اعتبارًا من يوم الثلاثاء 22 من مايو/أيار 2018 بدأ المجلس النيابي الجديد المنتخب في لبنان مهامه الرسمية، على الرغم من ظلال الشك الكثيفة التي اكتنفت عملية فرز الأصوات، وفتحت المجال لتقديم الطعون بالعملية الانتخابية برمتها أمام المجلس الدستوري المخول بالنظر في الطعون والمخالفات والخروقات التي شابت العملية الانتخابية.
ومع استلام المجلس النيابي الجديد لمهامه، دخلت الحكومة التي يرأسها سعد الحريري حالة تصريف الأعمال، وكانت قد عقدت آخر اجتماع لها يوم الإثنين الذي صادف آخر يوم من ولاية المجلس النيابي السابق.
الآن وبعد استلام المجلس النيابي الجديد لمهامه هناك آليات دستورية لا بد من سلوكها حتى تنتظم الحياة السياسية وتأخذ المؤسسات دورها وتسلك الأمور مسلكها الطبيعي، وأولى هذه الخطوات في الآلية الدستورية انتخاب رئيس جديد للمجلس النيابي، وقد بات معروفًا ومحسومًا أن الرئيس المقبل هو الرئيس السابق للمجلس نبيه برّي، إذ إن الدستور اللبناني نص على أن رئاسة المجلس النيابي من حصة الطائفة الشيعية التي تتمثل في المجلس النيابي بـ27 مقعدًا، وقد تمكن الثنائي الشيعي (تحالف حزب الله وحركة أمل) من حصد كل هذه المقاعد، وأعلن ترشيحه للرئيس بري لرئاسة المجلس النيابي، وبهذا الاعتبار فإن رئاسة المجلس باتت محسومة لصالح بري.
وأما نيابة رئاسة المجلس – وهي دستوريًا من حصة طائفة الروم الأرثوذكس – فقد اتجهت أغلب القوى السياسية إلى إعلان انتخاب النائب إيلي الفرزلي (أحد حلفاء النظام السوري) لهذا المنصب، وبات هامش المعركة عن هذا المنصب ضيقًا على الرغم من ترشيح حزب القوات اللبنانية أحد أعضاء تكتلها (النائب أنيس نصّار) لهذا المنصب.
التحدي الأخطر والأكثر أهمية يكمن في الضغط الدولي والعربي الذي يتعرض له لبنان في موضوع حزب الله
هذه خطوات إجرائية لا بد منها قبل أي شيء آخر، ثم تأتي من بعدها الخطوة الأهم التي ستكون محور التجاذب والسجال، وهي خطوة تسمية شخصية مسلمة سنّية لرئاسة الحكومة وتكليفها بتشكيلها، وقد نص الدستور اللبناني في هذا السياق على قيام رئيس الجمهورية باستشارات نيابية مُلزمة لتكليف شخصية سنّية بتشكيل الحكومة التي بدورها تقوم باستشارات نيابية غير ملزمة لتشكيل الحكومة.
التحدي الذي يواجه العهد ومعه لبنان والقوى السياسية في هذه المرحلة، هو تحدي تشكيل الحكومة، إذ لا تبدو الأمور بسيطة وسهلة وميسرة أمام الشخصية التي ستكلف بهذه المهمة التي على الأرجح ستكون الرئيس سعد الحريري على اعتبار أنه يرأس أكبر كتلة نيابية في المجلس الجديد، ويحظى بثقة أغلب الكتل النيابية والقوى السياسية، وليس له منافسون حقيقيون في وسط المسلمين السنّة في لبنان، وإن كانت الانتخابات الأخيرة أظهرت فوز عدد من الشخصيات السنّية، ولكنها شخصيات لا تتمتع بحضور واسع وزعامة نيابية كبيرة، لا سيما في وسط المسلمين السنة.
إلا أن الحريري أو غيره سيواجه تحديات كبيرة في رحلة تشكيل الحكومة الجديدة، أول هذه التحديات يتمثل بإقناع الكتل النيابية والقوى السياسية بحصة مقبولة من الكعكة الحكومية، إذ هناك كتل بدأت من الآن وقبل فتح الاستحقاق بشكل رسمي، وضع شروط ومطالب كبيرة لتسمية الرئيس المكلف أو لمنح حكومته الثقة في المجلس النيابي، وهنا على الرئيس المكلف أن يدير توازنًا بين هذه الكتل التي أعلنت شهية على الوزارات، حيث بعضها يريد وزارات سيادية (الداخلية والمالية والدفاع والخارجية) كما في حال حركة أمل والتيار الوطني الحر ورئيس الجمهورية، وحتى حزب الله ألمح إلى أنه يريد وزارة سيادية.
