بيت الورق السعودي: لماذا لا يرى بن سلمان سوى الأعداء من حوله؟

000_1427xv

ترجمة وتحرير: نون بوست

تعكس ثلاث موجات من الاعتقالات جنون العظمة الذي يعاني منه محمد بن سلمان، الذي يبدو أنه غير قادر على التمييز بين الصديق والعدو. وعلى الرغم من وصوله للعرش بإجماع المسؤولين تقريبا، إلا أن ولي العهد السعودي يتصرف وكأنه غير واثق من توليه لمنصب الملك المستقبلي للمملكة.

الشعور بعدم الأمان

يمكن النظر لحملات الاعتقال التي يقوم بها ولي العهد على أنها مؤشر على انعدام الأمان، أو تكتيك قائم على القمع أو استراتيجية تعبئة شعبية لضمان الموافقة التامة على سياساته وأسلوب قيادته، ناهيك عن التذكير بشرعيته الخاصة بصفته الوريث الأبرز لاستلام العرش. في المقابل، تستهدف كل حملة من حملات الاعتقالات الأفراد بطريقة توحي بأنها ستعمل على ترسيخ القصة الملحمية الجارية في المملكة، ألا وهي صراع العروش. ويسلط هذا الأمر بدوره الضوء على عدم قدرة ولي العهد على تطوير الرؤية الاقتصادية التي تحدث عنها عند توليه منصبه الحالي. وتعكس هذه الاعتقالات الرغبة الشديدة في تعزيز السلطة عن طريق القمع عوضا عن تحقيق التوافق.

في المقام الأول، وقع استهداف مجموعة من الإسلاميين من طوائف مختلفة في أيلول/ سبتمبر، حيث كانوا متهمين جميعا بنشر تعاليم الإسلام المتطرف، في وقت أراد فيه ولي العهد جعل المملكة العربية السعودية تتبنى عقيدة أكثر اعتدالا. ومن بين هؤلاء المعتقلين، علماء دين مشهورين ومفكرين، فضلا عن ثلة من خبراء الاقتصاد ورجال الأعمال.

في واقع الأمر، لم يكن هؤلاء المعتقلين يتسمون بالتطرف، لكن العنصر المشترك بينهم كان يتمثل في إحجامهم عن الإشادة برؤية الأمير الاقتصادية أو إدانة قطر واعتبارها مصدرا للإرهاب. على العكس من ذلك، كان هؤلاء الأشخاص ينتقدون سياسة الملك سلمان وابنه بكل بساطة. لذلك، يعتبر المعتقلون سجناء رأي وليسوا خونة كما عمد النظام إلى تصويرهم بعد اعتقالهم مباشرة. وقد كان الشيخان سلمان العودة وعائض القرني من بين أول الأشخاص الذين تعرضوا للاعتقال، وتبعهم خبراء اقتصاد مثل عصام الزامل، إلى جانب العديد من الأكاديميين والصحفيين والشعراء.

كانت الموجة الثانية من الاعتقالات أكثر إثارة، وذلك من حيث هوية الشخصيات  المعتقلة، ومكان الاحتجاز غير المألوف الذي وضعوا فيه

موجة متلاحقة من الاعتقالات

بهدف تبرير الاعتقالات، تم توظيف اتهامات معدة مسبقا تقضي بانتماء المعتقلين لجماعة الإخوان المسلمين المحظورة. بالإضافة إلى ذلك، أصبح “التواصل مع كيانات أجنبية” تهمة مبتذلة تكرر استخدامها خلال موجة الاعتقالات الثانية. وقد وظفت هذه الاتهامات للقضاء على جميع الأصوات الناقدة انطلاقا من الجهاديين المتطرفين وصولا إلى الإسلاميين الداعمين للملكية الدستورية وأصحاب المشاريع الاقتصادية.

كانت الموجة الثانية من الاعتقالات أكثر إثارة، وذلك من حيث هوية الشخصيات  المعتقلة، ومكان الاحتجاز غير المألوف الذي وضعوا فيه. خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر سنة 2017، تم اعتقال عدد من الأمراء السعوديين على غرار وزير الحرس الوطني السعودي، متعب بن عبد الله والملياردير الوليد بن طلال  وكثيرين غيرهم من النخبة الاقتصادية وأصحاب النفوذ في دواليب الحكم الذين احتجزوا في فندق ريتز كارلتون في الرياض. وقد وصفت حملة اعتقالهم على أنها حملة لمكافحة الفساد وتطهير السعودية من الذين نهبوا ثروتها على امتداد سنوات عديدة. وقد كان من الصعب  تصديق الرواية الرسمية للحكومة السعودية، نظرا لعدم تنظيم محاكمات وغياب أدلة علنية ضد المعتقلين الذين تم الكشف عن هويتهم فيما بعد،  فضلا عن الفدية التي دفعتها العديد من الأسر بعد أسابيع من احتجازهم.


