ترجمة وتحرير: نون بوست
يوم الإثنين؛ احتشدت مجموعة من الإسرائيليين، بما في ذلك مشرعون من اليمين المتطرف، في معسكر اعتقال سديه تيمان في حالة من الغضب. ولم يكن اعتراضهم على الكشف عن قيام القوات الإسرائيلية بالتنكيل الوحشي بمعتقل فلسطيني في المعسكر، بل على التحقيق مع تلك القوات في هذه الجرائم. وكان المعتقل الفلسطيني قد تعرض “لتمزق في الأمعاء، وإصابة بالغة في فتحة الشرج، وتلف في الرئة وكسور في الأضلاع” على أيدي حراس السجن في سديه تيمان، بحسب هآرتس.
ونقلت الصحيفة عن طبيب المنشأة يوئيل دونتشين قوله: “لم أصدق أن حارس سجن إسرائيلي يمكن أن يفعل مثل هذا الشيء”، رغم أنه من الصعب أن نأخذ دهشته على محمل الجد: فقد نشرت العديد من المنافذ الإعلامية قصصًا تصف تفشي سوء المعاملة في سجن سديه تيمان (وأماكن أخرى) منذ شهور، بما في ذلك وفاة 35 معتقلًا أو أكثر، لكن هآرتس، من خلال نقلها عن طبيب المعتقل، سلطت الضوء على جانب مقلق لم يتم مناقشته بشكل كافٍ في سديه تيمان: تواطؤ، بل ومشاركة العاملين في المجال الطبي الإسرائيلي في جرائم ضد الإنسانية.
عادة ما يوصف سديه تيمان بأنه معسكر عسكري لمعتقلي غزة يجاوره “مستشفى ميداني” حيث يقوم أطباء مثل يوئيل دونشين برعاية المرضى والجرحى من المعتقلين. ومع ذلك، كان كل منهما جزءًا من مجمع متكامل ينطوي على إساءة المعاملة.
وفي أعقاب هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر، أقر الكنيست الإسرائيلي تشريعًا “يضع الأساس القانوني لمواقع مثل “سديه تيمان” للعمل بحصانة غير مسبوقة”، كما ورد في تقرير +972، مما يسمح باعتقال الفلسطينيين الذين تم اعتقالهم (غالبًا بشكل عشوائي) في غزة دون أمر قضائي لمدة 45 يومًا ودون مقابلة محامٍ لمدة ستة أشهر تقريبًا، مما يعني إخفاؤهم فعليًا لفترات طويلة.
وفي الوقت نفسه؛ وبسبب رفض المستشفيات المدنية الإسرائيلية في كثير من الأحيان علاج الجرحى الفلسطينيين بعد 7 تشرين الأول/ أكتوبر، كما يُزعم، أنشأت وزارة الصحة مستشفى “سديه تيمان” الميداني لعلاج المعتقلين المصابين، ولكن كما جاء في تقرير مروّع صادر عن منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل نُشر في نيسان/ أبريل، فإن بروتوكولات الرعاية الطبية في المنشأة التي وضعتها الوزارة قد أرست الأساس لظروف “ترقى إلى مستوى التعذيب”.
ووفقًا لتقرير منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان في إسرائيل، فإن المستشفى الميداني في سديه تيمان لا يعمل فيه أطباء من الهيئة العسكرية، الذين يخضعون قانونيًا لقانون حقوق المريض الإسرائيلي، بل أطباء احتياط عسكريون لا يخضعون لهذا القانون. والأخطر من ذلك أن توجيهات وزارة الصحة للمستشفى الميداني تطلبت صراحةً أن يكون المرضى معصوبي الأعين ومقيدين بالأغلال عند علاجهم.
كما أوجدت نظامًا شاذًا وخطيرًا لإخفاء هوية مقدمي الخدمات الطبية؛ حيث طُلب من الأطباء عدم التوقيع على ملاحظات المرضى بأسمائهم، وهو معيار طبي عالمي سأصدم كطبيب في وحدة العناية المركزة إذا طُلب مني انتهاكه. ويُزعم أن هذا كان لحماية العاملين في المجال الطبي، ولكنه في الواقع يوفر غطاءً ضد الاتهامات المحتملة بانتهاك أخلاقيات مهنة الطب.
