رفع الاحتلال الإسرائيلي مستوى التصعيد والتحدي في الإقليم، إثر تنفيذ عمليتي اغتيال تُعدّان الأكبر من حيث مستوى المستهدفين، والأكثر تحديًا من حيث مكان الاستهداف، إذ نفذ جيش الاحتلال عملية اغتيال لفؤاد شكر الذي يُصنّف بوصفه أحد أهم القادة الاستراتيجيين في “حزب الله” اللبناني، في قلب العاصمة القيادية للحزب، الضاحية الجنوبية في بيروت، وتلا ذلك تنفيذ جهاز الموساد الإسرائيلي عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، في العاصمة الإيرانية طهران.
لم يكن من المستبعد لا لدى حركة حماس والمقاومة الفلسطينية، ولا لدى “حزب الله” اللبناني وإيران والفصائل الحليفة لها، خيار أن تحاول “إسرائيل” الظفر بكل ما يلوح من قادة العمل المقاوم، وليس بالجديد أن تعكف “إسرائيل” على تنفيذ هذه السياسة التي أعلنت توسيعها لتشمل كل الحدود والأماكن في العالم بعد “طوفان الأقصى”، في تصريحات رسمية صدرت عن رئيس وزراء الاحتلال، بنيامين نتنياهو، ووزير حربه، يوآف غالانت، ومع ذلك بات واضحًا أن طبيعة المستهدفين ومكان الاستهداف قد شكّلا صدمة للحزب ولإيران.
خلقت الاغتيالات واقعًا جديدًا وضع إيران والقوى الحليفة معها أمام مفترق طرق مفصلي، فإما أن يكون ردها حاسمًا وواضحًا بشكل لا لبس فيه، وهو ما سيعني المخاطرة بأن ينطوي على هذا الرد تدحرُج غير محسوب يدفعها إلى التورط في حرب سعت على مدار عشرة شهور إلى تجنبها، وإما أن تذهب إلى ابتلاع الضربات وهو ما سيزيد من شهية الاحتلال الإسرائيلي وسيضعف أو حتى ينسف الصورة والواقع الذي عملت إيران على بنائه في المنطقة بخريطة تحالفات مع قوى وفصائل تُشكّل عبرها معادلة مواجهة واشتباك مؤثرة سواء مع “إسرائيل” أم المصالح الأمريكية في المنطقة، حال تعرضت إلى تهديد مباشر أو ضربة كبرى لبرنامجها النووي أو قدراتها التسليحية.
حسمت إيران بوضوح، وكذلك “حزب الله”، أن عمليات الاغتيال التي انتهكت كل خطوط الردع وتجاوزت كل قواعد الاشتباك الذي ساد مشهد المواجهة (الإسنادي) منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 الهادف إلى تخفيف الضغط عسكريًّا عن قطاع غزة دون التدحرج إلى مواجهة شاملة في المنطقة.
الجبهات الإسنادية وحرب الاستنزاف
في اليوم التالي لانطلاق طوفان الأقصى، حدد “حزب الله” شكل مساهمته الميدانية في المواجهة، عبر تدشين مفهوم “الجبهات الإسنادية” في إطار تخفيف الضغط العسكري على المقاومة في قطاع غزة، وتشكيل حالة من الإشغال لجيش الاحتلال، ما أصبح محدّدًا للمساهمة التي تقدمها حركة “أنصار الله” في اليمن، والفصائل العراقية.
حافظ الحزب اللبناني على توجيه ضربات محددة يضمن عبرها تحديد قواعد الاشتباك الجديدة ضمن “الفعل الإسنادي”، بحيث يستهدف الأهداف العسكرية في نطاق عمق محدد بالشريط الحدودي والقرى اللبنانية والسورية المحتلة شمال فلسطين المحتلة، ومقابلة كل استهداف إسرائيلي للمدنيين اللبنانيين برشقات صاروخية محدّدة تستهدف في الغالب مستوطنة “كريات شمونة”، في محاولة لهندسة أن يكون رد الفعل الإسرائيلي موازيًا في الاستهداف والعمق، وعليه بات يواجه الاختراق بالاختراق ورفع الوتيرة برفع الوتيرة، لكن ضمن إطار محدود يضمن تجنُّب الانزلاق إلى حرب.
