شكل القرار الجمهوري رقم 38 للعام 2018 مفاجأةً للنخبة السياسية اليمينة، حيث أصدر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي قرارًا رئاسيًا بإقالة عبد الملك المخلافي من منصبه الحكومي المزدوج (وزير الخارجية ونائب رئيس الوزراء)، وأضافه بقرار آخر إلى قوام هيئة مستشاريه، في خطوة مفاجئة لم تتضح دوافعها على الفور.
إلى ذلك، أصدر هادي قرارًا ثالثًا بتعيين مندوب بلاده الدائم لدى الأمم المتحدة خالد اليماني، في منصب وزير الخارجية، خلفًا للمخلافي، فيما قضى قرار رئاسي آخر بإسناد منصب المندوب الدائم لليمن لدى الأمم المتحدة إلى مدير مكتبه الأسبق أحمد عوض بن مبارك، إلى جانب منصبه الحاليّ ومفوضًا للجمهورية اليمنية وسفيرًا لليمن في واشنطن.
كواليس الإقالة
قرار الرئيس هادي بإقالة المخلافي حمل مفاجأة جديدة على المشهد الميني المعقد، حيث لم يكن اسمه مطروحًا حتى وقت قريب، فالتسريبات التي كانت قد بدأت منذ نحو أسبوع عن تغييرات مقبلة، جاءت من دون الإشارة إلى أن المخلافي أحد المستهدفين من التعيينات.
ووفقًا لمصادر قريبة من الحكومة فإن “القرارات التي أطاحت بالمخلافي من منصبه واختيار هادي للمندوب اليمني الدائم لدى الأمم المتحدة خالد اليماني، وهو أحد الدبلوماسيين القريبين منه الذين أدوا دورًا في أحلك سنوات حكمه، صدرت بصورة مفاجئة ومن دون مقدمات أو نقاشات في إطار الهيئة الاستشارية للرئيس عبد ربه منصور هادي، بشأن تغييرات من هذا النوع، بحسب ما نقلت “العربي الجديد” عن المصادر.
وكان توقيت قرار الإطاحة بالمخلافي من حقيبة الخارجية ونقله إلى منصب “المستشارين”، وهو منصب شرفي يتهم هادي بأنه يوزعه على كل من يريد تحييده من دون استعدائه، أكثر ما أثار تساؤلات خصوصًا أن الخطوة جاءت في وقت يواجه فيها هادي أزمات عدة، أبرزها الأزمة مع الإمارات.
وفي أول ردة فعل له على القرار، نأى وزير الخارجية اليمني المقال بنفسه عن ذكر دوافع الحكومة اليمنية، واقتصر في تغريدة له على حسابه بتويتر على تهنئة الوزير الجديد، ولم يتأخر اليماني كثيرًا حيث رد على المخلافي شاكرًا جهوده التي بذلها في قيادة وزارة الخارجية قائلًا: “سنبقى نعمل كفريق واحد من أجل اليمن”.
يرجح مراقبون للشأن اليمني أن إزاحة الرئيس هادي للمخلافي المحسوب على حزب التنظيم الناصري، لها علاقة برغبته في إحلال أهل الثقة المقربين منه في المناصب الخارجية الحساسة
وأطلق ناشطون يمنيون على مواقع التواصل الاجتماعي تساؤلات استغربوا فيها إزاحة المخلافي من منصبه، رغم تمكنه من إدارة ملف الخارجية اليمنية بكفاءة واقتدار منذ توليه المنصب، كما استغربوا حرص هادي على إسناد منصب المندوب الدائم لليمن إلى السفير لدى واشنطن.
وفيما التزم المخلافي الصمت حيال هذه التساؤلات، بررت بعض المواقع الإعلامية قرار الرئيس بإقالة المخلافي بأنه جاء بناءً على طلبه بسبب ظروفه الصحية التي لا تمكِّنه من القيام بمهامه بشكلٍ مثالي، ووصفت مواقع مقربة من الرئيس هادي القرار بأنه “صفعة” للمخلافي، فيما وصفت أخرى تهاني المخلافي بأنها “تصدم الجميع”.
