ترجمة وتحرير: نون يوست
على منصة صغيرة بُنيت بجهد ذاتي في السادسة صباحًا في مركز ترفيهي في بورتسليد، أقف جنبًا إلى جنب مع الأشخاص والسياسيين الذين شعرت بأنني مضطرة للترشح ضدهم في الانتخابات العامة لسنة 2024. لقد رشحنا أنفسنا جميعًا لتصويت الشعب، والآن تقاس قيمة صوتنا برقم. إن العدد الدقيق للأشخاص الذين أمثلهم في هذه اللحظة هو 3,048 شخصًا؛ ولهذا أشعر بخيبة أمل.
وسرعان ما علمت أنه رقم مرتفع بالنسبة لحملة سياسية قصيرة جدًا بلا علامة تجارية حزبية أو تغطية إعلامية، فلقد حقق مرشحو وقف إطلاق النار في غزة أفضل أداء في المناطق ذات الكثافة السكانية المسلمة الكبيرة؛ حيث شعر العديد من الناخبين بتجاهل الأحزاب الرئيسية لهم.
فمدينة هوف وبورتسليد التي ترشحت فيها هي مدينة لا تزيد نسبة المسلمين فيها عن 2.2 بالمئة من السكان. وعلى الصعيد الوطني؛ تم انتخاب خمسة مستقلين في ذلك الصباح، وذهبت عدة آلاف من الأصوات إلى مستقلين آخرين وقفوا مع إنهاء الإبادة الجماعية الإسرائيلية، وكذلك إلى حزب الخضر لموقفهم المؤيد لوقف إطلاق النار.
وبينما كنت أخرج إلى الشارع تحت مطر الصباح وأنا منهكة من ستة أسابيع متواصلة، أدركت بانزعاج وتقدير ما فعلته فلسطين لليسار البريطاني، وأنها بداية حركة من أجل العدالة والإنسانية تتمنى أحزابنا وإعلامنا المؤسسي أن تختفي، ولن تختفي؛ بل إنها مجرد بداية.
وبينما أكتب هذه التأملات، رسم التاريخ الخط الفاصل في وقت أقرب مما كنا نتصور، ولم يعد من المستحسن قانونيًا أن تقف حكومتنا ضد مذكرة الاعتقال التي طال انتظارها بحق نتنياهو.
لقد نما احترام غريب بيننا نحن المرشحين على مدار العديد من المناظرات التي تُجرى خلال الحملات الانتخابية، فقد جادل مرشح الحزب الديمقراطي الليبرالي بشدة ضد موقف حزب العمال من بيع الأسلحة لـ”إسرائيل”، بينما كان مرشح حزب الإصلاح يصافحني دائمًا أثناء مروره.
أتخذ أنا وحزب الإصلاح صوت الشعب كنقطة انطلاق لنا، لكن الإصلاح يلقي باللوم على القوارب الصغيرة، بينما يحارب المرشحون المستقلون آلة الحرب التي تجعل الناس يخاطرون بحياتهم في السفر على متن قوارب صغيرة.
وعلى الرغم من أن حزب الخضر دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار، إلا أن سبب ترشحي لم يكن فقط لأنني بريطانية فلسطينية، لقد كانت حملتنا هي الوحيدة التي أبرزت القضية الفلسطينية وعرّفت ما يحدث بأنه إبادة جماعية. يدرك الكثيرون منا الفجوة في الاستجابة العاطفية وخيار تهميش هذا الرعب وإضافته ببساطة إلى قائمة الأمنيات السياسية. إن هذا النهج المجزأ في التعامل مع أفعال “إسرائيل” في غزة يقلل من أهميتها ويقلل من إنسانية ضحاياها، فالتهميش هو حجر الأساس عدم المساواة والعنصرية.
المرشحة الفلسطينية
بدون شارة أو اسم حزب، ألقي نظرة على بحر من الوجوه البيضاء وأرى المشهد الجيوسياسي الذي تمثله برايتون وهوف. نحن نعرف نتيجتنا، وأشعر أن مرشح حزب العمال بيتر كايل، الذي عاد بأغلبية 52 بالمئة، كان يعرف نتيجته قبل إعلان الانتخابات، ومن هنا كان حضوره البعيد والهادئ خلال الحملة الانتخابية. أما اللافتات العمالية الكبيرة التي تحمل راية الاتحاد البارزة، والتي ظننت أكثر من مرة أنها علامة الإصلاح، ويمسك بها نشطاء حزب العمال المتحمسين. أما أعضاء حزب الخضر فمتحمسون لأنهم ضاعفوا وجودهم في ويستمنستر أربع مرات.
