في مقر حزب الوفد المصري بمنطقة الدقي، كان رئيس الحزب المستشار بهاء أبوشقة على موعد، أمس الأحد، مع المتحدث السابق للقوات المسلحة المصري العميد محمد سمير، وبعد دقائق معدودة، أعلن أبو شقة انضمام المتحدث السابق باسم الجيش إلى عضوية الحزب، وتعيينه في منصب مساعد رئيس الحزب لشؤون الشباب.
وقَّع العميد محمد سمير استمارة انضمامه لحزب الوفد، أحد أقدم الأحزاب “الليبرالية” في البلاد، ليسلك الطريق الآمن نحو معترك السياسة، وينضم إلى قائمة الجنرالات الذين تصدروا المشهد السياسي والإعلامي، ضمن خطة نظام السيسي لاحتكار الحياة السياسية في مصر.
آخر فصول الإجهاز على الحياة السياسية
انضمام المتحدث العسكري السابق لحزب الوفد، في هذا التوقيت، يؤكد مساعي جنرالات النظام لعسكرة الأحزاب الفاعلة وتحويلها إلى أداة بيد السلطة، في وقت تحولت فيه التجارب الحزبية الجديدة التي أعقبت ثورة يناير إلى أداة لتهديد النظام الذي يحارب التعددية السياسية وإمكانية التداول السلمي للسلطة.
وتأتي المحاولة العسكرية هذه المرة من بوابة الشباب، ففي أول تصريح عقب توليه منصب مساعد رئيس حزب الوفد لشؤون الشباب، قال العميد محمد سمير، إنه سيعمل على الارتقاء بأخلاقهم وسماتهم الشخصية لتحقيق آمال وأحلام حزب الوفد.
بالإضافة إلى منصبه السياسي الجديد، شغل سمير بعد مغادرته منصب المتحدث العسكري للجيش، مناصب لم تبتعد به كثيرًا عن تقديمه قرابين الولاء لبيته الأول في القوات المسلحة، فبعد 15 يومًا فقط، تسلم العميد إدارة قناة العاصمة بمدينة الإنتاج الإعلامى، عقب شرائها من مالكها عضو مجلس النواب سعيد حساسين، وشغل منصب نائب رئيس مجلس إدارة شركة “شيري ميديا” التابعة لجهاز الاستخبارات.
العميد محمد سمير يجتمع بالمستشار بهاء أبو شقة في مقر حزب الوفد
وفي مايو/أيار 2017، عمّت حالة من الغضب والاستياء الأوساط المصرية إثر إساءة سمير لمستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، في مقال نشرته صحيفة “اليوم السابع” اليومية الموالية للاستخبارات، حمل عنوان “الرعاع”، ردًا على حالة السخرية التي صاحبت نشر صور زواجه من المذيعة إيمان أبو طالب.
أما الطرف الثاني في اللقاء، فهو أبو شقة الذي فاز في مارس/آذار الماضي بانتخابات رئاسة حزب الوفد خلفًا للسيد البدوي الرئيس المنتهية ولايته للحزب، وهو (أبوشقة) برلماني مُعين من السيسي، ولعب دورًا فاعلاً في تمرير حزمة من التشريعات “سيئة السمعة” على غرار تعديلات قوانين السلطة القضائية وتنظيم التظاهر والكيانات الإرهابية والطوارئ وعزل رؤساء الهيئات الرقابية وإلغاء الإشراف القضائي الكامل على الانتخابات.
أما المكان، فهو “بيت الأمة” في عهد سعد زعلول، و”بيت النظام” في عهد أبو شقة، وذاك يليق بالمنافسات الانتخابية من المحليات للرئاسة، ومنه خرجت رغبة السيد البدوي في اقتحام انتخابات الرئاسة المصرية الأخيرة، بعد مصير سيء لاحق المرشحين، ومنه أيضًا خاض عمرو موسى انتخابات الرئاسة عام 2012.
وبعد اجتماع أركان السيناريو (الزمان والمكان والأشخاص)، تخوفت الأحزاب المدنية أيضًا من استحواذ الأحزاب العسكرية على المعارضة السياسية في المرحلة المقبلة بما يساعد على تراجع دور الأحزاب المدنية واعتبراها أحزاب “كرتونية”، وهو ما يعيد للأذهان ما كان عليه الحال في أثناء عهد الحزب الوطني المنحل.
