تزداد صورة المسار السياسي في تركيا حدةً مع مرور كل يوم تقترب به إلى تاريخ 24 من يونيو/حزيران 2018، حيث إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية على نحوٍ مُبكر، فعلى النقيض من انتخابات 2014 الرئاسية التي شهدت، في حينها، توافقًا مُطلقًا من المعارضة فيما يتعلق باختيار مرشح واحد ينافس أردوغان باسمها، وقد شمل الاتفاق حينذاك جميع الأحزاب بما فيها حليف حزب العدالة والتنمية الحاليّ حزب الحركة القومية، واستثنى حزب الشعوب الديمقراطي الذي رشح زعيمه صلاح الدين داميرطاش.
وفي ظل تقديم أحزاب المعارضة عدد من المرشحين للرئاسة، تُصبح التساؤلات المطروحة: ما حظوظ المرشحين؟ وما الشكل المتوقع لنتائج الانتخابات البرلمانية؟
رجب طيب أردوغان
مُرشح باسم حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية باسم “مرشح اتفاق الشعب”، ربما كان فوز الرئيس أردوغان أمام منافسه إكمال الدين إحسان أوغلو عام 2014، شبه مضمون، لجهة انعدام كاريزما إحسان أوغلو وضعف ظهوره السياسي الشعبي مقارنة بالرئيس أردوغان صاحب التاريخ السياسي الطويل.
لكن يبدو أن نتيجة فوز أردوغان في الانتخابات الحاليّة محفوفة ببعض المخاطر مقارنة بالانتخابات السابقة واستفتاء 16 من أبريل/نيسان 2017، فقد اكتفى حزب العدالة والتنمية آنذاك بالتحالف مع حزب الحركة القومية ليحصل على النسبة المطلوبة في تمرير التعديلات الدستورية التي حصلت على نسبة 51.2%.
يُتوقع بحسب نسب بعض شركات استطلاع الرأي في تركيا، كغيزيجي وسونار وكونساسوس، أن يكون رصيد حزب العدالة والتنمية في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية ما بين 40 إلى 45، ويُتوقع أن تهبط أصوات حزب الحركة القومية إلى 7%، بفعل توجه عدد من أصواته لصالح “الحزب الجيد” الذي أسسته ميرال أكشينار المُنشقة عنه برفقة ثلة من رواد الحزب.
وفي ضوء هذه النسب “المُتوقعة”، وفي ظل تراجع رصيد “الأداء الاقتصادي” لحزب العدالة والتنمية، وفي سياق تعدد المنافسين لأردوغان، يُصبح سيناريو إجراء الانتخابات في جولة ثانية، مرشحًا، وقد اضطر هذا الاحتمال أردوغان للبحث عن تحالف مع أحزاب أخرى، ولم يجد أمامه سوى حزب الاتحاد الكبير الذي تبلغ نسبة أصواته المتسلسلة على مستوى تركيا 0.75%.
وبوضع الخطر الذي يمكن أن يداهم أصوات “الاتفاق الجمهوري” نتيجة الشرخ الواضح الذي قد تحدثه تحركات وتصريحات الرئيس السابق عبد الله غل، أحد مؤسسي حزب العدالة والتنمية الذي صرح بأنه كان ينوي الترشح باسم المعارضة، لو توافرت الأجواء المناسبة”، بعين الاعتبار، يصبح احتمال سيناريو انخفاض أصوات أردوغان وإجراء انتخابات الرئاسة في جولة ثانية، أمرًا ممكنًا.
فضلًا عن انعدام البديل ذي الكاريزما الذي يمكن أن يطول بهيبة ومكانة أردوغان في تركيا، ولا ريب في أن الأسطول الإعلامي الموالي لحزب العدالة والتنمية سيلعب دورًا جيدًا في تطويع “انتصار عفرين” الذي وفر الاستقرار السياسي والأمني الإستراتيجي، لصالح أردوغان
وعلى الرغم من انزياح بعض أصوات “اتفاق الشعب” لصالح المعارضة، بما يعطي رجوحًا نسبيًا لسيناريو إجراء الانتخابات في جولة ثانية، إلا أن سيناريو فوز الرئيس أردوغان سواء في الجولة الأولى أم الثانية هو الأكثر رجوحًا، فحالة الغموض السياسي والاقتصادي التي ستعقب الجولة الأولى، إن حدثت، قد تتسبب في خشية المواطن الذي عاش تلك التجربة ما بعد انتخابات 7 من يونيو/حزيران 2015، من تكرار هذه التجربة، وتدهور الاقتصاد أكثر مما هو عليه.