كثيراً ما كان يقال لناشطينا في استطلاعات الرأي أنني “مرشحة غزة” أو “إنها فلسطينية!” (أنا من ستريثام، جنوب لندن، وكثيراً ما كنت أذكّرهم بذلك)، و”إنها تلوّح بعلم عربي في انتخابات بريطانية”، و”عودي من حيث أتيتِ”، ويصيح الحاقدون على “إكس”: “إنها تريد الشريعة الإسلامية!”.
وبالنسبة لشخص فعل والداه كل ما في وسعهما لدمجي في المجتمع، بما في ذلك فقدان لغتي وتغيير اسمي (الاسم الأصلي منى شحادة)، ظهرت هنا كواحدة من العرب الذين يقفون على منصة فلسطينية. لهذا السبب كان من المهم جدًا أن يقف العديد من الأشخاص من مختلف الأعراق بجانب القضية الفلسطينية. أنا سعيدة للغاية لأن رفيقي اليهودي، ابن أحد الناجين من المحرقة، والمثقف من العيار الثقيل، أندرو فاينشتاين، وقف في هولبورن ضد كير ستارمر. نحن لا نناضل بسبب انتمائنا العرقي، هويتنا هي أننا نتعاطف مع المظلوم ضد الظالم.
ما معنى أن تكون فلسطينيًا بريطانيًا في هذه اللحظة؟ هل هو ذنب النجاة؟ هل هو أننا نرى أطفالنا في كل طفل نراه مذعورًا وحيدًا يتألم وقد تم بتر أحد أطرافه أو قُتل؟ هل هو أننا نسمع أصوات الحزن والغضب من آبائنا؟ هل هو أننا نعرف في أعماقنا ثقافة فلسطين الجميلة بينما يجردنا إعلامنا من إنسانيتنا عبر الأرقام المتنازع عليها ولقطات الطائرات المسيرة للأنقاض؟ في كل ذكرٍ للإرهاب عند توثيق مشاهد الرعب، تكمن فكرة بأن هذه المجموعة العرقية تستحق هذا المصير الجهنمي بطريقة ما؛ وأن الإرهاب بطريقة ما في الحمض النووي لكل قتيل وجريح ومشرد.
في مساء يوم الأحد، عندما انقضى الموعد النهائي للتقدم بطلب لأكون المستقلة المناهضة للحرب والتقشف عن هوف وبورتسليد، كانت هي اللحظة التي أدركت فيها أن مجموعة مهاراتي وقدرتي على جمع الناس معًا وعرقي تشير جميعها في اتجاه واحد، وأنني بحاجة لتمثيل هذه الحركة والتعبير عنها.
الحملة
كانت غزة في الصدارة باعتبارها حالة طارئة وفرصة لإعطاء صوت لأولئك الذين يشعرون بالرعب من تواطؤ الحزبين مع الإبادة الجماعية، ولكن إذا كنتم تقفون ضد الاضطهاد، فلماذا لا تقفون ضد التشرد، وضد خصخصة خدماتنا العامة، وضد التدمير اليومي لكوكبنا عبر الجشع والحرب وخضوعنا شبه المذهبي لأيديولوجية النمو؟
من خلال عملي في المسرح ودراستي للقيادة والتعاون والمشاركة وإتاحة الفرصة للأصوات المتنوعة، كنت مصممة على جلب هذه المهارات والأساليب إلى الحركة. لقد ولّت تلك الأيام التي كان يجلس فيها أربعة رجال في الجزء الخلفي من الحانة ويكتبون بيانًا؛ حين كانت الأبواب مفتوحة والجميع مدعوون إلى الطاولة. وكانت تلك الطاولة مغطاة بورق عادي وأقلام الفلورسنت، لن تكون هناك ثورة عبر “واتساب”، ولن تنتهي عملية البحث العقيمة عن مدير وأمين دفاتر.
