لم يكن حدث اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، حدثًا منفصلًا عن السياسات الإسرائيلية العدوانية التاريخية، وفي القلب منها سياسة الاغتيالات التي يمكن القول إن “إسرائيل” تفرط في استعمالها لعدة اعتبارات، تنقسم ما بين الهادفة إلى إحداث تأثيرات استراتيجية والهادفة إلى إحداث تأثيرات ذات طبيعة تكتيكية.
حفلَ تاريخ الشعب الفلسطيني بالمئات من عمليات الاغتيال التي استهدفت كوادر في المقاومة الفلسطينية، تنوعت ما بين اغتيالات لكوادر ميدانية واستهدافات للمستويات السياسية، بهدف خلق زعزعة في التركيبة القيادية للفصائل وإحداث فجوات في التسلسل القيادي من جانب، وخلق حالة من الردع من جانب آخر.
بقيَ سؤال الجدوى والأهداف مرافقًا لتاريخ هذه السياسة التي اضطلعت فيها أجهزة متعددة في التركيبة الأمنية للاحتلال، تنوعت بتنوع ساحات الفعل الفلسطيني، ففي الوقت الذي بدأت فيه هذه السياسة بوصفها أداة من أدوات جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي “الموساد”، توسّع الاضطلاع فيها ليشمل جهاز الأمن العام “الشاباك” وجهاز الاستخبارات العسكرية “أمان”، ضمن عمليات مشتركة أو منفصلة لهذه الأجهزة مع تصاعد الفعل الكفاحي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
في حين سوّقت “إسرائيل” لعمليات الاغتيال بوصفها قرارات “الضرورة الوقائية”، لإحباط هجمات موجهة ضدها أو حماية “مصالحها ومواطنيها” من خطر داهم، فإن الواقع كان مغايرًا تمامًا، خصوصًا فيما يتعلق باستهدافات القيادة السياسية سواء داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة أو خارجها، فيما يظهر أن هذه العمليات جزء فاقع من التعبير عن فعالية “اليد الطولى” لـ”إسرائيل” في الوصول إلى كل خصومها وملاحقة رموزها.
التاريخ الدموي ومحاولات تأطير الموقف السياسي
لا يمكن التأريخ للاغتيالات في العقيدة الأمنية الصهيونية من تاريخ محدد، إذ تعود بعض عمليات الاغتيال إلى ما قبل الإعلان عن قيام دولة الاحتلال في العام 1948، ومن أبرز تلك العمليات المبكرة اغتيال اللورد موين (سياسي ورجل أعمال بريطاني) عام 1944، لأنه لم يكن يشجّع هجرة يهود بريطانيا إلى فلسطين.
فيما اغتالت العصابات اليهودية الوسيط الدولي السويدي الكونت برنادوت في فندق الملك داود في القدس عام 1948، بسبب موقفه من الصراع الذي تفجّر بين الفلسطينيين والحركة الصهيونية.
هدفت هذه الاغتيالات في جوهرها إلى قتل أي نوع من أنواع نزع الشرعية، خصوصًا في الغرب، عن الاستيطان اليهودي في فلسطين، وتمرير إقامة دولة الاحتلال على الأراضي الفلسطينية المحتلة بوصفها تطورًا طبيعيًا للتواجد اليهودي على الأراضي الفلسطينية.
على مدار السنوات، أصبحت الاغتيالات سياسة راسخة عند قادة “إسرائيل” وحكّامها الذين شاركوا بأنفسهم في عمليات الاغتيال، وعلى رأسهم إسحاق شامير وإسحاق رابين وأرئيل شارون وشيمون بيريز ومناحيم بيجن، الذين شاركوا في العصابات الصهيونية مثل الهاغاناه والشتيرن والإرجون وغيرها.
كان النموذج الأبرز لأولى قوائم الاغتيال التي صدرت بقرار من أعلى الهرم في دولة الاحتلال عام 1972 بقيادة رئيسة حكومة الاحتلال الإسرائيلي غولدا مائير، التي أخذت على عاتقها توسيع هذه السياسة ردًّا على تصاعد النشاط الخارجي لمنظمة التحرير في حينه، وتحوُّل النضال الوطني الفلسطيني إلى فكرة أممية تكتسب حضورًا بارزًا، خصوصًا مع المساحة التي أتاحتها الحرب الباردة للحركة السياسية والتنظير الثوري.