فضلًا عن انعدام البديل ذي الكاريزما الذي يمكن أن يطول بهيبة ومكانة أردوغان في تركيا، ولا ريب في أن الأسطول الإعلامي الموالي لحزب العدالة والتنمية سيلعب دورًا جيدًا في تطويع “انتصار عفرين” الذي وفر الاستقرار السياسي والأمني الإستراتيجي، لصالح أردوغان، كما يمكن “ببراعته” أن يهز صورة المرشحين الآخرين في نفوس الشعب التركي، عوضًا عن الاتزان العقلاني الذي يتمتع به حزب العدالة والتنمية في طرح الوعود الاقتصادية مقارنة بالأحزاب الأخرى.
ميرال أكشينار
مرشحة الحزب الجيد، تُشير الإحصاءات إلى أنها أحدثت شرخًا ملموسًا في أصوات الحركة القومية، حيث استقطبت ما نسبته 4% من أصواته، كما استقطبت 6% من أصوات حزب الشعب الجمهوري، بحسب ما أظهرته إحصاءات شركة غيزيجي على وجه الخصوص.
كانت مجموع أصواتها المُتوقعة، قبل ترشح محرم إنجيه عن حزب الشعب الجمهوي 38%، ويبدو أن الحديث عن احتمال ترشح زعيم حزب الشعب الجمهوري ـ ضعيف الشخصية والشعبية ـ كمال كليجدار أوغلو، قبل إعلان ترشح إنجيه، لعب دورًا في ظفرها بهذه النسبة، فهذه النسبة انخفضت إلى ما دون الـ20%، ولا بد من إضافة أصوات الحزب الديمقراطي التي تبلغ ما بين 0.15 إلى 0.20% لصالح أكشينار، حيث أعلن الحزب أنه سيدعمها كمرشحة.
محرم إنجيه
مرشح عن حزب الشعب الجمهوري، يتسم بشخصية كاريزمية مؤثرة نسبيًا وسط حزبه وأحزاب المعارضة الأخرى، ترشح مرتين لمنافسة زعيم حزبه الحاليّ كمال كيليجدار أوغلو، على زعامة الحزب، إلا أنه خسر المنافسة بدرجاتٍ بسيطة.
يبدو أن حظوظه أقوى من حظوظ أكشينار، في حال جرت جولة ثانية للانتخابات الرئاسية، لما له من خلفية سياسية تاريخية، وتأثير ميداني كبير على الساحة السياسية التركية جراء دعمه لحرية الحجاب والحرية الشخصية عامةً، فضلًا عن أن نسبة أصوات حزبه تتفوق على نسبة أصوات أكشينار بفارق 5% بحسب إحصاءات شركة غيزيجي، وتبقى النسب رهنًا للتغيير وفقًا لنوعية الحملات الانتخابية التي سيقودها الطرفان.
تامال كارامان أوغلو
مرشح عن حزب السعادة، في البداية تجدر الإشارة إلى أن قانون الانتخابات ينص على أن هناك 3 طرق للترشح إلى الانتخابات الرئاسية:
ـ وجود كتلة برلمانية للحزب.
ـ حصول الحزب على أكثر من 5% في آخر انتخابات.
ـ حصول المرشح على توقيع 100 ألف مواطن، وفي حال تمت الطريقة الأخيرة، فإن المرشح يكون مرشحًا مستقلًا وليس حزبيًا.
وعليه، اضطر حزب السعادة إلى تجميع 100 ألف توقيع، وإعلان مرشحه مرشحًا مستقلًا، لعدم حيازته كتلة برلمانية، وفيما يتعلق بحظوظ الحزب، فوضعه ضعيف جدًا، حتى وإن ألمح الرئيس السابق غل وبعض من نواب حزب العدالة والتنمية القدامى دعمه، فالأمر يبقى كأنه “عملية جراحية لإحياء ميت”.
إذ إن الأمر لا يتعلق فقط بالنسبة التي سيحصل عليها أردوغان، بل يتعلق بالنسب التي قد يحصل عليها مرشحا الجيد والجمهوري التي تسحب عددًا كبيرًا من الأصوات الممنوحة ليس فقط لكارامان أوغلو، بل لجميع الأعضاء “الهامشيين الآخرين”.
