ترجمة وتحرير: نون بوست
اضطر مؤخرا وزيران في الحكومة البريطانية لتقديم استقالتهما، بسبب تورطهما في تضليل البرلمان. إذ أنه خلال الشهر الماضي، استقالت وزيرة الداخلية أمبر رود، معلنة أنها أخطأت حين أقدمت على مغالطة البرلمان، بشأن قيام وزارتها بوضع أهداف تتعلق بترحيل المهاجرين غير الشرعيين.
في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، تعرض داميان غرين، الذي كان يعتبر النائب الفعلي لرئيسة الحكومة تيريزا ماي، للإقالة من منصبه، بعد إجراء تحقيق توصل إلى أن غرين قدم تصريحات مضللة وغير دقيقة، حول مواد إباحية تم العثور عليها في حاسوبه المكتبي في سنة 2008.
تضليل البرلمان بشأن سوريا واليمن
تنص قواعد العمل الوزاري في بريطانيا، وهي التي خرقها داميان غرين، بكل وضوح على أنه “من المهم جدا أن يقدم الوزراء معلومات صحيحة للبرلمان، ويسارعوا لتصحيح أي معلومة تم السهو عنها في أسرع وقت ممكن. والوزراء الذين يتعمدون تضليل البرلمان، ينتظر منهم أن يقدموا استقالتهم لرئاسة الحكومة”.
وزير الدولة البريطانية في وزارة الخارجية، اللورد طارق أحمد خان، في أجابته على سوال طرح عليه بخصوص الدور البريطاني في سوريا قال : “في سوريا، ينحصر دورنا العسكري ضمن التحالف الدولي في شن الغارات الجوية، لدعم القوات الشريكة على الأرض”.
لكن بالنظر لهذه القواعد، فإنه من المستغرب أن العديد من الوزراء البريطانيين لا يزالون في مناصبهم، رغم تكرار ممارستهم للمغالطة والخداع أمام البرلمان، بشأن سياسات بريطانيا في الشرق الأوسط. والمسألة هنا لا تتعلق بمشكل تقني، بل هي أساسا تتعلق بطبيعة النظام السياسي البريطاني، وما إذا كان هذا البلد في الواقع محكوما بنظام السرية والاستبداد، أكثر من الديمقراطية.
في الثامن من آذار/ مارس الماضي، في رد منه على سؤال كتابي من البرلمان طرحته البارونة كارولين كوكس، كان وزير الدولة البريطانية في وزارة الخارجية، اللورد طارق أحمد خان، قد أجاب بالقول: “في سوريا، ينحصر دورنا العسكري ضمن التحالف الدولي في شن الغارات الجوية، لدعم القوات الشريكة على الأرض”.
بعد ثلاثة أسابيع فقط، أعلنت وسائل الإعلام عن موت جندي بريطاني أثناء مشاركته في عملية قتالية ضد تنظيم الدولة في سوريا. وهو ما دفع بالبارونة كوكس إلى تسليط الضوء على التناقض بين هذه الحادثة وتصريحات اللورد أحمد، حول عدم المشاركة في القتال.
في محاولة منه لتوضيح هذه المسألة، صرح وزير الدفاع إيرل هوي بأن “سبب مشاركة ذلك الجندي في ذلك القتال هو أنه كان ملحقا بالقوات الأمريكية”، وهي إجابة تعني بكل وضوح أن تصريح اللورد أحمد للبرلمان كان مضللا.
خلال الشهر الماضي، طرح عضو البرلمان عن حزب العمال، إيلويد راسل مويلي، سؤالا على الحكومة، حول فصائل المعارضة السورية المسلحة التي دربتها بريطانيا منذ 2012. وقد تضمنت إجابة الحكومة ادعاء بأنها دربت المعارضة السورية بداية من 2015 فقط، للمشاركة في العمليات ضد تنظيم الدولة. ولكن التقارير الإعلامية تشير إلى أن برامج التدريب البريطانية بدأت منذ 2012، وكانت في معظمها لشن عمليات ضد نظام الأسد.
