ترجمة وتحرير: نون بوست
لا يمكننا اعتبار كلمات دونالد ترامب مضحكة، فقد تتسببت في تعرض الناس في بعض البلدان البعيدة إلى التعذيب والاغتصاب والقتل. وعند تبين هذه الكلمات، يمكننا أخذ البحرين مثالا على ذلك، فهذا البلد الخليجي لا يمثل مأوى الأسطول الخامس التابع للبحرية الأمريكية فحسب، بل يعتبر موطن ما بات يعرف الآن بالثورة المنسية في الربيع العربي.
طوال السنوات السبع الفارطة، دأبت قوات الأمن في المملكة الجزرية الصغيرة في الخليج على إطلاق النار وتشويه المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية بأعداد تقدر بالمئات والآلاف. وإن لم يكن ذلك كافيا، تعمد قوات الأمن البحرينية إلى احتجاز هؤلاء المتظاهرين والتسبب في العمى لبعضهم. وقد أثبت تحقيق مستقل بتكليف من الحكومة البحرينية استخدام القوة “المفرطة” و”العشوائية”، ناهيك عن الاستخدام المنهجي للتعذيب.
إقرارا للحق، لم تفعل إدارة أوباما شيئا يذكر لإيقاف العنف في البحرين. ومع ذلك، أدان الرئيس الأمريكي السابق “الاعتقالات الوحشية واستخدام القوة المفرطة”، كما فرض جملة من القيود على مبيعات الأسلحة الأمريكية الموجهة لها. ولكن، تم رفع هذه القيود في عهد ترامب، وتغيرت فحوى الخطاب الأمريكي، حيث صرح الرئيس الأمريكي قبل سنة، خلال اجتماع مع ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، في قمة عقدت في الرياض بالمملكة العربية السعودية، بأنه “تجمع بلدينا علاقة رائعة، لكن كانت هناك بعض الضغوط في السابق، إلا أن هذه الضغوط ستنزاح مع هذه الإدارة”.
لم يكن آل خليفة الطاغية العربي الوحيد الذي يتحصل على وعود واهية من الرئيس الأمريكي، فقد سبق لترامب الإشادة بالرئيس عبد الفتاح السيسي ووصفه بالرجل الرائع
بتاريخ 23 أيار/ مايو من سنة 2017، بعد أقل من 48 ساعة من إلقاء ترامب لكلمته، داهمت قوات الأمن البحرينية قرية الدراز وأطلقت النار على اعتصام نظمه أنصار رجل الدين الشيعي البارز، عيسى أحمد قاسم، داخل المملكة ذات نظام الحكم السني. نتيجة لذلك، لقي خمسة أشخاص حتفهم، بينهم ناشط بيئي ذو شأن، بينما جرح أكثر من مائة شخص، واعتقل 286 آخرون.
عموما، كان هذا الهجوم الأكثر دموية في حق المحتجين البحرينيين منذ بداية الثورة سنة 2011، وقد تم ذلك بمباركة من رئيس الولايات المتحدة. خلال شهر أيار/ مايو من سنة 2017، أفاد نيكولاس مكغيهان، أحد كبار الباحثين في شؤون البحرين لدى “هيومن رايتس ووتش”، بأن “توقيت هذه العملية، بعد يومين من لقاء الملك حمد مع الرئيس دونالد ترامب، بالكاد يكون مصادفة”.
مع ذلك، لم يكن آل خليفة الطاغية العربي الوحيد الذي يتحصل على وعود واهية من الرئيس الأمريكي، فقد سبق لترامب الإشادة بالرئيس عبد الفتاح السيسي ووصفه بالرجل الرائع. وبعد ساعات فقط من لقائه للملك البحريني، تم تصوير دونالد ترامب بصدد ملامسة كرة بلورية متوهجة رفقة الرجل المصري القوي في خضم افتتاح مركز لمكافحة التطرف في الرياض.
في المقابل، لن تخمن أبدا ما حدث بعد ذلك، حيث ذكرت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية خلال شهر أيار/ مايو الفارط أنه “فور عودته إلى مصر، مررت حكومة السيسي قيودا جديدة على وسائل الإعلام الإخبارية، وسلطت عقوبات قضائية على زعيم سياسي منافس في المحاكم، فضلا عن فرض مزيد من الضغط على الحقوق السياسية وحرية التعبير”.
للكلمات وقع كبير، ويبدو أن كلمات ترامب تقدم العون وتوفر الراحة لبعض أسوأ الحكام في العالم مرة تلو الأخرى
خلال شهر آذار/ مارس، رحب ترامب بولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، حيث وصف العلاقة بين والولايات المتحدة الأمريكية والسعودية بأنها “ربما كانت أقوى من أي وقت مضى”. وأخبر دونالد ترامب الأمير السعودي أن والده اتخذ قرارا حكيما جدا بتعيينه وريثا وحاكما فعليا للبلاد. وفي الأسبوع الماضي، بعد أقل من شهرين من زيارته للبيت الأبيض، أمر محمد بن سلمان باعتقال عشرة نشطاء سعوديين بارزين، بما في ذلك مجموعة من النشطاء في مجال حقوق المرأة، وهو ما يعتبر كثيرا جدا على الربيع العربي للمملكة العربية السعودية.
في الواقع، للكلمات وقع كبير، ويبدو أن كلمات ترامب تقدم العون وتوفر الراحة لبعض أسوأ الحكام في العالم مرة تلو الأخرى. وفي حالة البحرين مثلا، لا وجود لجدال في أن ترامب أعطى هذه المملكة الخليجية الضوء لقتل وتعذيب معارضيه خلال السنة الماضية. لذلك، لا حاجة للاطلاع على هذا التقرير أو البيانات الصادرة عن منظمة “هيومن رايتس وووتش”، لأنه يمكنك الاستماع إلى شهادات ضحايا التعذيب البحرينيين أنفسهم.
