مساء أمس الأحد، مباشرة بعد موعد الإفطار، كان التونسيون على موعد مع أولى حلقات “شالوم” (كلمة عبرية تعني سلام)، “شالوم” الكاميرا الخفية التي أثارت جدلاً كبيرًا في البلاد وأعادت مسألة التطبيع إلى المواجهة، فمن المنتظر أن تفضح شخصيات سياسية وفنية ورياضية ودينية تونسية “قبلت” بالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي مقابل عروض مالية.
التدريب في تل أبيب والعيش في رام الله
الانطلاقة كانت مع المدرب التونسي مختار التليلي الذي سبق أن درب منتخب فلسطين الأولمبي لكرة القدم لمدة سنة ونصف، خلال هذه الحلقة قبل التليلي عرض الإسرائيليين المتمثل في تدريب فريق “مكابي حيفا” الإسرائيلي في تل أبيب مقابل مليوني دولار قيمة العقد مع راتب شهري 120 ألف دولار.
وقال المدرب التونسي في أثناء التفاوض معه على العقد إنه يستطيع تدريب الفريق الإسرائيلي في تل أبيب، لكنه اشترط العيش في مدينة رام الله المحتلة، وسبق أن درب مختار التليلي أشهر الفرق التونسية كما درب المنتخب الوطني التونسي لكرة القدم.
حلقة أولى، كانت بداية كشف المطبعين مع الكيان الإسرائيلي، حلقة أعقبها جدلاً كبيرًا في البلاد، فقد بدأت أقنعة البعض ممن كان يخاطب دفاعًا عن فلسطين والقضية الفلسطينية باعتبارها قضيتهم المركزية، في السقوط والتداعي في أول اختبار لهم.
https://www.youtube.com/watch?v=LvbJs1i4FgY&t=90s
ويقوم تصور برنامج “شالوم” على استدعاء شخصيات للمشاركة في منابر إعلامية أجنبية أو مقابلة شخصيات مهمة، ثم وضعهم وجهًا لوجه مع حاخام يهودي وممثلين يزعمون أنهم من الكيان الإسرائيلي، من أجل استدراجهم لعقد صفقة تتمثل في القبول بتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني مقابل أموال ووعود مغرية، منها دعمهم في نشاطهم السياسي والفني، وحتى في ترشحهم للانتخابات الرئاسية المقبلة.
ويقوم سليم بفون المناضل اليساري والسجين السياسي السابق في عهد الزعيم الحبيب بورقيبة، بدور “الربي” (مرتبة دينية لدى يهود تونس)، ويحمل بفون في هذه السلسلة اسم “كوهين”، فيما لعب الإعلامي وليد الزريبي دور العميل الوسيط بين الصهاينة والضيوف.
وكان من المفترض أن تبث هذه السلسلة على قناة “التاسعة”، غير أن الاتفاق معهم تعطل وفقًا لمعد البرنامج وليد الزريبي، وتم عرضها في قناة “تونسنا”، ويعود تعطل الاتفاق بين “التاسعة” ومعد السلسلة إلى تعرض القناة لضغوط رجال مال وأعمال وسياسة وهو ما نفته القناة في بيان رسمي.
تأكيد ونفي في انتظار البث
فضلاً عن مختار التليلي، من المنتظر أن تكشف هذه السلسلة عديد من الأسماء الأخرى التي قبلت التطبيع والتعاون مع الإسرائيليين، ومن الذين رحبوا بهذا التعاون في الكاميرا الخفية مترشح سابق للرئاسة وهو البحري الجلاصي، ولئن رفض الأخير تسلم الأموال باعتبار أنه يملك أموالاً طائلة، إلا أنه رحب بالتعاون مع الكيان الإسرائيلي، قائلاً إنه يدعو إلى ذلك منذ زمن.
أما عادل العلمي رئيس حزب “الزيتونة”، فقد رحب، وفقًا لبعض التسريبات، بفكرة التعاون ووافق على قبض مبلغ مالي لمساعدته على الترشح للرئاسة، إلا أنه قال في تصريحات إعلامية إنه كان منذ البداية متفطنًا أنه ضيف على برنامج للكاميرا الخفية، لكنه يؤكد أنه اغتنم تلك الفرصة للتظاهر بقبول التطبيع مقابل المال بقصد تمرير رسائل لاذعة للحكام العرب “المتصهينين”.
أكثر الشخصيات التي أثارت جدلاً في هذا البرنامج، السياسي رؤوف العيادي المعروف بعدائه للصهيونية
إلى جانب الثلاثة السابق ذكرهم، ورد اسم الفنان المسرحي رؤوف بن يغلان، في قائمة الشخصيات القابلة للتطبيع، غير أنه سرعان ما نفى أن يكون قبل بأي عروض لإقامة عرض مسرحي بالكيان الإسرائيلي، مؤكدًا أنه يقبل بعرض الحلقة دون أن يكون هناك اقتطاع للمشاهد كي لا يتم تزييف الحقائق، مهددًا باللجوء للقضاء إذا حصل العكس.
