لم يكد يلتئم الجرح العربي الغائر على أعتاب القدس جراء الاعتراف الأمريكي بها عاصمة لدولة الاحتلال ونقل سفارتها إليها قبل أيام، غير أن العرب من المحتمل أن يكونوا على موعد قريب مع جرح جديد في جزء آخر من الجسد المهلهل على الخريطة الممزقة، ليواصل الدم العربي نزيفه المستمر دون حقن.
بالأمس أعلن وزير الاستخبارات في حكومة الاحتلال الإسرائيلي يسرائيل كاتس أن بلاده تضغط على إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، للاعتراف بسيادتها على هضبة الجولان المحتلة، كاشفًا أن القرار قيد التداول حاليًّا على أعلى المستويات داخل الإدارة الأمريكية، وتوقع إقراره خلال أشهر.
الوزير في مقابلة له مع “رويترز” وصف الإقرار بسيطرة “إسرائيل” على الجولان والقائمة منذ 51 عامًا باعتباره الاقتراح الذي يتصدر جدول الأعمال حاليًّا في المحادثات الدبلوماسية مع الولايات المتحدة.. فهل تذهب الجولان كما ذهبت القدس؟ وما التحديات التي من الممكن أن تعرقل مثل هذه الخطوة؟
الوقت المثالي
“هذا هو الوقت المثالي للإقدام على مثل هذه الخطوة، الرد الأشد إيلامًا الذي يمكن توجيهه للإيرانيين هو الاعتراف بسيادة “إسرائيل” على الجولان ببيان أمريكي، إعلان رئاسي، منصوص عليه (في القانون)”، هكذا علق كاتس على إمكانية تنفيذ المقترح الخاص بالجولان في هذا التوقيت، واصفًا إياه بأنه جزء محتمل من نهج لإدارة ترامب يقوم على مواجهة ما يُنظر إليه على أنه توسع إقليمي وعدوان من جانب إيران العدو اللدود لـ”إسرائيل”.
وأضاف في مقابلته أن الرسالة إلى طهران ستكون “أنتم تريدون تدمير “إسرائيل” حليفة الولايات المتحدة، وإثارة هجمات (ضدها)؟ فانظروا، لقد حدث العكس تمامًا”، مسترجعًا طرح هذا المقترح لأول مرة خلال اجتماع رئيس حكومة الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض مع ترامب في فبراير/شباط 2017، وتابع: “أعتقد أن هناك فرصة عظيمة مواتية واحتمالًا كبيرًا لحدوث هذا”.
ولم يصدر بعد تعليق من البيت الأبيض على تصريحات كاتس، غير أنه من الواضح أن التوجه الإسرائيلي نحو ضم الجولان لم يكن مقترحًا إسرائيليًا فحسب، فالعديد من الأصوات الأمريكية الداعمة للصهيونية العالمية تعزف بدورها على هذا الوتر وبشدة خلال الفترة الماضية، على رأسها عضو مجلس النواب الأمريكي رون ديسانتيس.
ديسانتيس الذي بات يعرف في الأوساط الإسرائيلية بـ”عراب نقل السفارة الأمريكية” يسعى وبقوة إلى إقرار إعلان بروتوكولي يزعم كون هضبة الجولان السورية المحتلة جزءًا من دولة الاحتلال الإسرائيلي، عبر عن ذلك خلال مشاركته في حفل نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى مدينة القدس المحتلة الإثنين الماضي.
“بعد عودتي إلى واشنطن وضعت أمام لجنة الشؤون الخارجية (أحد أعضائها) في مجلس النواب الخميس الماضي مشروع إعلان بروتوكولي للاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان”، ويتوقع أن يلقى دعمًا كبيرًا في الكونغرس، وتابع “كان يجب فعل ذلك (نقل السفارة)، لأنه جيد للولايات المتحدة ولـ”إسرائيل”، هكذا قال المسؤول الأمريكي حسبما نقلت عنه بعض المواقع العبرية.
سلبية الموقف الروسي حيال نقل السفارة الأمريكية للقدس، دفع البعض إلى الحديث عن سيناريو مكرر حال الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، وهو ما قوبل باعتراض من آخرين
وردًا على سؤال عما إذا كان مثل هذا القرار قد يتخذ هذا العام قال: “نعم، في بضعة أشهر قد تزيد أو تنقص قليلًا”، مضيفًا “سألت نفسي عن الخطوة المقبلة وفي ظل الحرب الأهلية بسوريا وتوسع النفوذ الإيراني فيها خاصة قرب بوابة “إسرائيل” الشمالية، فقد آن الأوان للوقوف بجانب “إسرائيل” والاعتراف بسيادتها على الجولان”، مردفًا “لا يجب الضغط على “إسرائيل” في أي سيناريو مستقبلي للتنازل عن الجولان لرئيس النظام السوري بشار الأسد أو لإيران، نظرًا لأهميتها الإستراتيجية”.
