مع دخول أول أيام شهر رمضان الفضيل، عاد الجدل إلى تونس مجددًا بشأن الإفطار العلني، بين من ينادي بضرورة التصدي إلى هذه الممارسة وتطبيق القانون على المتجاوزين باعتبار أن رمضان مناسبة للتعبد والالتزام بشعيرة الصوم، ومن يدعو إلى ضرورة حماية الدولة لحرية أفرادها وضمان حقهم في ممارسة معتقداتهم.
“مش بالسيف”
للسنة الثانية على التوالي، يعتزم ناشطو حملة “مش بالسيف” (ليس بالإكراه) للخروج إلى الشارع في تونس العاصمة، للمطالبة بحرية الإفطار علنًا وعدم إغلاق المقاهي والمطاعم في شهر رمضان الكريم، وتكريس حرية الضمير، وفق قولهم.
حملة انطلقت السنة الماضية، على إثر صدور أحكام بالسجن ضد أربعة أشخاص تعلقت بهم تهمة “التجاهر بالفحش”، بعد أن قامت قوات الأمن بإيقافهم وهو يتناولون الطعام ويدخنون في إحدى الحدائق العامة، في شهر رمضان.
ائتلاف مدني يدعو السلطات التونسية للامتناع عن انتهاك الحقوق الفردية
ودعا النشطاء إلى مسيرة يوم 27 مايو/أيار في العاصمة تونس، للمطالبة بفتح كل المقاهي والمطاعم، على اعتبار أن “الأكل والشرب في الطريق العام حرية شخصية، والعقيدة والإيمان حرية شخصية وروحية وتونس للجميع بغض النظر عن الأديان”، وتشير الحملة إلى أن “تونس دولة مدنية وليست إسلامية والعلمانية هي الحل للتعايش مع الجميع”، معتبرة أن إغلاق المقاهي والمطاعم تعدٍ على الحرية الشخصية للناس.
في غضون ذلك، دعت جمعيات حقوقية تونسية السلطات إلى حماية “حرية الضمير والمعتقد”، بالإضافة إلى حرية المجاهرة بالإفطار في رمضان، ودعا الائتلاف المدني من أجل الحُريات الفردية في رسالته التي وجهها إلى السلطات التونسية، السلطات للامتناع عن انتهاك الحقوق الفردية تحت أي مبررات، كما طالبها بالتصدي إلى كل التجاوزات التي تطال الحريات وذلك بتتبع ومعاقبة مُقترفيها سواء كانوا أفرادًا أم مجموعات.
مواقع التواصل الاجتماعي
بالتزامن مع ذلك، أعاد أعضاء الحملة مع بداية رمضان، نشاطهم من جديد على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك، تويتر)، وفي هذا الشأن كتبت الناشطة التونسية رحمة الصيد في حسابها الشخصي على موقع فيسبوك: “إلى السيد وزير الداخلية، الدولة راعية للدين في دور العبادة مش في الشارع”.
في نفس الشأن كتبت الناشطة اليسارية أسرار بن جويرة في حسابها الخاص على “فيسبوك” مساندة لحملة “مفطري رمضان” في تونس: “قهوتي الصباح، قهوتك العشية.. رمضانكم حرية”.
في مقابل ذلك، ساند الإعلامي التونسي زياد الهاني في تدوينة صفحته الخاصة على فيسبوك قرار السلطات التونسية غلق المقاهي، وقال: “التجاهر بالإفطار وضرب مقدسات الشعب ومعتقداته باسم حرية الضمير أو التصدي لحركة النهضة، فيه تطاول على هوية شعب بأسره ومقدساته.”
من جانبه، كتب ناشط عربي يدعى فرحات حمريط في حسابه الخاص على موقع توتير، هذا نوع من الشذوذ الفكري وخروج عن تقاليد وأعراف مجتمع مسلم طالما نظر إلى الدين كرافد من روافده الرئيسية التي تشكل فسيفساءه، حتى الغرب يحترم هذا الشهر الفضيل، فكيف بكم أنتم؟
#مش_بالسيف
هذا نوع من الشذوذ الفكري، وخروج عن تقاليد وأعراف مجتمع مسلم طالما نظر إلى الدين كرافد من روافده الرئيسية التي تشكل فسيفساءه. حتى الغرب يحترم هذا الشهر الفضيل. فكيف بكم أنتم؟
— حمريط فرحاتᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠᅠ (@isamk6496) May 17, 2018
حرية المعتقد والضمير؟
أنصار هذه الحملة، يقولون إن من حقهم المجاهرة بإفطارهم في شهر رمضان دون أن يتدخل أحد فيهم، باعتبار أن هذا الأمر لا يتجاوز الحرية الشخصية وفقًا لقولهم، ويستنجد أنصار الحملة في ذلك بما نصت عليه بعض فصول الدستور التونسي.