ومن الذين قبلوا بالتطبيع أيضًا، وفقًا لبعض التسريبات، الناشطة السياسية أحلام كمرجي، غير أن كمرجي أكدت في تصريحات إعلامية بعد ورود اسمها في قائمة “المطبعين”، رفضها الحصول على أموال وأنها أبلغت رجل الدين اليهودي أنها تؤمن بالسلام وبأن الحل الوحيد بين الدولتين لا يتم إلا عبر تطبيق اتفاقية سلام بين فلسطين والكيان الإسرائيلي.
العيادي يثير الجدل
أكثر الشخصيات التي أثارت جدلاً في هذا البرنامج، السياسي رؤوف العيادي المعروف بعدائه للصهيونية، فوفقًا لبعض التفاصيل المسربة، فإن العيادي قبل عرض الإسرائيليين، ويقود العيادي حركة “وفاء” التي بادرت بطرح مشروع قانون تجريم التطبيع أمام أنظار المجلس الوطني التأسيسي سنة 2013.
غير أن العيادي، نفى ما تم تداوله، معتبرًا أن كل ما قيل افتراءً لتشويه سمعته، ونشر السياسي التونسي الذي يترأس لجنة الدفاع عن قضية مهندس الطيران محمد الزواري المغتال سنة 2016، بيانًا أكد فيه أن الحديث عن قبوله العرض المالي والتعامل مع الإسرائيليين محض افتراء، مشيرًا بأنه لم يقبل بالعرض عكس ما روجته إذاعة شمس آف آم لغاية النيل من سمعته وأمانته، وفق ما ورد في البلاغ الذي أصدره.
وقال العيادي في تصريحات إعلامية إنه تم إيهامه من معد البرنامج بأنه سيقدم مداخلة على قناة “بي بي سي” بشأن المشهد السياسي بعد الانتخابات البلدية، وتم اقتياده إلى فيلا فخمة بالعاصمة تونس ليجد نفسه فجأة أمام حاخام يهودي وامرأة قيل إنها كانت سفيرة إسرائيلية في أوكرانيا.
وأضاف أن هؤلاء الأشخاص أعلموه أنهم يرغبون في إحلال السلام، وطلبوا منه تطبيع العلاقات مقابل حقيبة مليئة بالمال والتدخل لترشيحه رئيسًا لتونس عام 2019، لكنه رفض وحاول الاتصال بهاتف صديقه، إلا أن حارسًا كان يحمل مسدسًا منعه.
على نهج مفتي الديار
هذا البرنامج أثار جدلاً كبيرًا في تونس، خاصة أنه يأتي أيامًا قليلة بعد اتهام مفتي الديار التونسية عثمان بطيخ بالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي، وذلك عقب إدلائه بتصريح إعلامي للقناة السابعة الإسرائيلية، على هامش ندوة دولية عن حوار الأديان والحضارات، من أجل مجابهة التطرف والإرهاب.
ونشر موقع القناة فيديو تضمن تصريحًا خاصًا من مفتي الجمهورية التونسية وأرفقه بعنوان باللغة العبرية “كلنا إنسان”، وتضمن التصريح ترحيبًا ”بكل ضيوف الندوة الدولية من رجال دين يهودى على رأسهم كبير الأحبار في أوروبا والوفد المرافق له في تونس أرض السلام والتعاون والتعايش السلمي بين كل الأديان والمذاهب”.
مراسل القناة العبرية، ذكر لبعض الحاضرين في الندوة أنه تمت دعوته من جانب وزارة السياحة التونسية
وقال بطيخ للقناة السابعة: “يجب العمل يدًا بيد والتواصل والتعارف على بعضنا البعض”، مشيرًا إلى أن تونس أرض السلام والتعايش السلمي بين كل الأديان بمعزل عن معتقداتهم، وتابع المفتى حديثه، قائلاً: “الإنسان يجمع بيننا جميعًا”، معتبرًا أن الله كرم الإنسان “ومن الواجب علينا أن نكرم بعضنا بعضًا بغض النظر عن معتقداتنا”.
وسرعان ما نفى مفتي تونس علمه بأن الحوار الذي أجراه كان مع قناة إسرائيلية، مشيرًا إلى أنه سُئل من أحد الصحفيين الذي قدم نفسه على أنه فلسطيني الأصل، وكان ملحقًا إعلاميا للراحل ياسر عرفات، غير أن تقارير إعلامية، أكدت أن مراسل القناة العبرية ذكر لبعض الحاضرين في الندوة أنه تمت دعوته من جانب وزارة السياحة التونسية وأنه جاء قادمًا من “تل أبيب” عبر باريس، وتمت دعوته ضمن وفد الأحبار اليهود من عدد من الدول الأوروبية بينهم أحبار “إسرائيل”.
مواقع التواصل الاجتماعي تتفاعل
الجدل الذي رافق هذا البرنامج، ظهر جليًا في مواقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك، توتير)، حيث عبر عديد من التونسيين عن استنكارهم وتنديدهم بقبول بعض الشخصيات العامة مبدأ التطبيع مع الكيان الصهيوني، رغم تأكيدهم علنًا الوقوف مع الفلسطينيين.
واعتبر عدد كبير من التونسيين أن الكاميرا الخفية التي تحمل اسم “شالوم” ستكشف المطبعين في البلاد الذي يستعدون لبيع أي شيء وإن كانت مبادئهم مقابل المال، وفي هذا الشأن كتبت التونسية يسرى الثليثي في حسابها على فيسبوك، “موقفي من أول حلقة لشالوم … أولاً مختار التليلي شخص مادي (matérialiste) يبيع مبادئه أو أي شيء مقابل المال ،بالتالي ما الغريب في قبوله للعرض من الكيان الصهيوني (إسرائيل)”.
من جنبه اختار تونسي يدعى عمار محمد التنديد بالمطبعين على طريقته، حيث كتب تدوينة على حسابه في موقع توتير جاء فيها “شالوم هذه ستكون بلاك ووتر رمضان، ستقتل رمزيا كثيرًا ممن تاجروا بالقضية”.
شالوم هذه ستكون بلاك ووتر رمضان.
ستقتل ..رمزيا..كثيرا ممن تاجروا بالقضية
— AMARA MOHAMED (@amaramoh59) May 21, 2018
في مقابل ذلك شكك البعض في نوايا القائمين على البرنامج، تونسي يحمل اسم قيس على حسابه في توتير، “المشكلة في الكاميرا الخفية شالوم تتمثل في أن بعض المُشاركين تم إعلامهم باللعبة قبل التصوير لتلميع صورتهم ولجعلهم أبطال من ورق، تأكدوا أن وراء هذا الإنتاج رغبة في خلط الأوراق وتبييض بعض العملاء وأنه سيُغالط الناس بحقائق منقوصة وأخرى مغلوطة”.
المشكلة في الكاميرا الخفية شالوم تتمثل في أن بعض المُشاركين تم إعلامهم باللعبة قبل التصوير لتلميع صورتهم و لجعلهم أبطال من ورق.
تأكدوا أن وراء هذا الإنتاج رغبة في خلط الأوراق و تبييض بعض العملاء و أنه سيُغالط الناس بحقائق منقوصة و أخرى مغلوطة.
— KAROUI Kais (@Kais_infoplus) May 21, 2018
أما المفكر التونسي سامي براهم، فقد كتب متسائلاً: “شالوم كاميرا خفية تبحث عن الإثارة والفرقعة؟ أم عمل استقصائي لكشف الخونة والمطبعين، على حد قول صاحب البرنامج؟ أم عملية إيقاع واستدراج خفي للتطبيع والتطبيع مع التطبيع؟ أم أجندة سياسية لتلميع البعض وتشويه آخرين؟ أم إثارة إعلامية تجارية سخيفة؟ من وضعوا غيرهم في هذا الاختبار هل سيصمدون لو وُضِعُوا في نفس الاختبار؟ ليس هناك ما يؤكد ذلك طالما لم يكونوا في نفس موضع الاختبار”.
رفض شعبي للتطبيع
هذا الجدل جاء نتيجة الرفض الشعبي للتطبيع، وتعتبر القضية الفلسطينية من أهم قضايا الشعب التونسي على الرغم من تقلص حجم المظاهرات الشعبية المساندة لها، فتونس استقبلت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وآلاف المقاتلين الفلسطينيين، عقب الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، كما كانت تونس مقرًا بين 1982 و1994 لقيادة منظمة التحرير الفلسطينية وللرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات.
هذا ما دفع سلاح الجو الإسرائيلي إلى الإغارة على حمام الشط جنوب العاصمة تونس في أكتوبر 1985، حيث كان مقر منظمة التحرير الفلسطينية وقتها، وقتل في الاعتداء 68 تونسيًا وفلسطينيًا، كما اغتالت “إسرائيل” في 1988 بتونس خليل الوزير (أبو جهاد) المسؤول الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية.
ويعتبر دستور تونس الذي ساهمت حركة النهضة بشكل كبير في كتابته والمصادقة عليه، من بين الدساتير القليلة في العالم الذي نص صراحة على مناصرة القضية الفلسطينية ووجوب مساندتها، حيث نص في توطئته على ضرورة “الانتصار للمظلومين في كل مكان ولحق الشعوب في تقرير مصيرها ولحركات التحرر العادلة وفي مقدمتها حركة التحرر الفلسطيني ومناهضة لكل أشكال الاحتلال والعنصرية”.