ويرجح مراقبون للشأن اليمني أن إزاحة الرئيس هادي للمخلافي المحسوب على حزب التنظيم الناصري، لها علاقة برغبته في إحلال أهل الثقة المقربين منه في المناصب الخارجية الحساسة، كما أنهم لا يستبعدون كذلك أن يكون للأمر صلة بخلافات غير معلنة داخل أجنحة الشرعية.
تصرف إقصائي متعدد الأطراف
حمل قرار إبعاد المخلافي تفسيرات عدة، أولها مرتبط بالخلاف بين الشرعية والإمارات الذي اتخذ بُعدًا جديدًا بعد أزمة سقطرى، خصوصًا بعد إرسال الحكومة اليمنية رسالة إلى مجلس الأمن تشتكي فيها تصرفات الإمارات في سقطرى، لكن القرار لا ينفصل بالنسبة للبعض أيضًا عن أهداف أخرى يريد تحقيقها هادي واختار التوقيت الملائم لمحاولة تمريرها.
وبحسب مراقبين، فإن القرار شكل مفاجأة للمخلافي حاول بها الرئيس اليمني الظهور كصاحب قرار ولو على حساب التضحية برجاله الذين لا يتكئون على سند قبلي أو عسكري، كما هو حال وزير خارجيته عبد الملك المخلافي، بعد المواقف المخجلة التي تعرض لها من السعودية والإمارات.
وفي التصرف الإقصائي دلالات يريد هادي من خلالها أن يقول إنه ما زال صاحب قرار، فضلًا عن توجيهه ضربة تأديبية لمناصريه في محافظة تعز الذين لا يكن لهم أي ود، كما أنه يريد التغطية على أنباء تكبيله من السعودية والإمارات اللتين انتزعتا صلاحيته.
ويرى مراقبون محسوبون على التنظيم الناصري في اليمن، أنه منذ تسلمه لمنصبه كوزير للخارجية في الحكومة الشرعية، تعرض المخلافي لحملات شرسة من خصومه وحلفائه السياسيين على حد سواء، غير أنها ازدادت في الآونة الأخيرة ممن يفترض أن يكون معه في معركة واحدة وخندق واحد، حيث تزايدت هذه الحملات وصولًا للتعرض لتفاصيل حياته الشخصية ولتبلغ القمة بتداول أخبار في مؤتمر القمة العربية التي عقدت مؤخرًا في السعودية، مؤكدين أن مواقف المخلافي تنطلق من موقف التنظيم الناصري.
بحسب تقارير إعلامية يمنية، فإن القرار الرئاسي المفاجئ لدى بعض المراقبين، جاء بعد اتفاق بين الرئيس والمخلافي والتنظيم الناصري
وفي المقابل للإقالة رواية أخرى، وبحسب تقارير إعلامية يمنية، فإن القرار الرئاسي المفاجئ لدى بعض المراقبين، جاء بعد اتفاق بين الرئيس والمخلافي والتنظيم الناصري، حيث أكدت تلك التقارير أن الدوافع الرئيسية لإقالة المخلافي، كانت صحية، فالأخير خضع لعمليتين خلال أشهر، اضطرته للموافقة على الإقالة، نظرًا لعجزه عن أداء مهماته بشكل مثالي في اللحظة الراهنة.
اقتضى ذلك – بحسب مراقبين – صفقة ما تمت بين الرئيس والتنظيم الناصري، قضت بالقبول بإقالة المخلافي مقابل حصول الناصريين على تعويضات مناسبة تشمل حقائب وزراية في إطار التعيينات الحكومية القادمة، ومحافظين لقيادات ناصرية جرى الاتفاق عليها وستخرج للعلن في وقت لاحق بالتزامن مع تسريبات التعديل وزاري في حكومة بن دغر.
وفي نفس سياق تعليقات كثيرة جاءت للمخلافي على حسابه الرسمي على موقع تويتر، ذكر حساب “تاريخ الجنوب العربي” الذي يتابع الحراك الداعم للشرعية، في تغريدة على موقع تويتر أن “الشرعية تستجيب لضغوط إماراتيه بإقالة وزير الخارجية عبد الملك المخلافي الذي كشف عورة الإمارات، الانبطاح سيؤدي إلى مزيد من الانبطاح”.
