توشك المملكة العربية السعودية أن ترفع الحظر المفروض على قيادة النساء للسيارات. لكنها في الوقت ذاته بدأت بسجن المدافعات عن حقوق النساء. يشبه ذلك مشهدا من فيلم “عبر زجاج الشرفة”، حيث تعلن الملكة الحمراء أن ما يبدو واضحا هو العكس تماما مما هو واضح في واقع الأمر. هذه المرة، يقوم بدور المليك المناقض للمنطق ولي عهد السعودية، الأمير محمد بن سلمان، الذي يوشك أن ينهي الوضع المخجل الذي كان قائما في المملكة العربية السعودية كونها البلد الوحيد في العالم الذي يحظر على النساء قيادة السيارات، ولكن يبدو أنه سيمنح حق القيادة هذا فقط للواتي يلتزمن الصمت والهدوء.
في بلد تشكو فيه كثير من النساء من تظلمات أكبر وأوسع نطاقا من مجرد قيادة السيارة، لا يرغب ولي العهد في رؤية الناشطات من النساء اللواتي ناضلن لسنوات طويلة في سبيل إنهاء التمييز الذي يمارس ضدهن يتحولن إلى نماذج ثورية.
بدلا من النقاش، يريد ولي العهد أن يلتزمن بالصمت. لكن بعد كسبهن لواحدة من المعارك، أعربت الناشطات عن رفضهن لما يراد فرضه عليهن. وقد دفعن ثمن جرأتهن من حريتهن، فانتهى بهن المطاف خلف القضبان، بينما تعمل وسائل الإعلام السعودية على تشويه سمعتهن، واصمة إياهن بالخائنات. والواقع أنه ينبغي تهنئة هؤلاء النسوة على ما اتخذنه من موقف.
تعامل المملكة العربية السعودية نصف سكانها كما لو كن مواطنات من الدرجة الثانية، بحيث إن الواحدة منهم حتى تتمكن من السفر أو العمل أو حتى التوجه إلى المستشفى لتلقي العلاج تحتاج إلى موافقة ولي ذكر. وهذا هو حالهن من المهد إلى اللحد. ليس من العدل في شيء أن تظل النساء يسلمهن رجل إلى رجل، فهناك في البداية الأب ثم الزوج ثم في أحيان كثيرة الأبناء.
أن تكون ديمقراطيا في الشرق الأوسط ما بعد الربيع العربي يعني أن تكون عاقلا في عالم مليء بالمجانين
الناشطات كن على حق حينما التمسن من الديوان الملكي إلغاء نظام ولاية الذكور على النساء، وتشهد شجاعتهن على ما يحدث عندما يتصادم المنطق مع عالم لا وجود فيه لأي منطق. بدلا من تغييبهن في السجون كان ينبغي أن تكرم الناشطات لما مارسنه من معارضة مبدئية. حرية التعبير معتبرة، ليس فقط لأنها تساعد على تحديد ما هو المهم، وإنما أيضا لأنها تساعد على تحديد من هو المهم.
تقول المملكة العربية السعودية إنها جادة بشأن برنامجها الإصلاحي. إلا أن ذلك لا يعدو فيما يبدو كونه تجميلا للاضطهاد. لا يبشر بخير أن يسعى ولي العهد للحصول على دعم دونالد ترامب الذي يعمل على تقويض الأعراف التي طالما قامت عليها الديمقراطية الأمريكية، ويعمل على تكريس السلطة من خلال شيطنة الجماعات المهمشة والنساء. ينبغي على الدول العربية أن تتصالح مع العالم الحديث: معظم هذه الدول لا توجد فيها قوانين تحظر التمييز بين الجنسين.
ينبغي أن يقبل الناس في المنطقة أن البنات بإمكانهن أن يساهمن في بناء المجتمع تماما كما يساهم الأبناء. ولكي يتمكن الاقتصاد من الاستفادة من الموارد المتاحة، ينبغي أن يتمكن الرجال والنساء من تحقيق الإمكانيات الكامنة لديهم. وهذه يعني أنه ينبغي أن تتاح أمام النساء حرية الاختيار، كما هو حال الرجال، حتى تتحقق المساواة بينهم. ولا يوجد مكان يعتبر فيه هذا الأمر ملحا مثل المملكة العربية السعودية. ومع ذلك فهناك إخفاقات في أماكن أخرى. أن تكون ديمقراطيا في الشرق الأوسط ما بعد الربيع العربي يعني أن تكون عاقلا في عالم مليء بالمجانين. يشبه ذلك أن تكون في الجانب الآخر من زجاج شرفة “أليس”، حيث يبدو كل شيء معكوسا.
رغم كل الحديث عن التقدم في العالم العربي -كما هو بين في الحالة السعودية- مازال وضع المرأة يبرح في مكانه، والأسوأ من ذلك، أنه آخذ في التراجع إلى الوراء
في وقت مبكر من هذا العام في مصر، أعيد انتخاب عبد الفتاح السيسي رئيسا بنسبة 97 بالمئة من الأصوات. ومع ذلك فنحن بصدد “ديمقراطية” لا وجود فيها للحقوق المدنية على الإطلاق. في مارس/ آذار، ألقت السلطات المصرية القبض على إحدى النساء، وماذا كانت جريمتها؟ أنها تحدثت مع البي بي سي حول الاختفاء القسري الذي تعرضت له ابنتها. أو خذ تونس حيث ينظر إليها على أنها نموذج للتحول من الدكتاتورية إلى الديمقراطية.
حينما كسب الإسلاميون التونسيون المعتدلون الانتخابات المحلية، وقدموا امرأة متبرجة لتكون أول امرأة تحتل منصب العمدة في العاصمة كان الحزب العلماني هو الذي سد الطريق في وجهها وحال دون استلامها للسلطة، وكان ذلك انتهاكا صريحا لحقها في ممارسة سلطتها السياسية. إن تقليص حالة انعدام المساواة يعني بالضرورة تحسن أوضاع حقوق المرأة. ورغم كل الحديث عن التقدم في العالم العربي -كما هو بين في الحالة السعودية- مازال وضع المرأة يبرح في مكانه، والأسوأ من ذلك، أنه آخذ في التراجع إلى الوراء.
ترجمة: عربي ٢١
المصدر: الغارديان