في عالمنا اليوم، الشعوب التي تعيش تحت الظلم والاستعمار المتواصل، تجد الكثير من أوجه الشبه فيما يتعلق بخبراتها وكفاحها المتواصل للعيش بحرية من خلال معالجة الإرث الماثل للاستعمار.
كان لي شرف أن أكون ضمن مجموعة من 7 شباب من فلسطين والجانبين المتنازع عليهما من دولة جامو وكشمير الذين اجتمعوا في إسطنبول في نهاية عام 2017، خلال الاجتماع، ناقشنا الوضع في كلا المنطقتين وكنا قادرين على تحديد أوجه الشبه والاختلاف بينهما، وكان أحد الأهداف الرئيسة لهذا الاجتماع فهم الأثر المتواصل للإرث الامبريالي.
ففي الحالة الفلسطينية وعد بلفور والنكبة، وفي حالة كشمير ترك البريطانيين للدولة وهي لا تزال غارقة في أتون صراع عنيف، وقالت إحدى المشاركات الفلسطينيات: “بت أفهم السياق التاريخي والديني والسياسي في كشمير بشكل أفضل، بت أرى أوجه التشابه والاختلاف بين الحالتين”.
جرى تقسيم فلسطين وجامو وكشمير عام 1947، كأحد عواقب الحكم البريطاني المباشر لهما، وتجاهلت التقسيمات تطلعات الملاك الحقيقيين للأرض وخلقت حدودًا ملموسة في كلتا المنطقتين ما زال الناس يعانون من عواقبها إلى الآن. ففي حالة فلسطين، اقترحت خطة التقسيم البريطانية قيام وطن قومي لليهود على 54% من فلسطين التاريخية، رغم أن اليهود كانوا يملكون 6% من الأرض وكانوا يشكلون 30% من عدد السكان، وفي حالة كشمير، نجم عن قيام الهند وباكستان تقسيم كشمير بين الدول المستقلة الجديدة دون اعتبار لتاريخ المنطقة وللمجموعات العرقية المتنوعة التي تقطن فيها.
وقال أحد المشاركين من الجانب الهندي لكشمير: “رغم أنه كان من المحبط جدًا مناقشة روايتنا وتاريخنا والاضطهاد الذي يتعرض له الناس في منطقتنا من المحتلين، ساهمت النقاشات التي عقدناها في زيادة التضامن ومشاركة المعرفة ووجهات النظر مع الشبان الفلسطينيين، نشارك موادًا تثقيفية مع بعضنا البعض مما يساهم في مساعدتنا على فهم قضايانا والعمل معًا والتعبير عن تضامنا مع بعضنا البعض ضد من يضطهدونا”.
قالت إحدى المشاركات من الجزء الذي تسيطر عليه باكستان في كشمير: “أدركت أن الأدوات المستخدمة لإخضاع البشر هي نفسها، وكذلك الألم والمعاناة التي تعرض لها الناس، وما زالوا، الاجتماع مع فلسطينيين ساعدني بشكل كبير على فهم ذلك”
فيما أضافت إحدى المشاركات الفلسطينيات: “معرفة أن شخصًا ما واع لوضعك السياسي ويتعامل مع نفس السياسات الاستعمارية والإجراءات التي تتعرض لها يجعلك أقوى في مواجهة مضطهديك، ويجعلك أكثر رغبة في إعلاء صوتك ومشاركة خبراتهم مع كل العالم”.
يسمي الفلسطينيون ما حدث لهم عام 1938 بعد تأسيس دولة “إسرائيل” بالنكبة، وهو مصطلح بدا جديدًا للكشميريين، لكن ما يتضمنه من معاني الطرد والفقدان كان متجذرًا في ذاكرتهم الجمعية التي اشتملت على معاني الفصل والتقسيم، لقد لاقى مفهوم النكبة صدى واسعًا لدى المشاركين الكشميريين الذين، كالفلسطينيين تمامًا، تم تقسيم دولتهم، وأصبحوًا غير قادرين على العودة إلى أرضهم، وجعل “خط التحكم” في كشمير، وهو أكثر منطقة يوجد فيها وجود عسكري في العالم، الفلسطينيين يفكرون بالأسياج التي تبنيها “إسرائيل” حول المستوطنات اليهودية أو غزة (أكبر سجن مفتوح في العالم)، لقد جعل هذا المصطلح الفلسطينيين يستدعون جدار الفصل العنصري في الضفة الغربية الذي يفصل الفلسطينيين عن بقية أرضهم.