وينص الفصل السادس من الدستور على أن “الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي، تلتزم الدولة بنشر قيم الاعتدال والتسامح وبحماية المقدسات ومنع النيل منها، كما تلتزم بمنع دعوات التكفير والتحريض على الكراهية والعنف وبالتصدي لها.
تغلق أغلب المقاهي والمطاعم في تونس نهارًا خلال شهر رمضان وفق ما ينص عليه “منشور مزالي”
فيما ينص الفصل 49 على أن “القانون يحدد الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بالدستور وممارستها بما لا ينال من جوهرها، ولا توضع هذه الضوابط إلا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية حقوق الغير أو لمقتضيات الأمن العام أو الدفاع الوطني أو الصحة العامة أو الآداب العامة مع احترام التناسب بين هذه الضوابط وموجباتها، وتتكفل الهيئات القضائية بحماية الحقوق والحريات من أي انتهاك”.
استفزاز لمشاعر المسلمين
هذه الدعوات، لاقت معارضة كبيرة من معظم التونسيين الذين يرون في الإفطار استفزازًا للصائمين في دولة دينها الإسلام كما ينص على ذلك الدستور الذي شدد في توطئته على تمسك التونسيين بتعاليم الإسلام ومقاصده المتسمة بالتفتح والاعتدال، وبالقيم الإنسانية ومبادئ حقوق الإنسان الكونية السامية.
ويدافع الرافضون لدعوات هذه الحملة، عن تجريم الإفطار العلني في شهر رمضان، معتبرين أن هذا السلوك يستفز الأغلبية المسلمة في البلاد، وينتقص شعيرة تعد ركنًا من أركان الدين الإسلامي الذي يعتنقه التونسيون.
وتغلق أغلب المقاهي والمطاعم في تونس نهارًا خلال شهر رمضان وفق ما ينص عليه “منشور مزالي”، نسبة إلى وزير الداخلية التونسي السابق: محمد مزالي الذي أصدره عام 1981، باستثناء عدد منها وهي في أغلبها مصنفة كـ”سياحية” تحصل على ترخيص وتغطي واجهاتها البلورية بأوراق الجرائد حتى لا يُرى من داخلها، وقبل أيام، دعت وزارة الداخلية التونسية إلى تفعيل قرار هذا المنشور الذي ينص على أن مرتادي هذه المقاهي التي يسمح لها أن تفتح في نهار شهر رمضان، يجب أن يكونوا فقط من السياح الأجانب غير المسلمين.
الداخلية التونسية تقول إن الإفطار العلني يمس من مشاعر الداخلية المسلمة في البلاد
وفي رده على سؤال تقدمت به النائبة البرلمانية المستقلة هاجر بالشيخ، عن سبب عدم إلغاء المنشور، اعتبرت وزير الداخلية التونسي لطفي براهم أن “السماح بفتح مقاهي نهار رمضان يمكن أن يمثل وسيلة لبعض الجماعات المتطرفة للتحريض على الدولة ولارتكاب أعمال إرهابية، خاصة أن شهر رمضان يعرف ارتفاعًا لوتيرة التهديدات الإرهابية من مختلف التنظيمات التكفيرية”.
وأشار براهم إلى أن “الوزارة تسعى إلى الموازنة بين مهامها المتعلقة بحفظ الأمن العام، وواجبها في حماية حرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، بما يكفل احترام المشاعر الدينية للمواطنين المؤدين لفريضة الصيام من جهة، ويراعي حق غيرهم في ممارسة حرياتهم الفردية المكفولة بالقانون من جهة أخرى”.
إلى جانب ذلك، أكد براهم خلال جلسة استماع بالبرلمان أمس الجمعة، أن مسألة غلق المقاهي خلال شهر رمضان هي إجراءات وتراتيب معمول بها في الوزارة منذ سنوات، مؤكدًا أن وزارته تتفاعل مع كل ما هو دستوري وتضمن حرية الأفراد “والدليل أن عددًا من المقاهي مفتوحة في المناطق السياحية”، ودعا براهم من وصفهم بالأقلية إلى احترام الصائمين الذين يمثلون الأغلبية في تونس وفق تعبيره.
ورغم عدم وجود قوانين صريحة تجرم الإفطار العلني خلال شهر رمضان الكريم في تونس، فبإمكان السلطات أن تعاقب المفطرين بتهمة “الإخلال بالآداب العامة”، وهو ما حدث السنة الماضية في مدينة بنزرت شمال البلاد.