لقد شاركتُ في الكثير من الحركات التي لم أشعر فيها بأنني ذكية بما فيه الكفاية، أو راديكالية بما فيه الكفاية، أو بيضاء بما فيه الكفاية، أو سوداء بما فيه الكفاية، أو منظمة بما فيه الكفاية، أو من الطبقة العاملة بما فيه الكفاية. ومع دخولي في الفئوية المتجذرة في اليسار، اخترت تجاهلها مع وجهتي نظر متضادتين: أنه يجب أن نتحد وأن الجميع مرحب بهم.
كانت عمليتنا تهدف إلى خلق مساحات ترحيبية يتم فيها بناء مجموعات عمل بشكل عضوي من خلال اجتماعات عامة مفتوحة، ومن هنا انبثقت مجموعة أساسية مكّنت مشاريع وأعمال مستقلة، وترقى الجميع حتى وصلوا إلى مراكزهم، ولم يتم تعيين أحد من هيئة حاكمة. كانت الشمولية والخبرة المحلية في صميم كل ما قمنا به، ولو كنا قد وصلنا إلى الاجتماع الأول بحقيبة من السياسات ومجلس من المستشارين، فمن كان سيشعر بأي إلحاح لجعل حركتنا ذات أهمية؟
لقد بدأ مهرجان من الأفكار والإبداع؛ حيث بدأنا في إحياء المزيد من الفعاليات بشكل أكثر مما كنتُ أعلم بحدوثه، وانضم إلينا الناس ونظموا مهرجانات موسيقية وليالي أدبية وفعاليات مجتمعية وحفلات في الحدائق وسحوبات على الكعك، سمِّ ما شئت. إن البيروقراطية خانقة، والمركزية خانقة؛ وعلى النقيض، فإن السماح للناس بأخذ زمام المبادرة، وخلق ثقافة شاملة ومفتوحة تجلب المزيد من الناس وتخلق حركة يرغب الناس من جميع مناحي الحياة في أن يكونوا جزءًا منها.
كنا نعمل من منطلق التفاؤل والمرح الشديدين، فلماذا يكلف أي منا نفسه عناء خوض معركة ضخمة كنا من المرجح أن نخسرها دائمًا؟ لهذا السبب أحكم على هذه التجربة من خلال مسار الحملة التي تشبه إلى حد كبير المسرح؛ حيث تتطلب إيمانًا وجهدًا جماعيًا ضخمًا، وتختفي لحظة انتهائها. يقول بروسبيرو في مسرحية شكسبير “نحن مخلوقون من نفس المادة التي تُخلق منها الأحلام”.
كان كل شيء يتم عبر التعاون بما في ذلك خطاباتي، لقد كان هذا جهدًا جماعيًا وتعاونًا لا يمكن أن يحلم به إلا أفضل المستشارين الذين يتقاضون أجورًا، وما اتحدنا عليه أعطانا طاقة لا تفتر من أجل أهداف واحدة: وضع حد للإبادة الجماعية وتمويل الحروب، ووضع حد للتقشف الذي لا نهاية له؛ واتخاذ إجراءات حقيقية بشأن مناخنا، وقد شعرت في بعض الأحيان بأنني فهمت الحماسة الدينية التي يتمتع بها المبشرون.
وكان مديرو الحملات الانتخابية الذين يتمتعون بعقود من الخبرة يعملون جنبًا إلى جنب مع أشخاص جدد تمامًا في مجال السياسة. لقد التقيت بأشخاص لم أكن لأعرفهم قبل هذه الحركة، وقد جمعت هذه الحركة مع نموها مزيجًا متنوعًا من الأعمار والخلفيات والمهارات والخبرات، فأنا أنتمي إلى عائلة غير ناخبة، ومع ذلك كان والداي على دراية كبيرة بالتاريخ، وضمت الحملة أشخاصًا يشبهون والديّ وعماتي وأعمامي، إلى جانب نقابيين ونشطاء سابقين في حزب العمال، ومجتمع المثليين والشباب.