لم تنجح محاولات هندسة الرد الإسرائيلي، وبعد الأشهر الثلاث الأولى في الحرب بدأ الاحتلال الإسرائيلي في رفع مستوى الاستهداف، ونفذ عددًا من الضربات التي شكلت اختبارًا مباشرًا لحجم ووتيرة الاشتباك الذي قد يصل إليه “حزب الله”، وقد حسم رد الحزب اللبناني المحدود على عمليتي اغتيال الشهيد صالح العاروري في قلب الضاحية الجنوبية في بيروت، واغتيال القيادي في وحدة الرضوان الخاصة في الحزب، وسام الطويل، أن الحزب سيبقى محصورًا في إطار الرد المنضبط، سعيًا إلى تلافي خيار الحرب المفتوحة.
استغل الاحتلال جيدًا المساحة التي أتاحها هذا التقدير، ما دفعه إلى مواجهة الاستنزاف الذي مثلته الجبهة الإسنادية على الحدود الشمالية لفلسطين المحتلة، باستنزاف مقابل لـ”حزب الله” ومقدراته ومقاتليه، وصولًا إلى استنزاف قادته، عبر اغتيال قائدين من أهم ثلاثة قادة ميدانيين في الحزب يقودون محاور القتال الميداني على الأرض، وهما قائد وحدة عزيز محمد نعمة ناصر، وقائد وحدة نصر طالب عبد الله.
في الإطار ذاته، شكّل استمرار “الجبهات الإسنادية” في الاشتباك عامل إرهاق واستنزاف استخباراتي وعسكري، مضافًا إليه الخسائر الاقتصادية والضغط الهائل الذي يسببه استمرار تفريغ مستوطنات شمالي فلسطين المحتلة من سكانها طوال هذه المدة، دون أن يكون هناك أفق لعودتهم في ظل انعدام نية نتنياهو إنهاء الحرب.
دوائر الاستعصاء
يجد “حزب الله” أن الفاتورة التي يدفعها باتت باهظة ضمن دوائر مفرغة من الاستنزاف للعتاد والقدرات البشرية، إضافةً إلى توسيع الاحتلال دائرة الاغتيالات القيادية، ما قد تنتج عنه فجوات نوعية في تسلسل القيادة بالحزب، دون الخوض في معركة حقيقية واشتباك موسع، ما يجعل من معادلة الخسائر أصعب وأقسى.
في الوقت الذي يتأثر الاحتلال تأثرًا نوعيًا من انعدام قدرته على فرض معادلات الهدوء شمال فلسطين المحتلة ولا ضمان عودة المستوطنين إلى منازلهم، ما يشكل ضربة مؤثرة لمحاولات ترميم الردع، إذ تعهد بنيامين نتنياهو بأن حربه في قطاع غزة موجّهة أيضًا لكل خصوم “إسرائيل” في المنطقة، وسط محاولات تحويل ما يجري من دمار وقتل واسع في الأراضي الفلسطينية إلى عقيدة أو استراتيجية ردع تفُوق في تأثيرها “عقيدة الضاحية” التي سعت إلى تثبيتها في حرب يوليو/تموز 2006، ضمن عمليات كي الوعي الجمعي لشعوب المنطقة حول مناعة “إسرائيل” وحجم الثمن الذي سيدفعه من يحاول أن يمس أمنها.
فيما لم يكن الواقع ما بعد “طوفان الأقصى” كذلك، بل شجع صمودُ المقاومة الملحمي في قطاع غزة بعد نجاحها في توجيه الضربة الأكبر للأمن والردع الإسرائيليين في السابع من أكتوبر، فكان الواقع مغايرًا تمامًا، إذ أصبحت دولة الاحتلال تتلقى ضربات ليس من قطاع غزة فحسب، بل في جنوبي الأراضي المحتلة وشماليها وعلى خطوط الملاحة البحرية وبضربات متتالية من الطائرات المسيرة اليمنية، إضافةً إلى عودة زخم تصاعد الفعل المقاوم في الضفة الغربية، وقد ثبت قطعًا أن مشاهد الدمار لم تردع أحدًا لأن مشاهد المقاومة والصمود تقابلها أيضًا.
