ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب كل من: بيثان ماكرينان ولوسي تاوزر من صحيفة الإندبندنت
وصلت الرياح الموسمية تقريبا إلى أرخبيل سقطرى. وبين عشية وضحاها، ضرب إعصار ساغار خليج عدن، يوم الخميس. ومع وصول الرياح إلى سرعة 80 كيلو مترا في الساعة (50 ميلاً في الساعة) بدأت الأمواج ترتفع، ما استدعى تحذير الصيادين بإخراج قواربهم من البحر.
خلال الشهرين القادمين، ستكون الملاحة في البحر العربي خطيرة جدا، وستكون الجزيرة اليمنية معزولة تماما عن العالم الخارجي. وبذلك، ستكون الطريقة الوحيد للدخول أو الخروج من الجزيرة، الجوهرة المحمية من قبل منظمة اليونيسكو، من خلال مهبط الطائرات. ومع ذلك، ليس من الواضح ما إذا كانت أي من الرحلات الجوية الثلاث المبرمجة ستنطلق خلال هذا الأسبوع، ولا أحد يعرف حقا من يتولى زمام الأمور فيما يخص هذه المسألة.
في خضم الأسبوعين الأخيرين، انخرط التحالف العربي، الذي يدعم الحكومة اليمنية المنفية، في الحرب التي تخوضها ضد المتمردين الحوثيين، في مواجهة حول جزيرة سقطرى الاستراتيجية من الناحية الجيوسياسية. ونتيجة لذلك، خرج سكان الجزيرة، البالغ عددهم 60 ألف شخصا، إلى الشوارع مطالبين إما بطرد دولة الإمارات العربية المتحدة أو الحكومة اليمنية أو الاستقلال عن كليهما.
في البداية، أحضرت الإمارات الدبابات والمدفعية الثقيلة إلى الجزيرة، ومن ثم طردت العمال اليمنيين من مهبط الطائرات والميناء. وقد ردت الحكومة اليمنية، التي غضبت من هذا التحرك الذي يعد انتهاكا لسيادتها، من خلال دعوة وفد سعودي للعمل وسيطا للسلام. ونتيجة لذلك، قامت السعودية بتركيز بعض القوات في الجزيرة، التي لازالت هناك حتى اللحظة الراهنة.
يوم الاثنين، أعلن رئيس الوزراء اليمني، أحمد عبيد بن دغر، أن “الأزمة في الجزيرة قد انتهت” وأن العلم اليمني “يرفرف من جديد فوق بحرنا ومطاراتنا”. لكن بعد إجراء محادثات مع السكان والقادة المحليين والناشطين في سقطرى، اكتشفت صحيفة “الإندبندنت” البريطانية أن المشهد على أرض الواقع في الجزيرة يبدو مختلفا تمامًا.
لقد كشف تقريرنا عن شاهد عيان، كيف سعت دولة الإمارات منذ بداية حرب اليمن إلى ضم مدينة سقطرى إليها، فضلا عن أنها قامت ببناء قاعدة عسكرية، وإجراء تعداد خاص بها. وربما تخطط الإمارات إلى إجراء استفتاء على انفصال سقطرى عن اليمن، لتصبح جزءا من الإمارات، أي على غرار الاستفتاء الذي نظمه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في شبه جزيرة القرم.
في حوار لها مع صحيفة الإندبندنت البريطانية، أفادت الناشطة اليمنية في مجال حقوق الإنسان، توكل كرمان، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، أن “وجود القوات السعودية أمر مثير للقلق. لذلك، يجب ألا نثق في جداول أعمالها”.
مع بدء المملكة العربية السعودية ترسيخ صورتها في الجزيرة، باتت أطماع الإمارات في هذا الجزء من العالم تواجه تحديات مباشرة في الوقت الحالي. وقد ساهم المزيج الذكي من القوة الصلبة والناعمة الذي تعتمده الإمارات في تغيير نمط حياة المتساكنين بسرعة في سقطرى وجنوب اليمن، وكذلك أرض الصومال، وجيبوتي، وإريتريا وبورتسودان، وجميع الأماكن التي تطل على البحر الأحمر، أهم قناة شحن للنفط والغاز في العالم.
