بينما تستعد المرأة السعودية لبدء سريان قرار السماح لها بقيادة السيارات في المملكة والمقرر تطبيقه في 24 من يونيو/حزيران المقبل امتثالاً للأمر الملكي الصادر عن العاهل السعودي في 26 من سبتمبر/أيلول 2017، إذ بالسلطات السعودية تعتقل سبعة ناشطين في مجال الدفاع عن حقوق المرأة، بينهم نساء، حسبما قالت منظمة “هيومن رايتس ووتش”.
المنظمة الحقوقية الدولية في تقرير لها صبيحة اليوم السبت قالت إنّ اعتقال الناشطين السبع وبينهم نساء، كان يوم الثلاثاء الماضي، غير أن الأسباب الفعلية لمثل هذه الإجراءات لم تتّضح بعد، فيما أشارت إلى أنه في سبتمبر/أيلول 2017 “اتصل الديوان الملكي بناشطين بارزين… وحذّرهم من مغبة الإدلاء بتصريحات إعلامية”.
حالة من الجدل أثارتها هذه الخطوة التي يراها البعض تجسد حالة التناقض الواضحة في سياسات ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الإصلاحية، ففي الوقت الذي يرفع فيه شعارات حقوق المرأة وتدشين صفحة جديدة في تاريخها، إذ به في الجانب الآخر يزج بها في غياهب السجون والمعتقلات، ليبقى السؤال: المرأة في السعودية.. عهد جديد أم إصلاح شكلي لأغراض سياسية؟
إنجازات غير مسبوقة
منذ قيادة ابن سلمان دفة الأمور في المملكة شهد المجتمع السعودي قرارات غير مسبوقة في مجال حقوق المرأة، نسفت وبشكل كبير الكثير من الصور الذهنية السابقة عن السعودية في هذا المضمار على وجه التحديد، وهو ما دعا البعض في الداخل والخارج إلى التعويل عليها في تدشين صفحة جديدة في منظومة الحكم في البلد الأكثر جدلاً في مجال الحقوق والحريات النسوية طيلة عقود طويلة مضت.
حزمة إنجازات حققتها المرأة مع ولاية ابن سلمان على رأسها السماح لها بعد طول انتظار باستخراج رخصة قيادة وهو الحق الذي طالما عانت لأجله نساء المملكة، كذلك لم تعد المرأة السعودية مضطرة لتقديم موافقة ولي أمرها للحصول على الخدمات المقدمة لها، إذ بات من حقها إنهاء إجراءاتها كافة بنفسها.
الحقوقية المغربية خديجة الرياضي: النظام السعودي مستعد لتغيير أمور أخرى لأجل استمراره وضمان استقراره، وأي تغيير حقيقي لأوضاع المرأة السعودية لن يكون ممكنًا مع طبيعة النظام السياسي السائد في البلد
هذا بخلاف إقحامها – فجأة – عالم السياسة عبر مجلس الشورى والبلديات وغيرها من النوافذ التي كانت حكرًا على الرجال قبل ذلك، إضافة إلى تعيين النساء في بعض المناصب المحلية والقيادية والتنفيذية وهو حلم طالما راود السعوديات لسنوات طويلة.
ثم جاء الإفراج عنها مجتمعيًا بالسماح لها بحضور مباريات كرة القدم والدخول إلى الملاعب الرياضية ومن بعدها السينما والمسارح ثم حضور الحفلات المختلطة لتدشن السعوديات صفحة جديدة من حياتهن وفق قواعد مختلفة تسمح للمرأة بالتنفيس عن نفسها بعيدًا عن التهميش المتعمد سواء من المجتمع أو الدولة على حد سواء خلال الفترات الماضية.
السماح بدخول المرأة الملاعب كان حلمًا يراود السعوديات
إصلاح شكلي
لم تقنع التحركات السعودية الأخيرة بحق المرأة الكثير من المهتمين بهذا المجال، فبعضهم يرى أنه ليس هناك إرادة سياسية حقيقية لتغيير واقع المرأة السعودية وتمكينها من حقوقها على الأقل أسوة ببعض الدول الشقيقة والمجاورة لها ومنها الكويت وقطر والإمارات على سبيل المثال.
أنصار هذا الرأي يستنكرون أن يعد السماح للمرأة السعودية بقيادة السيارة إنجازا ومكسبًا كبيرًا كما يصور الإعلام، لافتين إلى أن مثل هذه الحقوق من البديهيات الأساسية في حياة المرأة التي لا يجب أن تحفل بالحصول عليها، غير أنهم في الوقت ذاته ثمنوا هذه الخطوة وإن تحفظوا على القول بأنها تعكس مؤشرات نحو دخول السعوديات مرحلة جديدة من الحريات.
آخرون رأوا أن هذه القرارات لا تعدوا كونها “حسابات سياسية” تأتي في سياق “إرضاء الولايات المتحدة ولأجل الاستمرار في المشهد”، كما أشارت المغربية خديجة الرياضي، الفائزة بجائزة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التي أكدت خلال حديثها لـDW عربية أن النظام السعودي “مستعد لتغيير أمور أخرى لأجل استمراره وضمان استقراره، وأيّ تغيير حقيقي لأوضاع المرأة السعودية لن يكون ممكنًا مع طبيعة النظام السياسي السائد في البلد”.
لم يختلف رأي الحقوقية المغربية عن محللين آخرين ذهبوا إلى أن المرأة كانت أحد مطايا ابن سلمان لتقديم أوراق اعتماده للإدارة الأمريكية وأوروبا على حد سواء، كملك قادم لبلاده خلفًا لوالده، خاصة بعد الانتقادات الحادة التي وجهت للمملكة في مجال حقوق المرأة وسيطرة النفوذ الديني على المجتمع والتوجهات السعودية.
ابن سلمان حرص وبقوة على ترميم تلك الصورة وبناء أخرى جديدة تضرب بكل ما جاء في الأولى عرض الحائط، فقلم أظافر التيار الديني، إما باعتقالات رموزه أو تقليل نفوذه لحساب هيئة الترفيه، كذلك منح المرأة حزمة من الحقوق التي طالما كانت محل جدال في السابق، وبذا نجح الرجل في تصدير نفسه في صورة الإصلاحي المدافع عن حقوق المرأة والشباب، الخالع لعباءة الراديكالية المفعم بالفكر الليبرالي المتجدد، وهو ما قد يروق لأصحاب القرار في العواصم الغربية.
الإصلاح الذي يقوده ولي العهد محمد بن سلمان كان حتى الآن حملة لتخويف الإصلاحيين السعوديين الحقيقيين، ممن يتجرؤون علنًا على الدفاع عن حقوق الإنسان أو تمكين المرأة
ترهيب الإصلاحيين الحقيقيين
حالة التناقض التي تنتاب سياسات ابن سلمان في تعامله مع ملف المرأة في بلاده عززت بشكل أو بآخر الأصوات التي تشير إلى أن الإصلاح المزعوم في هذا المجال ليس إلا إصلاحا شكليًا ذا أهداف سياسية كما تم الإشارة إلى ذلك، أما ما يثار بأن المملكة على أعتاب مرحلة جديدة من التعايش مع المرأة في سياق توافقي يقر لها حقوقها، شكلاً ومضمونًا، ظاهريًا وجذريًا، فهو من باب الأحلام التي تراود الجميع وتصطدم مع الواقع بصورة واضحة ما بين الحين والآخر.
التقرير المنشور على موقع “هيومن رايتس ووتش” اليوم يؤكد هذه الفرضية بشكل كبير، إذ كشف اعتقال السلطات السعودية 7 مدافعات ومدافعين بارزين عن حقوق المرأة، في الـ15 من الشهر الحاليّ، لطالما دعوا إلى إنهاء حظر قيادة النساء وإلغاء نظام ولاية الرجل، أسمائهم كالتالي: عزيزة محمد عبد العزيز اليوسف ولجين هذلول الهذلول وإيمان فهد محمد النفجان وإبراهيم عبد الرحمن المديميغ ومحمد فهد محمد الربيعة وعبد العزيز محمد المشعل، بالإضافة إلى شخص سابع تتطلب التحقيقات عدم الإفصاح عن اسمه حاليًّا.
المنظمة أشارت إلى أن سبب الاعتقال لم يتضح بعد، غير أنها قالت إنه في سبتمبر/أيلول 2017، اتصل الديوان الملكي بأبرز ناشطي البلاد، بينهم بعض الذين اعتُقلوا مؤخرًا، وحذرهم من التحدث إلى وسائل الإعلام، حسبما قال حقوقيون سعوديون.
