ترجمة وتحرير: نون بوست
تباينت ردود فعل الكثير من البلدان في العالم تجاه قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالانسحاب من خطة العمل الشاملة المشتركة، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي. وفي حين تدعم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين بقوة التحرك الأمريكي، كانت دول الخليج الأخرى حذرة ورفضت تبني موقف واضح بشأن هذه المسألة.
فعلى سبيل المثال، لم تسر الكويت على خطى السعودية وأعلنت تفهمها لقرار الولايات المتحدة بالانسحاب من الصفقة النووية الإيرانية. وفي الواقع، يعد الموقف الكويتي من خطة العمل الشاملة المشتركة مهمّا نظرا للعلاقات الوثيقة التي تربطها مع المملكة العربية السعودية من جهة، وتحالفها مع الولايات المتحدة من جهة أخرى.
منذ استقلالها عن بريطانيا سنة 1961، اتبعت الكويت استراتيجيات مختلفة لتأمين وجودها. ففي البداية، اعتمدت على القوى الدولية من أجل توفير الحماية لنفسها. وقد أضحت هذه الاستراتيجية مهمة لها خاصة بعد حرب تحريرها من العراق سنة 1991. كما سعت الكويت إلى حماية نفسها من خلال موازنة علاقاتها مع جيرانها. في المقابل، خرقت الكويت هذه القاعدة خلال الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988)، عندما انحازت إلى جانب العراق.
تستفيد الكويت من جهود الوساطة التي تبذلها في الأزمات الإقليمية لأنها تزيد من أهمية هذا البلد على الصعيدين الإقليمي والدولي
علاوة على ذلك، اعتمدت الكويت على الوساطة باعتبارها جزءا لا يتجزأ من سياستها الخارجية. ولكن ذلك ليس جديدا، حيث لعبت الكويت دور الوسيط لإنهاء الحرب الجارية في اليمن. وقد أدى اندلاع الأزمة، خلال سنة 2017، بين المملكة العربية السعودية والإمارات والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى إلى تعزيز دور الكويت كوسيط.
تستفيد الكويت من جهود الوساطة التي تبذلها في الأزمات الإقليمية لأنها تزيد من أهمية هذا البلد على الصعيدين الإقليمي والدولي. وعلى الرغم من أن جهودها لا تكلل بالنجاح دائما، إلا أن الاعتراف الإقليمي والدولي بدورها كوسيط أمر حاسم بالنسبة لأمنها. فمن المهم أن توازن الكويت علاقاتها مع المملكة العربية السعودية وإيران، الخصمين الرئيسيين في المنطقة، للحصول على الثقة التي تساعدها على مواصلة جهود الوساطة. على هذا الأساس، ينبغي أن ينظر إلى موقفها من الانسحاب الأمريكي من خطة العمل الشاملة المشتركة كجزء من استراتيجية الموازنة التي تتبعها.
تجدر الإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية وإيران ترغبان في فرض هيمنتهما على المنطقة، وفي كلتا الحالتين، تثير هذه الطموحات قلق الكويت. فقد أرادت إيران تصدير ثورتها الإسلامية في الثمانينيات، فضلا عن أن هناك أصوات في الجمهورية الإسلامية لا تزال ملتزمة بهذه القضية حتى اللحظة الراهنة. ولكن، الكويتيين لا يرحبون بنفوذ إيران المتنامي في العراق وسوريا ولبنان.
في هذا الإطار، تعتبر الكويت تدخل طهران في البلاد، مثلما هو مبين في التقارير التي تشير إلى وجود خلايا مزعومة مرتبطة بالحرس الثوري الإسلامي في البلاد، تهديد لكيانها. وعلى الرغم من العلاقة الوثيقة التي تربط بين الكويت والمملكة العربية السعودية، إلا أن هناك اعتقادا راسخا لدى البعض في الكويت بأن البلاد كانت ستكون الهدف التالي للسعوديين لو نجحوا في جهودهم الرامية إلى الضغط على قطر خلال السنة الماضية.
على عكس قطر، لا تملك الكويت قناة إخبارية تدعم التغيير في المنطقة أو تهاجم السعودي
من المهم أن نفهم أن السياسة الخارجية الكويتية تختلف عن السياسة القطرية في العديد من الجوانب. فلم تكن الكويت تقف وراء الثورات التي اندلعت في العديد من بلدان العالم العربي، خلال السنوات الماضية، أو حتى تدعمها. فعلى النقيض، انتقد أمير الكويت المسار الثوري الذي عاشت على وقعه العديد من البلدان، خلال قمة جامعة الدول العربية في الأردن، التي عقدت السنة الماضية، حيث قال إن “ما يسمى بالربيع العربي هو الوهم الذي أضعف أمن البلدان الشقيقة وعرقل تنميتها”.
على عكس قطر، لا تملك الكويت قناة إخبارية تدعم التغيير في المنطقة أو تهاجم السعودية. وخلافا لأمير قطر الشاب، أمير الكويت والملك السعودي ينتمون إلى نفس الجيل من الحكام وتجمع بينهما علاقات شخصية وثيقة. ومع ذلك، لا تعني هذه الاختلافات بين الكويت وقطر أن السيناريو الذي حدث للإمارة الصغيرة سيتكرر مرة أخرى في الكويت. لكن، هناك سلسلة من العوامل التي قد تشجع السعوديين على التحرك ضد الكويت.
