يحظى شهر رمضان بمكانة خاصة لدى المجتمعات الإسلامية كافة، وحتى على الصعيد العام، فهو شهر المحبة والألفة بين الناس أجمعين، ولهذا الشهر مزية من نوع آخر من خلال طقوس يومية يمارسها الصائمون للتقرب من الله، ولكنها تختلف من مجتمع لآخر رغم التقارب بالعبادات والفضائل لكسب الأجر.
كيف كانت الطقوس الرمضانية قبل الثورة؟
الطقوس الرمضانية في سوريا لها نوع آخر، حيث تغير النفوس وتقرب الناس من بعضها حين تشعر بالدفء، تختلف تمامًا عن المجتمعات الأخرى، فيعتبره السوريون شهر رزق لهم يستمدون منه الخيرات الدنيوية وبأعمالهم الصالحة يستمدون الخيرات التي تكتب لهم في الآخرة.
كانت الأسر السورية من مختلف الطبقات الغنية والفقيرة تستعد لاستقبال هذا الشهر، حيث ترى واجهات المنازل مختلفة مفعمة بالزينة، وحتى داخلها، أما بالنسبة للمحال التجارية لها عدة خاصة من زينة على واجهة المحال وعروض تسويقية خلال الشهر فقط تختلف عن باقي أيام السنة
وكان السوريون يستعدون لرمضان قبل دخولهم في الشهر بأيام، حين ترى كل العوائل التي تتسوق بين الحارات وتعج الأسواق بهم تحضيرًا للشهر الفضيل، يتسوقون حاجياتهم ويعدون العدة قبل أن يصوموا، إذ إن هذه العادات عرفت بسوريا وتناقلوها عن آبائهم وأجدادهم الذين كانوا سباقين بها.
وكانت الأسر السورية من مختلف الطبقات الغنية والفقيرة تستعد لاستقبال هذا الشهر، حيث ترى واجهات المنازل مختلفة مفعمة بالزينة، وحتى داخلها، أما بالنسبة للمحال التجارية لها عدة خاصة من زينة على واجهة المحال وعروض تسويقية خلال الشهر فقط تختلف عن باقي أيام السنة.
ويعيش السوريون شهرهم في الطاعات المتلازمة بالخير والعفاف وتحمل الآخر ولو كان سيئًا في المعاملة، يعلنون صيامهم على رؤية هلال رمضان كباقي أصقاع الأرض، حيث ترى التغيرات الفعلية في الشوارع السورية وضجيجها، كما أن الأسواق تعج بالناس منذ الصباح الأول من رمضان، فتبدو الحياة مختلفة عن باقي أيام السنة، هذا ما كان عليه السوريون سابقًا.
كما تبدو البسمة والفرحة على وجوه الصائمين، حيث يمسك السوريون عن الشراب والطعام من أذان الفجر حتى أذان المغرب، يعيشون أجواء رمضان بالعبادات، حيث تقام في المساجد بعد كل فرض صلاة حلقات دينية تعليمية بالواجبات تجاه الدين، حتى صلاة التراويح تقام في المساجد على مدى الشهر، فكانت كل العوائل من الرجال تحضر الصلاة حيث يحث ولي أمر الأسرة أولاده وأحفاده للذهاب إلى صلاة التراويح، فيما كانوا يخصصون ساعات لقراءة القرآن في المساجد وربما في المنازل.
وفي كل يوم من رمضان يخرج معيل الأسرة إلى السوق ليأتي بالحوائج اليومية من شراب ومأكولات وحلويات وغيرها لأسرته، فيما تكون ربة المنزل الأم تعد الطعام والشراب للإفطار، وأما السهرات الرمضانية فكانت تقام في المساجد وبعضها في المنازل ومنها في المقاهي التي توجد في كل حي يتبادلون أطراف الأحاديث ومنها التي تدور حول فضائل صيامهم وتعبر عن مدى فرحتهم بالصيام.
ماذا حل بالطقوس الرمضانية في ظل الثورة؟
لا تختلف كثيرًا الطقوس بعد الثورة – التي تحولت لحرب إقليمية – لكن الوضع الحاليّ في سوريا غيّر الكثير من الطقوس والنفوس بين الناس الذين كانوا يحترمون قواعد الصيام وفضائله والعادات التي توارثوها عن أجدادهم، وعدد لا بأس به من السوريين لا يزالون يحافظون على عاداتهم في رمضان، لكن هناك عوائق تقف أمامهم، حيث فقد السوريون ملذات الحياة داخل أراضيهم وأصبحت العادات والتقاليد مورثة دون أي معنى آخر في قلوبهم.