ومثل هذه الانتهاكات – كما أوضح الأطباء الإسرائيليون – كانت روتينية. ففي نيسان/ أبريل، نشرت صحيفة هآرتس تقريرًا عن رسالة أرسلها أحد الأطباء الإسرائيليين المبلّغين عن المخالفات في المستشفى الميداني إلى الحكومة يصف فيها الظروف الكابوسية. ويشير المبلِّغ إلى أنه وفقًا لتوجيهات وزارة الصحة، تم تقييد كل مريض من أطرافه الأربعة وتعصيب عينيه أثناء العلاج، بالإضافة إلى إطعامه من خلال الماصة وإجباره على التبرز في حفاضات. وكما هو متوقع؛ لم يكن للاستخدام المطول لتكبيل اليدين عواقب نفسية فحسب، بل جسدية أيضًا. وقال الطبيب: “هذا الأسبوع فقط، بُترت ساقا سجينين بسبب إصابات الأصفاد، وهو حدث روتيني للأسف“.
وكتب الطبيب: “هذا يجعلنا جميعًا – الطواقم الطبية وأنتم، المسؤولين عنا في وزارتي الصحة والدفاع – متورطين في انتهاك القانون الإسرائيلي. وربما الأسوأ بالنسبة لي كطبيب، في انتهاك التزامي الأساسي تجاه المرضى، أينما كانوا، كما أقسمت عندما تخرجت قبل 20 سنة”.
ويحظر القانون الدولي وأخلاقيات مهنة الطب بشكل صارم المشاركة النشطة أو التواطؤ السلبي من قبل العاملين في المجال الطبي في التعذيب أو “غيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة“. وبالمثل، فإن القواعد التي وضعتها الجمعية الطبية العالمية، التي تأسست في أعقاب فظائع الحرب العالمية الثانية، تلزم الأطباء مثلي بتوثيق التعذيب وإدانته عندما نعالج ضحاياه، لأن عدم القيام بذلك “قد يعتبر شكلًا من أشكال التسامح معه”، لكن المشكلة ليست فقط في أن معظم الأطباء فشلوا في الإبلاغ عن التعذيب في سديه تيمان أثناء تقديم الرعاية: فالظروف السائدة في المنشأة الطبية نفسها تبدو وكأنها ترقى إلى مستوى التعذيب، ومما لا شك فيه أنها ترقى إلى مستوى المعاملة القاسية والمهينة.
وقال أحد المبلّغين لشبكة سي إن إن إنه أجرى إجراءات طبية لم يكن مؤهلاً للقيام بها. وقال: “لقد طُلب مني أن أتعلم كيفية القيام بأشياء على المرضى، وإجراء إجراءات طبية بسيطة خارج نطاق خبرتي تمامًا”، وغالبًا ما كان ذلك بدون تخدير، مضيفًا: “مجرد وجودي هناك أشعرني وكأنني متواطئ في سوء المعاملة”.
كما أخبر سي إن إن أنه رأى رجلًا خضع لعملية بتر بسبب الاستخدام المطول للأربطة حول معصميه بما يتفق مع الرسالة التي أرسلها إلى صحيفة هآرتس.
ووصف أحد المبلّغين عن المخالفات الطبية لـ”سي إن إن” ما كان يجب أن يشعر به المرضى في المستشفى الميداني: “إذا تخيلت نفسك غير قادر على الحركة، وغير قادر على رؤية ما يحدث، وأن تكون عاريًا تمامًا، فهذا يجعلك مكشوفًا تمامًا للأذى. أعتقد أن هذا شيء يقترب من التعذيب النفسي، إن لم يكن يتخطاه.”
