ماذا سيحل بالفلسطينيين في اليوم التالي لرحيل عباس؟

أثارت مسألة مرض الرئيس الفلسطيني محمود عباس ودخوله المستشفى للمرة الثالثة حالة من الإرباك في الساحة الداخلية أحاطتها الكثير من التساؤلات التي تُطرح بقوة عن مستقبل الفلسطينيين والسيناريو المجهول المقبل نحوهم في ظل غياب “أبو مازن” عن الساحة السياسية.
ما يقلق الفلسطينيين هو المستقبل الغامض الذي يحيط بهم في ظل خلافات كبيرة وملفات عالقة سيتركها عباس خلفه
الأنظار كافة محليًا وعربيًا ودوليًا تتجه الآن نحو المستشفى الذي يرقد فيه الرئيس الفلسطيني، وتراقب عن كثب تطورات وضعه الصحي “غير المستقر”، في ظل تكتم كبير تفرضه المقاطعة في رام الله على هذا الملف الساخن الذي بات يشغل الجميع.
رحيل أو بقاء الرئيس عباس صاحب الـ(84) عامًا عن الساحة، ليس هذا ما يقلق الفلسطينيين كثيرًا، خاصة أن الأول (الرئيس عباس) قد تحدث كثيرًا أنه سيستقيل خلال العام الحاليّ، لكن ما يقلقهم هو المستقبل الغامض الذي يحيط بهم في ظل خلافات كبيرة وملفات عالقة سيتركها عباس خلفه.
وكان قد طرأ تدهور مفاجئ على الحالة الصحية للرئيس عباس الأحد، مما استدعى نقله للمرة الثالثة خلال أسبوع، إلى مستشفى في رام الله، وتحدثت مصادر فلسطينية أن أبو مازن مصاب بالتهاب رئوي حاد، مضيفة أن حرارة جسمه وصلت إلى أربعين درجة مئوية، والأطباء يحاولون خفضها، وقالت إن الرئيس على جهاز تنفس، لكنه صاحٍ.
الخليفة المنتظر
وعقب جدال ونقاش واسعين طوال الأشهر الأخيرة، والحالة الصحية المتدهورة للرئيس عباس، وأيامه التي يرى البعض أنها معدودة في الرئاسة، باتت الأعين تترقب بفارغ الصبر الخليفة المنتظر له.
مؤشرات المحللين اتجهت سابقًا نحو عدة أشخاص لتولي هذا المنصب؛ ومنهم القيادي المفصول من حركة فتح محمد دحلان واللواء ماجد فرج مدير جهاز المخابرات الفلسطينية العامة، لكن بحسب قيادات فتحاوية بارزة فإن الخليفة قد يكون من خارج الحركة والسلطة.
وقالت مصادر محلية إن رئيس الحكومة الفلسطينية رامي الحمد الله، بات المرشح الأبرز والأقوى لتولي منصب رئاسة السلطة، بموافقة فتحاوية وعربية ورضى إسرائيلي وأمريكي.
قيادات فتحاوية أكدت مطلع مايو الحاليّ، أن عباس عقد سلسلة لقاءات مغلقة مع بعض من قيادات الحركة ومسؤولي السلطة والفصائل، على هامش اجتماع المجلس الوطني بمدينة رام الله في الضفة الغربية المحتلة، وتم فتح ملف خليفته بشكل موسع وواضح.
وأضافت أن عباس طلب من القيادات المجتمعة ترشيح أسماء موثوقة لتولي منصب رئاسة السلطة بشكل مؤقت في حال رحيله، حتى التجهيز لموعد الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة، لكن الأسماء التي طُرحت لم تحظ بإجماع الحضور وكانت محل خلاف مستمر.