أشارت العديد من التقارير إلى أن فندق ريتز كارلتون في العاصمة السعودية الرياض قد تحول إلى سجن مؤقت بعد حملة التطهير غير المسبوقة التي شنتها المملكة العربية السعودية.

كان الأمر أشبه بحركة متعمدة للقضاء على منافسي ولي العهد المحتملين من أبناء عمومته ومعاقبة أثرياء السعودية، وحرمانهم من قسم كبير من ثروتهم في وقت كانت هناك حاجة إلى مبالغ مهمة لتمويل مشاريع ولي العهد. ولعل الجانب الأكثر بروزا في هذا الصدد يكمن في أن حجة مكافحة الفساد أرضت السعوديين الذين كانوا ضحية الفساد، خاصة وأن أبرز المسؤولين في صلب الحكم كانوا يوظفون مناصبهم وامتيازاتهم لنهب الثروات.

محاولة للثأر من الماضي

خلال حملة مكافحة الفساد التي شنها، كان السعوديون على استعداد لتصديق الحجج التي قدمها محمد بن سلمان والإشادة بإنجازاته نظرا لاعتقاله حتى أقاربه. لكن، في 12 أيار/ مايو، جاءت أنباء غير متوقعة عن احتجاز شاب من عائلة الرشيد وترحيله من الكويت إلى المملكة العربية السعودية. وتجدر الإشارة إلى أن عائلة الرشيد حكمت إمارة حائل في شمال المملكة العربية السعودية، وهُزمت من قبل آل سعود خلال سنة 1921. وقد بدا الأمر وكأن بن سلمان يحاول الثأر من الماضي.

يعد ابن عمي، نواف الرشيد، البالغ من العمر 29 سنة، نجل طلال عبد العزيز الرشيد، وهو شاعر شهير اغتيل في ظروف مريبة في الجزائر بينما كان في رحلة صيد خلال سنة 2003. ولم يكن والد نواف شاعراً مشهوراً فحسب، بل رمزا في مجال الأدب ذاع صيتها عبر الخليج وخارجه. فقد ألهب شعره النبطي (شعر يعرف أحيانا باسم “الشعر البدوي”) خيال الكثيرين الذين فهموا معانيه المبطنة وإيحاءاته التي تشير إلى الماضي البعيد.

تم استغلال نواف من قبل العديد من المجموعات لأغراضهم الخاصة. وقد أجبر السعوديون الكويت على تسليمه

يعتبر نواف حفيد عبد العزيز، الذي حكم حائل في مطلع القرن العشرين. لذلك كان نواف الشاب يحمل على كتفيه عبء تاريخ أجداده ولعنة الاسم والنسب، الذي كان يثير خوف وجزع آل سعود. منذ اغتيال والده، انتقل نواف ليعيش مع أمه القطرية، ليحصل فيما بعد على الجنسية القطرية.  وقد تمت دعوة نواف من قبل قبيلة شمر في الكويت من أجل حضور حفلة شعرية. وعلى مدى ثلاثة أيام، قُرأت الأشعار، وذبحت الأغنام وعرضت رقصات السيف.

لكن، يجب فهم حسن الضيافة القبلية المفرط فيه لنواف في سياق موقف قبائل مثل شمر في بلاد آل صباح. فعلى الأغلب، أرادوا من خلال ذلك توجيه رسائل مبطنة إلى حاكمهم، حتى يؤكدوا من خلالها أنهم ما زالوا مهمين وبإمكانهم حشد الدعم وكسب التضامن القبلي. ونظرا لأن العديد من الشمر في الكويت يعتبرون من البدون أو عديمي الجنسية أو المحرومين من الجنسية الكويتية على الرغم من استيطانهم هناك منذ أجيال، فقد قامت القبيلة بهذه الأداء المسرحي لتوجيه رسائل مضمنة لآل صباح. من جهة أخرى، يعتبر العديد من أفراد الشمر من المواطنين الكويتيين العاديين الذين يملكون الحق في المشاركة في الانتخابات، حتى أنهم تمكنوا من الفوز بمقاعد برلمانية.