وبفضل التبرع السخي الذي قدمه متجر في وسط هوف للجزء الأخير من الحملة، تم خلق مجتمعات وتكوين صداقات ومشاركة الطعام، وكان المارة يأتون ويطرحون الأسئلة، كنا في العالم الواقعي بعيدًا عن هواتفنا، كنا جميعًا محمّلين بتيارات هذه الحركة التي تم بناؤها بعناية وعمل شاق وثقة.
وفي ظل التعتيم الإعلامي على جميع المستقلين، وبدون أي علامة تجارية حزبية أو آلية وراءنا، ناضلنا من أجل كل صوت من تلك الأصوات البالغ عددها 3048 صوتًا.
ماذا فعلت فلسطين للسياسة البريطانية؟
منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي والكثيرون منا يحزنون ويغضبون في السر ونحن نشهد إبادة جماعية أثناء حدوثها ونعرف جيدًا تواطؤ بلدنا في هذه المجزرة الجماعية. ولم يعد الكثيرون منا قادرين على الصراخ في الراديو، كنا بحاجة إلى الوقوف على أقدامنا والشعور بأننا نفعل شيئًا ما معًا، فقمنا بمسيرات واحتللنا الأماكن العامة ورفعنا أصواتنا وظهر قادة جدد.
وبحلول وقت الدعوة إلى الانتخابات العامة؛ لم يكن بالإمكان تجاهل فلسطين، مما اضطر العديد من الأشخاص الجدد مثلي إلى الترشح/ كانت عبارة “مرشح وقف إطلاق النار” جزءًا من خطاب انتخابات 2024. إن أولئك الذين يلوحون بالعلم الفلسطيني لا يلوحون بعلم بلد وشعب فحسب، بل يلوحون أيضًا بعلم التحرير والعدالة والمساواة للجميع، وهذا ما يعنيه عندما نقول لا أحد منا حر حتى تتحرر فلسطين.
إن فلسطين بكل ما فيها من فظاعة صارخة وظلم صارخ قد أعطتنا الطريق إلى جبهة موحدة، إلى الشمولية وإلى شكل جديد من أشكال الرفقة التي تعترف بالتنوع دون الحاجة إلى تسميته. إن الطريق إلى الفاشية يتم تعبيده يوميًا ونحن بحاجة ماسة إلى وضع بعض خلافاتنا جانبًا، والتوحد على ما نتفق عليه والوقوف جنبًا إلى جنب ضد الظلم. وكما قالت لي إحدى النساء الإيرانيات ببساطة شديدة: “لا يمكننا أن نكون متحمسين”.
المضايقات
لا فائدة من تجنب الأشخاص الذين يريدون تدميرك؛ يمكنك أيضًا أن تضع طاقتك في تمثيل وتسليط الضوء على الأشخاص الذين يتم تدميرهم. كنا نعلم أن المضايقات ستأتي، وقد ترافقت مع ظهور حملتنا ونجاحها.
ومع ازدياد حدة الحملة الإلكترونية ضدي على الإنترنت، واتضاح مراقبة فعالياتنا، وصلنا إلى مرحلة لم نكن نعلم فيها ما هي الصدمة التي سنواجهها كل يوم.
فقد تم تسجيل مقطع فيديو مدته ست ثوانٍ من إحدى الفعاليات، ثم تم تداوله على الإنترنت، واتُهمت بأنني وصفت يوم 7 تشرين الأول/أكتوبر بأنه “رد فعل”، فيما تضمنت جملتي الكاملة الكلمات “كان السابع من تشرين الأول/أكتوبر مذبحة وقلبي مع كل روح بريئة فقدت”، ثم تابعتُ القول بأنك إذا جردت الناس من إنسانيتهم وأبقيتهم في سجن مفتوح وقصفتهم كل عام أو عامين، فستكون هناك ردود فعل. وفيما يتعلق بكلمة “ردة الفعل”، كان علينا أن نتحمل كلمة “رد فعل” كتعبير ملطف عن العدوان الإسرائيلي المتواصل والقتل الجماعي منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر.