ما يقارب 500 ألف مهجر يعانون من نقص في الأغذية والأدوية
وأصبح شهر رمضان كباقي الشهور والأيام يعدونه بأيامه دون إحيائه جراء ما حل بهم من هموم أنكست العرف الديني لديهم، بسبب الفساد الأخلاقي وبعدهم عن التعليم بمراحل وسنوات عدة، وهذا لا ينطبق على كل المناطق المحررة، وأما عن التحضيرات التي كان يعدها السوريون قبل الثورة فتلاشت الآن بسبب قلة العمل وعدم وجود أموال تغطي هذه النفقات في ظل انتشار الفقر وصعوبة تأمين بعض الحاجيات، هذا بالنسبة للأسر المتوسطة والضعيفة الدخل، كما أن ازدياد أعداد السكان في الشمال السوري جراء حملة التهجير الأخيرة فقد بلغ أعداد القاطنين في الخيام ما يقارب 500 ألف مهجر يعانون من نقص في الأغذية والأدوية.
العادات والتقاليد التي افتقدها السوريون خلال شهر رمضان
1- مدفع الإفطار في رمضان
تكاثرت المدافع على السوريين، فقد كانوا في السابق يميزون مدفع رمضان الذي كان يُطلق مع أذان المغرب، لكنهم الآن يواجهون المدافع التي تطلق لقتلهم من قوات النظام والميليشيات الأخرى التي تستهدف منازلهم.
2- الاجتماع على مائدة الإفطار
تجتمع كل عائلة سورية على مائدة الإفطار في كل أيام شهر رمضان أو يمكننا القول أغلبها، وتسمى باللمة العائلية التي تجمع أفراد الأسرة ومكوناتها على مائدة طويلة مكونة من 3 أو 4 أمتار، هذا ما عهدوه في السابق وأما الآن أصبحت هذه اللمة حلمًا لدى الكثير من السوريين الذين لجأوا إلى دول مجاورة أو أوربية وتشتت أفراد العائلات.
وأجرى “نون بوست” لقاءات خاصة مع الكثير من السوريين الذين يعيشون في المناطق المحررة شمال سوريا، وكان السؤال: من تفتقد على سفرتك الرمضانية؟ حيث جاءت الإجابات ملازمة للوضع الحاليّ، حيث قال محمد إنه يفتقد والدته وأخوته الذين استشهدوا في قصف مدفعي من النظام، وأما الطفلة الصغيرة نور التي تبلغ من العمر 8 سنوات قالت: “أفتقد والدي الذي استشهد في معارك مع النظام، كان يأتي لنا بالحلويات”، عدد هائل من السوريون كانت إجاباتهم معادلة لما سبق.
العزائم الرمضانية تضاءلت بسبب مصاريفها الضخمة التي تتطلب ميزانية عالية لدى الأسرة
وأما كاظم فهو في الـ17 من عمره قال: “أفتقد أبي الذي كان يعمل في معمل نسيج في مدينة حلب، منذ 7 سنوات لم أر أبي، فقد أتتنا أخبار عنه أنه معتقل في سجون النظام”، وجد كاظم نفسه وحيدًا يستذكر أيام رمضان قضاها برفقة والده والعائلة كافة، وجهاد في مرسين قال: “خرجت من سوريا منذ 6 سنوات هاربًا إلى تركيا” خرج إلى تركيا هربًا من التجنيد في الجيش التابع للنظام والآن يشتاق لرمضان يقضيه مع عائلته التي لم يرها لسنوت ومنزله ودفء وطنه، ونجد الكثير من السوريين الذين أفطروا أيام رمضان يتذكرون معتقلًا أو شهيدًا من أفراد أسرتهم أو حبيبًا هجر.
3- عزائم الإفطار في رمضان
ما زال السوريون يحافظون على العزائم في شهر رمضان، فقد كانت العزائم مخصصة للجيران والأقارب والأصدقاء، لكن العزائم الرمضانية تضاءلت بسبب مصاريفها الضخمة التي تتطلب ميزانية عالية لدى الأسرة.
حيث يفكر الكثير من السوريين قبل عزم صديق أو قريب لهم، لأن العزائم تتطلب طبخ أفضل الأطباق وأشهى الأنواع وهي ذات تكلفة مرتفعة جدًا لا يمكن للأسر تغطية نفقاتها، وإن وجد المعازيم كانت أنواع المأكولات تختلف عن السابق، كما أن العديد من العائلات تشتت لم تبق عائلة كاملة، حيث شهدت الأراضي السورية موجات نزوح وهجرة كثيرة جدًا، وصعوبة وصل الأقارب والأصدقاء ببعضهم منهم من يقطن مناطق النظام ومنهم من يقطن المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة لا يمكنه الذهاب إلى هناك بسبب الحواجز والاعتقالات المستمرة.
4- “السكب” الرمضانية وتنقلها بين البيوت
من العادات التي يحافظ عليها السوريون هي السكب الرمضانية التي تبدأ قبل موعد الإفطار بنصف ساعة، حيث يتناقل أطفال العوائل في الحارات أطباقًا من الطعام المتنوع والشهي، ولكن أصبحت هناك عوائق جمة لم تكن في السابق فأغلب الأطباق أصبحت غير غنية باللحوم أو الأنواع الفاخرة من الطعام، لكن رغم ضعف الأحوال ما زالوا محافظين على هذا النوع من العادات.
