ترجمة وتحرير: نون بوست
بعد فشله في تحقيق أهدافه العسكرية، سافر مجرم الحرب المتهم إلى الولايات المتحدة للتحريض على حرب ضد إيران وإطالة حملة الإبادة الجماعية التي يقودها في غزة.
جاء أول رد فعل أمريكي على الاغتيالات المزدوجة هذا الأسبوع في بيروت وطهران من وزير الدفاع لويد أوستن في 31 تموز/ يوليو؛ ففي أعقاب استهداف “إسرائيل” لرئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في إيران والقائد العسكري الأعلى لحزب الله فؤاد شكر في لبنان، كرر أوستن “دعم الولايات المتحدة الثابت” لـ”إسرائيل” وتعهد بالدفاع عنها إذا تعرضت للهجوم.
ومع تصعيد “إسرائيل” لاستفزازاتها العسكرية، أصبح من الواضح الآن أكثر من أي وقت مضى أن الخطاب العدواني الذي ألقاه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الكونغرس الأسبوع الماضي كان بمثابة شرارة انطلاق حرب إقليمية أوسع نطاقًا، وسط تصفيق حار من المشرعين الأمريكيين.
في الواقع، في الأيام التي سبقت وتلت زيارة نتنياهو لواشنطن؛ هاجم النظام الإسرائيلي وقتل العشرات من المدنيين في ميناء الحديدة في اليمن، ومجدل شمس في مرتفعات الجولان السورية المحتلة، وحي الضاحية الجنوبية في بيروت في لبنان، وتجاوز العدوان عتبة جديدة باغتيال هنية في طهران.
وقد حدث هذا التصعيد في الوقت الذي يحيي فيه الفلسطينيون ذكرى مرور 300 يوم على حرب الإبادة الجماعية التي تشنها “إسرائيل” على غزة، والتي قُتل فيها ما لا يقل عن 50 ألف شخص أو دُفنوا تحت الأنقاض وأصيب أكثر من 100 ألف شخص.
على مدى الأسبوع الماضي؛ تكهن العديد من المراقبين بأن خطاب نتنياهو في الكونغرس واجتماعاته اللاحقة مع الرئيس جو بايدن ونائبة الرئيس كامالا هاريس ودونالد ترامب ومسؤولين أمريكيين آخرين أعطته الضوء الأخضر لمواصلة العدوان الإسرائيلي دون هوادة.
وبغض النظر عما قيل خلف الأبواب المغلقة، فقد أعلن نتنياهو أهدافه من الحرب الشاملة بعبارات لا لبس فيها.
لقد وصل مجرم الحرب المتهم، والذي فشل في تحقيق أهدافه العسكرية في غزة، إلى واشنطن لحشد الحرب ضد إيران وإطالة أمد حملة الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين. فإذا استغل نتنياهو زيارته لتوسيع الحرب ــ التي شهد العالم نتائجها الكارثية بالفعل هذا الأسبوع ــ فلماذا دُعي إلى واشنطن في المقام الأول؟
ما هي الأكاذيب التي روجها المهيمن الإقليمي الطامح للكونغرس لبيع خططه الماكرة، وكيف أفلت من العقاب؟
حفظ ماء الوجه
كان الخطاب الذي ألقاه نتنياهو في الكونغرس في الرابع والعشرين من شهر تموز/ يوليو أول رحلة دولية يقوم بها نتنياهو منذ شن حملة الإبادة الجماعية في غزة في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
ورغم أن رئيس الوزراء الإسرائيلي متهم بعدة تهم فساد من قِبَل نظامه الصهيوني، ويواجه الاعتقال بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من قِبَل المحكمة الجنائية الدولية، فقد وجه زعماء الكونغرس الأميركي دعوة إليه على أية حال. وتحدث نتنياهو أمام جلسة مشتركة للكونغرس للمرة الرابعة على التوالي، وهو أمر غير مسبوق.
وكان هذا “شرفًا” لم يُمنح حتى لرجل الدولة البريطاني الإمبريالي وأحد زعماء الحرب العالمية الثانية، ونستون تشرشل، الذي خاطب الكونغرس الأمريكي ثلاث مرات خلال فترة ولايته (في سنة 1941 و1943 و1952).
ومن اللافت للنظر أن جميع الدعوات الموجهة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي المحارب كانت موجهة من رؤساء مجلس النواب الجمهوريين خلال فترات الرؤساء الديمقراطيين، وبالتحديد بيل كلينتون في سنة 1996، وباراك أوباما في سنتي 2011 و2015، وجو بايدن في سنة 2024. وكانت كل مناسبة بمثابة محاولة جمهورية شريرة لإظهار ولائهم لـ”إسرائيل” لتحقيق مكاسب سياسية ضد منافسيهم الديمقراطيين.
وخلال خطابه الأخير في الجمعية العامة للأمم المتحدة في أيلول/ سبتمبر 2023، تفاخر نتنياهو بقوة “إسرائيل” الملموسة ودورها المحوري كمرساة لأمن المنطقة واستقرارها وازدهارها الاقتصادي. وفي خطابه أمام الأمم المتحدة، تجاهل نتنياهو الفلسطينيين ومحنتهم بالكامل عندما رفع خريطة تظهر “إسرائيل” بحيث تشمل كل أراضي فلسطين التاريخية.
ورسم خطًا يمتد من الهند عبر الخليج العربي والإمارات والسعودية والأردن إلى ميناء حيفا في “إسرائيل” ومن هناك إلى أوروبا. وأطلق عليه اسم الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا، وتباهى نتنياهو بأن “إسرائيل” ستلعب دورًا مركزيًا في هذا الهيكل الجيوسياسي الجديد، لكن المخطط بأكمله قد ينهار في أعقاب هجمات حماس في تشرين الأول/ أكتوبر.
بعد عجزه عن تحقيق أي من أهدافه العسكرية والسياسية بعد شن حرب إبادة شاملة في غزة؛ يواجه نتنياهو مشكلة ليس فقط في الداخل ولكن أيضًا على المستوى الدولي بسبب سلوكه في الحرب، فلم يعد العالم قادرًا على تجاهل الأمر.
ومع وصول القتل الجماعي إلى أرقام غير مسبوقة، كما تقول بعض التقديرات، فقد يصل العدد الإجمالي للضحايا إلى 186 ألف قتيل، وهذا يمثل نحو ثمانية بالمئة من سكان غزة، وأكثر من سبعين بالمئة من الضحايا من النساء والأطفال.
وفي المقابل، فإن واحدة من أسوأ الفظائع التي ارتكبت ضد المدنيين خلال الحرب العالمية الثانية ارتكبها الحلفاء ضد مدينة درسدن الألمانية في سنة 1945. لقد أسفر ذلك عن مقتل حوالي 30 ألف شخص من أصل 1.2 مليون، أو أقل من ثلاثة بالمئة من سكانها.
في الخطاب الذي استغرق 55 دقيقة؛ صفق بعض أعضاء الكونغرس المؤيدين لنتنياهو حوالي 80 مرة، والذين بدا أنهم متمسكون بكل كلمة يقولها (متجاوزين الرقم القياسي السابق البالغ 58 تصفيقًا في سنة 2015).
وبينما قاطع نصف الأعضاء الديمقراطيين في كلا المجلسين الخطاب، بما في ذلك زعماء الكونغرس البارزين (131 قاطعوا مقابل 128 حضروا)، لم يتجنب الحدث سوى عضو جمهوري واحد، وهو النائب توماس ماسي من كنتاكي (من بين 268 عضوًا جمهوريًا في مجلس النواب والشيوخ).
كان أداء نتنياهو مثيرًا للشفقة ومليئًا بالأكاذيب الصارخة والغرور على العديد من المستويات. ولم يغب عن ذهنه أنه كان يحاول أن يشبه ما يفعله رؤساء الولايات المتحدة عادة أثناء خطاباتهم السنوية عن حالة الاتحاد. فقد استعرض العديد من الجنود الإسرائيليين والرهائن السابقين، وتقاسم حكايات ملفقة عن الشجاعة وسط أحد أكثر الأيام إذلالًا في تاريخ النظام الصهيوني.
وادعى أنه حرر أو استعاد 135 أسيرًا وجثة، متجاهلًا حقيقة مفادها أن خمسة فقط تم تحريرهم من خلال العمليات العسكرية. والواقع أن العديد من الأشخاص الآخرين قُتلوا إما بسبب قصف “إسرائيل” لغزة أو على يد جنود إسرائيليين خلال محاولات إنقاذ فاشلة.
وفي الوقت نفسه، تم إطلاق سراح 110 من الأسرى في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي من خلال صفقة تم التفاوض بشأنها بعد أن عرضتها المقاومة الفلسطينية في الأيام الأولى للصراع. وغني عن القول إنه لو كان نتنياهو جادًا في التوصل إلى صفقة لتحرير الأسرى، لما قتل كبير المفاوضين الفلسطينيين هذا الأسبوع.
ولم يعترف بحقيقة أنه لم يتم التوصل إلى أي صفقة أخرى لتحرير بقية الأسرى الإسرائيليين بسبب رفضه المستمر لإنهاء الحرب أو الانسحاب من غزة حسب مطالب الفلسطينيين وقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2728 الصادر في أذار/مارس الماضي، وكذلك قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الصادر في كانون الثاني/ديسمبر الماضي.
وقد يؤدي ذلك إلى تحميله المسؤولية عن هجمات 7 تشرين الأول/أكتوبر، مما قد يؤدي إلى إجراء انتخابات جديدة واحتمال الإطاحة به من منصبه كرئيس للوزراء.
ورفض نتنياهو بشدة أيضًا جميع الأحكام التي أصدرتها محكمة العدل الدولية في كانون الثاني/يناير وأذار/مارس وأيار/مايو لوقف حرب الإبادة الجماعية، وكذلك الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية الصادر في تموز/يوليو بشأن عدم شرعية الاحتلال الإسرائيلي لغزة والضفة الغربية والقدس الشرقية والمطالبة بإنهائه.
محتال من الدرجة الثالثة
حاول نتنياهو إظهار قوته وعزمه بإعلانه أنه لن يوقف الحرب إلا إذا حقق ما أسماه “النصر الكامل”، وعرّف هذا المصطلح بأنه استسلام حماس التام وهزيمتها واستبدال حكمها في غزة بمتعاونين أو فلسطينيين مطيعين، وتحرير جميع الأسرى الإسرائيليين دون أي تبادل للأسرى.
ولم تأخذ هذه المطالب في الحسبان الحقائق على الأرض؛ حيث فشل جيشه فشلاً ذريعًا في تحقيق نصر عسكري بعد 10 أشهر من إلحاق الدمار بسكان غزة المدنيين والتسبب بدمار هائل للقطاع.
في الواقع، استخدم نتنياهو تكتيكات الإغراء والخداع أمام أعضاء الكونغرس الذين تصرفوا مثل الكومبارس في مسرحية رديئة السيناريو يظهر فيها فنان محتال من الدرجة الثالثة.
فقد بدأ خطابه باستحضار مأساة الحادي عشر من أيلول/سبتمبر؛ قائلًا إن ما حدث في 7 تشرين الأول/أكتوبر يعادل 29 من أحداث الحادي عشر من أيلول/سبتمبر بالمقارنة مع عدد سكان الولايات المتحدة، ما لم يذكره هو أن ما حدث للفلسطينيين في غزة منذ تشرين الأول/أكتوبر يعادل 2900 من أحداث 11 أيلول/سبتمبر عند مقارنته مع عدد السكان. بعبارة أخرى، ما فعله نتنياهو وجيشه في غزة يعادل قتل 7.5 ملايين أمريكي، وجرح 22 مليون أمريكي، وتدمير كل الحياة المدنية والبنية التحتية الأمريكية.
ولعل من أكثر أكاذيبه الصارخة تأكيده أن اجتياحه لرفح في أيار/مايو الماضي، بينما قتل “1,203” من مقاتلي المقاومة، تسبب “عن طريق الخطأ” في سقوط عدد قليل من الضحايا المدنيين.
سيتعين على المراقبين العاديين أن يوقفوا قدراتهم العقلية أو أن يعيشوا في عالم بديل لتصديق مثل هذا الهراء.
وبينما تُعرض صور آلاف النساء والأطفال وأشلاء المدنيين كل يوم أمام العالم أجمع، فقد كان الدمى المهرجين الذين يتظاهرون بأنهم أعضاء في الكونغرس هم فقط من سمحوا لكاذب معتوه بأن يجعل منهم حمقى وهم يصفقون له في انسجام تام.
كانت إحدى أكثر اللحظات المثيرة للشفقة في هذا المشهد عندما منعهم نتنياهو من التصفيق حتى وصل إلى الجملة التي يريدها، فأذعنوا على الفور.
أكاذيب مفندة
كانت العنصرية والتفوق العرقي اللذان أظهرهما هذا الإسرائيلي المختل عقليًا خلال ظهوره في الكونغرس مذهلة.
كان لدى نتنياهو الجرأة للحديث عن “قدسية الحياة” التي يتمسك بها الإسرائيليون و”ثقافة الموت” التي يتبناها المسلمون.
وتأتي مثل هذه التصريحات من رجل مهووس بالإبادة الجماعية يشن حربًا وصفها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأنها تسببت بمعاناة على مستوى “غير مسبوق” – وهي الأسوأ خلال فترة ولايته التي استمرت سبع سنوات – والتي أودت بحياة عشرات الآلاف من الأرواح في القطاع الصغير، وشردت 85 بالمائة من سكانه وجعلت غزة غير صالحة للسكن.
على مدار شهور؛ منع نتنياهو دخول جميع المساعدات إلى قطاع غزة، بما في ذلك الغذاء والدواء لأكثر من مليوني شخص، مما أدى إلى انتشار المجاعة والأمراض المعدية.
وعلى عكس الأدلة التي لا جدال فيها، فقد ادعى أن “إسرائيل” لم تمنع أبدًا دخول المساعدات الأساسية من الغذاء والدواء إلى قطاع غزة المنكوب، وأن 40,000 شاحنة مساعدات دخلت غزة منذ تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
لكن ما لم يذكره هو أن عدد الشاحنات التي كانت تدخل غزة قبل أن يفرض حصاره الكامل كان 500 شاحنة يوميًا، وهو عدد لا يفي بالاحتياجات اللازمة للقطاع المحاصر من قبل النظام الصهيوني منذ سنة 2007، وفقاً للأمم المتحدة.
وهذا يعني أنه من أصل 150,000 شاحنة كان من المفترض أن يُسمح بإدخالها كحد أدنى منذ أن شنت “إسرائيل” حربها على غزة، لم يتم إدخال سوى أقل من 27 بالمائة من الاحتياجات.
يضاف إلى ذلك فقدان كامل الإنتاج الزراعي والصناعي وانقطاع إمدادات الكهرباء والطاقة، مما أدى إلى وضع أقل ما يقال عنه أنه كارثي في غزة في غزة.
كل هذه الحقائق تم إغفالها في الرواية الخيالية التي قدمها نتنياهو، كما واصل ترويج أكذوبة أن حماس كانت تسرق المساعدات الإنسانية، وهي تهمة سبق أن رفضها مسؤولو الأمم المتحدة. وبطبيعة الحال؛ فإن جيشه والمستوطنين المتطرفين الذين يعملون في جيشه عملوا منذ شهور على منع شاحنات الإمدادات ومهاجمة عمال الإغاثة.
المسرح السياسي
كان خطاب نتنياهو في الكونغرس مسرحية وقحة أعدها الزعيم الإسرائيلي نفسه وأزلامه المدعومين من اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة، وفي مقدمتهم لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك). وكان هدفه الرئيسي هو إرسال صورة زعيم قوي ومتحدٍ إلى الجمهور الإسرائيلي المتشكك والمهزوز.
وفي ظل عدم تحقيقه أي إنجازات سياسية وعسكرية في غزة أو أي استعداد لتغيير مساره، يحاول نتنياهو بدلاً من ذلك تصعيد الصراع وجر الولايات المتحدة إلى حرب إقليمية.
ومع ذلك؛ ادعت الولايات المتحدة مرارًا وتكرارًا أنها تحاول تجنب هذا الحريق في الشرق الأوسط بأي ثمن لأنه سيعطل مسؤولياتها العالمية ويعرقل استراتيجياتها الجيوسياسية، كما أنه قد يؤدي إلى هزيمة ساحقة للديمقراطيين في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر.
ادعى نتنياهو أن الولايات المتحدة بحاجة إلى إعطاء الإسرائيليين “الأدوات اللازمة لإنهاء المهمة”، ملمحًا إلى أن الإدارة الأمريكية تحجب الأسلحة التي تسعى إليها إسرائيل، وهي بالطبع تهمة كاذبة يستخدمها كحجة لإبعاد اللوم عنه في عدم تحقيق النصر، ناهيك عن “النصر الكامل” الذي كان يدعو إليه.
إن كان هناك ما يمكن أن يحدث من خراب وجحيم على غزة خلال الأشهر العشرة الماضية ما كان ليحدث لولا الدعم الأمريكي غير المسبوق.
