لماذا تعاطف الإسلاميون ضد حبس “وائل عباس” أحد أشد معارضيهم؟

2686109f18ad5812300bda27b8515af353de97f6

ضجة كبرى أثارتها عملية اعتقال الناشط وائل عباس، أحد أوائل المدونيين المحترفين في مصر وأكثرهم صدامًا مع السلطة، بل ربما الطريقة الخشنة التي كان يتبعها عباس في نقده للنظام وأدواته، يمكن اعتبارها الإطار التأسيسي لثقافة أجيال لاحقة من المدونيين الذين قلدوه في التعامل العنيف خلال نقدهم السياسي والاجتماعي لكل خطأ يرونه، إلا أن الجدل الأكثر إثارة كان تحمس الكثير من مشاهير نشطاء الإسلاميين للدفاع عن واحد من أشد المعارضين للتيار الإسلامي في مصر. 

وساهم نشطاء من مرجعيات مختلفة، سواء إخوان أم سلفيين أم إسلاميين مستقلين، في ترويج هاشتاغ #وائل_عباس_فين، بعد دقائق من تنبيه كتبه المدون البالغ من العمر 43 عامًا على صفحته في موقع الفيسبوك يقول فيها: “أنا ببتقبض عليا”، لتنقطع بعد هذه الجملة أخباره كليًا.

كان لافتًا تصدي نشطاء الإسلاميين، لمن يخرج منهم عن الالتزام بالمعايير المطلوبة، لإنقاذ الحق في التعبير، بغض النظر عن هوية صاحبه واتفاقه أو اختلافه من التيار الإسلامي، وخاضوا حربًا على جبهات متعددة، لتبصير الصف الإسلامي الذي انقسم مع أو ضد عباس، كما هو حال عموم المصريين وخصوصًا الذين يعرفون وائل عباس جديدًا، أو كانوا من متابعينه على السوشيال ميديا، سواء المعارضين أم المواليين للنظام السياسي الحاليّ.

من وائل عباس؟

عام 2004 دشن الصحفي والناشط وائل عباس مدونة تحمل اسم “الوعي المصري”، وقتها كان القطاع الأكبر من المصريين لا يعلم ماهية التدوين، وحتى مصطلح الإنترنت كان غريبًا، ولم تكن ثقافة استعماله منتشرة كما هي في الوقت الحاليّ، لذلك حصل على جوائر دولية متعددة لتميزه في مجال التدوين، وعلى رأس هذه الجوائز اختياره ضمن أهم 100 شخصية في العالم العربي، بجانب تزكيته من “بي بي سي” كأكثر شخصية تأثيرًا في العالم العربي عام 2006، كما اختارته “سي إن إن” شخصية العام في 2007.

اختار عباس انتقاد الشرطة، متجاوزًا كل الخطوط الحمراء، وعبر كلمات عنيفة حادة، تعود على التجريح في السلطة لإجبارها على تغيير علاقتها مع المعتقلين، إلى جانب كشفه بعض جوانب الفساد السياسي والمالي المستشري في البلاد، ليبدأ بتلك الموضوعات التي كانت كفيلة بإرساله خلف “الشمس” عناوين تدويناته. بعد أعوام قليلة، ومع تنامي الغضب ضد نظام مبارك، كانت مدونة وائل عباس المعروفة باسم الوعي المصري، محطة أساسية لمن يريد تنمية سخطه على الحكم.

كان الناشط المصري لديه نهم في نشر فيديوهات عن الآفات الاجتماعية التي تهين كرامة المجتمع المصري، بداية من زلات السياسة وانتهاءً بالتحرش، ومع تنامي شعبية وسائل التواصل الاجتماعي وظهور ابتكارات غير مسبوقة للسيطرة على العقل الجمعي الجامح في الفضاء، ابتدعت الكثير من التيارات، فكرة اللجان الإلكترونية، وتطور الأمر إلى تطويع قراصنة لقنص حسابات المعارضين، وكان وائل من أوائل النشطاء الذين تعرضت حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر، للقرصنة عدة مرات، في محاولة لترهيبه ووقفه عن النشر.

عباس والإسلاميون.. مبادئ واحدة رغم اختلاف المنهج والطريق

كان عباس يرى أن فرصة إقامة علاقة مع الإسلاميين استنفدها عن آخرها، فرغم رفضه للسيناريو الذي انتهت إليه أحداث 30 يونيو 2013، حذر من التحالف مع التيار الإسلامي مجددًا والإخوان بشكل خاص، خصوصًا الكيانات التي تشكلت حديثًا، لاسترداد أهداف ثورة يناير، وذلك بناء على سلسلة طويلة من التجارب التي خُذل فيها ومعه التيار المدني.

