ربما يكون الصيام بالنسبة لك جزءًا من العبادة الدينية والروحانية التي تقوم بها في شهر رمضان من كل عام دون القلق من القيام بها في الأماكن العامة أو في منزلك، ولا يكون هناك داعٍ للإحراج إذا ما تشاركت وجبة الإفطار أو السحور علنًا مع أصدقائك في الأماكن العامة التي تكون مجهزة بالأساس لاستقبالك في تلك الأوقات في شهر رمضان، إلا أن رمضان لا يمر هكذا على العديد من المسلمين حول العالم، الذين قد يقضون رمضان خوفًا من الخطر والتجريم والترحيل.
تحدثت وزيرة الهجرة الدنماركية إينجر ستويجبرغ قبل بضعة أيام عن “خطر” شهر رمضان على العاملين، حيث أشارت إلى أن الصيام يؤثر على قدرات المسلمين في العمل مما يؤدي إلى نتائج سلبية قد تُلحق الضرر بالمجتمع الدنماركي بسبب امتناع الموظفين عن الطعام والشراب، وهو ما يهدد المجتمع بالخطر في وظائف بعينها مثل سائقي الحافلات العامة، كما أشارت في منشور لها.
حثت الوزيرة على ضرورة ترك المسلمين العمل في شهر رمضان لتجنب العواقب السلبية أو التي وصفتها بـ”المُهلكة” التي قد يتسببون بها نتيجة الصيام، ما وصفه العديد من المنظمات الخاصة باتحاد المسلمين في الدنمارك بالفكرة السخيفة للغاية، وذلك لأنه لا يوجد دليل منطقي على زعم الوزيرة الدنماركية ولا توجد إحصاءات تُثبت خطر المسلمين في العمل في أثناء الصيام، حيث يستمر الموظفون بما فيهم سائقي التاكسي بأعمالهم بشكل طبيعي في أغلب البلاد المسلمة في رمضان.
“عمل المسلمين في رمضان يُمثل خطرًا على المجتمع الدنماركي”
– وزيرة الهجرة الدنماركية
لم يكن هناك أي تصريحات من الوزيرة المسؤولة عن شؤون اللجوء والهجرة في الدنمارك عن إجبارها المسلمين لترك العمل في أثناء شهر رمضان، إلا أنها حثتهم وبشدة على تركه، وهو التصريح الذي بدا غير منطقي على الإطلاق للجالية المسلمة في الدنمارك الذي يبلغ عددها نحو 250 ألف مسلم.
لم يكن ذلك التصريح هو الأغرب على الإطلاق بالنسبة للجالية المسلمة أو اللاجئين في الدنمارك بشكل عام، حيث فرضت الحكومة الدنماركية من قبل قانونًا على اللاجئين عام 2016 بأن يُسلموا ممتلكاتهم القيمة مثل المجوهرات والذهب للحكومة ليساعد ذلك على دفع تكاليف إقامتهم في الدنمارك.
المسلمون مُجبرون على شرب الخمر وأكل لحم الخنزير
مسلمو الأويغور في الصين في أثناء إحدى حملات المداهمة لمحلاتهم ومنازلهم
المسلمون في الدنمارك ليسوا وحدهم في قضاء شهر رمضان وسط مزيج بين القلق والخوف، فهناك أيضًا من المسلمين من يترقبون حلول شهر رمضان بقلوب مضطربة، ليس لأن حكومتهم ستطردهم من العمل بل لأن حكومتهم ستجبرهم على شرب الخمر وأكل لحم الخنزير وعدم الصيام خلال النهار، حيث هناك في “شينغ يانغ” يُحتجز 900 ألف مسلم في معتقل تصفه الجهات الرسمية بأنه معسكر لإعادة دمج مسلمي الصين داخل المجتمع الصيني، إلا أنه في الواقع معتقل لغسل أدمغة مسلمي الصين لإعلاء مبدأ الهوية الصينية على الهوية الدينية.
يدخل المعتقل كل من يظهر اعتناقه للإسلام، سواء كان له لحية أم يصلي بانتظام أم يمتلك صورًا إسلامية في منزله أو على هاتفه أم حتى لو أطلق على أولاده أسماءً إسلامية، ليبقوا في المعتقل حتى يتم إعادة تشكيل هويتهم.