محتجون يرفعون لافتات أثناء تظاهرهم ضد التدخل العسكري لبريطانيا في سوريا، أمام مبنى البرلمان في وسط لندن في 16 نيسان/ أبريل 2018
لا يعد إخفاء المعلومات حول المعارك الدائرة التي تشارك فيها بريطانيا أمرا جديدا، إذ أنه في تموز/يوليو 2015، كان وزير الدفاع إيرل هوي قد صرح أمام البرلمان بأن الحكومة “سوف تسعى للحصول على المزيد من الدعم البرلماني قبل قيام الطيران البريطاني بشن غارات جوية في سوريا”. ولكن هذا الكلام كان مخالفا للحقيقة، حيث أن مقاتلات المملكة المتحدة كانت قد بدأت قبل ذلك بشن غارات سرية على مواقع تنظيم الدولة في سوريا.
يبدو أن علاقة بريطانيا بحرب اليمن هي أيضا يكتنفها الكثير من الغموض والتشويش، إذ أن الوزراء يدعون باستمرار أن المملكة المتحدة ليست طرفا في هذه الحرب، ولا تشارك بشكل مباشر في عمليات التحالف الدولي الذي تقوده السعودية في اليمن. إلا أن هذه الادعاءات هي محض كذب: إذ أن بريطانيا تقوم بتسليح وتدريب السعوديين، وتوفير الدعم الاستشاري لهم، وهي تشرف على صيانة الطائرات التي تقصف اليمن.
قال اللورد أحمد أمام البرلمان إن القرار بقصف سوريا “تم اتخاذه فقط عند استنفاذ كل الخيارات غير العسكرية”. ولكن محاضر جلسات النقاش في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، المنعقدة قبل شن الضربات الجوية، تقدم صورة مغايرة
هل استنفذت كل الخيارات غير العسكرية؟
الأمر هنا لا يتعلق فقط بالسعي للتعتيم على عمليات سرية. وتجدر الإشارة هنا إلى المسار الذي أدى لشن غارات أمريكية بريطانية مشتركة على سوريا في 14 نيسان/أبريل، بدعوى العمل على ردع النظام السوري عن استخدام الأسلحة الكيميائية مجددا. فقد قال اللورد أحمد أمام البرلمان إن القرار بقصف سوريا “تم اتخاذه فقط عند استنفاذ كل الخيارات غير العسكرية”. ولكن محاضر جلسات النقاش في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، المنعقدة قبل شن الضربات الجوية، تقدم صورة مغايرة.
في 10 نيسان/ أبريل، ناقش مجلس الأمن عدة مشاريع قرارات، في محاولة لإجراء تحقيق حول استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا. وقد نص مشروع القرار الأول، الذي تقدمت به الولايات المتحدة، على إرساء آلية أممية تدوم سنة كاملة، لتحديد أولئك المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيميائية، ولكن هذا المقترح قوبل بفيتو من روسيا.
إثر ذلك، تقدم الروس بمقترح مضاد، يقضي بإرساء آلية مستقلة مماثلة، تعتمد على الأدلة التي جمعتها منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، من خلال بعثتها لتقصي الحقائق. إلا أن هذا المقترح أيضا واجه فيتو من واشنطن ولندن، وكان أكثر ضعفا من المقترح الأمريكي، بما أنه لم ينص بوضوح على مسؤولية مجلس الأمن في تحديد المسؤولين عن استخدام الأسلحة الكيميائية. ولكن رغم ذلك، فقد قدم هذا المشروع الأرضية التي كان يمكن أن يرتكز إليها إجراء التحقيق أو اتخاذ أي خطوات إضافية.
بريطانيا باعت” إسرائيل” مكونات لطائرات الهليكوبتر أباتشي أمريكية الصنع، التي استخدمت ضد قطاع غزة
هذا يعني أن اللورد أحمد، عندما ادعى أمام البرلمان أنه لم تكن هنالك أي إمكانية لاتخاذ إجراءات تحت غطاء أممي في سوريا، كان تصريحه مرة أخرى مضللا. وفي الواقع، قال ممثل السويد في مجلس الأمن، أولوف سكوغ، الذي صوت ضد مقترح القرار الروسي: “نحن لن نستسلم، ويجب علينا أن نعود لنتحد مجددا من أجل تأمين اتفاق بين أعضاء المجلس”. ويشار إلى أن سكوغ كان قد عارض الغارات الجوية معتبرا أنها تشكل خرقا للقانون الدولي.
أسلحة بريطانية لإسرائيل
عندما يفشل الوزراء في الإجابة عن أسئلة البرلمان، ويتعمدون إخفاء المعلومات الأساسية، فإن هذا العمل يرقى إلى كونه تضليلا للبرلمان. ويمكن النظر هنا إلى صادرات الأسلحة البريطانية إلى “إسرائيل”. إذ أنه خلال الشهر الماضي، واجه وزير شؤون الشرق الأوسط في وزارة الخارجية البريطانية، أليستر بيرت، أسئلة حول التقييمات التي خرج بها، بشأن استعمال “إسرائيل” لأسلحة بريطانية في عملياتها ضد الفلسطينيين.
لقد فشل بيرت في الإجابة عن السؤال بشكل مباشر، وعوضا عن ذلك، قام بترديد الإجابة التقليدية: “نحن لا نصدر تراخيص تصدير أسلحة، نحو المناطق التي نرى فيها وجود خطر واضح لاستخدام هذه الصادرات لممارسة القمع الداخلي”. ولكن بيرت لم يجب عن سؤالين مهمين، حول ما إذا كانت بريطانيا تحقق في كيفية استعمال “إسرائيل” لأسلحتها، وما إذا كانت “إسرائيل” قد قدمت تعهدا بعدم استخدام الأسلحة البريطانية في الأراضي المحتلة.
انتشرت مؤخرا عريضة، جمعت 124 ألف توقيع، تستغرب من أن تورط الوزراء في ازدراء البرلمان، إذا تعمدوا محاولة تضليل البرلمان أو إحدى لجانه، هو أمر غير قانوني
تهرب بيرت من الإجابة عن السؤال، وظل يكرر نفس الادعاءات قائلا: “نحن نوافق فقط على تصدير التجهيزات المستخدمة في دفاع “إسرائيل” الشرعي عن نفسها، وكل طلبات إصدار رخص التصدير يتم النظر فيها بشكل فردي”.
ينص قانون العمل الوزاري في بريطانيا بكل وضوح على أن “الوزراء ملزمون بأقصى درجات الوضوح أمام البرلمان والرأي العام، ولا يحق لهم رفض تقديم المعلومات إلا إذا كان كشفها لا يخدم صالح الرأي العام”. وهذه قاعدة من الواضح أنه قد تم خرقها بشكل صارخ ودون أية محاسبة.
قد انتشرت مؤخرا عريضة، جمعت 124 ألف توقيع، تستغرب من أن تورط الوزراء في ازدراء البرلمان، إذا تعمدوا محاولة تضليل البرلمان أو إحدى لجانه، هو أمر غير قانوني، ولكن الكذب أمام البرلمان ليس كذلك.
قد أدت حرب العراق لحالة من الغضب ومزيد من الوعي في صفوف الرأي العام البريطاني، حول الخداع السياسي في حكومتهم، ولكن هذا الأمر ليس حادثا عابرا، إذ يبدو أن الوزراء البريطانيين يضللون الرأي العام تماما مثلما يشربون الشاي في المساء. والحكومة تتصرف كما لو كانت في دولة دكتاتورية، ولذلك يجب على النواب المنتخبين والرأي العام، اتخاذ الخطوات اللازمة لضمان عمل الحكومة بما يتناسب مع النظام الديمقراطي البريطاني.
المصدر: ميدل إيست آي