شهدت العديد من المدن في مختلف دول العالم تظاهرات حاشدة دعمًا لغزة وتنديدًا بجرائم الاحتلال ومطالبة بإنهاء حرب الإبادة التي تُشن ضد فلسطيني القطاع منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي وأوقعت أكثر من 120 ألف بين شهيد ومصاب، فضلًا عن نزوح ما يقرب من مليوني إنسان.
وتأت تلك التظاهرات استجابة للدعوة التي أطلقها رئيس الوزراء الفلسطيني المنتخب ورئيس المكتب السياسي لحركة حماس الشهيد إسماعيل هنية، قبيل اغتياله في العاصمة الإيرانية طهران، الأربعاء 31/7/2024، حين دعا الأحرار في كل بقاع الأرض للخروج والتظاهر وأن يكون الثالث من أغسطس/آب 2024، “يومًا وطنيًا وعالميًا” لنصرة غزة والأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي.
وأشعلت جريمة اغتيال هنية المشهد الفلسطيني والإقليمي برمته، وفتحت الباب على مصراعيه أمام كافة الاحتمالات، في ظل تلك الظروف الاستثنائية التي تمر بها المنطقة وحالة انسداد الأفق الناجمة عن إصرار رئيس وزراء الاحتلال على إطالة أمد الحرب والتغول في الانتهاكات بحق الفلسطينيين، وتجاوز كل الخطوط الحمراء، وفرض قواعد اشتباك جديدة.
تظاهرات حاشدة
تظاهر الآلاف في عدد من المدن حول العالم استجابة لدعوة هنية، حيث خرج المتظاهرون رافعين أعلام فلسطين ومرددين هتافات تندد بجرائم الاحتلال وتطالب بوقف فوري للحرب الدائرة في غزة.
ففي بريطانيا، نظم الآلاف من الفلسطينيين والعرب ونشطاء حقوق الإنسان من البريطانيين في لندن ومانشستر مسيرات حاشدة، جابت شوارع العاصمة، رفعوا خلالها أعلام فلسطين والمسجد الأقصى، مرتدين الكوفية الفلسطينية، وطالبوا في هتافاتهم وقف استهداف المشافي ومراكز إيواء الأطفال وضرورة الضغط على نتنياهو وحكومته لوقف الحرب.
تظاهرة في النرويج دعما لغزة وتنديدا بالحرب الإسرائيلية على القطاع#حرب_غزة #فيديو pic.twitter.com/NydoWZnopi
— الجزيرة فلسطين (@AJA_Palestine) August 3, 2024
وفي هولندا، نظم عدة الآلاف وقفة احتجاجية في مدينة روتردام، رافعين أعلام فلسطين، ومرددين هتافات “فلسطين عربية”، كذلك خرج مسيرات أخرى جابت شوارع العاصمة الألمانية برلين والعاصمة الكورية الجنوبية سيول وعدد من المدن النرويجية وعلى رأسها العاصمة كوبنهاجن، فيما طوق المئات من أنصار القضية الفلسطينية مقار صحيفتي “نيويورك تايمز” و”فوكس نيوز” الأمريكيتيين بسبب تحيزهما الفجً لصالح الاحتلال في تغطية الحرب ضد غزة.
كما شهدت مدينة رام الله وبيت لحم والخليل تظاهرات واسعة تنديدًا بحرب الإبادة المستمرة على قطاع غزة ونصرة للأسرى داخل سجون الاحتلال، كذلك مدينة الرباط المغربية والتي خرج فيها المئات في تظاهرات منددة بجرائم الجيش الإسرائيلي وطالبوا بالضغط لوقف الحرب فورًا.
وفي تركيا، أطلق ناشطون وصحفيون أتراك دعوة واسعة لوقفة احتجاجية مناصرة لغزة أمام مسجد آيا صوفيا بمدينة إسطنبول، تمام الساعة السادسة والنصف مساء بالتوقيت المحلي التركي، وجاءت الدعوة التي انتشرت بشكل كبير على منصات التواصل الاجتماعي تحت عنوان “نداء الأخير للشهيد هنية”.
أنصار غزة يطوقون مقري نيويورك تايمز وفوكس نيوز#فيديو #حرب_غزة pic.twitter.com/jREQJk2oRd
— الجزيرة فلسطين (@AJA_Palestine) August 3, 2024
وقد انضم لتلك الدعوة، مطور المُسيّرات التركية سلجوق بيرقدار، صهر الرئيس رجب طيب أردوغان، حيث كتب عبر حسابه على منصة “إكس”: “نجتمع في ساحة آيا صوفيا لنظهر للعالم أننا على نفس الجانب مع إخواننا الفلسطينيين، كما دعا رمز المقاومة الفلسطينية إسماعيل هنية قبل استشهاده”، فيما دعا اتحاد نقابات موظفي الخدمة المدنية في تركيا إلى الاحتشاد والتظاهر في شتى مدن البلاد.