برينتشيك دوغو
مرشح عن حزب الوطن، لا داعي للإسهاب في الحديث عن حظوظه في الفوز، فنسبة أصوات حزبه تتراوح بين 0.20 إلى 0.25% ولا يوجد في الأفق حزب ذو ثقل شعبي أعلن دعمه.
صلاح الدين دامير تاش
لقد حصل على نسبة 9.7% خلال انتخابات الرئاسة لعام 2014، ووسط التنافس المحتدم يُصبح دخوله الانتخابات بشكلٍ منفصل عن أحزاب المعارضة، دخولًا “شكليًا” لا يهدف إلى تحقيق فوز حقيقي في الانتخابات الرئاسية على الأقل.
وفيما يتعلق بنسب الانتخابات البرلمانية، فيبدو أنها تشهد اختلافًا طفيفًا مقارنة بالانتخابات الرئاسية، ويمكن رصد نسبة أصوات الأحزاب التي يحق لها دخول البرلمان، على النحو التالي:
وهنا قد يُطرح تساؤل عن مدى خطورة أن تُحرم عدد من الأحزاب دخول البرلمان، ولكن سياسة “التكتلات أو التحالفات” التي ظهرت للسطح بتحالف حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية، تنفي ذلك، ويمكن فهم الصورة أكثر من خلال النقاط التالية:
تحالف الشعب أو الجمهور
يجمع حزب العدالة والتنمية والحركة القومية، ولعل أحد أهم الأسباب التي دفعت حزب الحركة القومية لطرح فكرة دخول البرلمان بتحالفات حزبية، هو تخوّفه من البقاء خارج البرلمان في الانتخابات المُقبلة، لتمكّن أكشينار من استقطاب عدد كبير من الأصوات لصالحها، حتى باتت أصوات حزبها 16% تتفوق على أصواته 7 ـ 9%.
العدالة والتنمية يواجه احتمال عدم الحصول على الأغلبية البرلمانية، فالإحصاءات تُظهر تدنيًا في أصوات “الاتفاق الجمهوري” إلى أقل من 50%، وأخرى تظهره بنسبة 52%، ومع التدهور الاقتصادي
لكن هذا لا يعني خروج الحركة القومية من البرلمان، فهو ضمن بتحالفه مع حزب العدالة ي إطار “الاتفاق الجمهوري” دخول البرلمان في إطار تحالفي تتوزع فيه الأصوات على الأحزاب المتحالفة بعد دخول البرلمان بنسبة واحدة، بحسب ما نص عليه القانون الجديد الصادر عن البرلمان باسم “تحالف الأحزاب في الانتخابات”.
وفي جميع الأحوال، يبدو أن العدالة والتنمية يواجه احتمال عدم الحصول على الأغلبية البرلمانية، فالإحصاءات تُظهر تدنيًا في أصوات “الاتفاق الجمهوري” إلى أقل من 50%، وأخرى تظهره بنسبة 52%، ومع التدهور الاقتصادي، وحالة الاستقطاب السياسي الكبيرة، ومع دخول أحزاب صغيرة على خط المواجهة، ما يعني احتمال استقطابها لعدد من أصوات الشعب الذين كانوا يضطرون للتصويت لصالح الأحزاب الكبرى، لفقدان الأمل في فوز أحزابهم الصغيرة، يصبح سيناريو عدم حصول “تحالف الشعب” على الأغلبية البرلمانية مرجحًا بحذر.
تحالف الأمة
يضم حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد والديمقراطي والسعادة، وبالتمعن في الجدول أعلاه، يمكن توقع نسبة التمثيل البرلماني له ما بين 37 إلى 38%، وبذلك قد يجد حزبا الديمقراطي والسعادة فرصة ذهبية لدخول البرلمان بعد حرمان طويل.
التكتل الكردي
يُمثل حزب الشعوب الديمقراطي التكتل الكردي بشكل أساسي، وبحسب الإحصاءات، فقد برز انخفاض طفيف في أصوات الشعوب الديمقراطي من 11% إلى 9.7%، بمعنى أنه بات عرضةً لخطر تجاوز السقف الانتخابي المُحدد بنسبة 10%، ما لم يقد حملة نشطة، ولم يكسب “الأصوات الزائدة” في حسابات القائمة النسبية.
في الختام، تشكلت خريطة الأحزاب السياسية لتركيا في إطار الاستعداد للانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة على نحوٍ مختلف عن أي انتخابات سابقة، حيث تحالف عدد من الأحزاب، ما قد يجعل التنافس على الرئاسة أكثر احتدامًا، ويجعل نتائج الانتخابات البرلمانية فسيفسائية.