ترجمة وتحرير: نون بوست
في المرة الأخيرة التي خاضت فيها إسرائيل حربًا مع حزب الله في سنة 2006، هددت إسرائيل بـ”إعادة عقارب الساعة في لبنان 20 سنة إلى الوراء” وطرد الحركة المسلحة من الحدود، وعندما انتهى الصراع بعد شهر، كان حزب الله قد تعرض لبعض الضرب والكدمات، لكن مقاتليه ظلوا في أماكنهم.
وعززت الاغتيالات المتتالية لشخصيات بارزة في حزب الله وحليفته حماس، هذا الأسبوع، المخاوف من أن العدوين اللدودين – اللذين تبادلا الضربات بحدة متزايدة منذ هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر – ينزلقان مرة أخرى نحو حرب شاملة.
هذا الصراع الشامل من شأنه أن يضع أكثر جيوش الشرق الأوسط تطوراً، مدعوماً بعتاد وأسلحة غربية متطورة، في مواجهة أكثر الجهات الفاعلة غير الحكومية تسليحًا في العالم. كما أن قدرات كل من إسرائيل وحزب الله المدعوم من إيران قد تطورت منذ الصراع الأخير قبل 18 سنة، مما يهدد بجعل الصراع القادم، الذي قد يستقطب أطرافًا أخرى، أكثر تدميرًا.
قالت سانام فاكيل، رئيسة برنامج الشرق الأوسط في مركز تشاتام هاوس للأبحاث: “لقد تغيرت الديناميكيات منذ سنة 2006. وما قد يجعل الأمر أسوأ هذه المرة هو أن الحرب اليوم لن تكون صراعًا بين إسرائيل وحزب الله فقط”، إذ أن أعضاء آخرين من “محور المقاومة” الذي تقوده إيران سينخرطون في الصراع.
وأضافت أن هذه المجموعة التي تضم المتمردين الحوثيين في اليمن والميليشيات في العراق وسوريا، بالإضافة إلى حماس “تعمل وتنسق بطريقة عابرة للحدود، مما يعني أن الحرب لن تقتصر على جغرافيا محددة وستمتد لتؤثر على الشرق الأوسط الأوسع”.
تعد إسرائيل من بين أفضل جيوش العالم تسليحًا، بما يتناسب مع معايير حلف الناتو، وهي تمتلك أسلحة أمريكية الصنع مثل مقاتلات إف-35، بالإضافة إلى دفاعات جوية من الطراز الأول ومعدات أخرى جديدة. كما أنها طورت صناعة أسلحة محلية متطورة تنتج دباباتها ومدرعاتها ودفاعاتها الجوية وصواريخها وطائراتها المسيرة.
لكن حزب الله الذي يتخذ من لبنان مقرًّا له، والذي يقدر المحللون عدد مقاتليه بما يتراوح بين 20 إلى 40 ألف مقاتل، يمثل أيضاً قوة أكبر مما كان عليه في سنة 2006، فهو يمتلك الآن ترسانة أكثر ضخامة وتطورًا بكثير تشمل الصواريخ والطائرات المسيرة – معظمها من إيران- ليشكل قوة قتالية تفوق بشكل كبير قوة حماس، الجماعة المسلحة التي تقاتلها إسرائيل في غزة منذ 10 أشهر.
ويقدر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومقره الولايات المتحدة أن حزب الله لديه ما بين 120 و200 ألف قذيفة، بما في ذلك صواريخ موجهة بدقة وطائرات مسيرة مسلحة بالإضافة إلى صواريخ مضادة للدبابات ومضادة للطائرات.
كما أن حزب الله قادر الآن على توجيه ضربات في جميع أنحاء إسرائيل ومعايرة الأهداف الإستراتيجية بدقة، مما يعني أنه لن تكون أي بلدة أو مدينة آمنة.
استمر حزب الله في شنّ وابل من الهجمات ضد إسرائيل منذ هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر الذي أشعل الحرب الإسرائيلية على غزة؛ حيث يتبادل الطرفان الهجمات شبه اليومية.
وأرسل الحزب طائرات استطلاع مسيرة إلى عمق إسرائيل، واخترقت الدفاعات الجوية المتطورة في البلاد والتقطت صور لمواقع عسكرية، كما استخدم حزب الله صاروخ أرض-جو إيراني الصنع للمرة الأولى في حزيران/يونيو، مما أجبر المقاتلات الإسرائيلية على التراجع.
