ترجمة وتحرير: نون بوست
خلال السنوات الأخيرة، أصبحت عاصمة كازاخستان، أستانا، ساحة ملائمة لانعقاد المؤتمرات الدولية العالمية. ومؤخرا، أبرم الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي وإيران اتفاقية مؤقتة حول إنشاء منطقة تجارة حرة بين الطرفين لمدة ثلاث سنوات، وذلك خلال منتدى أستانا الاقتصادي.
في الواقع، يهدف الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى تشكيل تحالف لتعزيز الروابط التجارية والاقتصادية بين أعضاء الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي. كما تضمن اتفاقيات هذا الاتحاد لجميع أعضائه حرية تنقل السلع والخدمات ورؤوس الأموال واليد العاملة، وانتهاج سياسة متفق عليها فيما يخص أهم قطاعات الاقتصاد وهي؛ التجارة، والطاقة، والصناعة، والزراعة، والنقل. فضلا عن ذلك، يسعى بوتين إلى إنشاء اتحاد مماثل للاتحاد الأوروبي.
كان هذا الاتفاق على قائمة أولويات الاتحاد الاقتصادي الأوروآسيوي. وقد جاء هذا القرار بعد فترة من التودد والتقارب بين طهران وموسكو، وصلت إلى حد المغازلة بين هذه البلدين. ولا يعتبر توقيع هذه الاتفاقية مفاجئا، لاسيما أنه في الآونة الأخيرة، انتشرت عدة أنباء تؤكد عزم موسكو إنشاء منطقة تجارية حرة مع إيران. وفي هذا الصدد، صرح وزير الاقتصاد الكازاخستاني، تيمور سليمانوف، أن الاتحاد الأوروآسيوي سيوقع هذه الاتفاقية مع إيران في الفترة القادمة.
في الحقيقة، لم تكن مشاركة رئيس الوزراء الإيطالي السابق، رومانو برودي، والرئيس الفرنسي السابق أولاند هامشية في منتدى أستانا الاقتصادي، بل تحمل في طياتها عدة معاني. عموما، تنص الاتفاقية على تخفيض أو إلغاء الرسوم الجمركية على الواردات بالنسبة لمجموعة كبيرة من السلع. ومن المؤكد، أن تساهم هذه الاتفاقية في زيادة حجم المبادلات التجارية بين طهران وتل أبيب، إلى جانب تعزيز التعاون الاقتصادي بين إيران وبلدان آسيا الوسطى وروسيا.
يمثل إبرام طهران وموسكو لهذه الاتفاقية في هذه الفترة الحساسة، التي تشهد توترات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، السبب المباشر وراء كل هذا الاهتمام الذي يوليه المجتمع الدولي للبلدين
من وجهة نظر إستراتيجية، تعد هذه الاتفاقية مهمة للغاية بالنسبة لروسيا. إلى جانب ذلك، يخطط الاتحاد الأوروآسيوي إلى توقيع اتفاقيات تجارة حرة مماثلة مع الهند وإسرائيل وصربيا وسنغافورة ومصر خلال الأشهر القادمة. ويمكن الجزم أن بوتين يسعى إلى تعزيز نفوذه الاقتصادي في العالم بأسره. فخلال مؤتمر أستانا، كان من المقرر توقيع اتفاقية مع الصين تعمل على تسهيل المبادلات التجارية بين الصين والاتحاد الأوروآسيوي، ولكن تم توقيع الاتفاق مع إيران أولا. وهو الأمر الذي أثار عدة تساؤلات وإيحاءات خاصة وأن هذه الاتفاقية تزامنت مع قرار ترامب بفرض عقوبات اقتصادية ضد إيران.
بناء على ذلك، يمثل إبرام طهران وموسكو لهذه الاتفاقية في هذه الفترة الحساسة، التي تشهد توترات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، السبب المباشر وراء كل هذا الاهتمام الذي يوليه المجتمع الدولي للبلدين. ولو حافظ ترامب على الاتفاق النووي، لما حظيت هذه الخطوة بكل هذا القدر من الاهتمام الدولي.
