نشرت مجلة “فورين بوليسي” مقالا لمديرة قسم “إسرائيل”/ فلسطين في منظمة “هيومان رايتس ووتش”، ساري باشي، تقول فيه إنه منذ بدأت المظاهرات في غزة، في 30 آذار/ مارس، فإن الجنود الإسرائيليين قاموا بقتل أكثر من 100 فلسطيني داخل قطاع غزة.
وتشير الكاتبة في مقالها، الذي ترجمته “عربي21″، إلى أن الحكومة الإسرائيلية تقوم بالرد على النقد الدولي لقتل المتظاهرين بحجة استخدمتها منذ أن سيطرت حركة حماس على قطاع غزة عام 2007، وهي أن “الحكومة تأسف للأذى الذي لحق بالفلسطينيين في غزة، لكن لم يكن تجنب ذلك ممكنا؛ لأن حركة حماس تسيطر على كل شيء في غزة، ولا نستطيع أن نفعل شيئا ضد حركة حماس دون أن نؤذي المتظاهرين”.
وتعلق باشي قائلة إن “هذا هو الرد الذي استخدمته “إسرائيل” حتى عام 2010 ذاته، للدفاع عن منعها إدخال البضائع، بما في ذلك بعض الأغذية، إلى غزة، وهو الرد ذاته الذي تستخدمه “إسرائيل” لتبرير منعها للسفر، ومنعها لمعظم البضائع من مغادرة غزة إلى أسواق خارجية، وهذان مجرد اثنين من قائمة المنع التي دفعت بالبطالة إلى الوصول إلى نسبة 49% في غزة، وهو الرد ذاته الذي قدمته “إسرائيل” بدعم رسمي أمريكي للرد على شجب قتلها لأكثر من 100 فلسطيني، وتشويه وجرح آلاف الفلسطينيين خلال 7 أسابيع من المظاهرات داخل غزة، بالقرب من الحدود الإسرائيلية”.
وتلفت الكاتبة إلى أن “مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة صوت بـ 29 صوتا مقابل صوتين، لتشكيل لجنة تحقيق مستقلة تقوم بالتحقيق في إطلاق النار (على المتظاهرين)، وهو قرار رفضته “إسرائيل”؛ مدعية أنه يعكس انحياز المجلس ضد “إسرائيل” “.
القيادي في حركة حماس، محمود الزهار، تفاخر في مقابلة تلفزيونية بأن المظاهرات تدعمها أسلحة حركة حماس
وتذكر باشي أن الحكومة قدمت دفاعها في المحاكم المحلية في دعوى أقامتها مجموعات حقوقية إسرائيلية، ففي إيجاز للمحكمة، جادلت الحكومة بالقول: “هذه ليست مظاهرات شعبية عفوية، بل إن أحداث العنف هذه نظمتها ونسقتها ووجهتها حركة حماس، وهي منظمة إرهابية تنشغل في صراع مسلح “إسرائيل” “، فيما قام متحدث باسم إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، راج شاه، بترديد الحجة ذاتها الأسبوع الماضي، فقال: “مسؤولية هذه الوفيات المأساوية تقع تماما على حركة حماس”.
وتؤكد الكاتبة أن “حركة حماس تؤيد المظاهرات في غزة، حيث سيطرتها هناك واضحة، وانتقاد حكم حركة حماس قد يؤدي إلى الاعتقال والتعذيب، كما وثقت (هيومان رايتس ووتش)، وتراقب حركة حماس خطب الجمعة في المساجد، وتلك الخطب تحث المصلين على التظاهر على حدود غزة، وفي الأيام العادية تمنع شرطة حركة حماس المتظاهرين من الاقتراب أكثر من 1000 قدم عن السياج الحدودي، وهو ما أعلنته “إسرائيل” (منطقة محرمة)، لكن منذ 30 آذار/ مارس، فإن حركة حماس سمحت للمتظاهرين بالتجاوز والوصول إلى السياج، واستأجرت باصات لنقل الناس للتظاهر”.
وتورد باشي نقلا عن بعض المتظاهرين، قولهم إن ممثلي حركة حماس دخلوا خياما بالقرب من الحدود، وشجعوا النساء على الانضمام للمظاهرات بالقرب من السياج الحدودي، مشيرة إلى أن القيادي في حركة حماس، محمود الزهار، تفاخر في مقابلة تلفزيونية بأن المظاهرات تدعمها أسلحة حركة حماس.