لم تلفح محاولات الاحتلال تقديم إغراءات تفاوضية لـ”حزب الله”، كما لم تفلح الضربات الأمريكية-البريطانية لليمن في تثبيت فكرة فصل الجبهات، أو الخوض في مسارات تهدئة منفصلة دون توقف العدوان على قطاع غزة، فيما لم تفلح أيضًا وتيرة الاشتباك الحالية في إجبار الاحتلال على تغيير معادلاته جذريًّا في مقاربات وقف إطلاق النار في القطاع. أدخل هذا المشهد الجميع في دائرة الاستعصاء، وعلق الجميع في دوامة الاستنزاف دون جدوى مع عجز جميع الأطراف على اختراق الأسقف نتيجة خشية الانزلاق إلى الحرب الإقليمية.
محاذير الحرب الإقليمية
باستثناء المقاومة الفلسطينية، تخشى كل الأطراف الفاعلة في الشرق الأوسط بجدية – المنخرطة في القتال أو غير المنخرطة – من إمكانية التدحرج إلى حرب إقليمية لا يمكن التنبؤ بحجم التأثير الذي ستتركه على شكل ومستقبل المنطقة.
وعلى الرغم من إدراك الجميع أن ما قبل “طوفان الأقصى” ليس مثل ما بعده، وأن التحولات التي ستُحدثها ارتدادات “الطوفان” ستصل إلى العديد من دول المنطقة والعالم، فإن محاولات الحد منها مستمرة ولم تتوقف، وفي القلب منها محاولات الأطراف الإقليمية المتعددة هندسة “اليوم التالي” في غزة بما يتناسب مع حساباتها ويقيها التأثيرات الناتجة ضمن لعبة المحاور في الشرق الأوسط.
تخشى الجمهورية الإسلامية في إيران أن “إسرائيل” ستستثمر نشوب حرب إقليمية في استدراج الولايات المتحدة للدخول في حرب مباشرة مع إيران، ما سيعني تكبدها خسائر كبرى قد تعطل مشروعات متعددة، في القلب منها المشروع النووي ومشروعات التسليح وخطوط إنتاج الصواريخ والمُسيّرات التي قطعت فيها شوطًا مهمًا، ساهمت الحرب الروسية الأوكرانية في توسيع الأفق أمامه ليكون أكثر تأثيرًا ووضوحًا ضمن التحولات العالمية، خصوصًا وهي أمام فرصة تحولها إلى دولة “عتبة نووية” ما يقربها أكثر من أي وقت مضى من تحقيق “الردع النووي” الذي طمحت إليه كثيرًا.
في السياق ذاته، فإن حسابات “حزب الله” اللبناني الداخلية معقدة جدًا، فتكلفة الحرب كبيرة جدًا على لبنان المأزوم اقتصاديًا ويعاني من فراغ رئاسي ويعمل في وضع دستوري مشوه ويشوبه الكثير من التجاذبات الداخلية في ظل استعدادية حاضرة دائمًا لخصوم الحزب الداخليين للانقضاض عليه وتغيير معادلات التأثير والنفوذ الذي ثبتها الحزب عبر السنوات الماضية، خصوصًا بعد أن باتت تفاهمات نصر الله-عون بلا تأثير جدي مع وجود جبران باسيل على رأس التيار الوطني.
وفي الإطار ذاته، فإن معادلات التسليح وبناء القوة التي راكمها الحزب طويلًا ستكون مهددة بالاستنزاف الأقصى في حرب لا يمكن الحسم بأنها ستكون مع “إسرائيل” وحدها، في ضوء الاستعداد الأمريكي الواضح للشراكة في الدفاع عن حليفتها الاستراتيجية في الشرق الأوسط، أضف إلى ذلك أن خوض الحزب لحرب بهذا الحجم لسبب “غير لبناني” سيُسهّل مهاجمته داخليًا وتحميله مسؤولية الدمار والحرب.
