منذ فرض صيام شهر رمضان على الأمة الإسلامية في السنة الثانية من الهجرة وحتى وقتنا هذا مر استقبال شهر رمضان بمراحل مختلفة، وكما قيل: “الناس على دين ملوكهم”، فاستقبال الشعب للشهر الفضيل يشبه استقبال حكامه، ففي زمن الخلفاء الراشدين لم يختلف احتفاؤهم بالشهر عن عصر الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) فكانت الطقوس تدور حول العبادات المختلفة من فروض ونوافل، والإكثار من عمل الخير كاستقبال الفقراء، وتحري ليلة القدر والاعتكاف في المساجد حتى ليلة العيد حيث تضاء المساجد ويتجمع المسلمون لتوزيع زكاة الفطر، وذكر أن أول من أضاء المساجد الخليفة عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) حتى يتمكن المسلمون من صلاة التراويح.
تطور استقبال رمضان
وزيادة على ما سبق من استعدادات لشهر رمضان كانت قد استمرت لعصر معاوية، فإنه ذُكر في كتب الأثر عن معاوية بن أبي سفيان أنه كان محبًا للطعام، وفي أواخر أيامه كان لا يقوى على القيام بسبب ازدياد وزنه بشكل مبالغ فيه، فعندما يذكر أن حلوى الكنافة والقطايف صنعت لأجله فلن نتعجب من ذلك، وقيل إنها صنعت خصيصًا للخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك. وشهدت طقوس رمضان ومظاهر الاحتفال به تطورًا ملحوظًا بداية من نهاية الدولة الأموية واستمرت للدولة العباسية، وزادت وتجلت خلال الدولة الفاطمية.
ومن أبرز أمراء الدولة العباسية هارون الرشيد الذي عرف بازدهار فترة حكمه ودهائه، بجانب كرمه وتدينه الشديد، كان في رمضان يمد الموائد ببهو قصره لإفطار المسلمين، وقيل يتنكر ويتجول بين الحاضرين لسؤالهم عن رضاهم عن الطعام.
من أشهر الأسواق بشهر رمضان في عصر الدولة الفاطمية: سوق الشماعيين حيث كان رمضان موسمًا لبيع الشموع، وسوق الحلاويين الذي كانت تباع فيه الحلوى على أحسن شكل
شهر بهجة واحتفال
أكثر ما قيل عن طقوس شهر رمضان وتحضر الأمراء والخلفاء قيل عن الدولة الفاطمية وخصوصًا المعز لدين الله الفاطمي. المعز لدين الله والفانوس: قيل على الأرجح إن أول استخدام للفانوس الذي يستخدم حتى الآن للاحتفال بشهر رمضان في الشوارع والمنازل بالدول الإسلامية يعود إلى فترة حكم الخليفة المعز لدين الله الفاطمي؛ حيث خرج المصريين لاستقبال المعز لدين الله بالفوانيس المنيرة وتصادف أن ذلك كان أول رمضان فاستمر استخدامها.
كما يذكر أيضًا أن المعز عندما تولى الحكم هدم “دكة القضاة” التي كان يقف القضاة أعلى جبل المقطم عليها لاستطلاع هلال شهر رمضان خلال عصر الدولة الإخشيدية، وذلك لاتباع الفاطميين الحسابات الفلكية، وانقطع القضاة عن تحري الهلال حتى سقوط الدولة الفاطمية على يد الأيوبيين.
وكان الاحتفال في عهده ببداية شهر رمضان يتألف من مجموعة من القضاة تجوب مصر لتفقد الإنارة وتحضيرات المساجد؛ حيث كان يوقد أكثر من 700 قنديل، وكان يحرص المعز أن يخرج بنفسه لتوزيع الطعام والنقود على الفقراء والمحتاجين، بالإضافة إلى تخصيص الدولة لجزء من المال لشراء البخور الهندي والكافور والمسك الذي كان يوزع على المساجد.
ومن أشهر الأسواق بشهر رمضان في عصر الدولة الفاطمية سوق الشماعيين حيث كان رمضان موسمًا لبيع الشموع، وسوق الحلاويين الذي كانت تباع فيه الحلوى على أحسن شكل، بجانب سوق السمكرية الذي كان يعج بالياميش وقمر الدين.
وتعود فكرة موائد الرحمن بشكلها الحاليّ إلى الخليفة الفاطمي العزيز بالله، حيث مد أول مائدة بجامع عمرو بن العاص، وأقام واحدة بجامع الأزهر بداية من شهري رجب وشعبان.
اهتم سلاطين العصر المملوكي بزيادة الرواتب في رمضان والتصدق على الفقراء وصرف رواتب إضافية لأرباب الوظائف وحملة العلم والأيتام وغيرهم
أمراء الدولة المملوكية وشهر الصوم
بعد عودة تحري رؤية الهلال مع سقوط الدولة الفاطمية، كان يتحضر أمراء الدولة المملوكية برؤية هلاله من منارة مدرسة المنصور قلاوون. وكان السلطان برقوق يذبح يوميًا لإطعام الصائمين طيلة أيام رمضان نحو 25 بقرة بالإضافة إلى الخبز، ويوزع ذلك مطهوًا يوميًا على الفقراء والمحتاجين ومن في السجون وأهل المساجد، وسار على نهجه من أتى بعده من السلاطين، أما السلطان بيبرس فكان يتصدق بـ5 آلاف كل يوم من أيام الشهر الكريم.
كما اهتم سلاطين العصر المملوكي بزيادة الرواتب في رمضان والتصدق على الفقراء وصرف رواتب إضافية لأرباب الوظائف وحملة العلم والأيتام وغيرهم. رغم اختلاف السياسات والسنون والأمراء وحتى المذهب التشريعي لكل دولة من الدول الإسلامية السابقة، فإنهم جميعًا اتفقوا على أن التحضير لشهر رمضان يكون بالتحضير بفعل الخير والتوسيع على الناس، أزادوا ما أزادوا من أمور احتفالية إلا أنها لم تمس جانب أفعال الخير والعطايا.