يذكر أنه منذ حرب يونيو 1967 تحتل “إسرائيل” نحو 1200 كيلومتر مربع من هضبة الجولان السورية وأعلنت ضمها إليها في 1981، في حين لا تزال نحو 510 كيلومترات مربعة تحت السيادة السورية، وتعتبر الهضبة حسب القانون الدولي أرضًا محتلة، ويسري عليها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 242 لعام 1967 الذي ينص على ضرورة انسحاب “إسرائيل” من الأراضي التي احتلتها.
ولطالما ألمحت تل أبيب إلى استعدادها التنازل عن الجولان وإعادتها للسيادة السورية في مقابل عقد اتفاق سلام معها، وهو المقترح الذي فشلت مساراته التفاوضية عام 2000، إلا أن وضعية الحرب في سوريا الآن وتوغل النفوذ الإيراني الداعم لنظام الأسد دفع الجانب الإسرائيلي إلى إعادة النظر في مقترحه القديم مفضلًا – بحسب البعض – الاحتفاظ بالهضبة الإستراتيجية كورقة ضغط يمكن استخدامها عند الضرورة.
نقل السفارة الأمريكية للقدس ربما يفتح الباب أمام خطوات أخرى
فرصة تاريخية
الوزير الإسرائيلي برر التفكير في الإقدام على هذه الخطوة بأنها ربما تكون فرصة تاريخية تدفع الفلسطينيين لاستئناف محادثات السلام، وإعادة فتح باب التواصل مع الإدارة الأمريكية كوسيط في العملية السلمية، بعد مقاطعة السلطة الفلسطينية لإدارة ترامب منذ إعلانها نقل سافرتها من تل أبيب إلى القدس ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وأضاف “عليهم أن يسارعوا ويجلسوا مع “إسرائيل”، لأنه حيثما تقول “إسرائيل” إنها عازمة على أن تكون فسوف تكون ولن تتراجع، والتاريخ في صالحنا”، مستغلًا حالة الوهن الذي تحياها الأنظمة العربية، ولعل خطوة نقل السفارة الأمريكية للقدس كانت بالونة اختبار حقيقي لمدى قدرة العرب على المواجهة، كشفت وبشكل فاضح انبطاحهم وعجزهم عن اتخاذ أي رد فعل.
لا شك أن “إسرائيل” في هذه الأيام تحيا أفضل حالاتها على الإطلاق، في ظل هرولة عربية غير مسبوقة في التاريخ نحو التطبيع معها، فضلًا عن الدعم الهائل المقدم من إدارة ترامب الساعي وبشكل كبير إلى إنقاذ ما يمكن إنقاذه بشأن مستقبله السياسي المهدد بسبب فضائح الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وذلك عبر مغازلة اللوبي الصهيوني لتقوية جبهته الداخلية حتى لو كان ذلك على حساب العرب والمسلمين.
وزير الاستخبارات الإسرائيلي: “هذا هو الوقت المثالي للإقدام على مثل هذه الخطوة، الرد الأشد إيلامًا الذي يمكن توجيهه للإيرانيين هو الاعتراف بسيادة” إسرائيل” على الجولان ببيان أمريكي، إعلان رئاسي، منصوص عليه (في القانون)”
بين الضغط والابتزاز
يشكل النفوذ الإيراني المتمدد طيلة السنوات الأخيرة في كل من سوريا ولبنان واليمن والعراق تهديدًا صريحًا لتوجهات “إسرائيل” الاستعمارية، هذا بخلاف دعم حركات المقاومة الفلسطينية وعلى رأسها “حماس”، ما جعل من تحجيم هذا الدور وتقليم أظافر طهران إقليميًا هدفًا لساسة دولة الاحتلال.
“إسرائيل” لأجل هذا الغرض مارست ضغوطها – عبر اللوبي الصهيوني – على الولايات المتحدة وإدارة ترامب ما تمخض في نهاية الأمر عن الانسحاب من الاتفاق النووي الموقع في 2015 الذي كان الإنجاز السياسي الأكبر لطهران خلال السنوات الـ10 الأخيرة كبارقة أمل نحو رفع العقوبات المفروضة عليها.
البعض ذهب في تفسيره لتصريحات وزير الاستخبارات في حكومة الاحتلال الإسرائيلي كونها نوعًا من الضغط الممارس على حكومة بشار الأسد، بهدف الخروج من العباءة الإيرانية، وهو ما عبر عنه كاتس بقوله إنه مع دحر الأسد للمعارضة المسلحة، لافتًا إلى أن الفرصة ربما تكون سانحة الآن أمام الأسد وروسيا لإخراج الإيرانيين.