مع خفوت ضوء دحلان، بدأ يلمع اسم فلسطيني آخر، ويبدو أنه يحظى بقبول عربي وإسرائيلي وأوروبي وأمريكي، ليكون خليفة عباس المنتظر، الذي باتت تصب في كفته كل التوقعات، هو رئيس جهاز المخابرات الفلسطينية اللواء فرج
في الفترة الأخيرة انتشرت توقعات بقوة أن خليفة عباس المحتمل الذي سيكون له نصيب الأسد من الدعم المحلي والعربي، هو محمد دحلان، لكن ولظروف “غامضة” بدأ اسم دحلان يخفت كثيرًا، وحتى أكثر الدول التي كانت تدعمه كمصر والأردن يبدو أنها تراجعت وأصبحت تبحث عن مرشح آخر يتماشى مع سياساتها.
مع خفوت ضوء دحلان، بدأ يلمع اسم فلسطيني آخر، ويبدو أنه يحظى بقبول عربي وإسرائيلي وأوروبي وأمريكي، ليكون خليفة عباس المنتظر، الذي باتت تصب في كفته كل التوقعات، هو رئيس جهاز المخابرات الفلسطينية اللواء فرج.
وحاول الإعلام العبري والأمريكي العام الماضي “تلميع” صورة اللواء فرج، والحديث بكثرة عن إنجازاته الأمنية وتمسكه بالتنسيق الأمني مع “إسرائيل” وملاحقة المقاومة الفلسطينية، خاصة بعد تصريحه الشهير بأن السلطة أحبطت 200 عملية ضد “إسرائيل”، لتقدمه على طبق من ذهب لرئاسة السلطة، لتأتي مفاجأة عباس مخالفة لذلك.
وكان موضوع خلافة عباس من المحرمات في الدوائر الرسمية الفلسطينية منذ تسلمه السلطة قبل 14 عامًا.
وعُيّن عباس رئيسًا انتقاليًا عقب وفاة الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات عام 2004، وتمّ انتخابه في العام التالي، لِما كان من المفترض أن تكون ولاية من خمس سنوات، وأحكم سيطرة حازمة منذ ذلك الحين، رافضًا تسمية خليفة له، وحال الانشقاق السياسي مع حركة حماس دون إجراء انتخابات جديدة.
وخلص استطلاع للرأي صدر نهاية شهر مارس الماضي إلى أن 68% من الجمهور الفلسطيني يدعم استقالة عباس، وأن 33% فقط ممَّن شملهم الاستطلاع قالوا إنهم راضون عن أدائه.
خلافات كبيرة
وفي ذات السياق نشر الكاتب الإسرائيلي والخبير بالشؤون العربية الدكتور مردخاي كيدر، مقالاً عن حالة الرئيس محمود عباس الصحية وعن التوقعات السياسية ما بعد رحيله، في صحيفة “إسرائيل اليوم” العبرية.
وقال الكاتب الإسرائيلي، إنه وعلى “ضوء الدخول المتكرر لرئيس السلطة عباس، إلى المستشفيات، فإن الصراعات على خلافة أبو مازن البالغ من العمر 84 سنة، قد بدأت بالمقاطعة”، متوقعًا عدم توصل الأطراف والمنظمات الفلسطينية إلى اتفاق واضح، بشأن خليفة لمحمود عباس.
فرج لديه مشكلة أساسية قد تمنعه من اكتساب الشرعية اللازمة لخلافة عباس، لأنه يظهر في الشارع الفلسطيني كمن يتعامل مع “إسرائيل”، والفضل يعود إليه في الهدوء الأمني الذي تعيشه الضفة الغربية دون هجمات مسلحة ضد “إسرائيل”
وبحسب الخبير الإسرائيلي فإن السلطة الفلسطينية ستنهار بعد موت عباس، وستختفي تمامًا من مناطق الضفة الغربية، وطالب الحكومة الإسرائيلية بالاستعداد، لكي تحل مكان السلطة، أو تعد مجالس حكم محلية مستقلة، لكل مدينة بالضفة.