وقالت إحدى المشاركات من الجزء الذي تسيطر عليه باكستان في كشمير: “أدركت أن الأدوات المستخدمة لإخضاع البشر هي نفسها، وكذلك الألم والمعاناة التي تعرض لها الناس، وما زالوا، الاجتماع مع فلسطينيين ساعدني بشكل كبير على فهم ذلك”، وعلقت إحدى المشاركات الفلسطينيات على ذلك بالقول: “غيرت وجهة نظري عن الوضع في جامو وكشمير بشكل كامل، إنها ليست معركة بين دولتين، هناك أناس يسعون للحصول على الحرية من كلا الدولتين، وتعلمت أن الاستعمار يحول كل جنة إلى جحيم وليس فقط في فلسطين”.
وتمكن المشاركون في ورشة العمل من معايشة “الحدود” بطريقة مختلفة عن تلك التي عايشوها واعتادوا عليها في أوطانهم من خلال القيام برحلة بحرية على متن قارب لقطع مضيق البسفور، ويقسم بحر مرمرة مدينة إسطنبول إلى شقين بين قارتي أوروبا وآسيا، وأدرك المشاركون أن الحدود الجغرافية لا يجب أن تكون ملموسة، وأنها قد تكون مسطحًا مائيًا ببساطة بعيدًا عن الحدود الأمنية، وذهل المشاركون كيف أن النكبة بدت بعيدة جدًا بعد أن قطعوا قارتين دون معايشة العنف كما هو الحال مع الحدود الملموسة في فلسطين وكشمير.
قال أحد الشباب من الجانب الهندي من كشمير: “معظمنا وصل إلى خلاصة مفادها أننا لسنا متساويين مع الآخرين ولا يمكننا أن نكون كذلك”
يقول مثل إفريقي “حتى يكون للأسود مؤرخيهم، فإن تاريخ المطاردة سوف يظل يمجد المُطارِد”، في فلسطين وجامو وكشمير، يبرز جيل جديد يعيد كتابة تاريخه الذي اختطفه إلى حد كبير على الاحتلال ونتيجة للنزاعات الداخلية، وللحديث عن ذلك، أشار أحد المشاركين من الجانب الباكستاني لكشمير قائلاً: “ما جذبني وأدهشني كان الرواية المشتركة لضحايا النزاعات أو أولئك الذين يعيشون في أراضٍ متنازع عليها تكون مختلفة عن الأدبيات المكتوبة حولهم بشكل كبير”.
وفي ظل أهمية السرد، السؤال اليوم هو: كيف نحول خطط التقسيم البريطانية في كل من فلسطين وكشمير التي نتج عنها نكبات مستمرة للشعبين إلى بداية جديدة يتم من خلالها تحقيق الوحدة والعدالة وإزالة الحدود المصطنعة؟
عواقب هذه النكبات لا تزال متجذرة في عقليات الناس، ولكن وكما تحولت الأحداث الناجمة عن إرث بريطانيا في فلسطين وكشمير إلى سلسلة مؤلمة من التاريخ، حان الوقت لخلق مستقبل جديد، قوامه التأسيس للتضامن ومواجهة الظلم والتقسيم بالعدالة والوحدة.
وكما قال أحد الشباب من الجانب الهندي من كشمير: “معظمنا وصل إلى خلاصة مفادها أننا لسنا متساويين مع الآخرين ولا يمكننا أن نكون كذلك”، ولكي ينتهي ذلك، يتعين على شعب كشمير التخلص من هذا المعتقد، تمامًا كما يفعل المتظاهرون في مسيرة العودة الكبرى في غزة هذه الأيام، قد يؤدي التحشيد الجمعي الناتج عن التضامن العابر للقوميات في تركيع الاستعمار، وأحيانًا كل ما يلزم هو فهم أعظم للتجارب المشتركة والمضي قدمًا في التضامن.
وكما قالت إحدى المشاركات الفلسطينيات: “أسهمت ورشة العمل في زيادة الأمل داخلي في تحقيق شيء عظيم وأن الجيل القادم الذي يعيش تحت الاضطهاد لديه قواسم مشتركة أكثر من نقاط الاختلاف، بالنسبة لي، الاجتماع بأناس من كشمير والتعرف على تجربتهم تحت الاستعمار جعل من المؤكد أن المفتاح هو التضامن بين الشعبين”.