يشهد السودان حربًا داميةً اندلعت في 15 أبريل/نيسان 2023، تلتها العديد من الأحداث خلال 16 شهرًا، تقاسم فيها الجيش السوداني و”الدعم السريع” وحلفاؤهما، مناطق السيطرة العسكرية لتحقيق أهدافهما السياسية.
يعد فهم الاستراتيجيات العسكرية وتكتيكات الجيش و”الدعم السريع” و”القوات المشتركة” المتصارعة في البلاد أمرًا ضروريًا لفهم ديناميات النزاع وتداعياته على السكان المحليين من جهة، وعلى الوضع السياسي والاقتصادي والإنساني من جهة أخرى.
سنقدم في هذا المقال تحليلًا لوجهات نظر حول استراتيجيات الدفاع والهجوم في الحرب السودانية، وتداعيات السيطرة على المدنيين، لفهم أعمق للنزاع وتعزيز الجهود الرامية إلى حلول سلمية مستدامة في السودان.
مناطق السيطرة في الحرب السودانية
يفرض الجيش سيطرته بالكامل على 4 ولايات في شرق وشمال السودان من جملة 18 ولاية في البلاد، إلى جانب سيطرته على غالبية ولاية القضارف والنيل الأزرق، إلى جانب مدينة الفاشر في ولاية شمال دارفور بالتناصف مع القوات المشتركة.
يسيطر الجيش السوداني على غالبية مقاره العسكرية المهمة بالخرطوم، كالقيادة العامة والمدرعات وقاعدة وادي سيدنا العسكرية وسلاح الإشارة وسلاح المهندسين ومعسكري حطاب والكدرو، إلى جانب أجزاء واسعة من أم درمان.
وفي ولاية الجزيرة يسيطر على المناقل فقط، إلى جانب مدينة سنار المحاصرة في ولاية سنار، وعلى كل ولاية النيل الأبيض ما عدا مدينة القطينة وبعض القرى المحيطة بها.
فيما يتعلق بولاية شمال كردفان، فيسيطر على عاصمة الولاية مدينة الأبيض، وفي غرب كردفان حافظ الجيش على مدينة بابنوسة التي تعرضت للعديد من الهجمات في الأشهر الماضية، وفي ولاية جنوب كردفان يسيطر على عاصمة الولاية كادقلي والدلنج، ويقتسم ما تبقى من الولاية مع قوات الحركة الشعبية جناح عبد العزيز الحلو.
أما مناطق سيطرة قوات الدعم السريع، فتشمل كل إقليم دارفور بولاياته الخمسة، ما عدا مدينة الفاشر، ومناطق سيطرة قوات جيش تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور.
وفي كردفان تسيطر “الدعم السريع” على كل ولاية شمال كردفان عدا مدينة الأبيض، وكل ولاية غرب كردفان عدا مدينة بابنوسة، وتقوم بمناوشات في بعض أجزاء ولاية جنوب كردفان، في حين أنها تسيطر في وسط السودان على كل ولاية الجزيرة عدا مدينة المناقل، وكل ولاية سنار عدا مدينة سنار، وأجزاء من ولاية القضارف والنيل الأبيض.
أما القوات المشتركة فتدافع عن مدينة الفاشر، آخر معاقلها في إقليم دارفور، وتشارك مع الجيش السوداني في العمليات العسكرية بوسط السودان.
استراتيجيات الجيش: الأهداف والتحديات
يقول المحلل العسكري والاستراتيجي، عمر أرباب لـ “نون بوست” إن: “منذ نشأتها، تعتمد القوات المسلحة السودانية على استراتيجية الدفاع”، واستطاعت هذه القوات الصمود بفاعلية كبيرة في الحرب الحالية، سواء كانت في المدرعات أم بابنوسة أم غيرها من المواقع العسكرية. ويضيف “تعتمد القوات المسلحة أيضًا على استراتيجية الإنهاك أو إضعاف القوة المهاجمة واستنزافها، بدلًا من التمسك بالأرض”.
ويذكر أرباب أن “الأوجه الأربعة للحرب هي: الدفاع والهجوم والتقدم والانسحاب”، ويردف “عندما يضع الجيش خطة للهجوم ويواجه بها خسائر كبيرة، يتم تعديلها من هجوم إلى تقدم لتحسين الموقف الميداني أو القدرة على الحصار”. بمعنى أنه إذا كنت موجودًا في منطقة ولا تستطيع الهجوم أو التقدم، فإنك تقوم بالدفاع، أما في حالة العجز عن الدفاع وتعثر العملية أو صعوبتها، ووجود خطر على القوات “يحق للقائد الانسحاب” على حد قوله.