وشملت هذه المساعدات التي قدمتها الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون لحرب إسرائيل ضد الفلسطينيين العزل أسلحة ضخمة تفوق في مجموعها القيمة التدميرية لخمس قنابل بحجم قنبلة هيروشيما – بما في ذلك القنابل “الذكية” وقذائف المدفعية والصواريخ والطائرات المقاتلة – بالإضافة إلى أجهزة استخباراتية ومساعدات اقتصادية ضخمة وحماية دبلوماسية وغطاء سياسي ودعم من وسائل الإعلام الرئيسية الخاضعة والطبقة السياسية النخبوية.
- رجل يحمل أطفالاً بينما يتفقد الناس الأضرار التي لحقت بمخيم البريج للاجئين وسط قطاع غزة في 23 تموز/ يوليو.
مستشهدًا بتسليح الولايات المتحدة لحلفائها خلال الحرب العالمية الثانية كمثال، ادعى نتنياهو أنه كلما زادت سرعة حصول النظام الصهيوني على السلاح، كلما زادت سرعة إنهاء المهمة.
وما لم يقله هو أن الحلفاء لم يتمكنوا من إنهاء المهمة بالأسلحة الأمريكية وحدها. فقد كانوا بحاجة إلى الجيش الأمريكي الضخم للقتال إلى جانبهم، مما أدى في نهاية المطاف إلى خسارة أكثر من 400,000 جندي أمريكي.
قرع طبول الحرب
أمضى نتنياهو ثلث خطابه تقريبًا في قرع طبول الحرب ضد إيران. وادعى أن إيران هي المسؤولة عن جميع مشاكل “إسرائيل”، وليس احتلالها لفلسطين أو إنكارها لحقوق الفلسطينيين أو بناء المستوطنات غير القانونية على الأراضي الفلسطينية المسروقة. كما أن سياسات “إسرائيل” في تجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم وتجريدهم من حقوقهم وتهويد المقدسات الإسلامية والاجتياحات اليومية للمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية واغتيال المئات واعتقال الآلاف من الفلسطينيين لا يمكن إلقاء اللوم عليها.
هذا السجل المفصل في قرار محكمة العدل الدولية الأخير قبل بضعة أسابيع، تم تجاهله بشكل ملائم في خطاب نتنياهو الذي أدان فيه قرارات محكمة العدل الدولية ومحكمة الجنايات الدولية وسط مزيد من الهتافات من جمهوره.
إن مثل هذه الإدانات لا تتجاهل فقط الحقائق المعترف بها عالميًا بأغلبية ساحقة فحسب، بل تقوض أيضًا بشكل كبير النظام القائم على القواعد الذي يُزعم أن الولايات المتحدة تحاول فرضه منذ عقود.
لقد واصل نتنياهو بوقاحة أكاذيبه بالادعاء بأن الجيش الإسرائيلي هو الجيش الأكثر أخلاقية في التاريخ. وفي الواقع، كان جيشه يرتكب أسوأ سجل لجرائم الحرب منذ الحرب العالمية الثانية، وفقًا للدبلوماسي الأوروبي الكبير جوزيب بوريل.
في الواقع؛ وبسبب سلوك هذا الجيش الأكثر انعدامًا للأخلاق منذ عقود، طالب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية بتوجيه الاتهام إليه واعتقاله مع شريكه في الجريمة، وزير الدفاع يوآف غالانت.
وقد أكد نتنياهو أن “أعداء إسرائيل هم أعداء الولايات المتحدة”، موضحًا هدفه بوضوح تام: التحريض ضد إيران ومناشدة صانعي السياسة الأمريكية لدعم أو حتى شن حرب أمريكية ضد إيران، كما دعا إلى إنشاء تحالف إقليمي أطلق عليه اسم “تحالف إبراهيم”. وسيضم حلفاء أمريكا العرب الذين سينضمون إلى حلفاء “إسرائيل” في حربها الخطيرة ضد إيران وحلفائها في محور المقاومة.
وهذا التحريض يذكّرنا بالخطاب الذي استُخدم قبل أكثر من عقدين من الزمن ضد عراق صدام حسين، والذي أعيد إحياؤه الآن لدق طبول الحرب ضد إيران. وبالنظر إلى هجمات “إسرائيل” الأخيرة على اليمن وسوريا ولبنان وإيران، يبدو أن خطة نتنياهو قد بدأت بالفعل.
وفي تناقض مع مصلحتها المعلنة بعدم توسيع نطاق الحرب إلى صراع أوسع، تستمر الولايات المتحدة في الانجرار أكثر فأكثر إلى الحرب الإسرائيلية.
ففي أعقاب الاغتيالات والانتقام المتوقع من قبل حزب الله وإيران، نشرت الولايات المتحدة 12 سفينة حربية في البحر الأبيض المتوسط والخليج العربي يوم الخميس. كما يأتي ذلك بعد أن قامت الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون والعرب بإنقاذ إسرائيل خلال الضربات الانتقامية الإيرانية في نيسان/ أبريل.
إذا كانت الولايات المتحدة قد خسرت آلاف الأرواح وتريليونات الدولارات وتكبدت سمعة مشوهة وانتكاسة جيوسياسية في العراق، فكم ستخسر الولايات المتحدة في حرب أكثر تدميرًا مع إيران؟
إن درجة هذه الغطرسة الصهيونية مذهلة.
“أغبياء مفيدون”
بالنسبة للعديد من الأمريكيين، ربما كان الادعاء الأكثر إهانة في سيل من الأكاذيب هو تأكيد نتنياهو المثير الذي لا أساس له من الصحة تمامًا بأن الاحتجاجات الضخمة المناهضة للإبادة الجماعية في جميع أنحاء المدن الأمريكية والحرم الجامعي كانت بتحريض من إيران وبدفع منها.
وعلى الرغم من عدم وجود أي دليل يدعم هذه التهمة المشينة، إلا أن أعضاء الكونغرس صفقوا له، في حين استهزأوا بحماية التعديل الأول المقدس، والحقوق الدستورية، والتقاليد العريقة للنشاط والمعارضة المناهضة للحرب في الجامعات.
وفي سنة 2007؛ جادل الأكاديميان الأمريكيان جون ميرشايمر وستيفن والت في كتابهما “اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأمريكية” بأن التفسير الوحيد المعقول لسياسة الولايات المتحدة الكارثية في الشرق الأوسط وخضوع العديد من السياسيين الأمريكيين للسياسات والمصالح الإسرائيلية، التي تتعارض في كثير من الأحيان مع المصالح الإستراتيجية الأمريكية ومبادئها المعلنة، هو سيطرة اللوبي الإسرائيلي بقيادة أيباك على السياسيين الأمريكيين.
وقبل ذلك بسنوات، في سنة 1992، أدان الكاتب الأمريكي والمرشح الرئاسي السابق بات بيوكانانان “إسرائيل وركنها الأمين” كما أشار إلى السياسيين الأمريكيين الخاضعين لنفوذ أيباك. كما وصف الكونغرس بأنه “الأراضي التي تحتلها إسرائيل”.
وبعد أكثر من 30 سنة؛ أكد السيرك الذي عُرض بعد ظهر الأربعاء الماضي تلك الكلمات القوية. فقد يكون الاحتلال الإسرائيلي العسكري المادي موجودًا في فلسطين، ولكن يمكن القول إن هناك احتلالًا ذا طبيعة مختلفة في الكابيتول هيل أيضًا.
وفي حين أن مخططات الولايات المتحدة الإمبريالية ومصالحها العسكرية الأخرى تساهم في هذا الدعم، إلا أن الاستقبال الحماسي الأعمى لمجرم الحرب وأحد أكثر القادة الإسرائيليين تشددًا من قبل السياسيين الأمريكيين يشير إلى تأثير اللوبي الذي طالما دعا إلى الحرب ضد إيران.
ففي غضون أسبوع من خطاب نتنياهو، يدعو بعض السياسيين الأمريكيين علنًا إلى مشاركة الولايات المتحدة في حرب نتنياهو للهيمنة. فخلال مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي، أكد بايدن مرة أخرى خلال مكالمة هاتفية مع رئيس الوزراء الإسرائيلي دعمه لـ”إسرائيل” وتعهد بمواصلة دعم النظام الصهيوني والدفاع عنه. وفي الوقت نفسه، قدم السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام مشروع قانون صلاحيات الحرب يوم الخميس الذي دعا إلى شن هجوم أمريكي مباشر على إيران بينما حث “إسرائيل” على قصف مصافي النفط الإيرانية خلال ظهوره على قناة فوكس نيوز.
وبينما أهان نتنياهو عددًا لا يُحصى من الأمريكيين الذين يحتجون بشدة على حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي التي يشنها في غزة – ومحاولته للتفوق الإقليمي – ووصفهم بأنهم “حمقى مفيدون”، اتضح أن الحمقى المفيدين لم يكونوا خارج أروقة الكونجرس بل يحتفلون بحماس بسيدهم في بيت الشعب.
المصدر: ميدل إيست آي