بناءً على ذلك، كان يحذر الشباب من قراءة كتب التاريخ المؤلفة من ناصريين أو إسلاميين، معتبرًا أن الأول يستطيع أن يحول الهزيمة إلى نصر والعكس، أما الثاني فهو “مأفوراتي بيكتب على مزاجه”، بحسب نص تصريحات الناشط التي نشرتها الصحف قبل أعوام من الآن .


سر علاقة وائل عباس بالإخوان والإسلاميين

هل يؤسس اعتقال وائل عباس علاقة جديدة بين النشطاء والإسلاميين؟

طوال أمس، كانت لافتًا للنظر، شيوع بعض حالات الشماتة من الإسلاميين في اعتقال المدون المعادي للجماعة والإسلاميين بشكل عام، وسريعًا انتشرت التعليقات التي تتهكم عليه من بعض أبناء التيار الإسلامي، بسبب التعليقات شديدة التجريح التي كان يكتبها وائل عباس في حقهم، مع أنه كان على رأس المتضامنين معهم وهاجم بشراسة عملية فض اعتصامي رابعة والنهضة.

مع شيوع هذه الحالة التي تنغص على المعتدلين من الإسلاميين أي محاولة للحوار مع الآخر، بدأت عملية تدوين جماعي من مشاهير نشطائهم للدفاع عن وائل عباس، وإبصار الصف بضرورة الاصطفاف الحقيقي المبني على قناعات وليس المناورات، ورفض الانتقاص من حريات أي مواطن، حتى لو كان ذلك الرجل أشهر من يسبهم ليل نهار، على وسائل التواصل الاجتماعي.


على مسؤوليتي مع وائل عباس الصحفي والمدون

انهالت التعليقات الرافضة لاعتقال وائل، وقالت الناشطة السيناوية المحسوبة على التيار الإسلامي منى الزملوط: “مختلفين معاه أرض وسماء ماشي، إنما تستغل غيابه وتشمت فرصه أنه مش موجود واتقبض عليه، وتعمل فرح لأنه وقع في إيد الأمن، كدا مش رجولة ولا جدعنة، عاوز تعمل فيها بطل قومي أعمل بطل في وجهه مش في ضهره، لأن في مصر الاعتقال كأس وكل النشطاء شاربينه”.

فيما قال عبد الرحمن عز، القيادي السابق بحركة حازمون السلفية: التعذيب والقتل بعيدًا عن أي قانون، لا يمكن أن يثق فيه أحد أو ينصف إنسانًا أو يحاكمه بالعدل وبما يرضي الله، حتى وإن رَآه البعض “مجرمًا”.

كما نقل حساب منسوب لشباب ضد الانقلاب التابع لشباب الإخوان بيان الشبكة العربية التي أعلنت فيه اقتحام قوة من الشرطة منزل أسرة المدون وائل عباس، دون إبداء إذن نيابة أو إعلان سباب، واقتاده معصوب العينين وبملابس النوم إلى جهة غير معلومة، وتضامنوا مع الهاشتاغ المطالب بكشف مكان احتجازه.

أما الإعلامي بقناة الشرق الموالية للإخوان هيثم أبو خليل، فانتقد تشفي بعض الإسلاميين في حبس وائل بطريقته، وكتب قائلاً وكأنه يريد إنهاء هذه المسرحية العبثية التي تتكرر كثيرًا: “وائل عباس شخص متدني وقليل الأدب وتحدث بتسفل على شهداء وأسر شهداء، لكن ده بيدخل من وجهة نظري، في إطار الرأي واجتهاد ونظرة قاصرة، وارد إنه سيتم تصويبها مع الوقت بالحوار والنقاش”.

‫وأضاف: “لكن أن نقول عليه إنه ظالم ونشمت فيه مثل المجرمين القتلة، فهذا غير عادل وظلم كبير له، ووائل عباس رغم إنه عامل لي بلوك من سنوات فيس وتوتير، هو حد أخد موقف محترم ضد الظلم وضد العسكر، وده في حد ذاته موقف يجعلني أقاتل من أجل حريته، كلنا أخطاء وبلاوي، بلاش نمسك القلم الأحمر لبعض في أمور ليست جوهرية أوآراء لم تصل للعمل والفعل”.

وتابع: “إنت حتتكلم عن شتائم وائل عباس وتسفله، حد تاني حيذكرك بحاجات مش لطيفة كان فيها دم وإنت عملت نفسك مش واخد بالك، فأحتشموا الله يستركم، وتجمعوا على رفض الظلم ضد من يختلف معكم”.