يعتقد رئيس وزرائنا الحالي أن قطع الغذاء والماء والكهرباء كان ردًا مشروعًا. من فضلكم ليشرح لي أحدكم ما هو الاستخدام المتناسب للتجويع الجماعي والقصف والتعذيب لمجموعة عرقية؟ أنا متمسك بكلامي: كل عنف هو فعل أو رد فعل؛ الأمر ببساطة يعتمد على أي نقطة في التاريخ تبدأ منها. يجب أن نبدأ بحق من عام 1948؛ حيث إن وصف شيء ما بأنه رد فعل لا يعني إصدار حكم قيمي أو تبرير الهجمات على المدنيين، بل هو ببساطة اعتراف بأن السلام لا يمكن أن يتحقق أبدًا من خلال الفصل العنصري والحرب.
لقد تجاهلتُ معظم الكراهية والعنصرية على الإنترنت؛ فقد شعرت أن حسابي على موقع X كان به قمل يتكاثر، وكنت أعالجه عندما يتوفر لدي الوقت. وإن كان هناك ما يثبت وجهة نظري بأن العنصرية القديمة كانت حية ونابضة بالحياة كما كانت في السبعينيات.
قبل أسبوع من التجمعات اليهودية، تم إلغاء دعوتي علنًا بسبب آرائي المعادية للصهيونية، حيث ادعى المنظمون أنهم لا يريدون إعطاء “كراهيتي” منبرًا. لحسن الحظ؛ فإن حركة تحالف برايتون وتحالفاتي الخاصة مندمجة مع جماعات وقف إطلاق النار اليهودية لدرجة أن الكثيرين، بما في ذلك منظمة صوت اليهود من أجل العمل، هبوا للدفاع عني، وأصدروا بيانات دعم وتساؤلات حول صحة هذا الإقصاء.
من هذه النقطة؛ اشتدت المضايقات: فقد تم تخريب مقر حملتنا وتم لصق قفل مكتبنا، ثم تم تشويه لافتة أخرى/ كما تعرض أعضاء حملتنا للانتقاد لوقوفهم في أي مكان على بعد 400 متر من النصب التذكاري للرهائن؛ وتم تصوير بعضهم ومضايقتهم أثناء وقوفهم في موقف للحافلات أو أثناء قيامهم بتوزيع المنشورات. وظهرت منشوراتنا وملصقاتنا في مناطق لم يُنصح أحد بوضعها فيها مثل قسم الكوشر في متجر تيسكو، ثم تم تصويرها ومشاركتها في جميع أنحاء وسائل التواصل الاجتماعي كدليل على كراهيتنا التي لا تمحى.
بدا التنمر حقيقيًا؛ ففي أحد الأيام، تشكل طابور من الناس، معظمهم من الرجال، خارج فعالية أدبية للنساء الملونات من أجل حملتنا. ورأيت اسمي على لافتة يحملها رجل، ورأيت عبارة “الاغتصاب ليس رد فعل” و”اغتصاب الأموات ليس رد فعل”، واستمرت القائمة. لقد هزني ذلك: رؤية طابور من الأشخاص البيض يرتدون ملابس سوداء ذكّرني على الفور بالحزب الوطني البريطاني في أواخر الثمانينيات.
لم أشعر بالخطر من منظمي حملة الكراهية، بل شعرت بالخطر من الأفراد المارقين الذين يمكن أن يأخذوا زمام الأمور بأيديهم. فكرت في جو كوكس وكيف يمكن للخطاب العنصري أن يجذب أكثرنا اضطرابًا وخطورة.
في اليوم الذي أزهقت فيه أرواح 274 فلسطينيًا بوحشية في مهمة إنقاذ لتحرير أربعة رهائن، سمعنا ديفيد لامي، الذي يشغل الآن منصب وزير الخارجية، يصف هذه المذبحة بأنها “لحظة نور في الظلام”. متى أصبح السياسيون أميين أخلاقيًا لدرجة أنهم لم يعودوا يتساءلون عن فكرة أن الوسيلة تبرر الغاية؟ متى أصبحنا نرى سعر صرف الحياة البشرية موزونًا عنصريًا إلى هذا الحد؟
إن العديد ممن أظهروا تضامنهم علنًا مع الشعب الفلسطيني فقدوا مصداقيتهم بسبب مشاركتهم منصة أو الإعجاب بتغريدة، في حين يواصل الداعمون والمتعاطفون مع الإبادة الجماعية استخدام لغة تحريضية إلى حد كبير.