شملت قائمة مائير استهداف كتّاب وأدباء وممثلين لفصائل منظمة التحرير الموجودين في دول أوروبية وعواصم عربية، بدأت من اغتيال الأديب غسان كنفاني، عضو المكتب السياسي للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في 8 يوليو/ تموز 1972 في منطقة الحازمية في لبنان، وليس انتهاءً باغتيال عاطف بسيسو في 8 يونيو/ حزيران 1992 في فندق ميريديان في باريس.
وما بينهما أكثر من 30 عملية اغتيال لشخصيات قيادية في منظمة التحرير اختيرت بعناية، إذ حملت في جوهرها الحاجة إلى إقصاء كل رواد ملاحقة مصالح الاحتلال في كل مكان ورفض الخيارات السلمية، لصالح دعاة الواقعية السياسية والتسليم بكون “إسرائيل” أمرًا واقعًا لا يمكن هزيمته أو تغيير واقع وجوده.
وذلك وسط إنهاك كبير للمؤسسات القيادية الفلسطينية، يسمح بتمرير المواقف التي كان يخشى أصحابها تداولها بعيدًا عن الزوايا الصغيرة في السنوات الأولى من عمر القوى الفلسطينية المعاصرة، ما استدعى تصفية مهندس الانتفاضة وموجّه فعلها خليل الوزير “أبو جهاد“، في مقر إقامته في تونس العاصمة بتاريخ 16 أبريل/ نيسان 1988، ما مهّد قياديًا لاستثمار فعل الجماهير الفلسطيني الكبير في الأراضي المحتلة لتمرير أفق سياسي تنازليًا تكلّل بالوصول إلى اتفاق أوسلو.
لم يشكّل اتفاق أوسلو نهاية لنهج الاغتيالات أو كابحًا لها، بل أعاد ترتيب الأولويات، إذ تركزت عمليات الاغتيال ما بعد أوسلو على نشطاء حركتَي حماس والجهاد الإسلامي، بهدف ضرب توسع الفعل المقاوم المعارض لاتفاق أوسلو وتوسع قاعدته الجماهيرية، ومواجهة محاولات “تفجير” الاتفاق بالأحزمة الناسفة والعمليات الاستشهادية، والتي كانت أبرزها داخل أراضي السلطة الفلسطيني عملية اغتيال هاني عابد، أحد أهم القيادات العسكرية للجهاد الإسلامي في قطاع غزة، في 2 نوفمبر/ تشرين الثاني 1994، واغتيال القيادي يحيى عياش، مهندس كتائب القسام وأحد أبرز قادتها، بتاريخ 5 يناير/ كانون الثاني 1996 في غزة.
بينما لوحقت قيادة الحركتَين خارج الأراضي المحتلة عبر اغتيال فتحي الشقاقي، مؤسس حركة الجهاد الإسلامي وأمينها العام، في مالطا بتاريخ 26 أكتوبر/ تشرين الأول 1995، ومحاولة اغتيال خالد مشعل في العاصمة الأردنية عمّان بتاريخ 25 سبتمبر/ أيلول 1997.
مع اندلاع الانتفاضة عام 2000 أخذت سياسة الاغتيالات بُعدًا جديدًا أكثر كثافة وتركيزًا، حيث تحولت إلى سياسة ممنهجة وعلنية هاجمت خلالها “إسرائيل” القيادة السياسية الفلسطينية بقوة غاشمة منذ العام الأول للانتفاضة، سعيًا إلى وضع حدّ لطموحات تحويل الفعل الانتفاضي إلى مصوِّب للمسار السياسي الفلسطيني، وفرصة لخلق أفق سياسي جدّي يحقق طموحات الشعب الفلسطيني ويعطيه جزءًا من حقوقه، بعد الفشل الذريع الذي مُني به اتفاق أوسلو ومساره.