وتجد الكاتبة أنه “مع ذلك، فإن المظاهرات لها أصول على مستوى الشعب، وكانت فيها مشاركة شعبية، وبدأت من خلال نشر ناشطين مقالات على (فيسبوك)، تدعو الناس للتظاهر في الذكرى السبعين للنكبة -هروب وطرد أكثر من 700 ألف فلسطيني- التي صاحبت قيام دولة “إسرائيل” عام 1948، واللجنة المسؤولة عن تنظيم المظاهرات تتضمن مجموعات غير حكومية، وممثلين عن الفصائل الرئيسية في غزة، وتضمنت تلك المظاهرات نزهات ودبكات شعبية”.
تقول الكاتبة: “ليس مهما الجهة التي يؤيدها المتظاهرون، أو من شجعهم على التظاهر، ويمكن استخدام القوة القاتلة فقط عندما تكون هناك ضرورة للحماية ضد تهديد وشيك للحياة”
وتنقل المجلة عن الشهود، قولهم لمحققي “هيومان رايتس ووتش” بأنه لم يتم تفتيش المتظاهرين كلهم، “مع أن هناك على الأقل شهادة شاهد عيان قال فيها إن أمن حركة حماس منع متظاهرا من حمل كلاشنكوف؛ خشية التصعيد”، وقال المتظاهرون بأنهم رأوا عددا قليلا من الرجال المسلحين في المظاهرات، وعددا كبيرا من الناس يلقون الحجارة، بما في ذلك استخدام المقاليع، والإلقاء بالقنابل الحارقة، وإطلاق الطائرات الورقية المحتوية على مواد حارقة.
وتستدرك باشي بأنه “بحسب المعايير الدولية لتعامل الشرطة مع المظاهرات، فحتى استخدام الحجارة والقنابل الحارقة لا يبرر استخدام القوة القاتلة، في ظل غياب تهديد وشيك للحياة”.
وتقول الكاتبة: “ليس مهما الجهة التي يؤيدها المتظاهرون، أو من شجعهم على التظاهر، ويمكن استخدام القوة القاتلة فقط عندما تكون هناك ضرورة للحماية ضد تهديد وشيك للحياة”.
وتنوه الكاتبة إلى أن “الحكومة الإسرائيلية تعترف بالمقاييس العالمية لفرض القانون، لكنها تقول بأن قواتها ستطلق الرصاص الحي حتى قبل أن يصبح التهديد للحياة وشيكا؛ لأنها تعتقد بأن حركة حماس ستستغل وجود آلاف المتظاهرين لاختراق السياج الحدودي، وهذا يفرغ كلمة (وشيك) من أي معنى”.
وتفيد باشي بأن “الحكومة الإسرائيلية تهمل وسائل غير قاتلة، مثل الغاز المسيل للدموع، والمياه العادمة، والرصاص المعدني المغطى بالمطاط، وهي وسائل يجب أن تستخدمها “إسرائيل” وتستنفذها لحماية حدودها، وحتى لو فشلت تلك الأساليب (ولم يتم استنفاذها)، فإنه يحق لـ”إسرائيل” استخدام القوة القاتلة فقط لو كان خرق الحدود يشكل خطرا وشيكا على الحياة، لكن القوات الإسرائيلية والقناصين يقومون بإطلاق النار حاليا من مواقع محصنة بشكل جيد داخل “إسرائيل” خلف سياجين حدوديين، وفي بعض المواقع الرئيسية خلف خنادق تم حفرها لمنع عبور الحدود، بالإضافة إلى أن هناك طائرات تجسس فوق غزة ترسل بالصور إلى الجيش الإسرائيلي، كما أن هناك وحدات دعم ومعدات في مواقع أبعد، ومنذ بدء المظاهرات لم تعلن “إسرائيل” سوى عن إصابة جندي واحد”.