وقال طبيب آخر لـ”بي بي سي” إنه يشعر أن الظروف في المنشأة الطبية ترقى إلى مستوى “التعذيب“، وأفاد معتقل واحد على الأقل، وفقًا للمجلة الطبية البريطانية، أن طبيبًا وممرضًا شاركا في الضرب. وأشار تقرير معهد حقوق الإنسان الفلسطيني إلى أن العلاج الطبي كان يقدم عادةً دون ترجمة أو موافقة مستنيرة، وأن الجمعية الطبية الإسرائيلية تجاهلت بشكل أساسي التقارير التي تتحدث عن مثل هذه الانتهاكات الأخلاقية.
وما يثير القلق أيضًا، كما يصفه تقرير منظمة حقوق الإنسان لمناهضة التعذيب، هو حقيقة أن الأطباء لا بد أنهم كانوا على علم بالعنف الشديد والسادي الذي كان يمارسه حراس السجن على المعتقلين في المعسكر. ويشير التقرير إلى أنه “بالنظر إلى أن المعتقلين يصلون باستمرار لتلقي الرعاية الطبية وعليهم علامات عنف شديد، وبالنظر إلى أن صرخات أولئك الذين يتعرضون للتعذيب والعقاب العنيف مسموعة بوضوح في خيمة المستشفى الميداني الواقعة على مسافة متر واحد من حظائر الاحتجاز، فمن المعقول أن نستنتج أن الطاقم الطبي على علم تام بما يجري في المعتقل”. وشملت عمليات التعذيب هذه الضرب بأعقاب البنادق والهراوات والصعق بالكهرباء والاغتصاب بالعصي التي ألحقت إصابات بالغة، بحسب نيويورك تايمز.
ويبدو أن هؤلاء المهنيين الطبيين كانوا يشاركون عن كثب في التشغيل اليومي للمعسكر. وذكرت صحيفة التايمز أن المسعفين “فحصوا كل محتجز عند وصوله، بالإضافة إلى مراقبتهم كل يوم في الحظائر”، مع علاج “الحالات الخطيرة” فيما وصفته الصحيفة بأنه “مجموعة خيام قريبة تشكل مستشفى ميدانية مؤقتة”. وتعتبر هذه التفاصيل مهمة: فهي تشير إلى وجود عملية سريرية طبية متكاملة، بحيث أن مشاركة المهنيين الطبيين ربما تكون قد مكنت من حدوث انتهاكات في المخيم من خلال توفير قشرة من السلامة الطبية والهدف.
ومن المثير للدهشة أن الطبيب يوئيل دونشين اعترف بذلك لصحيفة هآرتس: إذا كانت الحكومة “تحتفظ بالمستشفى فقط من أجل الدفاع عن أنفسنا في لاهاي، فهذا ليس جيدًا”.
إن مشاركة أو تواطؤ العاملين في مهنتي في جرائم ضد الإنسانية ليس بالأمر الجديد بالطبع، فأكثرها شهرة حدث في ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، ولكن أيضًا في أماكن كثيرة منذ ذلك الحين، بدءًا من تشيلي في عهد بينوشيه إلى الولايات المتحدة بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، عندما صمم علماء النفس بروتوكولات تعذيب المعتقلين. وهناك حاجة ماسة إلى مزيد من التحقيقات، ولكن ما نعرفه بالفعل حتى اليوم مدمر لمهنة الطب الإسرائيلية.
فقد كان الأطباء يديرون منشأة في سديه تيمان حيث كان المعتقلون معصوبي الأعين ومقيدين من جميع الأطراف. وقد تم انتهاك المعايير الطبية الأساسية، بما في ذلك الحق في الموافقة المسبقة والطعام الكافي. ويبدو أن هؤلاء الأطباء قد قاموا بفحص المرضى قبل وبعد تعرضهم لسوء المعاملة من قبل حراس السجن في المعسكر، ولا بد أنهم سمعوا صرخات الألم في المجمع أثناء تعرض المعتقلين للتعذيب السادي.
ومع ذلك، يبدو أن قلة قليلة جدًا من الأطباء اتخذوا موقفًا ضد هذا النظام البشع.
المصدر: ذا نيشن