في الوقت الراهن، أضحت سقطرى مركز هذا الصراع الجديد على السلطة، ما يشكل تحديا حقيقيا أمام الإمارات العربية المتحدة، التي تسعى جاهدة لإنشاء إمبراطورية عسكرية في القرن الحادي والعشرين تنافس بها الهيمنة الإقليمية للمملكة العربية السعودية. ويبدو أنسقطرى تمتلك في الوقت الحالي مفتاح مستقبل التحالف العربي المتوتر واليمن، ذلك البلد الذي بدأ يفقد السيطرة على أراضيه.
“نحن نرفض استبدال الاحتلال الإماراتي بالسعودي”
قبل أسبوعين، سافر أحمد بن دغر إلى سقطرى في زيارة تهدف إلى إعادة تأكيد سيادة اليمن على الجزيرة. وبدلاً من ذلك، تعتقد العديد من المصادر في الجزيرة أن رئيس الوزراء وجد نفسه محاصرا هناك، خاضعا لأهواء الإمارات العربية المتحدة، التي نشرت الدبابات في المدينة لاستعراض قوتها العسكرية.
محافظ عدن طارق سلام: الإماراتيّون ما يزالون يريدون تحويل هذه الجزيرة الجميلة التي تزخر بالمناظر الطبيعية إلى إحدى جزر الإمارات لتصبح “الإمارة الثامنة”.
بناء على ذلك، دعا الوفد اليمني، الذي شعر بالانزعاج من تحركات الإمارات، السعوديين الذين يعتبرون من الأطراف الرئيسية في التحالف العربي، المساند المالي الرئيسي للحكومة اليمنية في الحرب التي تخوضها ضد الحوثيين المدعومين من قبل إيران، إلى إرسال لجنة وساطة. ولكن المحادثات، التي دامت عدة أيام، بعد أن طالبت اليمن رسميًا بتخفيض عدد القوات الإماراتية من وجودها العسكري، لم تسر على ما يرام. ففي الثالث عشر من شهر أيار/ مايو، هبط السعوديون بطائرة أخرى تحمل هذه المرة قوات مسلحة.
في حوار لها مع صحيفة الإندبندنت البريطانية، أفادت الناشطة اليمنية في مجال حقوق الإنسان، توكل كرمان، الحائزة على جائزة نوبل للسلام، أن “وجود القوات السعودية أمر مثير للقلق. لذلك، يجب ألا نثق في جداول أعمالها”.
خلال الأيام الأخيرة، قام أعضاء من الحكومة اليمنية المنفية بنشر صور للقوات الإماراتية وهي تغادر سقطرى
في منشور على حسابه على فيسبوك، صرح رئيس الوزراء اليمني، أحمد عبيد بن دغر، بأنه قد عاد أخيرا إلى مقر الحكومة اليمنية المنفية، وأن سقطرى بأمان تحت سيطرة القوات اليمنية. وإثر ذلك، ظهرت صور للدبابات الإماراتية والعربات المدرعة بصدد تحميلها مرة أخرى على طائرة شحن عسكرية من طراز سي-17. ولكن ليس من الواضح ما إذا كانت السعودية ستحافظ على وجودها العسكري في الجزيرة. وقد حاولت صحيفة الإندبندنت الحصول على معلومات من الرياض وعدن وأبوظبي حيال هذا الشأن، إلا أنها لم تتلق أي رد.
في الواقع، لم تقتنع الأطراف المشاركة في هذه الحرب بأن الصراع حول جزيرة سقطرى قد انتهى، حتى أن المسؤولين في الحكومة اليمنية لم يصدقوا ذلك بعد. في المقابل، أوضح مسؤول حكومي محلي، موالٍ لدولة الإمارات العربية المتحدة في سقطرى، لصحيفة الإندبندنت أن “القوات الإماراتية باقية في الجزيرة وسكانها “سعداء بهذه الحقيقة””.