فيما انتقد الحساب قرار الإقالة قائلًا: “تم إقالة هذا الوزير المحترم الذي خدم اليمن بكل تفانٍ، لم يُشكل مجلسًا انتقاليًّا شماليًّا أو مليشيات أو تمرد على الشرعية أو طالب بانفصال الشمال أو أصبح عميلًا لدولة أخرى، بل هنأ من يخلفه وقبل الإقالة بروح طيبة، وهذه عادة الكبار دائمًا”.
الإمارات تثبت حضورها
كان عبد الملك المخلافي الأقل بين وزراء الحكومة الشرعية ظهورًا وتصريحًا خلال الأزمة مع دولة الإمارات، ومع التحالف بشكل عام، إلا أن قرار الرئيس اليمني الصادر فجر الخميس الماضي، جاء ليطيح به دون غيره من منصبه، وهو ما جعل قرار إبعاده يحمل تفسيرات عدة.
أول هذه التفسيرات مرتبط بالخلاف بين الشرعية والإمارات الذي أرجع بعض السياسيين اليمنيين أسبابه لتباين الآراء داخل الحكومة اليمنية بشأن عدد من الملفات، أبرزها مسألة التنسيق مع التحالف بقيادة السعودية، والأزمة الأخيرة بين الحكومة اليمنية والإمارات بشأن نشرها قوات عسكرية في جزيرة سقطرى.
وكانت الأسابيع القليلة الماضية قد شهدت أزمة دبلوماسية بين هادي والإمارات نتيجة سيطرة قوات إماراتية حينذاك على جزيرة سقطرى، في أثناء وجود رئيس الحكومة أحمد بن دغر فيها، واتخذت الخلافات بعدًا جديدًا، خصوصًا بعد إرسال الحكومة اليمنية رسالة إلى مجلس الأمن تشتكي فيها تصرفات الإمارات في الجنوب اليمني.
وتصاعدت الأزمة بين الشرعية والإمارات تحديدًا، بعد تصريحات تليفزيونية للمخلافي، على جانب القمة العربية في الظهران السعودية، منتصف أبريل/نيسان الماضي، أقرّ الإمارات تمنع عودة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى عدن، وكشف للمرة الأولى كذلك وعلنًا، في حوار مع شبكة “بي بي سي” البريطانية، وجود إشكاليات وتباينات مع الإمارات والتحالف العربي لا بد أن تحل، ولا يمكن أن تستمر خصوصًا فيما يتعلق بالمليشيات الخارجة عن الشرعية.
ذكرت صحيفة “القدس العربي” نقلًا عن مصدر سياسي أن هادي أجرى هذا التعديل الوزاري وتغيير وزير خارجيته، رضوخًا للضغوط الإماراتية التي تعاظمت خلال الأسابيع الماضية عليه
وفي أبريل الماضي، وصف المخلافي دولة الإمارات بـ”اللص”، متوعدًا إياها بالمطاردة مع حليفها المجلس الانتقالي الجنوبي وقواته الممثلة بالحزام الأمني والنخب، وقال في تغريدة له على موقع التواصل الاجتماعي تويتر: “رضينا بالهم.. والهم ما رضي بينا، لن ينعم اللص بغنيمته”.
وعلى الرغم من أنها كانت تصريحات دبلوماسية، أقل حدة، مما صدر عن وزراء آخرين، فإن المخلافي المحسوب على التنظيم الوحدوي الناصري الذي كان يشغل فيه منصب الأمين العام المساعد للحزب في وقتٍ سابق، كان تحت دائرة الهجوم المتواصل، وأعلن في أحد تصريحاته، أنه “يتعرّض لاغتيال معنوي”، بعد حمله شنّها ضده مناصرو الحراك الجنوبي وما يُسمى بـ”المجلس الانتقالي الجنوبي”، المدعوم إماراتيًا.
عززت تلك التكهنات محاولة ربط إبعاد المخلافي من منصبه بهذه الخلافات، خصوصًا مع ظهور دبلوماسيين هاجموا ممارسات التحالف بصراحة، على غرار السفير اليمني في اليونسكو أحمد الصياد، وما رافق ذلك وسبقها من تصريحات، أظهرت نجاح الحكومة اليمنية، باستخدام وزارة الخارجية كسلاح بمواجهة ما تتعرض له من التحالف وأبو ظبي بوجه خاص، في المناطق “المحررة” من جماعة أنصار الله (الحوثيين).