Filistin direnişinin sembol ismi İsmail Heniyye’nin şehadetinden önce çağrıda bulunduğu gibi Filistinli kardeşlerimizle aynı safta olduğumuzu tüm dünyaya göstermek üzere Ayasofya Meydanı’nda buluşuyoruz. 🇹🇷🇵🇸
🗓️ 3 Ağustos Cumartesi
⏰ 18.30 pic.twitter.com/4Qn8Gl51jC
— Selçuk Bayraktar (@Selcuk) August 2, 2024
استجابة لدعوة هنية
وكان رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، قد دعا الأحد 28/7/2024، إلى مظاهرات ومسيرات في الدول العربية والإسلامية والعالم في الثالث من أغسطس/آب 2024، معلنًا ذلك التاريخ “يومًا مشهودًا” لنصرة غزة والأسرى في السجون الإسرائيلية، وفق ما جاء في بيان نشرته الحركة عبر حسابها على منصة تليغرام.
وشدد البيان على ضرورة “المشاركة الشعبية الوطنية والعربية والإسلامية والعالمية الفاعلة فيه، وعلى ديمومة كل أشكال التظاهر والمسيرات واستمرارها بعد الثالث من أغسطس/آب، حتى إجبار الاحتلال الصهيوني على وقف عدوانه وجرائمه، ضد شعبنا وضد أسرانا في سجون الاعتقال النازية”، فما أعرب هنية عن تطلعه “لأن يكون يوم الثالث من أغسطس يومًا محوريًا ومشهودًا وفاعلًا في كل ربوع فلسطين وفي مخيمات اللجوء والشتات، وفي عالمنا العربي والإسلامي، ولدى كل الأحرار في العالم، من أجل نصرة أهلنا في قطاع غزة وأسرانا الأحرار في سجون الاحتلال”.
وأضاف: “يأتي هذا الإعلان في ظل الصمت والعجز الدولي في وقف هذه الحرب العدوانية ضد شعبنا وأسرانا، والانحياز والدعم والشراكة الكاملة للإدارة الأميركية في هذا العدوان، وفشل المؤسسات الحقوقية والإنسانية، في تحمّل مسؤولياتها في تقديم الدعم والإسناد ونصرة شعبنا في قطاع غزة وأسرانا في سجون العدو الصهيوني”.
وفي السياق، ذاته دعت المؤسسات العاملة في مجال الأسرى (هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني، والهيئة العليا لمتابعة شؤون الأسرى، والقوى الوطنية ولجان أهالي الأسرى، وكادر من الأسرى المحررين والمهتمين بالقضية)، إلى مظاهرات حاشدة، اليوم السبت، في جميع المحافظات الفلسطينية ومدن عربية وعالمية.
سـ.ـرايا القدس: “تدمير آلية عسكرية إسرائيلية بتفجير عبوة ثاقب خرقية – برميلية شرق خانيونس”#حرب_غزة #فيديو pic.twitter.com/peVW7WTyWm
— الجزيرة فلسطين (@AJA_Palestine) August 3, 2024
وقالت اللجنة التحضيرية لليوم الوطني والعالمي لنصرة غزة والأسرى، أن الثالث من أغسطس/ آب، أقرّ ليكون يوماً مؤسساً لما بعده عبر حركة شعبية مستمرة ومتواصلة، من أجل التعبير والانتصار لقضايا الشعب الفلسطيني، وأن غزة والأسرى هما أصل الوحدة الفلسطينية، مضيفة أن “اغتيال القائد الوطنيّ إسماعيل هنية، إلى جانب عشرات الآلاف من أبناء شعبنا الذين استشهدوا في غزة والضفة والشتات، في إطار حرب الإبادة المستمرة بحقّ شعبنا، فإننا نؤكّد أنّ المشاركة في هذا اليوم واجب وطنيّ وأخلاقيّ، ومسؤولية فردية وجماعية”.
وأضافت أنه “في ضوء جريمة الإبادة المستمرة بحق شعبنا في قطاع غزة، والمرحلة الجديدة التي يعيشها المعتقلون في سجون الاحتلال الإسرائيلي ومعسكراته، الذين يتعرضون لجرائم ممنهجة، غير مسبوقة بمستواها وكثافتها” فإن ذلك “يتطلب من كل فلسطيني إعادة النظر بدوره على الصعيد الجماهيري والشعبي في إسناد أبناء شعبه وبث الوعي نحو مسؤولية جماعية نسعى من أجل الاستفادة من التحولات الراهنة لرفع التضامن الشعبي والدولي وترسيخ مبدأ الحق في الحرية وتقرير المصير”.
وبحسب اللجنة التحضيرية ستتضمن فعاليات اليوم، تظاهرات شعبية وجماهيرية واسعة في جميع المحافظات الفلسطينية، ويتزامن مع ذلك تظاهرات في عدة دول في العالم، مؤكدة أن المشاركة في هذا اليوم واجب وطني وأخلاقي، وهي مسؤولية فردية وجماعية.
وتشير التقديرات الواردة عن مؤسسات الأسرى أن عدد المحتجزين في سجون الاحتلال من فلسطيني غزة تجاوز 4 آلاف مواطن منذ بداية الحرب، هذا بخلاف الآلاف من العمال، وكذلك مواطنين من غزة تواجدوا في الضفة للعمل والعلاج والإقامة، بجانب أكثر من (9700) معتقل من الضّفة، بينهم نحو (330) سيدة وفتاة، و(670) طفلًا على الأقل، إضافة إلى 90 صحفيًا، كما أصدر الاحتلال أكثر من (7500)، أمر اعتقال إداريّ بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر، ما بين أوامر جديدة وأوامر تجديد.
وفي سياق الاستجابة لتلك الدعوات، دعا الاتحاد العام للمرأة الفلسطينية في مصر إلى المشاركة الفاعلة في هذا اليوم، رفضًا للإبادة الجماعية التي يتعرض لها سكان غزة وبقية مناطق فلسطين، وتتضمن الفعالية وقفة تضامنية، يتخللها كلمات لعدد من القيادات الفلسطينية واستعراض تجربة بعض الأسيرات منهن الأسيرة مريم أبو دقة، والأسيرة نفوذ الفرا، والأسيرة أميمة الأغا.
العودة لأجواء الأيام الأولى للحرب
تتزامن تلك الدعوات مع دخول حرب غزة يومها الـ 302 كأطول حرب في مسار الصراع العربي الإسرائيلي، وسط احتدام القتال بين قوات الاحتلال والمقاومة الفلسطينية، على أكثر من جبهة، لاسيما في الوسط والجنوب بجانب التطورات التي شهدتها الضفة ورام الله خلال الساعات الماضية.
وبينما تتجاوز الحرب مئويتها الثالثة، أطلقت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، نحو 20 صاروخًا من طراز “رجوم” عيار 114 ملليمتراً على موقع صوفا العسكري، شمال غرب صحراء النقب، فضلًا عن استهداف تجمع لجنود الاحتلال على خط الإمداد في محور “نتساريم”، في رسالة تفند أوهام الاحتلال بشأن القضاء على القوة التدميرية والتسليحية للمقاومة.
ورغم الضربات التي تلقتها المقاومة خلال الأيام الأخيرة، على المستوى السياسي والعسكري، وفي ظل الحصار المطبق عليها من الحلفاء والخصوم معًا، لكنها صامدة وتقف على أرض صلبة ميدانيًا، وهو ما يترجمه أداءها العام على مدار 10 أشهر، وتكبيدها الخسائر الفادحة في صفوف الاحتلال، الأمر الذي دفع الكثير من عناصر النخبة في “إسرائيل” لاستبعاد هدف القضاء على حماس وتفكيك قدراتها كأحد الأهداف الثلاثة المعلنة لتلك الحرب.
مسيرة تضامنية مع فلسطين بشوارع برلين#فيديو #حرب_غزة pic.twitter.com/Fj5kE8C4iD
— الجزيرة فلسطين (@AJA_Palestine) August 3, 2024
وعلى عكس ما يردده الإسرائيليون وحلفاؤهم من المستعربين على منصات التواصل الاجتماعي وفي القنوات الفضائية بشأن تأثير استشهاد قادة المقاومة وعلى رأسهم إسماعيل هنية، على معنويات عناصرها مما يؤثر بطبيعة الحال على نشاطها العملياتي، فإن التجارب السابقة منذ احتلال الأراضي الفلسطينية عام 1948 وما قبلها إبان الاستعمار البريطاني تؤكد أن فلسطين لم تبخل يومًا في تقديم عشرات الآلاف من الأبطال والمناضلين، الذي يحملون الراية، جيلًا بعد جيل، إيمانا بقضيتهم وفداء لرسالتهم المقدسة في تحرير الأرض من دنس المحتل.
تعيد تلك التظاهرات وحالة الزخم التي تخيم على المشهد حاليًا الأجواء إلى الأيام الأولى من بداية الحرب، نفس الحضور والحماسة والتفاعل الشعبي الذي لم يفتر على مدار عشرة أشهر كاملة، هذا التفاعل الذي تميزت به معظم الحواضر الغربية، مقارنة بالغياب النسبي عربيًا، في نقلة تعكس التغير الكبير الذي شهده المزاج الشعبي العالمي، وذلك بفضل صمود الغزيين ونضال المقاومة وإيمان قادتها بالقضية حتى لو كلفهم الزود عنها حياتهم وأهليهم.