“عسكرة” الأحزاب
بالعودة إلى ما بعد الحزب الوطني، نجد أن سوق تأسيس الأحزاب السياسية انتعش عقب ثورة 25 يناير، لكن مع انقلاب 3 يوليو/تموز 2013، تغير كل شيء وقضت أحزاب نحبها، وتنتظر أخرى مصيرها، فيما بقي حاليًّا أكثر من 100 حزب سياسي أعلن معظمها دعمهم للسيسي بانتخابات الرئاسة بينما يعتبر مراقبون معظم هذه الأحزاب “ديكورًا سياسيًا” بلا فاعلية حقيقية.
ومع كثرة الأحزاب، تتباين الآراء عن الدور السياسي الغائب الذي تقوم به، لكن في القلب منها نجد أحزاب الجنرالات ذوي الخلفية العسكرية، فهناك قادة وضباط معاشات أصبحوا خارج الخدمة، لكن في الحقيقة لا يمكن للنظام ذي الخلفية العسكرية الاستغناء عنهم، وعليه وجبت الاستفادة من هؤلاء المخلصين بزيادة ليستكملوا المشوار.
تزايدت وتيرة اتجاه العسكريين المتقاعدين لتأسيس أحزاب مدنية لتكون ظهيرًا سياسيًا للرئيس الجديد
وبعد أشهر قليلة من انتهاء انتخابات الرئاسة التي فاز بها الرئيس المعزول محمد مرسي وبمجرد سطوع نجم المشير عبد الفتاح السيسي – في ذلك الوقت – سارع عدد من رجال الجيش المتقاعدين إلى تأسيس أحزاب سياسية مدنية ذات توجهات ليبرالية.
وبدأ التعويل على هذه الأحزاب بعد فوز السيسي برئاسة الجمهورية، وحينها تزايدت وتيرة اتجاه العسكريين المتقاعدين لتأسيس أحزاب مدنية لتكون ظهيرًا سياسيًا للرئيس الجديد، الأمر الذي أحدث حالة من الجدل داخل الساحة السياسية ما بين مؤيد ومعارض ومتحفظ.
ومع زيادة الخوف من بطش النظام وارتفاع سقف القمع في الحياة العامة، وخروج الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية من المشهد السياسي، لجأ العسكريون ورجال الأعمال إلى الطريق الآمن لممارسة السياسة بما لا يخالف هوى النظام، ويأتي الوئام بين المال والخلفية العسكرية.
وتتكامل الرغبات بدخول أصحاب مصالح يرغبون في عمل أحزاب لا تمارس السياسة، من باب الوجاهة أو لزيادة النفوذ، وعلى الجانب الآخر نظام يريد أحزابًا يأمن ولاءها، ولن يتحقق له ذلك إلا من خلال المؤسسة العسكرية التي تسعى لتحقق هدفًا بعيد المدى يتمثل في المزيد من الهيمنة وسيطرة أبنائها وأحفادها على مفاصل الدولة كافة.
خطة الجنرالات لاحتكار الحياة السياسية
أسس جنرلات الجيش أحزابًا سياسية لم تمكنهم من الصمود إلى معترك السياسة
يمكن القول إن الأحزاب ذات الخلفية العسكرية تكاثرت بعد 30 يونيو/حزيران، فما يعتبره بعضهم مزيدًا من العسكرة وانقضاضًا على ما تبقى من مدنية الدولة، يراه متفائلون، حقًّا مشروعًا يكفله الدستور والقانون.
وبدأت المحاولات العلنية الأولى لاتجاه العسكريين المتقاعدين إلى تأسيس أحزاب مدنية، بإعلان المرشح الرئاسي السابق الفريق أحمد شفيق تأسيس حزب سياسي ينافس به في البرلمان، لاستغلال الكتلة التصويتية التي حصل عليها في الانتخابات الرئاسية قبل السابقة.
بالفعل أعلن شفيق في أكتوبر/تشرين الأول تأسيس حزب جديد تحت اسم “الحركة الوطنية المصرية،” بعد نحو أسبوع من إحالته إلى محكمة الجنايات في القاهرة بتهم تتصل بالفساد، في القضية المعروفة باسم “أرض الطيارين”، وغادر بعدها إلى الإمارات.
سعى رئيس الأركان السابق في الجيش المصري الفريق سامي عنان إلى الدخول لـ”دولة الجنرلات” عن طريق تأسيس حزب سياسي جديد تحت مسمى “حماة مصر”
ورغم ابتعاده عنه طول الوقت بسبب وجوده خارج البلاد في فترة حكم الإخوان، وحتى بعد انقضائه، فإن كل قيادات الحزب يقرون بأنه رئيس الحزب الذي يعود قبل انتخابات الرئاسة ويؤكد أن حزبه يدعم السيسي.