على صعيد آخر، من المتوقع أن يتخلى الغرب عن الولايات المتحدة الأمريكية وهو الأمر الذي سيضع الإدارة الأمريكية في مأزق. فعلى سبيل المثال، تعد إيطاليا مشتري هام للنفط الإيراني، ونتيجة لذلك، ستؤيد روما هذا النوع من الاتفاقيات التي تخدم مصالحها الاقتصادية.
من هذا المنطلق، يعد قرار الولايات المتحدة الأمريكية بفرض رسوم جمركية على البضائع الصينية دليلا على التوتر الذي تمر به العلاقات الصينية الأمريكية، وهو ما أثر سلبا على التجارة الدولية. ففي الآونة الأخيرة، شهدت العلاقات الصينية تحسنا ملحوظا خاصة بعد أن أعلن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، عزمه التعاون مع نظيره الصيني، شي جين بينغ، من أجل منع انهيار مجموعة الاتصالات الصينية العملاقة “زد تي إي”، بعد الحظر الأمريكي على وارداتها التكنولوجية. ومن جهتها، سمحت وزارة التجارة الخارجية الصينية، بدمج شركة ميكروشيب تكنولوجي مع شركة مايكروسيمي.
خلال السنوات العشر الماضية، وجهت الإدارة الأمريكية عدة عقوبات اقتصادية ضد روسيا. كما أنه من المؤكد أن تفرض واشنطن مزيدا من العقوبات الاقتصادية، بسبب الدعم الروسي لإيران والاتفاقية التي وقعتها معها مؤخرا.
تعتمد البنوك الروسية على نظام البلوكشين من أجل إنشاء منطقة حرة تستند على نظام السويفت
في ظل العقوبات الاقتصادية التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية ضد إيران وروسيا والصين، فإنه من المنطقي أن تسعى هذه الدول إلى إيجاد حلول مالية وتجارية لتجاوز أزماتها. وقد كانت السياسة الأمريكية السبب الرئيسي الذي دفع بموسكو لاتخاذ كل هذه الإجراءات، حيث درست روسيا الإمكانية المتاحة لديها ووضعت خطة استراتيجية لمواجهة ترامب من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي مع إيران. ومؤخرا، وقعت طهران وموسكو اتفاقية تنص على توريد النفط إلى روسيا، مقابل الخدمات والسلع، ما يعزز من الاتفاقيات التي وقعت بين البلدين سنة 2014.
عموما، تعتمد البنوك الروسية على نظام البلوكشين من أجل إنشاء منطقة حرة تستند على نظام السويفت. ويهدف هذا النظام إلى تقديم أحدث الوسائل العلمية في مجال ربط وتبادل الرسائل والمعلومات بين جميع أسواق المال من خلال البنوك المسؤولة عن تنفيذ ذلك في مختلف الدول. وسيمكن ذلك روسيا من التخلص من العقوبات الاقتصادية التي تفرضها عليها الولايات المتحدة الأمريكية. إلى جانب ذلك، تعد إيران المستفيد الأكبر من هذه الخطوة، في ظل الصعوبات التي تواجهها في بيع النفط بالدولار الأمريكي، ما سيساعدها على مواجهة العقوبات الأمريكية.
إن إصرار هذه الدول على عقد اجتماعاتها في أستانا ليس من قبيل الصدفة، بل تتعمد كل من روسيا وإيران وتركيا الاجتماع في العاصمة الكازاخستانية، لأن العلاقات الكازاخستانية الأمريكية تتميز بالاستقرار. ففي شهر كانون الثاني/ يناير، استقبل الرئيس الكازاخستاني نظيره الأمريكي، في تأكيد منه على أن العلاقات التجارية الاقتصادية بين البلدين ستبقى على حالها ولن تتأثر بنتائج المؤتمرات التي تقام في بلاده. في المقابل، لا يزال موقف الدول الأوروبية إزاء قرار ترامب غامضا، ولكن توجد بعض الإشاعات عن عزم الاتحاد الأوروبي استخدام اليورو لشراء النفط بدلا من الدولار.
المصدر:لنكيستا