ويشير أرباب إلى أن “الميزة التفضيلية للقوات المسلحة هي النفس الطويل، فهي تستطيع القتال لفترات طويلة بعكس قوات الدعم السريع”، ويضيف أن “استراتيجية الاستنزاف مجدية لأنها تضعف تماسك القوة المهاجمة، ما يمكّن من الانقضاض عليها أو تقسيمها في دوائر معينة”.
مع ذلك يؤكد على احتياج هذه الاستراتيجية إلى زمن طويل للوصول إلى مرحلة الانهيار، وقد “تؤثر الضغوط الداخلية والخارجية على القوات المسلحة وقد لا تمنحها الوقت الكافي لإكمال خطتها”، بحسب تعبيره.
يستطرد أرباب قائلًا: “المدن التي تم إسقاطها كانت نتيجة لأخطاء، فالمشكلة التي تعاني منها القوات المسلحة الآن هي مسألة البيروقراطية والقيادة الميدانية، أي مساحة القائد الميداني في إصدار التعليمات”. وينوه إلى أن “المركزية القابضة تضر بحركة القوات”، حيث تكون مساحة اتخاذ القرار في القوات المسلحة أقل مقارنةً بما هو موجود في قوات الدعم السريع، وهو ما يُشار إليه بعبارة “القيادة في التاتشر”.
ويضيف “المسألة الثانية التي أضرت بالقوات المسلحة هي تباعد عهدها بالحروب منذ سنوات طويلة، حيث لم تشهد القوات المسلحة عمليات مباشرة، وكان اعتمادها على قوات الدعم السريع في العمليات البرية كقوات مشاة بشكل أساسي. هذه المسألة لها انعكاسات أخرى تتعلق بالخبرة اليومية والحالة النفسية للحروب”.
ويذكر أرباب أن “الفئة العمرية لقوات الدعم السريع، أقل من الفئة العمرية لمنتسبي القوات المسلحة، ما يؤثر على القدرة البدنية للاستمرار في الحروب”، إلى جانب ذلك “القوات المسلحة عاجزة عن الاستثمار في الإسناد الشعبي الكبير لها بسبب العديد من الأخطاء والتقديرات”، بالإضافة إلى ذلك “تواجه مشكلة في تأمين المتحركات، حيث تعرضت الكثير من متحركات الجيش لكمائن في الحرب الحالية”، على حد وصفه.
الأهداف العسكرية والسياسية
يعاني الجيش السوداني، وفقًا لما ذكره عمر أرباب، من مسألة المشروع السياسي، حيث تسعى القوات المسلحة للحكم بينما تواجه صعوبة في التعامل مع الحاضنة السياسية، إذ لا تستطيع العودة إلى حكم الإسلاميين مرة أخرى، ما يعقد موقفها من الرؤية السياسية.
في هذا الصدد يظهر التباين في الرؤى والأهداف والأجندة لدى الحاضنة السياسية التي تعتمد عليها القوات المسلحة، مثل المهاترات بين مناوي ومبارك الفاضل، وهي واحدة من التحديات التي واجهت الجيش لتشكيل حكومة حرب.
ووفقًا لأرباب فإن الحكومة تحتاج إلى حاضنة سياسية، ومسألة توازن القوى معقدة، القوات المسلحة عجزت عن تشكيل حكومة رغم الإسناد الشعبي الموجود، لافتًا إلى أن “الجيش يحتاج إلى إعادة الثقة وترتيب أوضاعه ومنح القادة الميدانيين صلاحيات أكبر، والتخلي عن الدور السياسي وتقديم تنازلات سياسية حقيقية والعمل على تعديل المشهد السياسي المختل”.
ويردف “تمسك الجيش بالسلطة وعدم رغبته في التنازل يجب أن يحدث تغييرات إصلاحية حتى يستطيع التقدم على الأرض، ورفض الجيش لهذه الإصلاحات تحت أي ذريعة قد يؤخر عملية النصر”، ويؤكد أرباب أن “المفاوضات تحركها الضغوط الدولية مع عدم وجود رغبة من الطرفين للوصول إلى تفاهمات، حيث إن سقوفات الطرفين لا تتناسب مع الوضع الميداني”.