وبناءً عليه، افتتح الاحتلال حملة اغتيالات الصف القيادي الفلسطيني باغتيال أبو علي مصطفى، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، في مدينة رام الله بتاريخ 27 أغسطس/ آب 2001، واغتيال إسماعيل أبو شنب، القيادي البارز في حركة حماس والمسؤول عن ملف العلاقات الوطنية فيها، بتاريخ 21 أغسطس/ آب 2003، واغتيال الشيخ أحمد ياسين، مؤسس الحركة وقائدها الروحي، في مدينة غزة بتاريخ 22 مارس/ آذار 2004، تلاه اغتيال عبد العزيز الرنتيسي، قائد حماس في قطاع غزة، بتاريخ 17 أبريل/ نيسان 2004، واغتيال الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بتاريخ 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 2004.
كانت حملة اغتيالات لم تتوقف، بلغت ذروتها عام 2005 الذي أحصى معهد الاستراتيجية الصهيونية 50 عملية اغتيال عن بُعد عبر استخدام الطائرات والمروحيات خلاله، والتي هدفت إلى خلق بيئة تسمح بتمرير اتفاق التهدئة في قمة شرم الشيخ الذي عقده محمود عباس، رئيس السلطة المنتخب حديثًا، مع أرئيل شارون، رئيس الوزراء الإسرائيلي، في 8 فبراير/ شباط 2005، ما سمح فعليًا بوضع حدّ لانتفاضة الأقصى وتمهيد الطريق لعودة السلطة إلى أوسلو بنسخة محدثة وأكثر التزامًا بالمعنى الأمني، وبإشراف مباشر من الجنرال الأمريكي كيث دايتون.
محاولات هندسة المستويات القيادية الفلسطينية
خلق الاقتناع لدى حكومات الاحتلال باستحالة تفكيك البنى السياسية والتنظيمية للقوى والفصائل الفلسطينية إلى التفكير استراتيجيًا بطريقة مغايرة، على قاعدة أنه إن كان وجود القوى أمرًا واقعًا فيجب العمل على تصميم وهندسة قيادتها بما يتناسب مع المعايير الإسرائيلية، ما حدا بها إلى التعامل مع اختيار أهداف الاغتيال بعناية ودقّة وسط تشخيص لطبيعة الشخصية المستهدفة وتأثيرها وحضورها القيادي، مع دراسة التسلسُل القيادي للقوى والفصائل المستهدفة وتقدير ديناميكيات اختيار البديل والبدائل المتاح وفرصها.
عملت “إسرائيل” على عدّ عمليات الاغتيال شكلًا من أشكال هندسة المستوى القيادي وفقًا لقاعدتَين. القاعدة الأولى هي الاغتيال بوصفه رادعًا وعاملًا للتدجين، عبر تحويل مصير القيادة المستهدفة إلى نموذج لردع بقية المستوى القيادي حول شكل وطبيعة الرد الإسرائيلي على استمرار نهج المقاومة والتصعيد ورفض التساوق مع المحددات الإسرائيلية، وإن كان ضمنيًا عبر قبول التحرك ضمن السقف المتاح.
وأما القاعدة الثانية تتمثل بتوجيه الاغتيالات توجيهًا محددًا يعيد صياغة المستوى القيادي للفصيل المستهدف، أو المشهد القيادي الفلسطيني عمومًا، إذ يعمل الاحتلال على توجيه ضربات محددة تستهدف إقصاء/ تغييب شخصيات قيادية في الهرم القيادي عبر عملية التصفية الجسدية، سعيًا إلى إعادة صياغة الصف القيادي وموازين القوى الداخلية بما يتناسب مع السقف الإسرائيلي المقبول.
التاريخ الفلسطيني زاخر بالاغتيالات وفقًا للقاعدتَين. وفي حالة القاعدة الثانية، عمد الاحتلال إلى محاولة تغيير التركيبة القيادية الفلسطينية عبر الاغتيالات، وتصفية من شُخّصوا وفقًا لدوائر الاستخبارات الإسرائيلية على أنهم روّاد مدارس سياسية ثورية لصالح مدارس سياسية واقعية أخرى داخل هذه الأحزاب والفصائل.
في حالة حركة فتح، فإن عمليات الاغتيال المركزة التي استهدفت قيادة الحركة نجحت في إفساح الطريق أمام إعادة هندسة القيادة، بما يسمح بتغيير الموازين القيادية في داخل الحركة لصالح المدرسة الواقعية، تكلّل أبرزها بعملية تصفية مهندس انتفاضة الحجارة والرجل الثاني في فتح، التي نتج عنها السماح بإعادة استثمار الانتفاضة لصالح إنجاز اتفاق أوسلو، تلاه سماح غياب الشخصيات القيادية التقليدية إلى تسلُّل قيادات السلطة التي برزت في عهد أوسلو إلى الصف القيادي للحركة، وتغيير البنية تدريجيًا لصالح تغييرات جوهرية وصلت حدّ حلّ الجناح العسكري لحركة فتح الذي نشط بفاعلية في انتفاضة الأقصى (كتائب شهداء الأقصى).
على المقلب الآخر، لم تنجح التقديرات الإسرائيلية في تقدير شكل وصيغة القيادة القادمة في مقاربة الصواب، بل إنه في حالات متعددة جلبت نتائج عكسية، فعلى سبيل المثال لم ينجح اغتيال أبو علي مصطفى في مطلع “انتفاضة الأقصى” في خلق صفّ قيادي أكثر انسجامًا مع الأطروحات المتعللة بالواقعية لقبول نزع فتيل الانتفاضة، بل وصل إلى الأمانة العامة أحمد سعدات، الذي نظّم عملية اغتيال الوزير الإسرائيلي رحبعام زئيفي.
وقد شكّل ذلك جزءًا من رفع مستوى وسقف المواجهة في “انتفاضة الأقصى”، وإخراجها من كونها فعلًا انتفاضيًا تحت السيطرة بغرض تكتيكي يهدف إلى تحسين الشروط التفاوضية، فيما لم تفلح عملية الاغتيال في تدجين أو تليين موقف الجبهة الشعبية السياسي الرافض لنهج أوسلو من جانب، والداعي إلى إصلاح وتطوير منظمة التحرير وإعادة تثويرها من جانب آخر.
في حالة حركة الجهاد الإسلامي، فإن الضربات التاريخية للصف القيادي الأول فيها، والتي هدفت إلى وأد الحركة في مهدها ومنع تطور حضورها وفعلها، حين نُفّذت عمليتا اغتيال فتحي الشقاقي مؤسس الحركة وقائدها، واغتيال هاني عابد القائد العسكري المسؤول عن تنظيم وتجنيد البنية التحتية لها في قطاع غزة؛ أثبت أن عمليات الاغتيال ساهمت في تقدم قيادات أخرى نجحت في استكمال عملية البناء والتطوير، وصولًا إلى حجم الفعل الحالي للحركة مع سقف سياسي يعدّ من الأصلب والأكثر راديكالية فلسيطينيًا.
على المنوال ذاته، وبنحو أكثر توسعًا، كانت عمليات الاغتيال التي طالت قيادات حركة حماس، إذ طالت حملات الاغتيال العديد من الرموز التي عدّها الاحتلال في حينه أنها صقور المستوى السياسي للحركة، وفق تشخيص أن حالة الإنهاك ومحاولات الهندسة القيادية ستنتج قيادة تقبل أولًا عملية إجهاض “انتفاضة الأقصى”، وتمكين القيادة الجديدة للسلطة الفلسطينية من إتمام عملية التغيير والترميم لاتفاق أوسلو المحدّث.
وفي هذا السياق، عُدّت مشاركة حماس في الانتخابات التشريعية عام 2006 بمثابة نجاح في خرط حماس في اللعبة السياسية ومؤسسات السلطة الفلسطينية، والاندماج عبرها تدريجيًا في مشروع التسوية، لكن عملية “الوهم المتبدد” وخطف جلعاد شاليط في غزة شكّلت الرد الأبرز على هذه المراهنات، ما أعاد آلة الحرب الصهيونية لتهاجم قطاع غزة بشدة في محاولة إسقاط حكم حماس عام 2008.
على النسق ذاته، وكما في مرحلة مفصلية من تاريخ الشعب الفلسطيني، كثّف الاحتلال من عمليات الاغتيال لقيادة حركة “حماس”، ارتكزت بشكل محدد على تصفية صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، أتبعها بعملية اغتيال إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي للحركة، ما يضع الحركة على ممر إجباري بضرورة اختيار رئيس جديد للحركة، في ظلّ القبوع تحت الاستهداف وآلة الحرب الإسرائيلية التي لم تتوانَ عن استهداف غالبية أعضاء المكتب السياسي للحركة في قطاع غزة وأعضاء مجلس شورتها.