ووفقًا للكاتب الإسرائيلي، فإن أقوى رجل بعد عباس بالضفة اللواء ماجد فرج الذي يسيطر على الأجهزة الأمنية، لا يستطيع أن يكون خليفة لعباس، وذلك لأن الفلسطينيين يعتبرونه متعاونًا مع “إسرائيل”، ولن يحصل على أي شرعية داخلية، أما الصحافي أساف جبور فذكر أن “الساحة الفتحاوية تشهد حراكًا تحت الأرض للبحث عن وريث لعباس حال تدهورت حالته”.
السيناريو المقبل
بعد توارد الأنباء عن تدهور صحة الرئيس عباس، بدأت سيناريوهات وتقديرات تُرسم لما لليوم التالي لغياب أبو مازن عن المشهد السياسي. ويرى محللون وكتاب أن “تزايد العلاجات الطبية لعباس، تثير مسألة خلافته بصورة حثيثة في الشارع الفلسطيني عمومًا، وفي أروقة المقاطعة خصوصًا، في ظل عدم توافق الفلسطينيين وقياداتهم السياسية بشأن زعيم متفق عليه، وسط تقديرات بأن من يمسك بمزيد من السلاح والبنادق من بين الزعماء الفلسطينيين، ستكون له الغلبة أكثر من سواه في تولي الزعامة الشاغرة بعد فترة من الوقت”.
تشير بعض التحليلات إلى أن مرحلة ما بعد عباس ستشهد حالة من تفكك السلطة الفلسطينية، مما يتطلب من “إسرائيل” المسارعة لإحلال سلطات محلية بدلاً منها، قائمة على أسس عشائرية ويسيطر على الشارع الفلسطيني، مع العلم أنه يوجد اليوم في السلطة الفلسطينية شخص واحد يمسك بمقاليد كل شيء، وجميع الأجهزة والسلطات ويمكنه فرض سلطته عليها في اليوم التالي لغياب أبو مازن، وهو ماجد فرج رئيس جهاز المخابرات العامة.
لكن فرج لديه مشكلة أساسية قد تمنعه من اكتساب الشرعية اللازمة لخلافة عباس، لأنه يظهر في الشارع الفلسطيني كمن يتعامل مع “إسرائيل”، والفضل يعود إليه في الهدوء الأمني الذي تعيشه الضفة الغربية دون هجمات مسلحة ضد “إسرائيل”.
السلطة من الناحية العملية منفصلة عن الشارع الفلسطيني في الضفة الغربية، ولا تحظى بالشرعية اللازمة، وينظر إليها الفلسطينيون على أنها جابية أموال وضرائب فقط، وفي حال نشوب أي مشكلة أو نزاع محلي لا يتوجه أحد للقضاء، وإنما للزعماء المحليين والمخاتير الذين بات لديهم السلطة الفعلية، مما يتطلب من “إسرائيل” أن تقيم في كل مدينة ما يمكن وصفه بالإمارة المحلية على أساس عشائري، وتبقى “إسرائيل” مسيطرة عن بعد، وتمنح جنسيتها لعشرة بالمائة من الفلسطينيين المقيمين في القرى خارج المدن الفلسطينية المركزية”، يوضح المراقبون.
قدر البروفيسور أفرايم عنبار الخبير في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي أن “السلطة ستؤول لمن يحمل سلاحًا أكثر في الشارع الفلسطيني، لأنه في ظل أنظمة غير ديمقراطية كالسلطة، ليس هناك منظومة سياسية ترتب كيفية انتقال السلطة بصورة سلسة
ومن باب التفصيل يقولون إنه بإمكان “إسرائيل” أن تقيم في أريحا إمارة باسم عائلة عريقات، وفي نابلس باسم عائلات المصري وطوقان والشكعة، وفي رام الله باسم عائلات البرغوثي وأبو عين والطويل، وفي طولكرم إمارة باسم عائلة الكرمي، وفي الخليل لعائلات الجعبري والقواسمي وأبو سنينة والنتشة والتميمي، وهكذا في قلقيلية وجنين وغيرهما، بهذا الوضع يمكن لهذه العائلات والحمائل والعشائر أن تحكم، ويمنحها الجمهور الفلسطيني ثقته المطلوبة، أما بالنسبة لغزة، فتعترف بها “إسرائيل” كدولة تحيا بجانبنا، مع بقاء صيغة الردع العسكري”.