تقول باشي: “يدعي المسؤولون الإسرائيليون والأمريكيون بأنه لا خيار أمام “إسرائيل” سوى بالرد على التهديد الذي تجده من حركة حماس من خلال الانتقام من سكان غزة”
وتشير الكاتبة إلى أن “(هيومان رايتس ووتش) قامت بمقابلة متظاهرين قالوا إنهم جاءوا ليحتجوا على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس بشكل سلمي، وبأن القناصة الإسرائيليين أطلقوا النار عليهم بعيدا عن السياج الحدودي، الذي بقي سليما، وكثير من المتظاهرين شباب قالوا إنهم يحتجون على سنوات القيود على السفر، التي دمرت الاقتصاد، ومنعت الوصول للجامعات والزيارات العائلية والعلاج، ووصلت البطالة في غزة إلى 65% بين الشباب الذكور، و80% بين النساء، والمظاهرات ليست على الحدود الإسرائيلية فقط: فمنصات التواصل الاجتماعي الفلسطينية انشغلت هذا الأسبوع بفيديو لشاب أشعل النار في نفسه في غزة؛ احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية”.
وتقول باشي: “يدعي المسؤولون الإسرائيليون والأمريكيون بأنه لا خيار أمام “إسرائيل” سوى بالرد على التهديد الذي تجده من حركة حماس من خلال الانتقام من سكان غزة، ما تسبب بالمعاناة، وحتى الجرح والقتل، لكن ذلك كان بالضبط هو المسار الفاشل الذي اتبعته “إسرائيل” منذ سيطرت حركة حماس على غزة بالقوة عام 2007، بعد أن فازت في الانتخابات التي عقدت عام 2006 في الضفة وغزة والقدس الشرقية، وشاركت في الحكم لفترة وجيزة مع حركة فتح، وقامت “إسرائيل”، التي تسيطر على معظم معابر غزة البرية، وتسيطر على الجو والمياه الإقليمية، بإغلاق المعابر، حيث تسمح فقط لحالات استثنائية بالعبور، وتمنع خروج البضائع، وتحد من دخولها، بالإضافة إلى أن مصر أغلقت الحدود إلا في حالات استثنائية”.
وتبين الكاتبة أنه “حتى عام 2010، كانت “إسرائيل” تعد عدد السعرات الحرارية التي يسمح لسكان غزة بتناولها، بحسب العمر والجنس، واستخدمت معادلات حسابية للحد من كمية الطعام التي تدخل إلى غزة، بحيث لا تصل إلى أكثر مما يعتقد المسؤولون الإسرائيليون أنه ضروري، ودافعت الحكومة الإسرائيلية عن تلك القيود، قائلة إن ما تقوم به هو (حرب اقتصادية) تهدف إلى إضعاف حركة حماس بالحد من الإمدادات لسكان غزة، ومنعهم من الإنتاج والتصدير”.
الحكومة الإسرائيلية ترتكب الخطأ ذاته الآن، من خلال تعاملها مع المتظاهرين كلهم بأنهم يعملون مع حركة حماس، ثم تستخدم القوة القاتلة ضدهم في غياب تهديد وشيك على الحياة
وتلفت باشي إلى أنه “كان لهذه الحرب أثر عكسي، ففي وجه النقص في السلع، فإن حركة حماس قامت بتكريس سلطتها من خلال تقديم الطعام والمال للفقراء، وتوظيف العاطلين في الحكومة، وإنشاء نظام تجارة مربح، من خلال الأنفاق تحت الحدود مع مصر”.
وترى الكاتبة أنه “من خلال معاملة سكان غزة كلهم، وغالبيتهم من الأطفال، على أنهم من حركة حماس، فإن “إسرائيل” ساعدت الحركة في أن تزداد قوة، وكانت حركة حماس تأخذ الضرائب على البضائع المهربة من الأنفاق، وجعلت الناس يعتمدون على مساعداتها، في الوقت الذي سيطرت فيه على التجارة، وفي الوقت ذاته فُرضت العقوبات والقيود غير القانونية على حركة الناس العاديين في غزة”.
وتختم باشي مقالها بالقول إن “الحكومة الإسرائيلية ترتكب الخطأ ذاته الآن، من خلال تعاملها مع المتظاهرين كلهم بأنهم يعملون مع حركة حماس، ثم تستخدم القوة القاتلة ضدهم في غياب تهديد وشيك على الحياة، فسيطرة حركة حماس على غزة قد تشكل تهديدا لـ”إسرائيل”، لكن لا تستطيع الأخيرة تبرير أفعالها غير القانونية ضد سكان غزة المدنيين”.
المصدر: فورين بوليسي
ترجمة وتحرير: عربي21