بناءُ على ذلك، يرى أرباب أن وجود الدعم السريع كمليشيا ارتكبت العديد من الانتهاكات الموثقة يعد نقطة في صالح القوات المسلحة وعقبة في طريق الدعم السريع، مع عجزها عن تشكيل حكومة في مناطق سيطرتها.
ومن الأسئلة المطروحة، كما يلفت أرباب: “ما هي قدرة الدولة السودانية والشعب على تحمل حرب قد تطول لسنوات، خصوصًا مع ظاهرة التجويع أو المجاعة التي تلوح في الأفق، والتي تحاول القوات المسلحة تكذيبها لتجنب الضغوط المتعلقة بالحرب والتفاوض”.
استراتيجيات قوات الدعم السريع: التشتيت والقنص
وفقًا لإفادة محلل عسكري فضل عدم ذكر اسمه، “تختلف استراتيجيات قوات الدعم السريع كليًا عن استراتيجيات الجيش السوداني، حيث تتفوق الدعم السريع في الاستراتيجية الهجومية، لكنها ضعيفة جدًا في استراتيجية الدفاع، ومع ذلك وبحكم الواقع فإنها تتفوق على الجيش في التسليح والتخطيط واستراتيجيات خوض المعركة، ولا تزال تحتفظ بقوتها الصلبة وآلياتها العسكرية وجنودها وغرفة عمليات القيادة والسيطرة”.
ويرى المحلل العسكري أيضًا أن “قوات الدعم السريع لا تكترث بالخسائر البشرية نظرًا لقدرتها على التعويض عبر الفزع أو تجنيد الشباب في المناطق التي تسيطر عليها حديثًا ضمن استراتيجية اكتساب الأرض”، كما يشير إلى “طبيعة مقاتلي الدعم السريع، التي تتميز بـ”الفراسة”، تختلف عن طبيعة مقاتلي الجيش الذين يستخدمون استراتيجية الاستنزاف”، ويردف “هذه الاستراتيجية لا تؤثر بشكل كبير على الدعم السريع نظرًا لاستمرار خطوط إمداده وتسليحه”.
يضيف كذلك تكتيكات الدعم السريع عند السيطرة على مناطق جديدة، إذ غالبًا ما تكون الغنائم أو ما يُعرف بـ “التغنيم” دافعًا قويًا للتحرك والسيطرة، إلى جانب ذلك فحين تريد الدعم السريع السيطرة على مدينة جديدة، فإنها تتبع في تخطيطها “استراتيجية الموجات البشرية في الهجوم” بحسب المحلل العسكري.
في هذا الصدد يشير المحلل العسكري إلى “تعمد الدعم السريع التشتيت ولفت انتباه الجيش إلى مدينة أخرى غير المقصودة بالهجوم، كما حدث في سنجة حيث كان الهجوم على مدينة سنار بغرض لفت نظر الجيش بعيدًا عن الهدف الرئيسي”، كما غلب عليهم استخدام تكتيك “القناصين”، خصوصًا في الأبنية المرتفعة داخل المدن، لتأخير تقدم قوات الجيش كما حدث في محاور أم درمان، إلى جانب ذلك تستخدم الدعم السريع تكتيك “الكمائن بسبب التفوق الاستخباراتي” على حد تعبيره.
وفيما يتعلق بالتحركات العسكرية المحتملة للدعم السريع، يعتقد المحلل العسكري أن “هناك مسعى لفتح خطوط إمداد جديدة مع دول الجوار، خصوصًا مع جنوب السودان وإثيوبيا، إلى جانب اكتساب الأرض وفرض واقع جديد يتم ترجمته إلى مكاسب سياسية على طاولة المفاوضات”.
أما بالنسبة لقدرة الجيش على استعادة المناطق التي خسرها في وسط السودان، فيشير المحلل العسكري إلى أنه لا يعتقد أن لدى الجيش “القدرة العسكرية في الوقت الحالي على استعادة تلك المناطق”.
