لم يشفع دخول شهر رمضان الكريم لأهالي درنة الليبية عند اللواء المتقاعد خليفة حفتر، حيث شددت قوات هذا الأخير العسكرية حصارها المفروض على المدينة منذ أكثر من 3 سنوات، رغبة منها في تطويعها ودخولها واستكمال السيطرة على الشرق الليبي، ما تسبب في معاناة إنسانية داخل هذه المدينة الساحلية.
فشل اقتحام المدينة
رغم محاولاتها المتكررة لاقتحام المدينة فشلت قوات حفتر في مساعيها، حيث تلاقي قوات الكرامة التابعة له والقبائل المساندة لها صعوبة كبيرة في دخول درنة نظرًا لطبيعة المدينة الجغرافية حتى بعد وصول تعزيزات كبيرة إلى القوات، وسط معلومات بأن المعارك تدور الآن في منطقة “وادي جرم” جنوب غرب درنة.
ولم يفلح الحصار المفروض على المدينة ولا القصف الجوي في إخضاع درنة واستسلام أهاليها لحفتر، وسبق أن أكد هذا الأخير خلال كلمة ألقاها في الـ7 من مايو/أيار 2018، في حفل تخريج الدفعة الـ51 من الكلية العسكرية أن ساعة الصفر لتحرير درنة قد دقت، وأضاف “المساعي السلمية لمدينة درنة استمرت أكثر من 3 سنوات بواسطة عقلاء المدينة ونشطاء من الشباب لنجنبها ويلات الحرب حتى بلغت تلك المساعي طريقًا مسدودًا”.
سلاح التجويع الهدف منه إجبار الأهالي على الاستسلام والسماح لقوات حفتر بالدخول للمدينة
ويشرف على قيادة هذه العمليات قوات مصرية، وسبق أن أكد ليبيون أن ضباطًا مصريين وصلوا أكثر من مرة إلى معسكر لملودة القريب من درنة، في إطار إعداد الخطط العسكرية اللازمة لاقتحام المدينة التي تتم تحت إشراف مصري كامل، وخلال سنوات الحصار نفذ سلاح الجو المصري غارتين على الأقل ضد مواقع مدنية في المدينة بدعوى مكافحة الإرهاب، أولى تلك الغارات في شهر فبراير/شباط 2015، أما الغارة الثانية فكانت في نهاية شهر مايو/أيار السنة الماضية.
الالتجاء إلى سياسة التجويع
فشل قوات الكرامة التابعة لخليفة حفتر والجهات الداعمة لها كالحكومة المصرية والإماراتية في السيطرة على درنة بعد 3 سنوات من الحصار، جعلهم يلجأون إلى سلاح جديد في المعركة وهو سلاح “التجويع” تزامنًا مع دخول شهر رمضان الفضيل.
هذا السلاح الهدف منه إجبار الأهالي على الاستسلام والسماح لقوات حفتر بالدخول للمدينة الواقعة شمال شرقي البلاد والمطلة على البحر الأبيض المتوسط (300 كيلومتر شرق بنغازي)، على الرغم من مطالبة رسمية محلية ودولية ومن منظمات إنسانية دولية بضرورة فك الحصار عن المدينة.
قوات حفتر تحشد لاقتحام المدينة
وقررت قوات حفتر مؤخرًا، غلق كل الطرقات المؤدية للمدينة من منافذها البرية (الغربية والجنوبية والشرقية) والبحرية، وتطويقها على عدة محاور وهي محور مرتوبة شرقًا، وفي الجنوب الشرقي محور الحيلة، بينما في الجنوب وادي بوضحاك (الظهر الحمر)، والجنوب الغربي محور عين مارة، وأخيرًا المحور الغربي المعروف بـالساحل، بالتوازي مع شن هجمات مباغتة بين الفينة والأخرى على خطوط دفاعات المدينة، خاصة في المحور الغربي لها.
ووفقًا لشهود عيان تشهد المدينة انقطاعًا متكررًا للكهرباء بسبب نفاد وقود محطة الكهرباء الوحيدة التي تغذيها، بعد أن قطعت قوات الكرامة إمداد الغاز والوقود عن المدينة، كما منعت قوات حفتر شاحنات نقل المواد الغذائية والخضروات من الدخول لدرنة وتزويد المحلات التجارية، فضلًا عن قطعها إمدادات الماء الصالح للشرب.
تدهور الوضع الإنساني
إجراءات حفتر الأخيرة كانت سببًا في تدهور الوضع الإنساني والمعيشي في المدينة، حيث تفتقد أغلب متاجرها إلى السلع الضرورية، ما أدى إلى إرتفاع أسعار المواد الغذائية، فضلًا عن اقتراب الوضع الصحي للانهيار التام خلال أيام بسبب نقص الوقود والكهرباء والمستلزمات الطبية.
وقبل أيام أطلق مستشفى “الهريش” في المدينة نداء استغاثة لنفاد مخزونه من الأكسجين المستخدم في العمليات الجراحية، ومنع قوات “عملية الكرامة” إدخال المساعدات الطبية إلى المدينة، وأعلن المستشفى الوحيد في درنة توقفه عن إجراء العمليات الجراحية أو التدخل السريع في الحالات الحرجة والمستعجلة، لعدم توافر الأدوية والمعدات الطبية اللازمة.
