ترجمة وتحرير: نون بوست
يجب على رجل الأعمال إيلون ماسك أن يبرهن على أنه قادر على إيصال شركته “تيسلا موتورز” إلى طريق النجاح خاصة وأنه لم ينجح إلا في تخويف الناس من الذكاء الاصطناعي. في هذا الصدد، أفاد ماسك بأن “الذكاء الاصطناعي يُعتبر أكبر خطر يهدد البشرية لاسيما وأنه أخطر من الأسلحة النووية”. ولعل الأمر المثير للخوف هو أن ماسك ما فتئ يكرر تحذيره من الذكاء الاصطناعي في كل مناسبة.
في الحقيقة، تجذب تصريحات هذا المستثمر الكندي الهشة اهتمام وسائل الإعلام، في حين أنها تخيف القراء من الذكاء الاصطناعي، كما تثير هذه التحذيرات قلق الباحثين المهتمين بهذه المسألة. في مقابلة مع مجلة “وايرد”، أورد الأستاذ الجامعي الأسترالي، توبي والش، أن “ماسك أكد في كل تصريحاته أن الذكاء الاصطناعي سيتسبب في اندلاع حرب عالمية، والحال أنه لا يجب علينا أن نخاف من تطور الآلات”.
يبدو أن ماسك محق في تحذيراته، حيث يجب تنظيم مجال البحث في الذكاء الاصطناعي، ولكن ليس لأن الروبوتات ستتولى زمام الأمور بل نظرا لأن الشركات والدول تثق كثيرا في الذكاء الوهمي للآلات. في الأثناء، يجب أن تخضع أفلام الخيال العلمي على غرار “ذا تيرميناتور” لجملة من القواعد كي لا يصبح العالم مكانا خياليا مخيفا. فيما يلي، نقدم أمثلة تثبت أن التقدم التكنولوجي يمكن أن يؤدي إلى نتائج عكسية.
شاهد الجمهور لأول مرة كيفية تقليد الذكاء الاصطناعي لتصرفات البشر بإتقان إلى درجة أن عاملة المطعم لم تنتبه إلى أنها تتحدث مع آلة
الآلة تخدع الإنسان
في قمة انعقدت في شهر أيار/ مايو، شغل المدير التنفيذي لشركة غوغل، ساندار بيتشاي، محادثة يظهر فيها صوت أنثى تحجز طاولة في مطعم. وقد صفق الجمهور لهذه المحادثة، التي تبدو سخيفة. أما على مواقع التواصل الاجتماعي، انقسمت الآراء بين معجب بالمحادثة وبين مذعور منها. في هذا السياق، أقرت المختصة في علم الاجتماع زينب توكيفسي بأن “الأمر يبدو مخيفا ومخادعا”.
في واقع الأمر، شاهد الجمهور لأول مرة كيفية تقليد الذكاء الاصطناعي لتصرفات البشر بإتقان إلى درجة أن عاملة المطعم لم تنتبه إلى أنها تتحدث مع آلة. ومن جهته، أكد ماسك أنه نقل المحادثة كما هي، مما أثار شكوك الحاضرين حول إمكانية أن تكون شركة غوغل قد اقتطعت التسجيل أو عالجته في وقت لاحق. ولعل الأمر الأكثر أهمية هو أن المحادثة خلقت جدلا واسعا. لذلك علينا أن نطرح التساؤل التالي، هل يجب على الذكاء الاصطناعي أن يعرف بنفسه عند الاتصال مع الناس بصفة مباشرة؟
يتجاوز الأمر نطاق معالج غوغل، الذي يقدر على ترتيب المواعيد. فعلينا أن نتساءل ماذا يحدث في حال استخدم المحتالون برمجيات تتصل بالعديد من المتقاعدين بصفة آلية؟ هل يجب على البوتات الموجودة على مواقع التواصل الاجتماعي أن تضع رموزا لكي يدرك المستخدمون أنهم يدردشون مع حاسوب؟ على هذا الأساس، يقترح باحثو الذكاء الاصطناعي على غرار والش أن يتم تصميم أنظمة ذاتية بطريقة لا يمكن الخلط بينها وبين البشر.