أولاً، على عكس الوضع في معظم دول مجلس التعاون الخليجي، تنشط جماعة الإخوان المسلمين في الحياة السياسية في الكويت نظرا لأنها لا تُصنف ضمن المنظمات الإرهابية في البلاد، علما بأن جماعة الإخوان المسلمين يمثلها ثلاثة أعضاء في البرلمان الكويتي الحالي. وثانياً، على الرغم من مخاوف الكويت من الطموحات إيران التوسعية، إلا أنها لا تزال تجمعها علاقة جيدة نسبيا مع الجمهورية الإسلامية.
يبدو ذلك جليا في الطريقة التي خيرت بها الردّ على قرار قطع العلاقات بالكامل مع طهران عندما فعلت الرياض والمنامة ذلك في أعقاب اقتحام المنشآت الدبلوماسية السعودية من قبل المتظاهرين الإيرانيين سنة 2016. وقد أدت هذه الاحتجاجات إلى إعدام السعودية لرجل الدين الشيعي المنشق نمر باقر النمر. كما تعكس السياسة الكويتية تجاه إيران رغبتها في الحفاظ على العلاقات الثنائية، مع الأخذ بعين الاعتبار التجربة القطرية وخاصة الدعم الذي قدمته طهران للدوحة خلال السنة الماضية.
تدرك الكويت أن الضغط الخارجي على إيران قد يجبر الجمهورية الإسلامية على اتباع استراتيجية عدائية في علاقاتها مع الدول الغربية وحلفائها العرب
بناء على هذه المعطيات، يعتبر اختيار الكويت عدم تأييد المواقف الأمريكية والسعودية والإماراتية في خطة العمل الشاملة المشتركة خطوة مهمة تساعدها على الحفاظ على علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية. فعندما أبرمت الاتفاقية النووية سنة 2015، دعمت الحكومة الكويتية هذا الاتفاق نظرا لمدى أهميته لتحقيق السلام والاستقرار الإقليميين، رغم معارضة السعودية لهذا القرار. وفي هذا السياق، من المرجح أن يكون موقف الكويت من الانسحاب الأمريكي من خطة العمل الشاملة المشتركة مدفوعًا بالرغبة في تجنب اندلاع حرب جديدة في المنطقة.
من جانب آخر، تدرك الكويت أن الضغط الخارجي على إيران قد يجبر الجمهورية الإسلامية على اتباع استراتيجية عدائية في علاقاتها مع الدول الغربية وحلفائها العرب. وقد يؤدي هذا بدوره إلى اندلاع حرب جديدة ستضر بأمن الدول الصغيرة في المنطقة. ومن شأن الحرب بين إيران والولايات المتحدة أن تضع الكويت في موقف ضعيف، بشكل خاص، بسبب تحالفها مع الولايات المتحدة.
تعارض الكويت المبادرات التي ترى أنها تهدد السلام والاستقرار الإقليميين، لأنها قد تؤثر سلبا على خططها المستقبلية. وترنو خطة “الكويت الجديدة” إلى تحقيق سلسلة من الأهداف الطموحة بحلول سنة 2035، التي ترتبط بمشروع “مدينة الحرير” الذي تسعى من خلاله لتطوير الجزر الكويتية. وتهدف هذه المساعي إلى جذب الاستثمارات الدولية وربط الكويت اقتصاديا بجيرانها، بما في ذلك إيران. وهذا يعني أن اندلاع حرب أخرى في المنطقة ستكون له تداعيات على هذه الخطط.
من منظور آخر، لا يعني دعم الكويت لخطة العمل الشاملة المشتركة حينما تم التوقيع عليها، وتفضيلها في الوقت الحالي عدم تأييد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية، أنها تدعم سياسات إيران الإقليمية. في المقابل، لا يحيل اختلاف موقف الكويت عن المملكة العربية السعودية فيما يخص خطة العمل الشاملة المشتركة إلى أن لها علاقة غير ودية مع الرياض.
بناء على طلب من الرياض، اعتقلت الكويت المواطن القطري من أصل سعودي، نواف الرشيد، وقامت بترحيله إلى المملكة العربية السعودية. ويمكن اعتبار ذلك علامة على مدى التزامها بالحفاظ على علاقاتها مع السعوديين
في الواقع، أظهرت الكويت للسعودية في العديد من المناسبات مدى التزامها بالعلاقة الجيدة التي تربطهما. وعلى الرغم من أنها لم تقطع العلاقات مع الجمهورية الإسلامية خلال سنة 2016، إلا أنها سحبت سفيرها من إيران.
بناء على طلب من الرياض، اعتقلت الكويت المواطن القطري من أصل سعودي، نواف الرشيد، وقامت بترحيله إلى المملكة العربية السعودية. ويمكن اعتبار ذلك علامة على مدى التزامها بالحفاظ على علاقاتها مع السعوديين، رغم موقفها بشأن قرار الولايات المتحدة المتعلق بالانسحاب من الاتفاق النووي، والعلاقات التي تنسجها مع طهران.
المصدر: المونيتور