سمير جعجع .. السياسي الماروني الذي كان من أهم قادة الحرب الأهلية اللبنانية .. والوحيد الذي تحمل تبعاتها ذات يوم .. فنال لوحده ثلاثة أوسمة شرف .. شرف المقاتل الشرس وشرف الاعتراف والاعتذار عن الجرم وشرف العقوبة الظالمة بحسب جمهوره والتي طهرت شيئاً من تاريخ قد لا يمحى من أذهان الكثيرين .. سمير جعجع الماروني الذي دافع كما لم يفعل غيره عن الربيع العربي وثورات الشباب العربي .. الماروني الذي قدم أرقى خطاب لقيادي لبناني مسيحي ذو حيثية شعبية منذ عقود طويلة .. والذي أظهر على غير عادة السياسيين اللبنانيين جرأة في الحفاظ على المبادئ وعدم التنازل والانكسار ..
بعد أن كسب الحكيم القاعدة السنية يبدو وكأن قياداتها خسرته .. هذه المرة ليس لتصادم أو اختلاف مبدئي أو جوهري .. بل لأنه على ما يبدو أن القيادات السياسية السنية التي خسرت أحد أهم عقولها وأحد أصدقاء جعجع الشهيد محمد شطح قبل شهور قليلة قد خضعت لقرار إقليمي بالتسوية والتهدئة في لبنان لحين حسم الصراع الأكبر في سوريا .. هذه التهدئة تستدعي رئيساً توافقياً .. أو تستدعي تهدئة رجل فعل كل شيء في سبيل تحقيق حلم حرم منه أكثر من مرة بعد أن كاد يتحقق ..
قلت لأصدقاء لبنانيين عدة ومنذ أكثر من شهر .. الرئيس القادم في لبنان سيكون إما ميشيل عون أو رئيس توافقي .. بمعنى رئيس لا يتخذ مواقف منحازة لأي طرف وبأي مرحلة .. وبالتالي رئيس لا يمكن أن يقول لحزب الله “لا” مهما فعل الحزب بحجة الوفاق الوطني .. وسبب قناعتي هذه هو أن غالبية البرلمان اللبناني اليوم تميل لهذا الخيار .. فمع نواب تكتل التغيير والإصلاح ونواب أمل وحزب الله وحلفائهم إلى جانب النواب السبعة الذين يأتمرون بأمر وليد جنبلاط والذي هو اليوم مقتنع تماماً أن الصراع في المنطقة حالياُ يصب بمصلحة حلف حزب الله .. وبالتالي يعتقد جنبلاط أنه لا يجب أن يقف أمام خيارات هذا التحالف .. وربما أفضل ما يمكن أن يصل إليه هو إقناع حزب بالله بخيار لا يصدم الطرف الآخر من اللبنانيين كميشيل عون ..
حقيقة لا يوجد أي شيء يشير بأن سعد الحريري لم يتفق مع ميشيل عون .. ربما ليس لانتخاب عون .. بل للعب دور في استراتيجية عون وطموحه للرئاسة .. وباعتقادي من قام بقتل الشهيد محمد شطح كان يعي تماما ماذا يريد .. كان يريد التسوية .. ولكن مع طرف ضعيف ومفكك ومنقسم .. أي باقصاء مسيحي 14 اذار وإرباك القيادات السنية التي تقف اليوم أبعد ما يمكن عن قاعدتها السنية نتيجة ضغوط إقليمية وضياع للبوصلة ..
واضح من خيارات السعودية أنها وضعت الارهاب عدواً مباشراً .. وحيدت الصراع مع حزب الله وعون ومن خلفهما إيران في هذه المرحلة لحين حل الأزمة الأكبر في سوريا .. رغم ان الحزب وايران لم يبادلا المملكة أي تجاوب إيجابي بهذا الشأن ..
نعود لمقلب الحكيم .. كيف يمكن بالسياسة أن يصل ميشيل عون للرئاسة؟ هو ببساطة لا يحتاج لأصوات تيار المستقبل .. ولا لأصوات مسيحيي 14 اذار ..
هو يحتاج لأمرين فقط .. وهنا يأتي دور تيار المستقبل في إنضاج التوافق أو التهدئة السعودية الإيرانية في لبنان .. وتقديم الرئاسة للعجوز الذي طالما حلم بها … ودفع بكل ما يملك من رصيد سياسي وأخلاقي ومبدئي ثمناً للفوز بها ..
يحتاج عون لأمرين .. الأول هو أن يجتمع أكثر من ثلثي النواب لجلسة انتخاب الرئيس .. وبمشاركة تيار المستقبل يكون قد قطع عون الشوط الأول في طريق الرئاسة .. أما الأمر الثاني .. فهو عدم السماح لوليد جنبلاط بلعب دور الوفاقي والدفع بمرشح ينال رضا الطرفين .. وهذا يقتضي ان يتبنى المستقبل خصم عون الرئيسي في الانتخابات وهو سمير جعجع كمرشح عن 14 اذار .. مما سيدفع بالمرشحين الى جولة اعادة .. وبالتالي تحييد قدرات جنبلاط التوفيقية في الجولة الانتخابية الاولى ..
في الجولة الثانية يبدأ دور جنبلاط الحاسم .. لمن سيصوت؟ لتسونامي الذي يبغضه أكثر من أي سياسي آخر؟ أم جعجع الذي لا يؤمن به ويعتبره متهور ولا يصلح لرئاسة لبنان المصبوغ بالأصفر البرتقالي اليوم بعيون جنبلاط؟ من تاريخ جنبلاط يبدو أن صوته في تلك الحالة بديهي ومحسوم ..
هذا السيناريو المنطقي والوحيد لوصول ميشيل عون للرئاسة .. طبعاً مع افتراض أن المستقبل لا يمكن أن يصوت لعون .. إذ عدا عن كون ذلك انتحار سياسي يخسره كلاً من حلفائه وجمهوره والسني والمسيحي .. لا يبدو أن التوافق السياسي المرحلي الذي أدى لتشكيل حكومة توافقية وقد يؤدي إلى تهدئة قد تفضي إلى وصول عون للرئاسة سيحسم خيار المستقبل بالخروج من تحالف 14 آذار أو التحالف الاستراتيجي مع عون ما لم يغادر عون نفسه موضعه السياسي الحالي بجانب حزب الله.
الرئيس القادم في الغالب سيكون ميشيل عون .. الرجل أمام فرصته الاخيرة للرئاسة .. وقد قطع هذه المرة أشواطاً طويلة في سبيل تحقيق الحلم .. والمؤشرات كثيرة لاقترابه من تحقيقه ..موقف السعودية .. عدم ممانعة أمريكية فرنسية .. دعم الأسد والقيادة الإيرانية ومباركة الروس .. تهدئة مع القيادات السنية وتأييد مطلق (أو هكذا يبدو) من الشيعة ونصف المسيحيين مصحوباً بضوء أخضر من سيد بكركي إلى جانب سبعة أصوات من الدروز تتبع لسياسي كشف حزب الله سره ..
الله وحده اليوم القادر على حرمان عون من الرئاسة .. أو لعله لا يهنئه بها طويلاً .. والشواهد على ذلك كثيرة .. ربما هذه المرة من كتاب التاريخ.