الرئيس المكلف سيواجه تحديًا كبيرًا قد يأخذ وقتًا طويلًا للوصول فيه إلى نتائج إيجابية، خاصة أن المرحلة المقبلة، وكما هو واضح، ستكون مرحلة تكثيف الضغط على إيران
في حين أن كتل وقوى أخرى تريد وزارات خدماتية (الأشغال والشؤون الاجتماعية والاتصالات والتربية والصحة) كالحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية وغيرهما، فضلًا بالطبع عن الكتل التي تريد وزارات سيادية، فيما تبقى الوزارات الأخرى الأقل أهمية (البيئة والسياحة والزراعة ووزارات الدولة..) وستكون محل تقاسم ومحاصصة بين الكتل والأحزاب، وهذه العملية على صعوبتها وصعوبة إقناع القوى السياسية بحصة معينة – وقد أثبتت التجارب السابقة أن عملية تشكيل الحكومة وإقناع الكتل بحصتها امتدت لشهور كادت تلامس السنة بسبب هذه المحاصصة – ولكنها تبقى عملية تحد يمكن الوصول فيها إلى نتائج ولو بعد معاناة كبيرة.
التحدي الأخطر والأكثر أهمية يكمن في الضغط الدولي والعربي الذي يتعرض له لبنان في موضوع حزب الله، وقد تابع العالم خلال الأسبوع الماضي العقوبات التي فرضتها وزارة الخزانة الأمريكية على قادة وكيانات مرتبطة بحزب الله.
كما تابع بالتزامن القرارات التي صدرت عن دول خليجية وصنّفت الحزب على قوائم الإرهاب، وهذه مسألة تشكل تحديًا ليس بسيطًا أمام تشكيل الحكومة اللبنانية، إذ إن حزب الله الذي يشغل مقاعد وزارية في الحكومة اللبنانية منذ العام 2005، ويشغل أيضًا مقاعد في المجلس النيابي منذ العام 1992، يصر هذه المرة على أن يكون ممثلًا في الحكومة الجديدة بوزارة سيادية أو على أقل تقدير بوزارات وازنة.
لبنان قد يشهد مرحلة تكون فيها الضغوط المتبادلة العنوان الأساسي دون الخروج إلى المواجهة المباشرة والمفتوحة إلا إذا تطوّرت الأمور في المنطقة إلى حرب واسعة
ويشترط أن تكون حصته المباشرة (حزبيون) في الوزارة 3 وزراء إذا كانت الحكومة من 30 وزيرًا وحصة الشيعة منها 6 وزراء، وبالطبع هذه المطالب في ظل العقوبات الأمريكية والقرارات الخليجية بخصوص الحزب ستكون معوّقًا كبيرًا أمام الرئيس المكلّف بتشكيل الحكومة، عليه العمل بجهد كبير لإقناع أحد الأطراف أو جميعها (الحزب والأمريكيين والخليجيين) بتدوير الزوايا لتجنيب لبنان خضّات وإشكالات استطاع أن يتجاوزها طيلة الفترة الماضية التي كانت المعارك محتدمة في محيطه بشكل كبير.
وبهذا المعنى فإن الرئيس المكلّف سيواجه تحديًا كبيرًا قد يأخذ وقتًا طويلًا للوصول فيه إلى نتائج إيجابية، خاصة أن المرحلة المقبلة، وكما هو واضح، ستكون مرحلة تكثيف الضغط على إيران وأذرعها في المنطقة، ومنها حزب الله في لبنان، لدفعها إلى تقديم تنازلات في ملفات كثيرة منها النووي ومنها النفوذ في المنطقة.
وبالتالي فإن لبنان قد يشهد مرحلة تكون فيها الضغوط المتبادلة العنوان الأساسي دون الخروج إلى المواجهة المباشرة والمفتوحة إلا إذا تطوّرت الأمور في المنطقة إلى حرب واسعة، لأن كلًا من حزب الله والدول المعنية بالعقوبات والقرارات لا تريد الآن تحويل لبنان إلى ساحة مواجهة، وبالتالي تعميم الفوضى فيه بالنظر إلى اعتبارات خاصة لدى كل طرف، وهذا ما سيجعل المرحلة المقبلة في لبنان مرحلة انتظار وتجاذب بانتظار جلاء ووضوح الصورة على مستوى الإقليم، وهذا ما قد يطول إذا لم يكن هناك مفاجآت.