تعتبر درنة من أبرز المدن المعارضة لمساعي حفتر العسكرية
بالتزامن مع ذلك، تظاهر عشرات الليبيين أمام مقر بعثة الأمم المتحدة للمطالبة بوقف الغارات الجوية على مدينة درنة ورفع الحصار الذي تفرضه قوات الجنرال خليفة حفتر على سكان المدينة، فيما اتهم مسؤولون أمنيون ونشطاء قوات حفتر بارتكاب مجازر جديدة ضد المدنيين، وطالب المتظاهرون بعثة الأمم المتحدة بالقيام بواجبها لحماية المدنيين في درنة، فضلًا عن إرسال لجنة لتقصي الحقائق للاطلاع على التجاوزات والانتهاكات التي ترتكبها قوات حفتر والأوضاع الإنسانية السيئة التي وصلت إليها المدينة جراء الحصار المتواصل منذ أعوام.
تحذير أممي
تشديد الصراع على المدينة حتم على المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا غسان سلامة دق ناقوس الخطر، حيث حذر من توسع الصراع في درنة، وتحول الصراع فيها إلى إثني وإقليمي، وأكد سلامة في عرض قدمه أمس الإثنين لمجلس الأمن بشأن الوضع في ليبيا والعقوبات الدولية المفروضة عليها، أن مدينة درنة تشهد تصعيدًا في القتال وهجمات جوية وبرية منذ 7 مايو/أيار الحاليّ، بعدما أعلن اللواء المتقاعد خليفة حفتر شن هجوم بذريعة مكافحة الإرهاب.
وقال المبعوث الأممي إن مدنيين لقوا مصرعهم في هجمات قوات حفتر في ظل ضعف المساعدات والمعونات الغذائية والطبية ونزوح مئات الأسر، ودعا الأطراف إلى السماح بوصول المساعدات الإنسانية دون عراقيل، كما دعا مجلس الأمن إلى القيام بدوره لتفادي تطور الصراع.
درنة تدفع ثمن رفض العسكر
تعتبر درنة من أبرز المدن المعارضة لمساعي حفتر العسكرية، إذ يعلن مقاتلو المدينة معارضتهم العلنية لمشروع حفتر العسكري، ما دفع بالأخير إلى فرض حصار على المدينة مستعينًا بمقاتلي القبائل المحيطة بها، مانعًا دخول الإمدادات الإنسانية والغذائية والنفطية.
وفي سنة 2014 مباشرة إثر اعلان حفتر انطلاق “عملية الكرامة” لبسط سيطرته على البلاد، أعلن أهالي مدينة درنة معارضتهم لهذه العملية ولحفتر الساعي لعودة حكم العسكر، فما كان من حفتر إلا أن وصفهم بالإرهاب، متوعدًا بالسيطرة على مدينتهم.
وصفٌ سرعان ما دحضه أهالي المدينة ومقاتلوها، حيث تمكنوا من طرد تنظيم داعش من مدينتهم في يونيو/حزيران 2015، وتطهير المنطقة من جيوبه المتبقية لاحقًا، يذكر أن درنة كانت أول مدينة يتخذ تنظيم “داعش” الإرهابي مقرًا له فيها (أكتوبر/تشرين الأول 2014) خارج معاقله التي سيطر عليها في العام 2014 في العراق وسوريا، ومثلت النقطة الأكثر قربًا له إلى أوروبا، ما شكل تهديدًا خطيرًا على القارة العجوز.
غلق مداخل المدينة كافة
يصف حفتر وأتباعه مجلس حماية المدينة المسيطر عليها بـ”الإرهابي”، لكن المجلس الذي تكون عام 2014، والمؤلف من عناصر الثوار السابقين ومقاتلين إسلاميين تلقوا الدعم والشرعية من المؤتمر الوطني (البرلمان السابق) يرفض هذا الوصف، مؤكدًا أن رفضه لسيطرة حفتر على المدينة رفض لعودة حكم العسكر للبلاد.
ويقول أهالي مدينة درنة إن قوات حفتر تدعي أنها تحارب الإرهاب، في حين أنها من أمنت هروب مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية من درنة إلى مدينة سرت سنة 2015، وتتألف القوات المحاصرة للمدينة من عناصر مسلحة قبلية من المناطق المحيطة بدرنة، والناقمة على مسلحي درنة بسبب خلافات قبلية، أو بسبب اتهام مسلحي درنة بالتورط في تفجيرات شهدتها منطقة القبة قبل سنتين.
وتاريخيًا برزت درنة كمدينة معارضة لحكم العسكر، ففي منتصف التسعينيات فرض عليها نظام معمر القذافي حصارًا دام لأشهر، واقتحم منازل الأهالي وحرق غاباتها ومشط جبالها بحثا عن معارضي حكمه الذين نشطوا فيها عام 1995، بدعوى محاربته الإرهاب.