أعلنت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بلغة الواثق من أمره وقبل أيام معدودة من إجراء العملية الانتخابية النيابية في العراق، بأن ظهور نتائج الانتخابات سيكون خلال 6 ساعات من نهاية عملية الاقتراع، ثم لم تلبث أن تحولت إلى ثلاثة أيام، وذلك قبيل إجراء العملية الانتخابية، لكننا نحن اليوم بعد أسبوع من إجراء الانتخابات، وما زالت النتائج النهائية لم تظهر، وما زالت 5% من البطاقات الانتخابية قيد الفحص؛ الأمر الذي يجعل البلد على كفِ عفريت لا يستطيع أحد التكهن بما ستؤول إليه الأمور، وغالبًا ستكون ما لا تحمد عقباه.
كل هذا يدلل على أحد الأمور التالية، إما أن المفوضية غارقة بالفساد للدرجة التي لا يستقيم فيها العمل، وتورطت بصفقات فساد كبيرة منها ما يخص أجهزة العد والفرز الآلي التي ثبت عدم كفاءتها بالعمل، أو أن تلك المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، لا صله لها بالاستقلالية، وأنها واقعة تحت تأثير الكيانات السياسية الكبيرة، لغرض تسهيل عمليات التزوير واسعة النطاق لصالح تلك الكيانات السياسية، أو أنها واقعة تحت التأثير الخارجي الذي يجعلها ترجح كفة كيان سياسي على حساب كيان سياسي آخر حسب ما ترتئيه مصلحة تلك الجهة الخارجية.
وربما أن المفوضية واقعة تحت تأثير كل تلك الأمور معًا، بمعنى أنها هيئة تعاني الفساد، وفي نفس الوقت واقعة تحت تأثير الكتل السياسية المتنفذة في العراق أو تحت تأثير الأجندات الأجنبية.
وإذا كان حال المفوضية أحد تلك التوقعات أو جميعها، فإننا كعراقيين مُقبلين على وضع لا نُحسد عليه، لما ستكون عليه ردود فعل الخاسرين بهذه الانتخابات ودعواتهم لإلغاء نتائج الانتخابات وإعادة إجرائها، وتمسُّك الذين خرجوا فائزين وفق النتائج الأولية للانتخابات، وتهديدهم وتنديدهم بمن يتجرأ على الحديث بإلغاء نتائج الانتخابات الحاليّة.
أصرت المفوضية على اعتماد واستخدام أجهزة العد والفرز الآلي، وكان إصرارها مستغربًا يدل على أن رائحة فساد تفوح من العملية
لقد كانت دعوى المفوضية وحجتها عندما استخدمت أجهزة العد والفرز الآلي، تسريع ظهور نتائج التصويت في الانتخابات، وضمان نزاهة العملية الانتخابية والحد من التزوير، من أجل هذا اشترت أجهزة للعد والفرز الآلي التي بلغت قيمتها ما يفوق الـ100 مليون دولار، وتبيَّن لاحقًا أن تلك الأجهزة، لا هي سرَّعت ظهور النتائج، ولا هي ضمنت عدم التلاعب بأصوات الناخبين والحد من التزوير.
لقد أصرت المفوضية على اعتماد واستخدام أجهزة العد والفرز الآلي، وكان إصرارها مستغربًا يدل على أن رائحة فساد تفوح من العملية، هذه الأجهزة التي أصرت على استخدامها المفوضية، كانت الدول المتقدمة قد تجاوزتها وتركت استخدامها، لكثرة ما ارتكبت من أخطاء فنية، وعادوا إلى الفرز اليدوي لاعتباره أكثر نزاهة وشفافية، لكن المفوضية أثرت تجربة المجرب رغم علمها أنها عملية فاشلة، وثبت فشلها في كثير من البلدان.
ومما يعزز نظرية وجود الفساد في داخل هذه الهيئة، استلام المفوضية لمبالغ كبيرة من الحكومة العراقية لإتمام العملية الانتخابية، ومع ذلك تقول المفوضية إنها كانت بحاجة لدعم مالي أكبر لتسير العملية الانتخابية بشكل جيد، وهو دليل على حجم الإنفاق المبالغ فيه وحجم الفساد الذي اعترى تلك المؤسسة.
كما ويتبين لنا أن هناك نيَّة مبيَّته لضرب العملية الانتخابية بالصميم من خلال استخدام هذه الأجهزة، دلَّل على ذلك الغموض الذي أحاط عملية شراء تلك الأجهزة، والتعاقد مع أربع شركات مختلفة لإدارة تلك العملية الآلية وليس مع شركة واحدة، الأمر الذي يجعل حدوث الخلل والخطأ أمرًا واردًا بشكل كبير.