في حين قدر البروفيسور أفرايم عنبار الخبير في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ومدير مركز بيغن السادات للدراسات الإستراتيجية، أن “السلطة ستؤول لمن يحمل سلاحًا أكثر في الشارع الفلسطيني، لأنه في ظل أنظمة غير ديمقراطية كالسلطة، ليس هناك منظومة سياسية ترتب كيفية انتقال السلطة بصورة سلسة، لذلك فإن ما سيحصل عمليًا في الأراضي الفلسطينية أن من يحوز على القوتين العسكرية والسياسية سيدير دفة الأمور بعد غياب عباس”.
وأضاف أنه “يمكن الإشارة لأحد الشخصيات التي تحظى بدعم عسكري داخلي فلسطيني، أو أحد رؤساء الأجهزة الأمنية الذي قد يتقدم للمسرح السياسي، وحماس قد تبدي تدخلاً فيما يحصل، رغم أن “إسرائيل” والسلطة تحاربانها بصورة غليظة، وقامتا بقصقصة أجنحتها في الضفة الغربية”.
تنشأ حالة من السلطة ثلاثية الأضلاع، مكونة من الشخصيات الثلاثة التي تم انتخابها مؤخرًا في اجتماعات المجلس الوطني واللجنة المركزية لفتح وهم: عزام الأحمد وصائب عريقات ومحمود العالول، يتم تقاسم الصلاحيات فيما بينهم
وختم بالقول: “أوصي “إسرائيل” بألا تتدخل فيما قد يحصل من صراع القوى الفلسطينية الذي سينشأ بعد غياب عباس، ويجب الانتظار جانبًا ورؤية أي طرف من هذه المليشيات سوف تفرض قوتها على الأرض، وتحسم النزاع لصالحها، فيما لو نشأ هذا النزاع، لأن هذا سيكون أفضل خيار لـ”إسرائيل” من التدخل”.
المستشرق بنحاس عنبري الباحث بمعهد القدس للشؤون العامة والدولة قال أنه “في حال إجراء انتخابات عامة فلسطينية، فإن أي زعيم قادم لن يحظى بإجماع فلسطيني، وكل مدينة في الضفة الغربية قد تعمل بمفردها بعيدًا عن السلطة المركزية”.
مضيفًا: “سنشهد حالة من تفكك السلطة، وقد تعيش “إسرائيل” حقبة زمنية جديدة غير مستقرة بعضًا من الوقت، ليس لعدم وجود وريث لعباس، وإنما لفقدان الفلسطينيين منظومة انتخابية متفق عليها لانتخاب خليفة له، فضلاً عن وجود حالة من الاستقطاب الجغرافي بين مدن الضفة الغربية، فلا يمكن لنابلس مثلاً أن توافق أن تتحكم بها رام الله أو جنين”.
ختم عنبري قوله: “تنشأ حالة من السلطة ثلاثية الأضلاع، مكونة من الشخصيات الثلاثة التي تم انتخابها مؤخرًا في اجتماعات المجلس الوطني واللجنة المركزية لفتح وهم: عزام الأحمد وصائب عريقات ومحمود العالول، يتم تقاسم الصلاحيات فيما بينهم، علمًا بأن هذه منظومة تقنية فنية، لكنها ليست عملية، ومع مرور وقت قصير سيظهر أن كل واحد منهم يريد السيطرة على كامل الصلاحيات”.