الخوارزميات تتخذ قرارات بشأن بحرية التعبير
تُشغل الشركات التكنولوجية آلاف الأشخاص المكلفين بإزالة النفايات الرقمية من شبكة الإنترنت، التي يتم التخلص منها عن طريق النقر على الصور ومقاطع الفيديو وفرز العنيفة منها ومن ثم حذفها. ولحماية مستخدمي فيسبوك ويوتيوب من الاطلاع على الصور ومقاطع الفيديو العنيفة، تعرض اليد العاملة الرخيصة في البلدان الناشئة والنامية صحتها النفسية للخطر، فضلا عن أنها تغذي قاعدة البيانات وتتدرب على البرمجيات، التي قد تحرمها من مورد رزقها.
يكتفي الذكاء الاصطناعي بحذف المحتويات المشكوك في أمرها التي تروج للإرهاب أو تعرض مشاهد استغلال الأطفال فحسب. ولعل الأمر المثير للقلق أن رجال القانون غير مجمعين على الحد الفاصل بين حرية التعبير والرقابة
من جانبه، تحدث مؤسس شركة فيسبوك، مارك زوكربيرغ، عن أدوات الذكاء الاصطناعي، التي ستنظف فيسبوك في المستقبل. وخلال جلسة مساءلته بالكونغرس الأمريكي، تطرق زوكربيرغ في 30 مناسبة إلى الذكاء الاصطناعي الذي يجب أن يحذف بصفة تلقائية المحتوى الذي يتعارض مع القواعد الجماعية لفيسبوك.
في المقابل، لا يكتفي الذكاء الاصطناعي بحذف المحتويات المشكوك في أمرها التي تروج للإرهاب أو تعرض مشاهد استغلال الأطفال فحسب. ولعل الأمر المثير للقلق أن رجال القانون غير مجمعين على الحد الفاصل بين حرية التعبير والرقابة. وخلال السنوات الماضية، برهنت العديد من الأمثلة في عدة المناسبات على أن قرار منح الخوارزميات صلاحية فسخ المحتوى الرقمي ليس في محله. وفي حال تم حظر مقطع فيديو ساخر، لا يمكن إلقاء مسؤولية حذف مقاطع الفيديو والصور على عاتق الآلة، نظرا لأن الذكاء الاصطناعي لا يقدر على كشف السخرية.
ينتج الذكاء الاصطناعي مقاطع فيديو زائفة
خلال شهر نيسان/ أبريل، نشرت بوابة “بازفيد” مقطع فيديو يظهر فيه رجل وهو يحذر من مقاطع الفيديو الزائفة وقد كان شبيها تماما بالرئيس الأمريكي، باراك أوباما، ويتكلم مثله، لكنه في الحقيقة لم يكن أوباما بل كان الممثل، جوردان بيليه.
يمكن للشبكات العصبية الاصطناعية القادرة على التفكير مثل الشبكات الطبيعية للخلايا العصبية على القيام بتسجيلات صوتية وإنتاج مقاطع فيديو زائفة بطريقة لا يمكن التمييز بينها وبين المقاطع الأصلية. وباستخدام تطبيقات على غرار تطبيق “فايك آب”، يمكن للمستخدمين العاديين الذين لا يتمتعون بمهارات تقنية عالية إنتاج مقاطع فيديو مزيفة متقنة.