في 24 أيار/ مايو من سنة 2017، وبعد ثلاثة أيام من التقاط صورة للرئيس الأمريكي مع الملك البحريني، تم استدعاء محامي حقوق الإنسان إبراهيم سرحان إلى مقر جهاز الأمن الوطني البحريني المخيف. وفور وصوله، كما وثق خبراء حقوق الإنسان في الأمم المتحدة في وقت لاحق، تعرض سرحان للضرب لمدة نصف ساعة تقريبا من قبل العملاء، الذين أجبروه على المباعدة بين ساقيه لكي يقوموا بركله على أعضاءه التناسلية، كما تم صعقه بالكهرباء وشتمه بعبارات مهينة على نحو متكرر.
عندما حاول سرحان تذكير العملاء بحقوقه القانونية، ضحكوا عليه وذكروا اسم ترامب على نحو صريح. وطبقا للشهادة المكتوبة التي تتضمن أقوال سرحان، قال له أحد العملاء “عليك أن تنسى القانون وحقوق الإنسان، لقد تغير الرئيس الأمريكي وتغير الوضع، ومن الآن فصاعدا سنفعل معك ما نشاء”.
صعد النظام البحريني من وتيرة هجماته الوحشية على المتظاهرين المسالمين بترخيص من ترامب، وذلك بالتزامن مع إقراره بعقوبات جماعية ضد شخصيات معارضة ونشطاء في مجال حقوق الإنسان
في 26 أيار/ مايو، أي بعد خمسة أيام من اجتماع ترامب وآل خليفة، طلبت السلطات البحرينية من الناشطة في مجال حقوق المرأة، ابتسام الصائغ، أن تقدم تقريرا إلى مكتب جهاز الأمن الوطني البحريني. ووفقا لتقرير حقوق الإنسان الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية لسنة 2017، عمد الضباط إلى ضرب الصائغ وتجريدها من ملابسها والاعتداء عليها جنسيا، فضلا عن إجبارها على الوقوف لساعات، ناهيك عن تهديدها باغتصاب ابنتها وقتل زوجها.
من جهتها، أفادت الناشطة الحقوقية البحرينية بأن المحقق سخر منها قائلا “هل تعلمين أن لدينا الضوء أخضر من طرف ترامب؟”. لذلك، ترى المرأة أن كل ما حصل لها يقع تحت مسؤولية الإدارة الأمريكية. والجدير بالذكر أن وزارة الخارجية الأمريكية حذفت خلال تقريرها أي تلميح لاسم ترامب أثناء الإشارة إلى قضية ابتسام الصائغ.
في الحقيقة، لقد صعد النظام البحريني من وتيرة هجماته الوحشية على المتظاهرين المسالمين بترخيص من ترامب، وذلك بالتزامن مع إقراره بعقوبات جماعية ضد شخصيات معارضة ونشطاء في مجال حقوق الإنسان. وفي شأن ذي صلة، صرحت مريم الخواجة، الناشطة الحقوقية البحرينية التي سجن والدها عبد الهادي مدى الحياة بسبب مشاركته في الاحتجاجات المنادية بالديمقراطية، بأن “أحكام الإعدام والسجن المؤبد وتجريد المواطنين من جنسيتهم ازدادت منذ وصول ترامب إلى الحكم، وقد شجع الرئيس الأمريكي كلا من البحرين ودول مجلس التعاون الخليجي على ذلك”.
علاوة على ذلك، أفاد سيد الودائي، مدير دعوة في معهد البحرين للحقوق والديمقراطية الذي يعيش في لندن، أنه “عندما يعجز النظام عن معاقبتنا بصفة مباشرة، يعمد إلى ملاحقة أفراد عائلاتنا. وقع استجواب زوجتي في البداية وفصلها عن طفلنا الرضيع، ثم ألقوا القبض على شقيق زوجتي البالغ من العمر 18 سنة، وجردوه من ملابسه لمدة يومين، وهددوه بالاغتصاب، ثم حكموا عليه بالسجن لمدة 13 سنة بسبب جرائمي المزعومة”. واستطرد قائلا “تم استجواب حماتي مرارا وتكرارا، وهو ما أدى إلى إصابتها بصدمة أودت بها إلى المستشفى. وبسبب نشاطي، سجنت لمدة ثلاث سنوات”.
في الواقع، إن يدا الرئيس الأمريكي ملطختان بالدماء، من البحرين ومرورا بالمملكة العربية السعودية ووصولا إلى مصر، وفي جميع أنحاء المنطقة
قبل سنة، وعد ترامب ملك البحرين بأنه “لن يكون هناك أي قيود مع هذه الإدارة”. ويبدو أن نقص “الضغط” يؤدي إلى قتل المتظاهرين في الاعتصامات وتسليط عقاب جماعي على العائلات، فضلا عن سجن وتعذيب الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال.
من المرجح أننا قد نرغب في الضحك بصوت عال أو الإشاحة بنظرنا بعيدا في حال تشدق ترامب بقول ما أو نشر تغريدة ما، لكن الحقيقة هي أن كلماته لها عواقب مميتة. في الواقع، إن يدا الرئيس الأمريكي ملطختان بالدماء، من البحرين ومرورا بالمملكة العربية السعودية ووصولا إلى مصر، وفي جميع أنحاء المنطقة. وحيال هذا الشأن، أخبرتني مريم الخواجة أن “الأشخاص سيتذكرون الحكومات التي ساعدت في دعم أنظمة الحكم في بلدانهم في وقت كانوا يناضلون فيه من أجل إحداث التغيير”.
المصدر: ذي إنترسيبت