“الإصلاح” الذي يقوده ولي العهد محمد بن سلمان كان حتى الآن حملة لتخويف الإصلاحيين السعوديين الحقيقيين، ممن يتجرؤون علنًا على الدفاع عن حقوق الإنسان أو تمكين المرأة، الرسالة واضحة، كل من يُشكك في أجندة ولي العهد سيُسجن”.. هكذا علقت سارة ليا ويتسن مديرة قسم الشرق الأوسط في “هيومن رايتس ووتش” على حملة الاعتقالات الأخيرة.
إيمان النفجان
لجين الهذلول
التقرير أوضح أن إيمان النفجان ولجين الهذلول المشمولتان ضمن حملة الاعتقالات، طالما دعتا علنًا لسنوات بإنهاء التمييز ضد المرأة، كما وقعتا عريضة في سبتمبر/أيلول 2016، ضمت أكثر من 14 ألف توقيع، تطالب الملك سلمان بإلغاء نظام ولاية الرجل.
يذكر أن اعتقال الهذلول على وجه الخصوص لم يكن الأول، ففي نوفمبر/ تشرين الثاني 2014، تعرضت للاعتقال من السلطات السعودية بعد أن قادت سيارتها بنفسها من أبو ظبي إلى الحدود السعودية وحاولت دخول البلاد، حيث تم توقيفها في مركز احتجاز لمدة 73 يومًا قبل إطلاق سراحها، كذلك اعتقلت مرة أخرى في يونيو/حزيران 2017 عندما وصلت مطار الدمام، لكن أُطلق سراحها بعد عدة أيام.
وفي المقابل أكدت السلطات السعودية خبر الاعتقال، حسبما أشارت وكالة “واس” الرسمية” غير أنها وعلى لسان المتحدث الأمني لرئاسة أمن الدولة أفادت بأن “الجهة المختصة رصدت نشاطًا منسقًا لمجموعة من الأشخاص قاموا من خلاله بعمل منظم للتجاوز على الثوابت الدينية والوطنية، والتواصل المشبوه مع جهات خارجية فيما يدعم أنشطتهم، وتجنيد أشخاص يعملون بمواقع حكومية حساسة وتقديم الدعم المالي للعناصر المعادية في الخارج بهدف النيل من أمن واستقرار المملكة وسلمها الاجتماعي والمساس باللحمة الوطنية التي أكدت المادة الثانية عشرة من النظام الأساسي للحكم على وجوب تعزيزها وحمايتها من الفتنة والانقسام”.
المرأة كانت أحد مطايا ابن سلمان لتقديم أوراق اعتماده للإدارة الأمريكية وأوروبا على حد سواء، كملك قادم لبلاده خلفًا لوالده، خاصة بعد الانتقادات الحادة التي وجهت للمملكة في مجال حقوق المرأة
وعليه فقد تمكنت “الجهة المختصة من القبض على عناصر تلك المجموعة، والبالغ عددهم سبعة أشخاص، فيما لا يزال العمل جاريًا على تحديد كل من له صلة بأنشطتهم واتخاذ كل الإجراءات النظامية بحقه”، فيما ذهب البعض إلى أن قطار الاعتقالات لن يقف عند محطة هؤلاء السبع وفقط، مع توقعات بزيادة الأعداد خلال الأيام القادمة.
وبعيدًا عن استهداف المدافعين الحقيقيين عن حقوق المرأة على وجه التحديد غير أن للسلطات السعودية تاريخ طويل في قمع النشطاء والمعارضين، إذ تشير التقارير إلى إدانة المحاكم السعودية ما يزيد على 30 ناشطًا ومعارضًا بارزًا على الأقل منذ 2011، واجه كثير منهم أحكامًا بالسجن 10 أو 15 سنة بتهم تهدف إلى تجريم المعارضة السلمية.
“هيومن رايتس ووتش” في تقرير لها في السادس من مايو/آيار الحاليّ قالت إن السعودية تحتجز 2.305 مواطن لأكثر من 6 أشهر، وفي بعض الحالات لأكثر من عقد من الزمن، دون إخضاعهم لإجراءات جنائية أمام المحاكم، محذرة من استمرار تلك الانتهاكات التي تخالف مواثيق حقوق الإنسان الدولية.