وقال قاسم قصير، وهو محلل لبناني مقرب من حزب الله، إن الحزب نشر حوالي 5000 صاروخ من مخزونه منذ تشرين الأول/أكتوبر مع الاحتفاظ بالعديد من قذائفه الأكثر تطوراً في الاحتياط، بما في ذلك الأسلحة ذات المدى الأطول، وقدر أن الحزب لم يستخدم سوى 10 بالمائة من قدراته العسكرية واللوجستية والبشرية خلال تلك الفترة.
ويحافظ حزب الله على “غموض إستراتيجي” بشأن ترسانته، لكنه يدعي أن لديه نحو 100 ألف مقاتل، كما أن قواته لديها خبرة في ميدان المعركة بعد أن تم نشرها إلى جانب القوات الروسية والإيرانية كجزء من الحرب الأهلية السورية التي اندلعت في سنة 2011.
تقدم إسرائيل نفسها أيضًا بشكل مختلف عن سنة 2006، بتكنولوجيا جديدة وعزيمة أكبر تصلبت بسبب ضراوة هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر، وحذّر قادة إسرائيل من أنه في حال اندلاع حرب شاملة، فإن عملياتها العسكرية ستكون أشد وأعمق بكثير مما كانت عليه في 2006، مع ما يترتب على ذلك من عواقب مدمرة على لبنان.
تعد إسرائيل أكبر متلقٍ للمساعدات الخارجية الأمريكية في العالم، ويأتي معظمها على شكل مساعدات عسكرية؛ حيث إن التزام الولايات المتحدة طويل الأمد بالحفاظ على ما تصفه بـ”التفوق العسكري النوعي” لإسرائيل، يضمن أن تتمتع الدولة اليهودية بميزة تكنولوجية على جيرانها.
وهذا يعني أن لديها إمكانية الوصول إلى الأسلحة الأمريكية الأكثر تطورًا، بما في ذلك الطائرات المقاتلة إف-35، وقد قدمت واشنطن ما لا يقل عن 12.5 مليار دولار من المساعدات العسكرية منذ هجوم 7 تشرين الأول/أكتوبر.
كما أن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تمتلك أسلحة نووية، على الرغم من أنها لا تعترف علناً بهذه الحقيقة.
وتمكنت إسرائيل في السنوات الأخيرة من استخدام قوتها الجوية المتفوقة وشبكتها الاستخباراتية لشن مئات الضربات ضد حزب الله والأهداف التابعة لإيران في سوريا المجاورة.
وقتلت أكثر من 350 مقاتلًا من حزب الله منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر – وهو عدد أكبر من عدد القتلى في حرب 2006 – وشنت ضربات على إيران وسوريا واليمن.
وعلى الرغم من ذلك، يقول المحللون إنها ستواجه تهديدات وتحديات متعددة إذا شنت هجومًا بريًا على لبنان.
وقال سيث جونز، نائب الرئيس الأول في مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية: “الجيش الإسرائيلي متطور تكنولوجيًا، والسؤال هو: ما نوع الحرب التي نتحدث عنها؟ إذا ما تحركت القوات البرية الإسرائيلية إلى جنوب لبنان”. مضيفًا: “فهذه قصة مختلفة، لأن حزب الله على أرض يعرفها جيدًا، ويخوض حربًا دفاعية”.
وستواجه إسرائيل أيضًا خطر انهيار دفاعاتها الجوية التي تتباهى بها كثيرًا، والتي تعتبر الأفضل في المنطقة بما في ذلك نظام القبة الحديدية.
سيتفاقم هذا التهديد إذا ما تدخلت إيران وأعضاء محور المقاومة لدعم “حزب الله” من خلال شن هجماتهم الخاصة من جبهات مختلفة. فالحوثيون، على سبيل المثال، أطلقوا عدة صواريخ وطائرات مسيرة على إسرائيل منذ تشرين الأول/ أكتوبر، بما في ذلك صاروخ الشهر الماضي الذي أسفر عن مقتل إسرائيلي في تل أبيب.
إذن، حتى مع تفوقها التكنولوجي، ستكون إسرائيل عرضة للخطر. وقال جونز إنه في حالة نشوب حرب شاملة، فإن جيشها “سيكون قادرًا على حماية بعض المواقع المحددة جدًا، ولكن ليس أجزاء من تل أبيب على سبيل المثال”.
وقال إميل هوكايم، الزميل الأقدم لأمن الشرق الأوسط في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إن “حزب الله أطلق في سنة 2006 ما معدله 124 صاروخًا في اليوم لمدة 34 يومًا”. وأوضح أنه “في هذه المرة، ووفقًا للمخابرات الغربية والمحللين الإسرائيليين، فإن حزب الله قادر على إطلاق ما يصل إلى 3000 صاروخ يومياً لمدة 10 أيام، وربما أكثر من ذلك”.