هم يعلمون أن الشرخ الموجود بين التيار الصدري من جهة وكتلة المليشيات وكتلة نوري المالكي من جهة أخرى، هي خلافات مستحكمة ليس من السهل تجاوزها وإقامة كتلة كبيرة داخل البرلمان القادم
والحال قد مر على علاَّته في آليات المفوضية، حتى أفرزت لنا عملية التصويت التي أجريت قبل أسبوع نتائج غير متوقعة للكثير من السياسيين وحتى المراقبين، بل وحتى لمن قام بعمليات التزوير واسعة النطاق، ذلك لأن النتائج لم تكن لترضيهم، خاصة أن النتائج الأولية غير النهائية قد تصدرها ائتلاف “سائرون” التابع لمقتدى الصدر، وبالتالي فإن جميع أتباع ومريدي إيران وقعوا في حيرة من أمرهم عن كيفية قيامهم ببناء الكتلة الأكبر داخل البرلمان المقبل، التي سيكون من حقها تشكيل الحكومة المقبلة؟
هم يعلمون أن الشرخ الموجود بين التيار الصدري من جهة وكتلة المليشيات وكتلة نوري المالكي من جهة أخرى، هي خلافات مستحكمة ليس من السهل تجاوزها وإقامة كتلة كبيرة داخل البرلمان القادم، ووجدوا أنفسهم أمام خيارات أحلاها مر، فهم إما أن يتحالفوا مع العبادي وإعطاء رئاسة الوزراء له حسب الشرط الذي يشترطه هو على الآخرين، أو أن يضطروا للتحالف مع طيف واسع من الأحزاب والكتل السياسية التي سيضطرون لتقديم الكثير من التنازلات لها لكي يتوافقوا على تشكيل الكتلة الأكبر وهو أمر متعذر حتى هذه اللحظة، رغم الجهود التي يبذلها قاسم سليماني.
بالمقابل تبذل الولايات المتحدة الامريكية جهودًا استثنائية لتشكيل كتلة كبيرة، تتألف من ائتلاف الصدر وائتلاف العبادي وحزب البارزاني، بالإضافة لانضمام الحكيم وأسامة النجيفي وتكتل أياد علاوي، لكن هكذا تكتل صعب، وليس سهلًا جمع كلَّ هؤلاء ليشكلوا كتلة كبيرة، رغم أولى خطوات هذا التكتل الكبير قد بدأت فعلًا بالاجتماع الذي ضم الصدر والحكيم اللذان قررا التوجه إلى باقي الكتل والأحزاب السياسية لتشكيل الحكومة القادمة.
وربما تأجيل إعلان نتائج ما تبقى من مقاعد برلمانية يقدر عددها بـ5% من مجموع المقاعد، هو لغرض بقاء القدرة على تصحيح أي معادلة صعبة وعصية على التحقيق، ونحن نرى الكتل السياسية سائرة تجاه إنشاء الكتلة الكبيرة، وسيتم التلاعب بتلك المقاعد المتبقية لترجيح كفة أحد الفريقين على حساب الآخر.
يتنافس الأمريكان والإيرانيون بشراسة للفوز بتشكيل حكومة عراقية تكون ذات ولاء لأحدهما على حساب الآخر، وتبدو الأمور أنها تمضي إلى الأخذ بالجدية في معركة تشكيل الحكومة
لكن من ستكون له اليد الطولى في التأثير على إدارة العمليات في المفوضية، ليستطيع القيام بتلك العملية؟ ليس لدينا تأكيد على وجه اليقين عن هوية ذلك الكيان أو تلك الدولة، لكن السفير الأمريكي كان داخل مركز فرز الأصوات الرئيسي في المفوضية، فهل وجوده كان صدفة؟ والتهديدات التي وصلت إلى بعض أعضاء مجلس المفوضين، هل كانت صدفة؟ وجود قاسم سليماني في العراق يدور على رؤوس زعماء الكتل السياسية وتأجيل إعلان النتائج النهائية للانتخابات، هل كان ذلك كله صدفة؟ لا نتوقع ذلك.
يتنافس الأمريكان والإيرانيون بشراسة للفوز بتشكيل حكومة عراقية تكون ذات ولاء لأحدهما على حساب الآخر، وتبدو الأمور أنها تمضي إلى الأخذ بالجدية في معركة تشكيل الحكومة، وهو ما ينذر بوصول الأمور إلى مرحلة التصادم في حال استطاع أحد الفريقان النجاح بتشكيل تلك الكتلة الكبيرة وفشل الفريق الثاني، وربما يكون هذا التصادم يتخذ وجهه المسلح هذه المرة لتصفية خلافاتهم في هذا الموضوع الحساس.