الناتو في ذلك الوقت، على التعاون مع وكالة المخابرات المركزية باستضافة الموقع وتم تزويدها بملايين الدولارات مقابل ذلك.
في حفرة الملح في أفغانستان، كان المعتقلون “يُحتجزون في ظلام دامس ومقيدين بالأغلال باستمرار في زنزانات معزولة مع ضوضاء عالية أو موسيقى ودلو واحد لاستخدامه كمرحاض”، وفقًا للجنة الفرعية للاستخبارات في مجلس الشيوخ. ووصف رئيس الاستجوابات في الموقع حفرة الملح بأنها “زنزانة مظلمة”.
على النقيض من ذلك، كان الموقع الأسود في رومانيا مضاءً بالأنوار لمدة 24 ساعة في اليوم، مما قد يفسر سطوع هذه الصورة. (في وثائق المحكمة، وصف البلوشي وقته هناك “كما لو كنت أعيش في ثلاجة. هنا حصلت أخيرًا على ملابس، سراويل قصيرة وبطانية، والتي لم تكن كافية لدرء برد هذا المكان”). في هذا الموقع، كان المعتقلون يخضعون للحبس الانفرادي، والحرمان من النوم، والتعامل الجسدي بطرق مثل “القبضات الانتقائية” و”قبضات الوجه”. كانوا يُسمح لهم بالاستحمام مرة واحدة في الأسبوع، وهو شيء جديد مقارنة بالمواقع السوداء التي أُنشئت قبل هذا الموقع. لكنهم ما زالوا محتجزين بشكل غير قانوني ومنقطعين عن العالم، ولا يمكنهم التحدث مع أي شخص باستثناء سجانيهم.
ينقل تقرير وكالة الاستخبارات المركزية عن محللة استخباراتية وصفت الموقع السري الروماني بأنه “ربما يكون أفضل منشأة زارتها”، مشيرة إلى أنه كان “نظيفًا، ومعقمًا، وفعالًا وحديثًا” مع “إحساس يكاد يكون غير واقعي”. محلل استخباراتي آخر، يعرف بلوتشي من موقع سالت بيت، ذكر أنه منذ وجوده في الموقع الروماني، أصبح لديه “مزيد من اللحم على عظامه”. وكما يتضح من الصورة، فإن لحيته، التي تم حلقها قسرًا عندما دخل موقعه السري الأول، قد نمت مرة أخرى.
لم يمض وقت طويل بعد التقاط هذه الصورة حتى صدمت صور من سجن أبو غريب العالم. بطرق عديدة؛ كانت تلك الصور على النقيض تمامًا من هذه الصورة. في صور أبو غريب، نرى أجساد عراقية عارية مكدسة في شكل هرم بشري؛ أشخاص يُجرّون بالسلاسل؛ رجل مقنع يقف على صندوق، وذراعاه ممدودتان وأسلاك متصلة بأصابعه. ويظهر الجنود الأمريكيون في الصور وهم يبتسمون ويرفعون علامة الإبهام بجانب الجثث أو ينخرطون في أنواع أخرى من المتع السادية خلال الإساءة التي يرتكبونها. تلك الصور؛ التي التقطت في الغالب كتذكارات مروعة من قبل الجنود أثناء الخدمة، سرعان ما أصبحت دليلًا بصريًا على الطبيعة الخاطئة لغزو الولايات المتحدة للعراق.
قد تكون هناك صور توثق الوحشية الشديدة التي حدثت في المواقع السرية لوكالة الاستخبارات المركزية، ولكن إذا كانت موجودة، فإنها تظل سرية وبعيدة عن الأنظار. ولكن هذه الصورة تخدم هدفًا بيروقراطيًا محددًا بدلًا من أن تكون تذكارًا. ويبدو أن الغرض من هذه الصورة ذو شقين: تقليل شأن موضوعها، البلوشي، إلى مجرد جسد عارٍ، ثم إثبات أن هذا الجسد لا يزال كاملًا، رغم كل ما تم فعله به.
وكانت “تقنيات الاستجواب المعزز” التي تستخدمها وكالة الاستخبارات المركزية تعتمد على حقيقة أنها لن تترك أدلة جسدية دائمة على جسد المتهم، كما أوضحت مذكرات التعذيب الشهيرة لإدارة بوش. وعرّفت المذكرات التعذيب بأنه “ضرر جسدي دائم وجاد” يجب أن “يصل إلى مستوى الموت أو فشل الأعضاء أو الإعاقة الدائمة لوظيفة جسدية هامة”.
وبذلك، تعمل هذه الصورة كدليل بصري على هذا الادعاء الذي تم دحضه الآن، بينما توضح الوضعية المهينة والخاضعة التي أجبر البلوشي على اتخاذها أمام الكاميرا. الدكتور فنسنت إياكوبينو، وهو طبيب متخصص في الآثار الطبية للتعذيب، ذكر سابقًا لصحيفة الغارديان أن هذا التصوير الإجباري العاري هو شكل من أشكال الإذلال الجنسي والاعتداء الجنسي.
المصدر: الغارديان