وأما دول الخليج، وفي المقدمة منها السعودية والإمارات، وعلى الرغم من أن التخلص من “التهديد الإيراني” سيشكل خدمة استراتيجية لهم، فإن انعدام اليقين بحدود التأثير لمثل هذه الحرب سيجعل منهم عرضةً للتأثر ولربما بدرجات كبرى من هذه الحرب، خصوصًا أن الولايات المتحدة لن تتوانى أو تتردد في استخدام قواعدها العسكرية في هذه الدول في مهاجمة إيران وحلفائها بالمنطقة، ما يعني أن الرد سيكون على هذه الدول المستضيفة ومدنها الزجاجية، ما سيهدد مشروعات التطوير الاقتصادية، وبشكل خاص السعودية.
وكذلك الولايات المتحدة، المقبلة على موسم انتخابي يعاني فيه الحزب الديمقراطي من مؤشرات متأرجحة كان لحرب الإبادة في قطاع غزة نصيبها في زعزعة هذا الحضور هذه المؤشرات، خصوصًا أن إدارة بايدن سبق وحددت ضمن استراتيجيتها الخارجية تبنّي مقاربة إعادة التموضع في الشرق الأوسط وتخفيض الحضور المباشر لصالح إقامة حلف دفاعي لحلفائها تقوده “إسرائيل”، ويكون عماده الاستثمار في مشروع التطبيع السعودي الإسرائيلي لضمان نجاح هذا الحلف الذي يُفترض به أن يواجه نفوذ خصوم الولايات المتحدة و”إسرائيل” في المنطقة وفي المقدمة منها الحضور الإيراني المتصاعد.
وبالتالي فإن نشوب حرب إقليمية سيعني – بما لا يدع أي مجال للشك – المزيد من التورط الأمريكي في الشرق بما يخالف توجهات الإدارة الأمريكية الحالية التي بحثت عن إغراق روسيا في أوكرانيا وستجد نفسها تغرق في الشرق الأوسط، ما يعني أن الفشل الذريع سينعكس على التوجهات الانتخابية للجمهور الأمريكي، خصوصًا في الولايات المتأرجحة التي ستحسم السباق الانتخابي.
أما دولة الاحتلال، وعلى الرغم من الحديث المتكرر عن معادلات الردع والقوة واختراق كل الخطوط الحمراء، فإن حسابات العقل والمنطق فيها تعي تمامًا أن أي حرب إقليمية، حتى لو كانت بمشاركة أمريكية مباشرة، لن تكون يسيرة أو سلسة عليها، خصوصًا في ظل الأزمات المتراكمة داخليًّا وحالة انعدام الثقة ما بين المستوى السياسي والمستوى العسكري، والإرهاق والاستنزاف الكبير الذي يعاني منه جيش الاحتلال بعد عشرة أشهر من القتال في قطاع غزة، والانكشاف التي بات واضحًا للمنظومة التسليحية التي لا يمكن أن تكون بزخمها المعتاد دون خطوط الإمداد الأمريكية المفتوحة.
إضافةً إلى كل ذلك، أن “إسرائيل” حتى الآن، وعلى الرغم من كل التفوق الاستخباراتي، لا تستطيع أن تحدّد حجم وطبيعة القدرات التسليحية الحقيقية لـ”حزب الله”، ولا حجم عمق البنية التحتية لها ولا القدرات الهجومية التي لن تستطيع إحباطها، والأمر سواءٌ حول حجم البنية التحتية التي قد تكون جهزتها إيران في مناطق أخرى مثل الأراضي السورية، أو أي مفاجآت أخرى قد تظهر في حال انفتاح كل أبواب المواجهة ووصول الحسابات إلى الدرجة الصفرية عند الجميع.
تجعل هذه المعطيات كل الأطراف تعمل جاهدة على تفادي سيناريو الحرب الإقليمية، الذي لا يمكن التنبؤ بأن مفاعليه يمكن أن تبقيه أصلًا في إطار المواجهة الإقليمية واستبعاد تطوره إلى اشتباك/اشتباكات متعددة في أماكن أخرى في العالم، خصوصًا إن أمست القدرات الأمريكية في حالة من الانكشاف والاستنزاف.