قد يجد الكثير من الأشخاص تصريح أوباما المصطنع مسليا، حيث قال إن “ترامب أحمق. بالطبع، لن أقول ذلك أمام العامة على الأقل”. أما في حال ظهر على موقع تويتر مقطع فيديو متلاعب به يعلن فيه زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، عن إطلاق صاروخ في اتجاه الولايات المتحدة الأمريكية، فلن يكون الأمر حينها مسليا كثيرا. وبناء على ذلك، لسائل أن يسأل: هل لدى مستشاري ترامب الوقت ليوضحوا له حقيقة الفيديو الزائف قبل أن يرد الفعل؟
يعتبر التسوق عبر موقع أمازون أمرا مريحا، إلا أن العمل فيه كموظف على عكس ذلك تماما
في الوقت الراهن، أصبحت الدعاية باستخدام مقاطع الفيديو الزائفة حقيقة، فيوم الأحد، نشر حزب بلجيكي على مواقع التواصل الاجتماعي مقطع فيديو زائف يدعو فيه رجل يتقمص هوية رئيس الوزراء البلجيكي للانسحاب من اتفاقية المناخ. ومن جهتهم، حذر الخبراء من عصر التضليل، حيث أورد الخبير الذي تكهن بحملة الأخبار الزائفة خلال الحملة الانتخابية الأمريكية الأخيرة، أفيف أوفاديا، بأن البشرية تتجه إلى “فوضى معلوماتية” خاصة وأن الأخبار الزائفة غمرت الشبكة. ولفترة طويلة، كانت مقاطع الفيديو بمنأى على الأقل عن عمليات التزييف، أما اليوم فلا يجب علينا أن نثق في أي طرف.
الشركات تفرض الرقابة على الموظفين
يعتبر التسوق عبر موقع أمازون أمرا مريحا، إلا أن العمل فيه كموظف على عكس ذلك تماما؛ خاصة وأن المراكز اللوجستية التابعة له تقوم بتصوير كل خطوات الموظفين. وفي المستقبل، قد تصبح عملية الرقابة أكثر شمولية. ففي مطلع السنة الجارية، تحصلت شركة أمازون على براءتي اختراع لسوار يقوم بتتبع تحركات الموظفين في كل دقيقة. وبفضل تقنية الموجات فوق الصوتية والتقنية اللاسلكية، يجب على هذه الأسورة أن تتبع تحركات العمال والموظفين في مراكز اللوجستيك. وفي حال وقعت يد الموظف على المنتوج الخطأ، تقوم الاهتزازات بإبلاغ العامل بأنه يقوم بتعبئة المنتجات الخاطئة.
لكن، ينفي مسؤولو الشركة أن يكون الهدف من اعتماد هذا السوار مراقبة الموظفين، مشيرين إلى أنه في صورة استخدامه فإنه سيقوم بتسهيل عمل موظفي اللوجيستيك. أما إذا سلمنا بصحة ادعاءات مسؤولي شركة أمازون، فإن سوء استغلال هذه الأسورة أمر وارد.
أما في الدول الناشئة، فيعمل ملايين الموظفين على صنع هواتف ذكية لن يتمكنوا من استخدامها، علما وأنهم لا يتمتعون بحقوق العمال ولا ينخرطون في نقابات. وفي المستقبل، سيجد المؤجرون بالتأكيد أسورة مراقبة أكثر فعالية، وبطول الوقت، قد تعوض الآلة الإنسان.
فعلى سبيل المثال، تختبر إحدى المدارس في مقاطعة هانغتشو شرقي الصين، نظام التعرف على الوجه، حيث ترصد ثلاثة أجهزة كاميرا وجوه التلاميذ وتتثبت من ملامحهم. وفي حال تعرفت البرمجية على وجه غير مألوف، يتولى النظام إخبار المعلّم بالأمر. وحيال هذا الشأن، صرح أحد التلاميذ “عندما ألمح أجهزة الكاميرا المثبتة في الفصل، لا أتجرأ على النظر في مكان آخر. فهذه الأجهزة أشبه بأعين مفزعة تراقبني باستمرار”.
المصدر: زود دويتشه تسايتونغ