ويشير إلى طبيعة التسليح التي تلعب دورًا كبيرًا في هذا الأمر، ويرى أن “الجيش لا يمتلك أسلحة نوعية أو عتادًا عسكريًا كافيًا لمجابهة كثافة نيران المليشيا”، مضيفًا “لكي يستعيد الجيش تلك المناطق يحتاج إلى تسليح مماثل لتسليح الدعم السريع، أو سرعة حركة مماثلة، أو طيران مسير حديث، والنقطة الأهم هي أن يتخلى الجيش عن استراتيجية الدفاع ويتوجه نحو الهجوم”.
القوات المشتركة وحماية المدنيين
القوة المشتركة لحركات الكفاح المسلح، وهي قوة تكونت من الحركات المسلحة في دارفور عقب اندلاع الصراع بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، معنية بحماية المدنيين في الإقليم. وفي بيان لها في 11 أبريل/نيسان 2024 أعلنت عن تخليها عن الحياد وأنها ستقاتل مع حلفائها في القوات المسلحة ضد الدعم السريع وأعوانهم من المأجورين على حد تعبيرهم، وشدد البيان على أن “القوة المشتركة” لن تنتظر لكي تكون في الدفاع “وإنما خير وسيلة للدفاع هي الهجوم”.
بوش عمدة بوش، عضو حركة تحرير السودان والقوة المشتركة، يوضح لـ “نون بوست” أن “القوة المشتركة تستخدم استراتيجيات هجومية ودفاعية حسب الوضع. على سبيل المثال، في محور وادي أمبار تتبنى استراتيجية الهجوم، بينما في محور الفاشر تعتمد استراتيجية الدفاع، لذلك لا توجد خطة واحدة ثابتة للقوة المشتركة في استراتيجيتها للحرب”.
بوش يشير إلى أن “القوة المشتركة لها تأثير كبير على الساحة السياسية بفضل التنظيمات التي تضمها، هي مشاركة في جميع جبهات الحرب في السودان، وقياداتها تشارك في منابر الحوار السياسي المطروحة، تُعرف القوة المشتركة بأنها قوة بديلة قادرة على تحقيق انتصارات في كل الجبهات، حتى مقارنة بالجيش وغيره من القوات”، على حد وصفه.
كما يوضح أن “القوة المشتركة تعمل تحت قيادة قيادتها المتمثلة في قيادة السيطرة، التي تشمل الحركات الموقعة على القوة المشتركة”، إلى جانب ذلك يمكن أن “تنسق القوة المشتركة مع الجيش في بعض الحالات، لكنها لا تعمل تحت إمرته”، يردف قائلًا.
يؤكد كذلك أن “القوة المشتركة طرحت في بيانها الأخير ضرورة إيقاف الحرب، والتوجه نحو الحوار، مع التأكيد على إيقاف المليشيات عن مهاجمة معاقل المدن وسرقة ممتلكات المواطنين، النقاش مع المليشيات يهدف إلى وقف الاعتداءات على الشعب السوداني، وبعد ذلك سيكون هناك حوار إذا كان هناك قبول. إذا لم يحدث ذلك، ستواصل القوة المشتركة تمددها العسكري.” على حسب وصفه.
تداعيات سيطرة الدعم السريع
تحقيق لشبكة CNN كشف تجنيد ما يقرب من 700 رجل و65 طفلًا قسرًا لتضخيم صفوف قوات الدعم السريع فقط في ولاية الجزيرة، ويقول شهود عيان إن قوات الدعم السريع تستخدم الجوع كسلاح، حارمة من لا يريد الانضمام من الطعام.
أكدت المسؤولة الإقليمية للمبادرة الاستراتيجية لنساء القرن الإفريقي “صيحة”، هالة الكارب، توثيق 250 حالة اغتصاب وعنف جنسي على مستوى السودان، من بينها 75 حالة موثقة بولاية الجزيرة في الفترة من ديسمبر/كانون الأول 2023 حتى أبريل/نيسان 2024، بواسطة قوات الدعم السريع.
كمت أدى تصاعد النزاع في ولاية سنار إلى نزوح نحو 151.750 شخص (ما يقارب 30.350 أسرة) منذ 24 يونيو/حزيران وفقًا لتقرير مصفوفة تتبع النزوح التابعة للمنظمة الدولية للهجرة الصادر في 11 يوليو/تموز.
وكانت محليات سنار وسنجة والدندر تستضيف بالفعل نحو 286 ألف نازح قبل التصعيد الأخير في الاشتباكات، كان معظمهم قد نزحوا بالفعل من ولايتي الخرطوم أو الجزيرة. وبالتالي قد يعاني النازحون من سنار من نزوح ثانوي.