أما من هم خارج المعتقل فتُعاد تشكيل هويتهم من خلال طرق أخرى، مثل تحريم بيع المنتجات “الحلال” في المحلات وإجبارهم على بيع الخمور بشكل واضح في أماكن البيع وتغيير أسماء المتاجر من أسماء عربية أو إسلامية إلى أسماء صينية فحسب.
تحظر الصين صلاة التراويح وتشن حملات مداهمة على بيوت مسلمي الأويغور في رمضان
نتيجة لذلك وُصفت الصين بسجن المسلمين الأكبر، حيث يبلغ عدد المسلمين فيها نحو 130 مليون، من بينهم مئات الآلاف في المعتقلات “التهذيبية” لتشكيل هوياتهم الصينية بعيدًا عن هوية الدين الإسلامي، أما الآخرون فيعيشون تحت القلق والضغط النفسي طوال العام وبالأخص في شهر رمضان.
الترحيل ينتظر المفطر في رمضان
متظاهر في تونس يحمل لافتة بالفرنسية مكتوب عليها ما الذي يُضايقك في كوني آكل وأنت صائم؟
على العكس تمامًا من النماذج المذكورة سابقًا، يكون الإفطار العلني في شهر رمضان في كثير من البلاد العربية جريمة يستحق عليها العقاب، من بين هذه البلاد الأردن والبحرين وقطر والمغرب والسعودية والكويت والعراق والإمارات، حيث تقنن بعض من تلك البلدان عقوبة المفطر جهرًا في رمضان في دستورها وتعاقب مرتكب ذلك الفعل بالسجن لبضعة شهور أو بغرامة مالية بعشرات الدولارات.
تقوم بعض السلطات العربية بغلق بعض المتاجر والمطاعم التي تفتح أبوابها خلال شهر رمضان، حتى إذا لم ينص القانون على ذلك، إلا أن السلطات تعتبره عملًا “مخلًا بالآداب العامة” وعليه يستحق مرتكبه العقاب وغلق محله، إلا إذا حصلت المطاعم على تصريح لمزاولة المهنة بشكل طبيعي في نهار رمضان كما يحدث في السودان.
وفي الكويت يعاقب القانون رقم 44 لسنة 1968 على الإفطار العلني في رمضان، وقد جاء فيه: “يعاقب بغرامة لا تتجاوز مئة دينار (331$) وبالحبس لمدة لا تتجاوز شهرًا أو بإحدى هاتين العقوبتين: أ- كل من جاهر في مكان عام بالإفطار في نهار رمضان، ب- كل من أجبر أو حرض أو ساعد على تلك المجاهرة، ويجوز غلق المحل العام الذي يستخدم لهذا الغرض لمدة لا تتجاوز شهرين”.
أما في بقية الدول العربية فلا يوجد نص قانوني يعاقب على الإفطار العلني، ولكن التقاليد الاجتماعية تستهجن الإفطار علانية دون عذر
يكون الأمر أكثر صعوبة على المفطر في رمضان إن كان مغتربًا أو أجنبيًا، إذ قد يواجه عقوبة الترحيل أو الإبعاد عن البلد لمدة معينة، وإذا لم يتم ترحيله سيواجه دفع غرامة مالية أضعاف ما يدفعها المواطن المفطر في رمضان، حيث يتنوع وصف التهمة ما بين ازدراء الأديان أو فعل فاضح في الطريق العام أو الإخلال بالآداب العامة.
إن كان رمضان بالنسبة لك أكثر الشهور التي تجتمع بها مع أفراد العائلة حول مائدة طعام واحدة لتستمتع بالأجواء الرمضانية التي لا تتوفر إلا في هذا الشهر، هناك العديد من المسلمين حول العالم لا يتمتعون بالحظ نفسه، ولا يقضون الشهر الكريم بالأريحية التي يقضيها أغلب المسلمين في البلاد العربية، بل يكون رمضان بالنسبة إليهم بين الخوف والقلق والسجن والاعتقال وضياع العمل.