“الأمر لا يقتصر على أن مغادرة الإمارات العربية المتحدة لسقطرى ليس أمرا حتميا، بل أصبحت هناك قوات سعودية متمركزة في الجزيرة”
في هذا السياق، انتقد محافظ عدن، طارق سلام، النشاط الإماراتي في سقطرى، مؤكدا أنه لا يزال مستمرا. وقد صرح المصدر ذاته خلال مقابلة أجراها مع قناة “يو نيوز”، يوم الأربعاء، أن الإماراتيين مازالوا يريدون تحويل هذه الجزيرة الجميلة التي تزخر بالمناظر الطبيعية إلى إحدى جزر الإمارات لتصبح “الإمارة الثامنة”.
خلال الأسبوعين الأخيرين، شهدت جزيرة سقطرى عدة احتجاجات سواء لدعم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي أو ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد.
في الوقت الحالي، يوجد منافسون لدولة الإمارات العربية. وفي هذا الإطار، أفادت توكل كرمان بأن “الأمر لا يقتصر على أن مغادرة الإمارات العربية المتحدة لسقطرى ليس أمرا حتميا، بل أصبحت هناك قوات سعودية متمركزة في الجزيرة”. وأردفت كرمان، قائلة: “نحن نرفض استبدال الاحتلال الإماراتي بالسعودي. تتناوب هذه البلدان على تدمير اليمن وفرض سيطرتها على سقطرى، مما سيؤثر على النظام البيئي النادر لهذه الجزيرة”.
بعد أن تمركزت القوات السعودية في سقطرى، يبدو أن السعوديين عازمون على البقاء. فقد أعلن السفير السعودي في اليمن، محمد آل جابر، يوم الخميس الماضي، أن بلاده ستغطي جميع الاحتياجات من مياه وكهرباء لهذه الجزيرة من الآن فصاعداً. وقد كانت دولة الإمارات العربية المتحدة المسؤولة عن توفير مثل هذه الحاجيات للجزيرة في السابق. خلال حفل وقع تغطيته من قبل وسائل الإعلام السعودية، وضع آل جابر حجر الأساس لثلاثة آبار جديدة تقع في مدينة حديبو، التي تندرج ضمن المشاريع التي تخطط السعودية لإنشائها هناك.
السلطان المنتظر يستفيد من المشاعر المناهضة للاحتلال
يتربع التحالف العربي فوق عرش جزيرة سقطرى. وقد أكد المتحدث الرسمي باسم الحكومة اليمنية، راجح بادي، عبر تطبيق واتساب أن الأزمة قد انتهت. وفي تصريحات للمتحدث باسم التحالف العربي، تركي المالكي، لصالح وسائل الإعلام بثتها قناة العربية السعودية، أكد أن جزيرة سقطرى يقع إدارتها بشكل “مشترك” بين الحكومة اليمنية والرياض وأبو ظبي. وقد أصدرت دولة الإمارات العربية المتحدة، التي لم تتحدث بصفة علنية عن المواجهة التي تدور بينها وبين السعودية حول الجزيرة، بيانا، خلال الأسبوع الماضي، مفاده أنه “ليس لديها أي طموحات في اليمن الشقيقة أو أي جزء منها”. وقد أرفقت البيان بتقرير يشرح بالتفصيل حجم الدعم الذي قدمته للجزيرة لمدة عقدين.
لا يزال هناك الشعور بالاستياء إزاء الدور الذي تضطلع به كل من السعودية والإمارات في حرب اليمن المعقدة، التي تدور رحاها منذ ثلاث سنوات، طاغيا في جزيرة سقطرى واليمن ككل، على الرغم من حقيقة أن السلطات قد أبدت موقفا متشددا على خلفية حادثة سقطرى. ولم يكن محافظ عدن المحرض الوحيد ضد التدخل الأجنبي. وقد كانت المهرة، الواقعة على الساحل الشرقي لليمن، جزءًا من سلطنة تضمنت أيضًا سقطرى إلى أن أقر البريطانيون محمية خلال سنة 1886.