وقبل شفيق، حاول اللواء مراد موافي رئيس جهاز المخابرات العامة السابق البحث له عن دور سياسي، بعد أن حسم السيسي أمره، وقرر في نهاية المطاف الترشح بدلاً منه، فلجأ موافي إلى الدعوة لتأسيس حزب سياسي جديد يحمل اسم “الريادة”، لكن موافي اختفى ولم نجد من حزبه خلًّا وفيًّا يخبرنا بما حدث.
وعلى الصعيد ذاته، سعى رئيس الأركان السابق في الجيش المصري الفريق سامي عنان إلى الدخول لـ”دولة الجنرلات” عن طريق تأسيس حزب سياسي جديد تحت مسمى “حماة مصر” على أن يتولى رئاسته، وسعى من خلاله إلى خوض غمار الانتخابات البرلمانية السابقة، والترشح للانتخابات الرئاسية، لكن محاولاته انتهت به إلى السجن.
اجتمع السيسي بقادة الأحزاب السياسية مرتين فقط منذ ظهوره على الساحة السياسية
أحزاب السمع والطاعة
لم يكن عنان وشفيق وموافي وحيدين في الساحة السياسية؛ فهناك مجموعة أخرى من الجنرالات أقامت أحزابًا “صورية”، ربما لم يرد اسمها على مسامع كثيرين، منها، حزب “المصري” وهو للمهندس العميد السابق بالقوات المسلحة سيد الجابري، ويتكون من قيادات أمنية واستخباراتية سابقة.
ويرى الجابري حزبه في هذه الكلمات: “حزب ولد من رحم الشارع، بعد ثورتين غير مسبوقتين في التاريخ هما 25 يناير و30 يونيو، حزب ولد ليبقى، يؤمن ويمارس الديمقراطية بلا حدود، وله تصورات تتحول معها مصر إلى دولة عظمى”، لكنها الأقوال حين تفنى، وتبقى الشعارات السياسية الرنانة”.
وهناك مجموعة أخرى من الجنرالات أقامت أحزابًا، منها حزب “حماة مصر” لصاحبه الفريق جلال هريدي مؤسس وحدة الصاعقة بالجيش المصري الذي ما لبث أن أنجب لنا حزب “حماة الوطن”، بعد خلاف نشب بين هريدي واللواء مدحت الحداد رئيس نقابة العسكريين المتقاعدين.
تكشف تلك الأحزاب العسكرية شروع النظام المصري في إجراءات تأسيس “حزبين كبيرين”
ثم وجدنا اللواء عبد الرافع درويش يخرج لنا بحزب ثالث هو حزب “فرسان مصر” الذي يضم كذلك عددًا من العسكريين المتقاعدين، وفي الإطار ذاته، كون ائتلاف “عسكريون متقاعدون” حزبًا سياسيًا جديدًا.
كما أعلن العميد سمير راغب المنسق العام للائتلاف أنه بناء على رغبة مجموعة كبيرة من أعضاء الائتلاف العام العسكريين المتقاعدين المصريين بالقوات المسلحة تقرر البدء في تأسيس حزب سياسي باسم “حزب طلائع التحرير”.
وتكشف تلك الأحزاب العسكرية شروع النظام المصري في إجراءات تأسيس “حزبين كبيرين”، أولهما تحت رعاية جهاز الاستخبارات الحربية، ليكون كيانًا للمعارضة البناءة من داخل النظام ذاته، وتحقق رغبة النظام في ملء الفراغ السياسي بالعدم؛ فأحزاب العسكر يمكنها المشاركة بلا ضجيج.
والثاني، تحت رعاية جهاز الاستخبارات العامة، ليكون حزبًا حاكمًا على غرار الحزب الوطني “المنحل”، حيث بدأ النظام استعداداته لمرحلة ما بعد انتخاب عبد الفتاح السيسي رئيسًا لولاية ثانية حتى عام 2022، عبر تنفيذه بعض الإجراءات السياسية الهادفة لتكريس تحكم السيسي ودائرته في المشهد السياسي بصورة شمولية.
وفي خطوة تمهيدية، وزع ائتلاف دعم مصر استمارات عضوية في المحافظات للحزب الجديد تحت اسم “استمارة تعارف”، إذ حصل كل نائب على 2000 استمارة من شؤون العضوية في الائتلاف لتوزيعها على المواطنين المرحبين بالانضمام إلى الائتلاف، وإحداث عمل تنموي بعيد كل البعد عن السياسة، بحسب الأسباب المعلنة، لكن ما خفي أعظم.