في سياق معركة الفاشر قالت شبكة أطباء السودان إن القصف المدفعي لقوات الدعم السريع على مدينة الفاشر بولاية شمال دارفور تسبب في مقتل 257 مواطنًا خلال شهرين، بجانب إصابة مئات المدنيين، بحسب إحصائيات فريق الشبكة.
من جانبه كشف وزير الصحة السوداني عن وقوع 400 حالة اغتصاب، ودعا إلى إنشاء منصة موحدة لتنسيق الجهود وعلاج الضحايا، ولفت إلى وجود تنسيق بين الحكومة السودانية وصندوق الأمم المتحدة للسكان مع عدد من الجهات للتعامل مع الجثث، وأكد الوزير خروج 120 مستشفى عن الخدمة، بسبب اعتداء قوات الدعم السريع، وفقدان مستشفيات متخصصة في الأورام وزراعة الكلى.
بالنسبة إلى الخسائر الاقتصادية، تذهب التقديرات إلى تجاوز الخسائر المباشرة على الاقتصاد الوطني نحو 100 مليار دولار، فيما دُمر أكثر من 90% من المصانع، وتعطل القطاع الخدمي بنسبة 75%، فضلًا عن تدمير القطاع الزراعي بمعدل 70%.
وخسرت العملة السودانية 310% من قيمتها في الفترة من 13 أبريل/نيسان 2023 وحتى 1 أغسطس/آب 2024، حيث تراجع سعر الجنيه السوداني من 602 إلى 1870 جنيهًا مقابل الدولار الأمريكي، طبقًا لنشرة أسعار العملات الخاصة ببنك الخرطوم.
دور المجتمع الدولي في معالجة أزمة السودان
وفقًا لعزام عبد اللطيف، المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان، فإن “دور المجتمع الدولي في ملف تحقيق العدالة ومكافحة الإفلات من العقاب يتطلب تفعيل لجان تحقيق، بناءً على قرارات مجلس الأمن الدولي والاتحاد الإفريقي. وفي حال ثبوت الانتهاكات وتورط الجهات الفاعلة، يجب إصدار بيانات وتقارير تحدد المتهمين والضغط عليهم”.
وأضاف عزام لـ “نون بوست” أن “إذا فشلت هذه الإجراءات، يمكن إحالة المتهمين إلى الجهات العدلية الدولية، خصوصًا أن جرائم الحرب تُعد من أخطر الجرائم ويمكن أن تدخل في اختصاص المحكمة الجنائية الدولية”، وأشار إلى أن “أزمة السودان تعرف بالأزمة المنسية في العالم”، على حد وصفه.
ثم ماذا بعد؟
في الوضع الراهن بالسودان، يظهر بوضوح الفرق بين استراتيجيات الأطراف المتقاتلة في الحرب، وكل منها يؤثر بشكل كبير على سير النزاع وحياة الناس، الجيش السوداني يتبع استراتيجيات دفاعية وهجومية، معتمدًا على قدرته على الصمود والتكيف.
في المقابل، قوات الدعم السريع تعتمد على استراتيجيات هجومية وتفوق استخباراتي، إلى جانب سرعة في الحركة وإعادة التموضع، والتسليح الجيد، ما يمنحها ميزة في المعارك، لكن تطغى الانتهاكات على كل ذلك وتعد السمة البارزة لتلك القوات.
أما القوة المشتركة، فتلعب دورًا بارزًا في السياسة والحرب، حيث تمتلك القدرة على التأثير في الأحداث بفضل استراتيجياتها المرنة الخليط بين الهجوم والدفاع، بالتنسيق مع الجيش الذي يدفع بالطيران الحربي للتغطية على القوات المشتركة في الأرض والمشاركة الفعّالة في جميع الجبهات.
المضي قدمًا نحو تحقيق السلام في السودان يتطلب جهدًا جماعيًا من جميع الأطراف المعنية، من الضروري أن تلتزم الأطراف المتنازعة بوقف إطلاق النار وتقديم تنازلات للوصول إلى حل سياسي بمشاركة الجميع، خصوصًا مع المبادرة الأمريكية التي تدعو الجيش والدعم السريع إلى مفاوضات وقف إطلاق النار المزمع عقدها في 14 أغسطس/آب الحالي بجنيف.