على غير العادة، وفي بيان مفاجئ أحدث جدلاً لدى أوساط واسعة من التونسيين، أقر المدير التنفيذي لحركة نداء تونس حافظ قائد السبسي (نجل الرئيس الباجي قائد السبسي)، فشل حزبهم في قيادة البلاد طيلة السنوات الـ3 الماضية، ليس هذا فحسب بل مؤكدًا عدم تحقيقهم لأي إنجاز يذكر طيلة هذه الفترة من حكم تونس رغم سيطرتهم على الإدارة والحكومة والبرلمان ورئاسة الجمهورية.
إقرار ضمني بالفشل
نجل السبسي قال في بيان له أمس الأربعاء، في سياق حديثه عن دواعي تغير حكومة يوسف الشاهد، إن حكومة هذا الأخير التي يرأسها قيادي في الحزب ومعظم أعضائها من نداء تونس، كانت سببًا في تدهور المقدرة الشرائية للشعب التونسي والانهيار المريع لكل المؤشرات الاقتصادية وانهيار قيمة الدينار، فضلاً عن كونها السبب في الأزمة المالية العمومية التي تشهدها تونس، والتداين من أجل خلاص الأجور، وانهيار احتياطي الدولة من العملة الصعبة بشكل غير مسبوق في تاريخ البلاد.
المدير التنفيذي لحركة نداء تونس قال أيضًا إن حكومة يوسف الشاهد التي تسملت مهام عملها في أغسطس 2016، تطبيقًا لوثيقة قرطاج التي أطلقها الرئيس التونسي باجي قائد السبسي ودعمتها منظمات وطنية في مقدمتها الاتحاد العام التونسي للشغل، عجزت عن إنجاز أي إصلاح وحيد يذكر، إلى جانب عدم امتلاكها أي رؤية للإصلاح الاقتصادي، كما أنها تلاعبت بالعلاقة مع الأطراف الاجتماعية الفاعلة من المسايرة السلبية إلى التوتر والصدام.
وتساءل السبسي كذلك عن شبح الإفلاس المهدد للصناديق الاجتماعية دون إعداد ولو شبه خطة للإنقاذ من حكومة الشاهد، وعن تثبيت تونس على القوائم السوداء كما لم يحصل أبدًا في تاريخها، مشددًا على عدم إحراز حكومة يوسف الشاهد أي إنجاز يبقي عليه من باب إرساء الاستقرار الحكومي، مضيفًا “يعلم الجميع أن مفهوم الاستقرار في كل الديمقراطيات يتعلق بالمؤسسات وليس بالأشخاص”.
إبعاد المسؤولية عن “النداء”
كلام السبسي الابن الهدف منه إبعاد المسؤولية عن حركة نداء تونس، وإقناع التونسيين بوجهة نظرهم القاضية بضرورة تغيير الحكومة حتى يتسنى لهم حكم تونس بالطريقة التي يريدون، وذلك لتحقيق ما ينتظره شعب تونس الذي انتخبهم نهاية سنة 2014، وفقًا لبعض قيادات الحزب.
وتعتبر هذه المرة الأولى التي يعلن فيها مدير حزب “نداء تونس” حافظ قائد السبسي موقفه من بقاء الشاهد أو عدمه، فقد كان متخفيًا بمواقف “اتحاد الشغل” العلنية، ويدفع السبسي الابن مع قيادة اتحاد الشغل نحو إيجاد ربان جديد لرئاسة الحكومة المنبثقة عن وثيقة قرطاج (2)، على أن تكون شخصية ندائية تلتزم بعدم الترشح للانتخابات المقبلة في العام 2019، وتحظى بثقة المدير التنفيذي لحزب نداء تونس.
ولا يهم حافظ السبسي كم سيكون عمر الحكومة القادمة المهم تغيير الشاهد، يذكر أن مدة هذه الحكومة المرتقبة لن تتجاوز العام ونصف العام، وذلك قبل الانتخابات البرلمانية في أكتوبر/تشرين الأول 2019، بما يجعل التشكيل الحكومي المقبل أقرب لحكومة تصريف أعمال أكثر منها حكومة إصلاحات كبرى.
هذا الإقرار جاء بعد أيام قليلة من هزيمة نداء تونس في الانتخابات المحلية التي عرفتها تونس في الـ6 من مايو/أيار الحاليّ
ومنذ شهرين انطلقت المشاورات بين الأطراف السياسية في شأن الأولويات الاقتصادية والاجتماعية للبلاد ومصير حكومة يوسف الشاهد، في ظل تدهور الوضع السياسي والاقتصادي مع فترة من عدم الاستقرار بسبب عودة الاحتجاجات الاجتماعية في مناطق إنتاج الفوسفات والبترول، وتعطل مسار إصلاح الاقتصاد المتردي.
وشهد اجتماع الأحزاب والمنظمات الموقعة على وثيقة قرطاج، الثلاثاء، مطالبة حزبي “نداء تونس” و”الوطني الحر” والاتحاد العام التونسي للشغل (المركزية النقابية)، بضرورة إقالة حكومة الشاهد، في حين يواجه هذا التوجه رفض كل من حركة النهضة الإسلامية وحزب المبادرة واتحاد أرباب العمل واتحاد الفلاحين.
وتوافق ممثلو الأحزاب السياسية والمنظمات الاجتماعية (3 منظمات اجتماعية و6 أحزاب بينها النهضة ونداء تونس) على مشروع اتفاق يتضمن 100 نقطة في شأن البرنامج الاقتصادي والاجتماعي والسياسي مع وضع آليات لتنفيذه، خصوصًا أن الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد مهدد بمزيد من التدهور، والاحتجاجات ما زالت متواصلة في محافظات عدة.