فيما يحمل في جوهره محاولة تغيير للموازين الداخلية في الحركة، وحتى أوزان الأقاليم وتأثيرها، مع التقدير بأن حرب الإبادة وحجمها وتأثيرها ستفتح بالتأكيد جدلًا داخليًا حول جدوى أشكال المقاومة وحجمها وتأثيرها، ما قد ينتج صراعًا بين المدارس يسعى الاحتلال إلى الاستثمار فيه ومحاولة التأثير، بحثًا عن وصول قيادة تقدّم تنازلات جوهرية لم تنجح في انتزاعها بفعل القوة الغاشمة من القيادة السابقة.
الاغتيالات بوصفها دافعًا للمأسسة فلسطينيًا
في الشأن الفصائلي الفلسطيني، شكّلت الاغتيالات دافعًا لكل قوى وفصائل العمل المقاوم الفلسطيني إلى إطلاق عملية مأسسة واسعة لأطر العمل فيها، تجنبًا لأن تخلق عمليات الاغتيال فجوات لا يمكن تدارك تأثيرها على مجرى العمل أو ديمومته في كل حركة.
وبناءً عليه، فإن كل الفصائل التي تعرضت لاستهداف مركّز لكوادرها وقيادتها، سواء أكانت السياسية أو العسكرية، دأبت على تنظيم وترتيب أوجُه العمل وفق منهج مؤسسي يضمن استمرارية العمل وفق منهج تخصصي تنخرط فيه كوادر مهنية وفنية كفيلة بضمان استمرار العمل، بغض النظر عن حجم الضربات التي يمكن أن يتلقاها المستوى القيادي فيها.
وبالتالي، إن المردود العكسي لجدوى الاغتيالات كان في العديد من الأحيان سلبيًا على الاحتلال، وهو ما يمكن توصيفه بكون عمليات الاغتيال نجاحًا تكتيكيًا وإخفاقًا استراتيجيًا، وهو ما وصفه الصحفي الاسرائيلي رونين بيرغمان، في كتابه “قم واقتل أولًا: التاريخ السري للاغتيالات الإسرائيلية المستهدفة”، بأن سياسة الاغتيالات نجحت في إزالة تهديدات مباشرة محددة، لكنها فشلت في توليد حل طويل الأمد لمعضلة الأمن الإسرائيلي.
وأن قدرة الفصائل على تجاوز آثار عمليات الاغتيال ارتبطت ارتباطًا وثيقًا بأن الفصائل نجحت في مغادرة معادلات التأثير الفردي في القرار، إلى صياغة البرامج والاستراتيجيات الوطنية والكفاحية التي تخضع للتغيير والتعديل في المؤتمرات الداخلية الكبرى، وليس بتغيير الأشخاص والأفراد من المستوى القيادي.
ويمكن التخليص بأن الأثر المباشر لعملية الاغتيال بالمعنى التكتيكي يكون في المكاسب السياسية التي تجنيها حكومة الاحتلال أو رئيسها، لاعتبارات مرتبطة بالدعاية والردع والحضور الداخلي، ولربما ترميم الصورة الخارجية حول القدرة على الضرب في المكان والزمان الذي تريده “إسرائيل”.
إلا أن التأثير بالمعنى الاستراتيجي يرتكز إلى الكيفية التي تتعامل معها كل الأطراف في استيعاب عملية الاغتيال وأهدافها ومآربها، في الحفاظ على صلابة الخط السياسي وتماسك المستوى القيادي، وكبح محاولة الاحتلال هندسة الصف القيادي أو تأطير موقفه السياسي بما ينسجم مع مخططاته السياسية، ودفع القوى والفصائل إلى مسارات سياسية تقبل بمشاريع انهزامية، خصوصًا مع وجود حكومة الحسم الصهيونية بقيادة بنيامين نتنياهو الهادفة إلى القضاء على أية كينونة فلسطينية وتصفية أي وجود فلسطيني سياسي.