لقد أدت عقود من تجريد الشعب الفلسطيني من إنسانيته إلى إبادة جماعية يرى الكثيرون أنها قضية لا ينبغي أن تشغل الرأي العام البريطاني. وقد قيل لنا نحن الذين وضعنا حياتنا جانبًا للوقوف ضد هذا الأمر أننا نجعل السياسيين غير آمنين ونجعل الشعب اليهودي غير آمن. لماذا سلامة أولئك الذين يتغاضون عن العدوان أهم بكثير من أولئك الذين يعارضونه؟ لماذا لم تكن سلامتي موضع اهتمام الصحافة الوطنية إلا بعد الانتخابات؟
يقوم الاستعمار على مبدأ أن المحتلين لهم قيمة وأهمية أكبر من أولئك الذين يحتلونهم، وأن حق اليهود في وطنهم أهم من حق الفلسطينيين في وطنهم. ومن خلال تقاليدنا الهادئة والمنطقية للفلسفة الغربية، نحن لا نثق في رد الفعل العاطفي؛ حيث يتم إعطاء المنظور المنطقي المتعامل مع الأمر شرعية واستخدامه لإدانة رد الفعل العاطفي والأخلاقي العميق لمعارضة الرعب الذي يحدث لإخواننا البشر.
سياسة جديدة
يحب الناس أن يقولوا إن فلسطين قضية “هناك”، ولكن ساحة المعركة الأخلاقية هنا، و”إسرائيل” تخسر هذه المعركة، فلا يمكننا أن نثق بأولئك الذين في السلطة في اتخاذ القرارات المتعلقة بحياة أطفالنا عندما يلتزمون الصمت حيال وفاة 20,000 من النوع “الخطأ” من الأطفال. ولا يمكننا أن نثق بأولئك الذين في السلطة الذين يقولون لنا إننا لا نستطيع تحمل تكاليف الحد من فقر الأطفال وتمويل احتياجاتنا الأساسية، بينما يزيدون الإنفاق العسكري بالمليارات.
لقد شاهدنا للتو روجر هالام، الذي كان يساعد في إطلاق نموذج جديد للديمقراطية القائمة على المجالس الشعبية، ويعمل مع العديد من المستقلين مثلي، وقد حُكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات بسبب حضوره اجتماع زووم حول احتجاج. وهو الآن مسجون مع أربعة آخرين من نشطاء المناخ بعد محاكمة كافكاوية تشبه تلك التي نقرأ عنها في الديكتاتوريات. ومع ذلك؛ فإن هؤلاء الخمسة هم جزء من حركة أوسع تشكك في الخلل الوظيفي لديمقراطيتنا العتيقة، وترى في ديمقراطية الشعب الجديدة بديلاً حقيقيًا.
ظهر مرشحون مثلي من الحركة المؤيدة لفلسطين، ولقد تحدى زملائي المستقلون المؤسسة السياسية ودخلوا البرلمان؛ وبدأت حملة الخاسرين من حزب العمال ووسائل الإعلام اليمينية لتشويه سمعتهم.
لقد استيقظ الكثير منا في عهد كوربين؛ وشهدنا إضعافه من قبل الصحافة البريطانية وحزبه. (لقد عاد الآن إلى البرلمان كمستقل.) سلّحنا أنفسنا بالتمييزات النظرية، بما في ذلك تلك التي تفصل بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية. وأصبح التحالف اليهودي أكثر وضوحًا وجلاءً من أي وقت مضى، وولد العديد من القادة الجدد في هذه الحركة.
خلال الأشهر القادمة، ستحتاج الصحوة السياسية المستوحاة من غزة إلى إعادة تصوير نفسها كحركة معارضة شعبية أكثر ديمومة، ويجب علينا أن نشد خيوط خوذتنا لمواجهة اندفاع اليمين المتطرف، والذي لن يؤدي سوى إلى تنامي وسطية كير ستارمر وسياسة “كالمعتاد”؛ حيث لا يمكن أن تكون المخاطر أكبر من ذلك.
لقد فتحت غزة والفراغ الأخلاقي الذي كشفت عنه في القيادة الغربية شرخًا في نظامنا السياسي، وعلينا أن نفتحه.
المصدر: ميدل إيست آي