حتى الجيش الإسرائيلي يعترف بأن حزب الله لديه القدرة على إطلاق آلاف القذائف يوميًا.
لكن أحد التحديات التي يواجهها حزب الله هو حماية منصات إطلاق الصواريخ، وهي ثابتة نسبيًا ويجب أن تكون على سطح الأرض لإطلاقها، في الوقت الذي تحلق فيه الطائرات الإسرائيلية فوقها.
وقال ثلاثة أشخاص مطلعين على عمليات الحزب إن معدل الإصابات المرتفع نسبيًا في صفوف مقاتلي حزب الله منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر يرجع جزئيًا إلى قدرة إسرائيل على استهداف موقع الإطلاق بعد ثوانٍ من إطلاق الصاروخ.
كما أن حزب الله لم يظهر قدرة على إسقاط المقاتلات الإسرائيلية، رغم أنه أسقط عدة طائرات مسيرة خلال الأشهر القليلة الماضية، بما في ذلك طائرة “هيرمس 900” الإسرائيلية.
وقال ماثيو سافيل، مدير الأبحاث في مركز الأبحاث “روسي”، وهو مركز أبحاث مقره لندن، إن إسرائيل قللت من شأن حزب الله في سنة 2006، سواء من حيث احترافية الحركة أو قدراتها.
وقال سافيل: “ما كان لديهم في سنة 2006 كان تكتيكات جيدة، ومعرفة بالأرض والكثير من الأسلحة المضادة للدبابات، لذا كانوا قادرين على مفاجأة المدرعات الإسرائيلية. ويبدو أنه من غير المحتمل أن يكون الإسرائيليون غير مستعدين هذه المرة.”
ليس حزب الله وحده من يجب على إسرائيل أن تقلق بشأنه، فقد تعهدت إيران بالانتقام من إسرائيل لاغتيالها المشتبه به للزعيم السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في طهران يوم الأربعاء.
وكانت إيران وإسرائيل قد تبادلتا الضربات الصاروخية والهجمات بالطائرات المسيرة في نيسان/ أبريل، بعد أن شنت الجمهورية الإسلامية أول هجوم مباشر على إسرائيل من الأراضي الإيرانية انتقامًا لمقتل عدد من قادتها العسكريين في سوريا، لكن الردود اعتبرت “محسوبة” لتجنب المزيد من التصعيد.
ونظرًا إلى المسافة الجغرافية بين إسرائيل وإيران، فإن أي معركة مباشرة بين الخصمين ستكون في الأساس حربًا جوية.
وتفتقر إيران، التي تخضع لعقوبات شديدة، إلى الأسلحة التقليدية اللازمة لتحدي إسرائيل؛ حيث لا تملك سوى القليل من الطائرات، باستثناء عدد قليل من الطائرات القديمة التي حصلت عليها قبل الثورة الإسلامية سنة 1979، ولكنها لم تتمكن من صيانتها.
ومع ذلك، فقد قامت ببناء قدرات صاروخية وطائرات مسيرة محلية متطورة بشكل متزايد، وتعتمد على الحرب غير المتكافئة، وتحشد وكلاءها الإقليميين وقوات الحرس الثوري التي يبلغ قوامها 120 ألف فرد.
ووفقًا لمركز الدراسات الإستراتيجية والدولية، تمتلك إيران “أكبر ترسانة صاروخية وأكثرها تنوعًا في الشرق الأوسط” تتألف من آلاف الصواريخ الباليستية وصواريخ كروز، وبعضها قادر على ضرب إسرائيل وحتى جنوب شرق أوروبا.
وقد أصرت إسرائيل هذا الأسبوع على أن “أنظمتها الدفاعية جيدة جداً”، مضيفةً أن لديها “شركاء دوليين زادوا من قواتهم في المنطقة لمساعدتنا في مواجهة التهديدات”.
وقال الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الخميس بعد مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن واشنطن تعيد نشر قواتها في الشرق الأوسط كجزء من الجهود المبذولة لحماية إسرائيل من أي هجوم من قبل إيران أو وكلائها.
ولكن مع ارتفاع حدة التوترات وتزايد مخاطر خروج الصراع عن السيطرة مع كل حادثة، فإن جميع الأطراف تخاطر بدفع ثمن باهظ.
وقال سافيل: “المشكلة بالنسبة للولايات المتحدة وغيرها هي أنه لا تزال هناك قوات ضعيفة منتشرة في الشرق الأوسط. والأمر كله يتعلق بالمخاطر التي يكون الناس على استعداد لتحملها.”
المصدر: فاينانشال تايمز