الخطط السعودية المعلنة لفتح مدرسة دينية محافظة في المهرة قد أثارت غضب السكان المحليين، وقلق سلطنة عمان المجاورة
من جانب آخر، نصب الشيخ عبد الله بن عيسى آل عفرار، الذي يتمركز في سلطنة عمان ويحظى بتمويل منها، نفسه على اعتباره خيارا بديلا لمستقبل سقطرى والمهرة. وفي هذا الإطار، أشارت الدكتورة إليزابيث كيندال من جامعة أكسفورد إلى أن “المهرة التي تتمركز فيها القوات السعودية منذ شهر كانون الأول/ ديسمبر من السنة الماضية باتت تشهد العديد من التوترات كما أنها أصبحت أكثر استقطابا نتيجة لما تشهده المدينة من أحداث”.
وأضافت كيندال أن “المملكة العربية السعودية نجحت في كسب بعض الدعم من القبائل الصحراوية الشمالية في المهرة، بسبب جهودها الرامية إلى مكافحة التهريب، فضلا عن المعدات التي تبرعت بها للمنطقة؛ على غرار المولدات. لكن ذلك لا ينفي حقيقة أنه لا يزال هناك الكثير من العداء تجاه التدخل السعودي”.
والجدير بالذكر أن الخطط السعودية المعلنة لفتح مدرسة دينية محافظة في المهرة قد أثارت غضب السكان المحليين، وقلق سلطنة عمان المجاورة. وفي مطلع هذا الشهر، زار الشيخ آل عفرار المهرة بهدف تأجيج المشاعر المناهضة للتحالف والحث على تنظيم احتجاجات واعتصامات تطالب السعوديين بإخلاء المنطقة، ومغادرة دولة الإمارات لسقطرى.
سكان سقطرى يدركون تمامًا أن جنتهم المعزولة منذ فترة طويلة لم تعد آمنة من التقلبات التي تشهدها حرب اليمن وطموحات الأطراف الفاعلة فيها
سقطرى عالقة في خضم لعبة ﺘﻐﻴﻴﺭ ﻤﻭﺍﺯﻴﻥ ﺍﻟﻘﻭﻯ ﻓﻲ ﻤﻨﻁﻘﺔ ﺍﻟﺨﻠﻴﺞ
ما فتئت هذه الاضطرابات تتنامى في ظل عدم الإعلان عن أي تفاصيل حول الصفقة التي دارت بين الأطراف الثلاثة المتنازعة حول مدينة سقطرى. وعلى الرغم من التصريحات التي شابها القلق ودعوات التهدئة التي صدرت من قبل وزارة الخارجية الأمريكية، وتركيا، ومكتب مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، لا يزال ما توصل إليه التحالف العربي فيما يخص سقطرى مجهولا.
في شأن ذي صلة، قالت الدكتورة كيندال: “أشك في أن يتخلى التحالف عن سقطرى. فعلى الرغم من ادعائه بأنه تم التوصل إلى اتفاق سيفضي إلى رحيل القوات الإماراتية من الجزيرة، إلا أن هذه القضية سلطت الضوء على الانقسامات التي يعاني منها التحالف العربي”. وداخل الجزيرة نفسها، أعرب العديد من السكان عن ارتياحهم لأن التوترات التي شهدتها سقطرى في الأسابيع القليلة الماضية قد تراجعت حدتها.
في المقابل، حتى لو أعلنت القوات السعودية والإماراتية أنها ستبقى ضمن أراضي الجزيرة من أجل تحقيق أهداف إنسانية أو تنموية، فإن سكان سقطرى يدركون تمامًا أن جنتهم المعزولة منذ فترة طويلة لم تعد آمنة من التقلبات التي تشهدها حرب اليمن وطموحات الأطراف الفاعلة فيها. وحيال هذا الأمر، أفاد أحد النشطاء المناهضين لوجود الإمارات في سقطرى، الذي غادر الجزيرة منذ بداية النزاع حولها، أن” هذا السيناريو سيتكرر خلال العديد من المناسبات”. وأردف المصدر ذاته “ربما لا يمكن لأي مكان أن يبقى معزولا إلى الأبد. لكني حزين لأنني عشت لأرى ما يجري اليوم في سقطرى ولا أملك القوة الكافية لتغييره”.
المصدر: الإندبندنت