وذكرت صحيفة “القدس العربي” نقلًا عن مصدر سياسي أن هادي أجرى هذا التعديل الوزاري وتغيير وزير خارجيته، رضوخًا للضغوط الإماراتية التي تعاظمت خلال الأسابيع الماضية عليه، وأشارت الصحيفة إلى أن الإمارات طالبت بشدة بتغيير وزير الخارجية المخلافي، وهو ما استجاب هادي له وعمل على تنفيذه أخيرًا.
الرياض أيضًا في المشهد
يأتي قرار إقالة عبد الملك المخلافي من منصب وزير الخارجية في وقت تتسارع فيه الأحداث في البلاد على الصعيدين السياسي والأمني وتتفاقم إنسانيًا، كما تزامن القرار مع اشتداد وتيرة المواجهات في محافظة تعز بين القوات الموالية للرئيس هادي والمسلحين الحوثيين في منطقتي القصر الجمهوري والتشريفات شرق المدينة، وتسبب المواجهات في إغلاق المستشفى الجمهوري في المدينة.
ليس ذلك فحسب، فتصريحات المخلافي المتكررة عن التحالف أزعجت الرياض ومن خلفها أبو ظبي، وبناءً عليه، ضغطت السعودية على هادي من أجل إقالة المخلافي، لكن مصادر سياسية مقربة من التحالف، ذكرت أن الرياض لم تظهر انزعاجها، لكنها تركت الأمر للإمارات، وكأنها بعيدة عما يحدث رغم أنها المتحكمة في كل شيء.
إقالة وزير الخارجية المخلافي
هل تشمل إقالة أولاده وزوجته وأقاربه الذي عينهم بالوزارة
أم إقالتة هو شخصيا فقط؟— صحيفـة الأيــــام (@alayeam) May 25, 2018
ويرى مراقبون أنه بعد ظهور وزراء وجّهوا أصابع الاتهام مباشرة إلى التحالف الذي تقوده السعودية، ووضعوا علامات الاستفهام بشأن ممارساته التي أدت إلى تقويض الشرعية وإضعاف سيطرتها، كان من المتوقع تكريس تفاهمات على التهدئة أدت إلى تغييرات لبعض الوزراء، وفي نفس الوقت ترضية للسعودية بالإطاحة بمن شن هجومًا لاذعًا ضدها من منصات الحكومة اليمنية.
كما يعزز دور السعودية في الإقالة رغبتها في تكريس الانفصال الذي يسعى له هادي كون آخر وزير شمالي في حكومته كان المخلافي، فالسعودية توجه بإقالة كل الوزراء المحسوبين على الشمال من أجل تهدئة الجنوبيين، وبحسب التسريبات التي تحدثت عن تغيير وزاري، سيكون هناك قرار بتعيين وزير محسوب على الجنوب في أحد الوزارات.
وفي هذا الشأن، كتب الصحفي المحسوب على التحالف محمد سعيد الشرعبي تغريدة في صفحته على التويتر قال فيها: “الحكومة الآن أصبحت جنوبية بالكامل وليس هناك أبعاد وطنية لقرارات هادي بل تؤسس للانفصال العملي”.
بدأ استهداف المخلافي من الإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي قبل شهرين خصوصًا بعد حديثه عن الإمارات، ومن ضمن تلك الحملات التي استهدفت المخلافي “حملة الشمة”
وكان المخلافي قد اتهم بممارسة الفساد خلال الفترة الماضية، وكشف الصحفي المحسوب على التحالف نبيل الأسيدي خلال الأشهر الماضية ملفات فساد المخلافي، ومن ضمن تلك الملفات تعيين أبنائه وأسرته في مناصب عليا بالإضافة إلى سرقته للكثير من الأموال الجوازات والمتاجرة بالمنح التعليمية والمناصب الدبلوماسية.
وبدأ استهداف المخلافي من الإمارات والمجلس الانتقالي الجنوبي قبل شهرين خصوصًا بعد حديثه عن الإمارات، ومن ضمن تلك الحملات التي استهدفت المخلافي “حملة الشمة” التي بدأتها مواقع إخبارية محسوبة على الإمارات، واستهدفته في أثناء ظهوره بالقمة العربية في السعودية وهو يخرج شيئًا من منديل ويتناوله، تلك الحملة التي قالت إن الخلافي يتعاطى الشمة، كان لها أثر كبير وبدأت بتشويهه.