المواجهة التحريكية قد تشكّل المخرج
أمام تعقُّد المشهد، وتعاظم دوائر الاستعصاء على كل الجبهات، وإصرار بنيامين نتنياهو على إطالة أمد الحرب على قطاع غزة، وسعيه إلى رفع وتيرة ضرباته في الإقليم وصولًا إلى الاغتيالات الأخيرة التي مثّلت ذروة الضغط الأقصى على إيران و”حزب الله”، تصبح خيارات المواجهة أوسع، وأكبر خصوصًا مع الإدراك أن التجاوز عن الاعتداء الإسرائيلي الآن سيعني زيادة الثمن الذي سيجبيه الإسرائيلي مقابل استمرار الاشتباك الإسنادي، ما يحدو بالبحث عن خيارات أخرى لا تعني التدحرج إلى حرب إقليمية ولا تمرير الضربات الإسرائيلية.
وبالطبع، لا يمكن الفصل بين جرأة نتنياهو في توسيع دوائر عدوانه الحالية وزيارته للولايات المتحدة، خصوصًا أنه وجد في انسحاب بايدن من السباق الانتخابي تبديدًا مريحًا لأي قيمة للضغوط التي مارسها الأخير في الشهور الأخيرة للوصول إلى صفقة سعيًا إلى ترميم حظوظه الانتخابية.
إذ بات رئيس وزراء الاحتلال لا يخشى من عواقب انعدام استجابته لهذه الجهود على علاقته مع الولايات المتحدة، خصوصًا بعد الدعم المعنوي الكبير الذي حصل عليه في الكونغرس، ولربما التطمينات التي سمعها من دونالد ترامب، ناهيك بالالتزام الأمريكي التاريخي تجاه الأمن الإسرائيلي، ما يعزز الجزم بأن توسيع السياسة العدوانية لـ”إسرائيل” لن يتوقف عند هذه الحدود.
تجد الولايات المتحدة نفسها عالقة في منتصف هذه الدائرة، مع التلاشي المستمر لأوراق التأثير من إدارة بايدن، ما سيحدو بها إلى التفكير بطريقة مغايرة أمام احتمالات توسُّع الاشتباك في الشرق الأوسط، ومنحها هامشًا لاشتباك يقلّم أظافر إيران وحلفائها في الشرق الأوسط، ويوسع من فرص إقامة الحلف الدفاعي لحلفائها بقيادة “إسرائيل”.
وفي الوقت ذاته يجبر “إسرائيل” على الجلوس إلى الطاولة والقبول بوقف كامل لإطلاق النار مع جميع الجبهات مجتمعة، منعًا لتدحرج جولة الاشتباك إلى حرب إقليمية قد تحرق الجميع، وسعيًا إلى الظفر بالتحالف الدفاعي وإعادة الحياة لإمكانية إنجاز اتفاق التطبيع مع السعودية.
تتطلب حاجة كل الأطراف إلى “النزول عن الشجرة”، حدثًا خارج الإطار المعتاد، يرفع كلفة المواجهة دون الانجرار إلى حرب لا يمكن حصر مفاعليها ولا تأثيراتها، وبالتالي فإن خيار نشوب جولة مواجهة محدودة تنخرط فيها مختلف الجبهات ويتم خلالها تبادل الضربات لأيام تقصر من عمر الحرب في قطاع غزة وتنزع فتيل الحرب الإقليمية لسنوات قادمة، يجعلها “حربًا تحريكيةً” هدفها إنهاء الاشتباك لا توسيعه أو زيادة تأثيره.
وهذا لأن بنيامين نتنياهو العالق في الاستثمار بمستقبله السياسي قد اكتسب في الحملة الأخيرة مجموعة من الإنجازات تُمكّنه من تقديمها إلى الجمهور الإسرائيلي بأنها الضربات الأقسى في تاريخ المقاومة الفلسطيني، وكذلك في تاريخ “حزب الله”، ولربما للقدرات الإيرانية في المنطقة، وفي الإطار ذاته ستكون المقاومة أيضًا قد ضمنت أنها تجاوزت حربًا إسرائيليةً بتفويض عالمي هدف إلى القضاء عليها وإنهاء وجودها في قطاع غزة على نحو التحديد.