كما اعتبر الوجود الإيراني في سوريا الشاغل الرئيسي لحكومة نتنياهو، متسائلًا “هذه لحظة الحقيقة بالنسبة للأسد، هل يريد أن يكون وكيلًا لإيران أم لا؟”، وتابع : “إذا أصبح وكيلًا لإيران، فهو يدين نفسه عاجلًا أو آجلًا لأن “إسرائيل” تتحرك ضد إيران في سوريا، وإذا لم يفعل ذلك، فقد قلنا دومًا إنه لا مصلحة لنا في التدخل هناك”.
التلويح بالاعتراف الأمريكي بالسيادة الإسرائيلية على الجولان ربما يكون ورقة ضغط قوية ضد نظام الأسد لدفعه لإخراج الميليشيات الإيرانية من الأراضي السورية، خاصة أن هذه الخطوة ربما لا تلقى اعتراضًا من موسكو خاصة أن إرهاصات إخراج إيران من المشهد السوري بدأت تلوح في الأفق رويدًا رويدًا في ظل حديث عن صفقة أمريكية روسية إسرائيلية.
الوزير الإسرائيلي قلق من حدوث أي توتر بين موسكو وواشنطن حال اتخذ القرار
ماذا عن روسيا؟
آخرون ذهبوا إلى تراجع احتمالات إقدام الولايات المتحدة على هذه الخطوة في الوقت الراهن، خشية دفع العلاقات مع روسيا إلى مزيد من التوتر، خاصة أنه لطالما أصرت موسكو حليفة دمشق على ضرورة الحفاظ على وحدة أراضي سوريا، وهو موقف يستلزم ضمنًا إعادة الجزء الذي تحتله “إسرائيل” من الجولان في نهاية الأمر.
سلبية الموقف الروسي حيال نقل السفارة الأمريكية للقدس، دفع البعض إلى الحديث عن سيناريو مكرر حال الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، وهو ما قوبل باعتراض من آخرين ممن أشاروا إلى فارق كبير في الحالتين، فالأولى لم تكن روسيا طرفًا في العملية من الأساس، حيث الخلاف عربي – إسرائيلي أو بالأحرى فلسطيني – إسرائيلي، أما في الثانية فموسكو حليفة للأسد وأي تعرض لجزء من الأراضي السورية للخطر فهو بمثابة استهداف للروس كذلك الذين باتوا طرفًا في الأزمة منذ دخولهم العسكري في سوريا قبل 3 أعوام.
التلويح بالاعتراف الأمريكي بالسيادة الإسرائيلية على الجولان ربما يكون ورقة ضغط قوية ضد نظام الأسد لدفعه لإخراج المليشيات الإيرانية من الأراضي السورية، خاصة أن هذه الخطوة ربما لا تلقى اعتراضًا من موسكو
رد الفعل الروسي لم يشغل بال كاتس الذي قال في مقابلته إن روسيا سترد على اعتراف الولايات المتحدة بالسيادة الإسرائيلية على الجولان بإعلان أنهم لن يفعلوا نفس الشيء وأنهم ليسوا مضطرين لدعمه، مستدركًا “لكن في حقيقة الأمر، من وجهة نظرهم، إذا أعطت “إسرائيل” شيئًا في السياق السوري الأوسع، فماذ يضيرهم؟ بقاء الأسد أهم بالنسبة لهم، لأن سوريا ضعيفة للغاية.. إنهم يريدون عملية إعادة ترتيب جديدة وشاملة”.
كما قلل من احتمالية حدوث توتر في العلاقات بين موسكو وواشنطن المتفقتين بشكل كبير بشأن توزيع الأدوار على الخارطة السورية، واصفًا الاعتراف الأمريكي المقترح بسيادة “إسرائيل” على الجولان بأنه جزء من صورة فسيفسائية أكبر لسوريا.
أما عن موقف العرب فلا يعول عليه أحد، حتى الإسرائيليين أنفسهم، فعجزهم عن الدفاع عن القدس – بما لها من مكانة دينية وسياسية – والفشل في اتخاذ موقف رسمي يحفظ ماء وجههم ربما يغري تل أبيب وحلفاءها لاتخاذ العديد من الخطوات الجديدة التي تستهدف الكرامة العربية، ولعل موقف الجامعة العربية بالأمس الذي علق العمل مع غواتيمالا ردًا على نقل سفارتها في “إسرائيل” من تل أبيب إلى القدس في الوقت الذي لا يزالون يعتبرون فيه ترامب راعيًا لعملية السلام يحمل بين طياته رسائل عدة، تميط اللثام عن خريطة التحركات العربية مستقبلًا.