يسعى نجل السبسي إلى تحميل الشاهد مسؤولية فشلهم في الحكم
ويرجع محللون سبب ما آلت إليه أوضاع البلاد إلى الفشل الكبير الذي أظهرته المؤسسات الحاكمة على جميع المستويات، ذلك أن نداء تونس الذي يتزعم الائتلاف الحاكم في البلاد المسؤول المباشر عن تأزم الوضع في تونس، وهو الذي أوصل البلاد إلى الحال التي تعرفها الآن نتيجة سوء تصرفه وتوجهه إلى الصراعات السياسية عوض الاهتمام بوضع البلاد.
ويؤكد خبراء أن تشكيل حكومة جديدة في تونس يمثل إقرارًا بفشل نداء تونس في تحقيق ما انتخب من أجله، ويؤكدون أن مصير الحكومة القادمة إن تشكلت سيكون نفس مصير الحكومات التي سبقتها إن لم يقع تشخيص كامل للوضع التونسي وإشراك جميع الأطراف في البحث عن الحلول الكفيلة لتجاوز الأزمة التي تعرفها البلاد.
مسؤولية الهزيمة في الانتخابات المحلية
هذا الإقرار جاء بعد أيام قليلة من هزيمة نداء تونس في الانتخابات المحلية التي عرفتها تونس في الـ6 من مايو/أيار الحاليّ، ويسعى السبسي الابن من خلال هذا الكلام إلى القول بإنه لا دخل لحزبه في فشل حكومة الشاهد رغم كون غالبية أعضائها تنتمي إلى حزبه.
وتصدّرت حركة النهضة الإسلامية الانتخابات المحلية الأخيرة، حيث حصلت على نسبة 29.6% بواقع 2135 مقعدًا، في حين حل حزب “نداء تونس” في المرتبة الثانية بـ22.7% من الأصوات، وذلك بعد أن حصل على 1595 مقعدًا.
وحل حزب النهضة الإسلامي في المرتبة الأولى في العاصمة التونسية وعدد من المدن الكبرى، على غرار صفاقس (جنوب) وهي القطب الاقتصادي الأول للبلاد، وفي بنزرت (شمال) وقفصة (وسط غرب) وقابس (جنوب) والقيروان (وسط).
وحمّلت قيادات النداء يوسف الشاهد ومجموع الوزراء الندائيين الذين شاركوا بكثافة في الحملات الانتخابية مسؤولية هذه الهزيمة، حيث كشف القيادي في حزب نداء تونس وسام السعيدي في مداخلة على قناة التاسعة أن سبب تراجع نتائج نداء تونس هو بعض القرارات الحكومية غير الصائبة على غرار رفع سعر المحروقات قبل شهر من الانتخابات البلدية، وأضاف السعيدي “ليس هنالك حكومة في العالم ترفع الأسعار قبل الانتخابات وتريد الانتصار إلا في تونس”.
ضحية رغبته منافسة الرئيس ونجله
يرى العديد من المتابعين للشأن العام في تونس أن رئيس الحكومة يوسف الشاهد يدفع ثمن تمرده على السبسي الذي رشحه على رأس الحكومة، وثمن طموحه السياسي غير المعلن في الترشح للانتخابات الرئاسية، رغم تراجعه عن ذلك وإعلانه دعم السبسي في حال قرر الترشح خلال انتخابات 2019.
ورغم نفيه المتكرر لهذا الأمر، يؤكد مقربون من الشاهد – الذي بدأ حياته السياسية مع الحزب الجمهوري (وسط) قبل أن ينتقل لحركة نداء تونس سنة 2012 كعضو في مكتبه التنفيذي، ويكلف برئاسة لجنة التوافق التي أسسها رئيس الجمهورية خلال الأزمة التي عصفت بحزبه “نداء تونس” أواخر سنة 2015 – سعيه إلى تعبيد الطريق لقصر قرطاج، والترشح خلفًا للرئيس الحاليّ الباجي قائد السبسي لشغل منصب الرئاسة.
السبسي الابن بات يخشى عن الإرث الذي ينافسه عليه الشاهد بما هو ابن للنداء أولاً ورئيس للحكومة ثانيًا
ويرى حافظ السبسي أن الشاهد سيكون – في حال مواصلة ترأسه للحكومة – منافسًا جديًا له في قادم المحطات التي تخص الحزب وتونس، ذلك أن الشاهد استطاع بمجرد إعلان حربه على الفساد صيف السنة الماضية، أن يستقطب شقًا واسعًا من النواب وأنصار النداء، وهو ما زاد في تعميق الهوة بينه وبين حافظ ومجموعته.
ويدرك الندائيون القريبون من دائرة الفعل أن دخول الشاهد في منافسة حافظ قائد السبسي على رئاسة الحزب ستؤول لرئيس الحكومة، وهو ما يستدعي تأخير وتأجيل أي حديث عن المؤتمر الأول للنداء إلى حين إبعاد الشاهد من رئاسة الحكومة وهو الرهان الأبرز في هذه الفترة، فالسبسي الابن بعد أن بات يخشى على الإرث الذي ينافسه عليه الشاهد بما هو ابن للنداء أولاً ورئيس للحكومة ثانيًا.
ولا تكاد تمر سنة دون أن تتشكل حكومة جديدة في تونس، فخلال الـ7 سنوات الماضية شهدت البلاد تشكيل 9 حكومات متتالية على يد 7 رؤساء حكومة، لم يدم مكوث أطولها مدة في القصبة أكثر من سنة ونصف، وكل حكومة تشهد بدورها أكثر من تعديل وزاري، حتى إن بعض الوزراء لم يتمكنوا من معرفة أروقة وزاراتهم.