5- الحلويات
في السابق لم تكن السفر السورية في رمضان تخلو من نوع من أنواع الحلويات المتنوعة كالقطايف والكنافة والعوامة والمشبك وغيرها، كلها تلاشت الآن وتجد القليل من السوريين يحافظ عليها والقليل من الموائد التي تحتوي على نوع من الحلويات.
أفضل المشروبات المحببة لدى السوريين السوس والتمر هندي وقمر الدين الذين عرفهم السوريون بشكل واسع
6- المشروبات
من أفضل المشروبات المحببة لدى السوريين السوس والتمر هندي وقمر الدين الذين عرفهم السوريون بشكل واسع، رغم أنها كانت في السابق من أساسيات الموائد فإنها الآن فقدت بسبب عدم وجود الكهرباء لتبريد المشروبات، واتجه الناس إلى الماء المجمد فلا يصح للكثير منهم صرف هذه المصاريف خلال هذا الشهر.
أشهر أطباق السفرة الرمضانية في سوريا
1- المحاشي
من أبرز الأطباق لدى السوريين التي تتصدر القائمة الأولى في السفر الرمضانية، ومنها المحشي كوسة والباذنجان والقرع و”اليبرق” المكون من ورق العنب، وتحرص العوائل السورية على الحفاظ طوال العام على طبخ هذه الأصناف.
2- الكبب
تتلون السفرة الرمضانية لدى السوريين بكل أنواع المأكولات وتصدر أنواع عدة محببة لديهم – ومن أبرزها الكبب بأنواعها – قائمة المأكولات الرمضانية، ومنها الكبة المشوية واللبنية وكبة البطاطا والكبة بالصينية والمقلية وغيرها من الأنواع الشهية، حيث يرى فيها الصائمون إفطارًا سخيًا ليوم صيام طويل ومليء بالمشقات، ويتفنن المطبخ الحلبي بهذه الأنواع من الكبب وهي المفضلة لدى الحلبيين.
3- الأوزي
يفضل السوريون هذه الوجبة حيث تتكون من رقاق العجين على شكل صرر، يتم حشوها بالأرز المطبوخ والبازلاء إضافة إلى اللحم وتُشوى بالفرن، وتنتشر في المطابخ الشعبية بالأسواق.
4- المقلوبة والشاكرية
هذه الوجبة تتكون من الأرز والباذنجان المقطع إلى أقراص إضافة إلى اللحمة، ومن السوريين من يفضلها بلحم أبيض ومنهم من لحم أحمر، وأما الشاكرية تتركز هذه الطبخة في مدينة دمشق وتعد من الأنواع الرئيسية في السفر الدمشقية، وحتى في كل سوريا.
6- المنسف
من أشهر وأفضل الأطباق التي تعد من العيار الثقيل المنسف بالفريكة أو الكبسة فهي دسمة، تحتوي على اللحوم إما بلحم الخروف أو الدجاج ويوضع على وجهه المكسرات ويحضر هذا النوع من الأطباق مرة أو مرتين من سيدة المنزل السورية.
7- الأطباق التي ترافق الأرز
تتصدر الملوخية الأطباق التي يقدم إلى جانبها الأرز، ومن أنواع أخرى كاليخنة والفاصولياء والبامية والبازلاء التي تطبخ بكثرة أيضًا في هذا الشهر.
8- الشوربة
لها نوعان شوربة العدس والكشك، يتفنن المطبخ السوري في تحضير هذه الأطباق المكونة من العدس والبرغل، قد يطبخ الكشك مع الدجاج أو قطع اللحم أو مع الكبة، فيتم إسقاط كرات الكبة المحشوة باللحم داخل الكشك، وربما العوائل البسيطة تطبخها دون اللحوم.
9- المجدرة
من أشهر وأتقن المأكولات التي تفضلها العوائل السورية المتوسطة الدخل والضعيفة، نظرًا لقلة تكلفة طبخها، ويقال عنها “المجدرة طبخة مقدرة”، وتتكون من برغل أو أرز مع زيت زيتون وعدس وبصل.
10- المقبلات
وتعد المقبلات السورية الرائجة في الأسواق كالحمص المطحون والفول والفتة والمتبل والفلافل والمسبحة والتبولة السلطات والشوربات، ضيوفًا دائمة في السفرة السورية كما يتم تحضير معجنات خلال فترة الصيام، لتكون جاهزة إلى جانب المقبلات في السفر الرمضانية.
هكذا يحيي السوريون رمضانهم في السابق، لكن الكثير من هذه الأطباق والعادات التي توارثوها افتقدوها خلال الثورة السورية، ولكن جزءًا لا بأس به من السوريين يحافظ على هذه التقاليد والعادات في شهر رمضان، إلا أن معطيات الواقع السوري في غاية المعاناة بالنسبة للمناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة.