لا تزال الدول العربية ذات الوزن الكبير في المنطقة تحاول جاهدة بكل الطرق المتوفرة لها كسب القضية الفلسطينية لصالح مخططاتها وأهوائها، وتمرير صفقات “مشبوهة” تمكنها من السيطرة على الفلسطينيين وإخماد ثورتهم ونضالهم ضد المحتل ومن يشاركه في تصفية قضيتهم.
لكن حتى هذه اللحظة، الفلسطينيون لم يرضخوا للضغوطات والابتزازات العربية والإسرائيلية والأمريكية، ولا يزالوا متمسكين بمواقفهم الثابتة، فمسيرات العودة الكبرى ما زالت مستمرة وتنبض منذ الـ30 من مارس الماضي وحدود غزة شاهدة على توهجها وثورة أهل غزة التي فاقت التوقعات وحسابات الورق.
كما أن باب المفاوضات بين السلطة الفلسطينية و”إسرائيل” لم يفتح بعد منذ 4 سنوات، رغم كل الإغراءات المالية والاقتصادية التي قدمت للفلسطينيين من جانب، وما رافقها من حملة تهديدات وابتزازات سياسية رخيصة قادتها دول عربية من جانب آخر.
الموقف الفلسطيني الثابت والقوي في تمسكهم بحقوقهم ونضالهم ومقاومتهم المحتل الإسرائيلي الذي اغتصب أرضهم واستباح حُرماتهم واعتدى على مقدساتهم، يبدو أنه لم يعجب الدول العربية وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التي تسعى لفتح صفحة جديدة مع “إسرائيل” عنوانها التطبيع رغم المجازر والذبح.
تدخلات مشبوهة
الرياض التي تبنت صفقة القرن الأمريكية رغم رائحة المخاطر والتحذيرات التي خرجت منها وهدفها باعتراف القريب والبعيد لتصفية قضية فلسطين وتشتيت أهلها وزيادة حصارهم والضغط عليهم، لم تيأس بعد وتواصل تحركاتها وتدخلاتها لإجبار الفلسطينيين على القبول بها.
تقارير صحفية قالت إن السعودية نقلت رسالة إلى قيادة حركة حماس عبر مصر، فحواها أن المملكة لن تقدم أي مساعدات جديدة للفلسطينيين في ظل النهج المتبع الرافض للتعاطي مع أطروحات حل القضية في مقدمتها خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب”
والدور العربي الذي تقوده السعودية في القضية الفلسطينية لم يقف عند حد صفقة القرن بل تجاوز ذلك حين دخل نفق التهديد والتحذير في حال لم يستجب الفلسطينيون لإملاءاتها ومخططاتها التي تسعى كلها بحسب مراقبين لإرضاء “إسرائيل” والولايات المتحدة الأمريكية.
تقارير صحفية قالت إن المملكة العربية السعودية نقلت رسالة إلى قيادة حركة حماس عبر مصر، فحواها أن المملكة لن تقدم أي مساعدات جديدة للفلسطينيين في ظل النهج المتبع الرافض للتعاطي مع أطروحات حل القضية في مقدمتها خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وذكرت تلك التقارير أن مدير جهاز المخابرات المصرية عباس كامل طلب من قيادة حركة حماس عدم ذكر اسم السعودية وطبيعة اجتماعات مسؤولين سعوديين بمسؤولين إسرائيليين.
وأضافت أن مصادر مصرية أبلغت حركة حماس ضرورة عدم الحديث عن تفاصيل مواقف بعض الدول العربية وطبيعة اتصالاتها مع الجانب الإسرائيلي وموقفها من مسيرات العودة والمجزرة الإسرائيلية الأخيرة في قطاع غزة التي راح ضحيتها ما يزيد على 60 شهيدًا وأكثر من ألفي مصاب.
وأوضحت أن “القاهرة أطْلعت قيادة الحركة على الموقف العربي بشكل واضح، وأقصى رهان من الممكن أن يراهن عليه أهالي غزة من الدول العربية في الوقت الراهن”، مؤكدةً أن “هذه الفترة هي الأكثر وضوحًا في الموقف السعودي مما يجري في الأراضي الفلسطينية”، كاشفة بأن مسؤول سعودي بارز حمّل الفلسطينيين على مستوى السلطة والفصائل، مسؤولية التدهور الذي آلت إليه القضية.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أكد أن “مصر لن يكون في مقدورها أن تقدم لأهالي غزة أكثر من فتْح معبر رفح وتقديم المساعدات الطبية فقط، بشأن التصعيد الإسرائيلي الأخير
ولفتت المصادر إلى أن “الأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل تطرق إلى أن المسؤول حمّلهم مسؤولية تدهور الأوضاع العربية برمتها وصعود نجم إيران وتسهيل مهمتها في الهيمنة على المنطقة، لمجرد عدم تعاملهم بواقعية مع المعطيات طوال العقود الماضية”.
ووفقًا للمصادر نفسها، فإن “السعودية الجديدة تسعى لإعادة رسم التحالفات في المنطقة لمواجهة النفوذ الإيراني الذي يهددها، وتدرك جيدًا أنه لا مفر من اللجوء إلى تحالف تكون “إسرائيل” جزءًا أساسيًا منه، في ظل ما تراه من تقاطع المشروع الإخواني مع الدولة التركية، وهو ما يرفضه تمامًا ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
يذكر أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أكد أن مصر لن يكون في مقدورها أن تقدم لأهالي غزة أكثر من فتْح معبر رفح وتقديم المساعدات الطبية فقط، بشأن التصعيد الإسرائيلي الأخير، قائلاً: “عشان يكون الجميع عارف مش هنقدر نعمل أكتر من كده”.
ونقلت الولايات المتحدة الأميركية سفارتها من تل أبيب إلى مدينة القدس، يوم الإثنين الماضي، وجاء ذلك بالتزامن مع مجزرة إسرائيلية بحق المتظاهرين الفلسطينيين على حدود غزة راح ضحيتها 62 شهيدًا وإصابة 3188 بجراح مختلفة.
المتاجرة بقضية فلسطين
الشيخ كمال الخطيب نائب رئيس الحركة الإسلامية المحظورة في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48، كشف مؤامرة عربية خطيرة تقودها المملكة العربية السعودية لتصفية القضية الفلسطينية وتضييع القدس والمسجد الأقصى المبارك خدمة لمشاريع أمريكية وإسرائيلية.
الشيخ كمال الخطيب: “القدس والقضية الفلسطينية تركتا ليعبث بهما الاحتلال وأمريكا، والدول العربية حاولت تطويع الشعب الفلسطيني وقياداته من أجل تقبل الإملاءات الأمريكية والإسرائيلية وأصبحوا جزءًا من مشاريع صفقة القرن
وأكد الخطيب أن الرياض تحاول من خلال خطواتها السياسية والفكرية تهميش القضية الفلسطينية وتغيير وضع مدينة القدس المحتلة، تماشيًا مع المخططات الأمريكية والإسرائيلية لتمرير صفقة القرن.
وقال: “الرياض باتت تسخر كل إمكاناتها وتضخ الملايين من أموالها نحو مدينة القدس المحتلة ليس للدعم والمساندة بل لشراء ذمم المقدسيين وترويضهم لتمرير أفكارها الخطيرة والهدامة للقبول بصفقات تستهدف القضية الفلسطينية بشكل عام والقدس بشكل خاص”.
الخطيب أضاف في حديثه “في الوضع الطبيعي يجب أن تكون الدول العربية الحاضنة للقدس وتسخر كل إمكاناتها السياسية والمالية والفكرية لتحرير القدس من الاحتلال الإسرائيلي، لكن يبدو أن هذه الأمنية لن تتحقق لأن مشاريع وأجندات الدول العربية لم يعد للقدس مكان فيها وأداروا ظهرهم لها”.
وتابع الخطيب: “القدس والقضية الفلسطينية تركتا ليعبث بهما الاحتلال وأمريكا، والدول العربية حاولت تطويع الشعب الفلسطيني وقياداته من أجل تقبل الإملاءات الأمريكية والإسرائيلية وأصبحوا جزءًا من مشاريع صفقة القرن، بعد مباركة مصر والإمارات والسعودية لمشروع القضاء على القضية الفلسطينية”.
في ذات السياق، أكد الخبير في الشأن الإسرائيلي محمد مصلح، أن العلاقات بين الدول العربية وخاصة مصر والسعودية والإمارات، مع الاحتلال تمر بمرحلة في غاية الأهمية ولم يُشهد لها مثيل من قبل، حتى وصلت إلى مرحلة تأسيس علاقات إستراتيجية وأمنية مشتركة.
يضيف مصلح: “الدول العربية تستغل الظروف الحاليّة والملفات الساخنة التي تمر بها المنطقة لعقد لقاءات مع “إسرائيل” بحجة تنسيق المواقف لمواجهة العدوّ المشترك وهو إيران، لكن من جانب آخر فذلك يفتح باب التطبيع ويعلن مرحلة جديدة من علاقات العبد بالسيد”.
شهدت العلاقات العربية – الإسرائيلية تطورات متسارعة وغير مسبوقة، وصلت إلى مرحلة الزيارات المتبادلة، منها الرياض وأبو ظبي والمنامة، وذلك على ضوء الملفات الساخنة والشائكة التي تمر بها المنطقة
ويشير إلى أن الدول العربية تلهث وراء “إسرائيل”، بغض النظر عن كل الجرائم التي ترتكبها بحق الفلسطينيين والمقدسات الإسلامية، وهذا الموقف المتخاذل من العرب يعطي الاحتلال الضوء الأخضر للاستمرار في عدوانه وهجومه وتصعيده المستمر.
وذكر الخبير في الشأن الإسرائيلي أن مرحلة الزيارات المتبادلة بين الدول العربية والاحتلال عنوان هذه المرحلة، مؤكدًا أن ما يجري في السر وتحت الطاولة من لقاءات سرية بين مسؤولين عرب وإسرائيليين في غاية الخطورة، ويشير إلى أن “إسرائيل” لم تعد عدوًا، بل حليف قوي.
خلال الأعوام القليلة الماضية، شهدت العلاقات العربية – الإسرائيلية تطورات متسارعة وغير مسبوقة، وصلت إلى مرحلة الزيارات المتبادلة، منها الرياض وأبو ظبي والمنامة، وذلك على ضوء الملفات الساخنة والشائكة التي تمر بها المنطقة.
وفي مارس الماضي، سمحت السعودية للمرة الأولى لطائرة تابعة للخطوط الجوية الهندية بالمرور عبر أجوائها إلى “تل أبيب”، واعتبر مراقبون حينها رفع الحظر عن استخدام المجال الجوي المفروض منذ 70 عامًا مؤشرًا على تقارب في العلاقات.
الأسبوع الماضي، كشفت وكالة “أسوشييتد برس” الأمريكية لقاءً جمع رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وسفيري دولة الإمارات والبحرين بالولايات المتحدة، جرى في مارس الماضي.