تطهير التاريخ

للأسف، تم استغلال نواف من قبل العديد من المجموعات لأغراضهم الخاصة. وقد أجبر السعوديون الكويت على تسليمه. ووفقا للاتفاقية الأمنية لدول مجلس التعاون الخليجي التي وقعتها جميع الدول الأعضاء، أعلنت وزارة الداخلية أنها أرسلت نواف إلى المملكة العربية السعودية، حيث تم اعتقاله. وتجدر الإشارة إلى أن نواف دخل الكويت بجواز سفر قطري، ولكن ذلك لم يساعده في شيء.

في الأثناء، عكس البيان الكويتي الغامض مدى الهيمنة التي تفرضها المملكة العربية السعودية على الكويت وتأثيرها هناك. من ناحية أخرى، أرادت قطر أن تستغل هذه الفرصة السانحة على مستوى علاقتها مع الكويت، التي رفضت الانحياز لأي طرف خلال النزاع القطري السعودي، وحاولت لعب دور الوسيط إلا أن جهودها لم تؤت أكلها.

في هذا السياق، لم تدل قطر بأي تصريح رسمي، في حين اكتفت منظمة قطرية لحقوق الإنسان فقط بانتقاد تصرفات الكويت. وتعد عملية القبض على شاب بريء غير مسيس من عائلة الرشيد، لا لشيء إلا لأن اسمه مرتبط بعصر تاريخي مضى، بمثابة عملية تطهير للتاريخ.ومن المرجح أن ولي العهد يخشى من أن تنجح قطر في إعادة تشكيل قيادة بديلة وترسيخ عصر جديد من المطالبات القبلية والادعاءات المضادة. ومن المفارقات أن المملكة العربية السعودية أرادت الترويج لقيادة قطرية بديلة عندما أعلنت أن الشيخ عبد الله بن علي آل ثاني بديل محتمل للحاكم القطري الحالي، تميم بن حمد آل ثاني، بيد أن هذه الخطة وصلت إلى طريق مسدود.


نساء سعوديات يلتقطن صورة سيلفي أثناء حضورهن حفل نجم البوب المصري، تامر حسني الذي أحياه في جدة.

عندما نشب الصراع القطري السعودي خلال صائفة سنة 2017، عُقدت مهرجانات مورا وقحطان القبلية بشكل متواصل، بهدف التنديد بممارسات أمير قطر، مع العلم أن أفرادا من كلا القبيلتين يعيشون في الجانب الآخر من الحدود القطرية. وقد  قامت المملكة العربية السعودية بتعبئة العنصر القبلي في صراعها مع قطر، لذلك كانت تخشى أن يقوم القطريون بإتباع الاستراتيجية ذاتها، خاصة وأن نواف الرشيد كان يعيش هناك. لقطع السبل أمام أي محاولة قطرية للتدخل في الشؤون القبلية، اختطفت المملكة العربية السعودية ببساطة نواف وأضحى مكانه مجهولا منذ 12 أيار/مايو.

حركة نسوية سعودية حديثة النشأة

تداولت العديد من التقارير الإخبارية هذا الأسبوع أنباء اعتقال سبعة ناشطات في مجال حقوق المرأة ومحاميين. وفي إجراء غير مسبوق، نشرت وسائل الإعلام المطبوعة السعودية صور الناشطات الحقوقيات، حيث أشادت عناوين هذه التقارير بالإجراء الذي اتخذته القيادة السعودية للتخلص من الخونة وأولئك الذين تجاوزوا الخط الأحمر، الخط المقدس للوطن.

لطالما نظمت ناشطات على غرار عائشة المانع، وعزيزة يوسف ولجين الهذلول حملات من أجل المطالبة بحقوق المرأة ورفع الحظر على القيادة وإلغاء نظام الوصاية. وقد كانت الناشطة الأكبر سناً بين المعتقلات تبلغ من العمر 70  سنة وأصغرهن في أواخر العشرينات من عمرها. وقد مثلت هؤلاء النساء حركة نسوية سعودية مستقلة حديثة النشأة، في حين حاولن سد الفجوة بين الأجيال والعمل في ظل دعم شعبي.

على الرغم من أنه تم استهداف مجموعات مختلفة خلال الأشهر الماضية، إلا أنه هناك أوجه تشابه تربط بين حملات الاعتقالات، حيث تكشف جاها أن محمد بن سلمان عازم على نشر الخوف، فضلا عن القضاء على المعارضة وتخويف الجماعات القبلية

لم تكن هؤلاء النسوة من حريم السلطان اللاتي يدعمن الحكومة وينتظرن تعيينهن على مستويات عالية في بيروقراطية الدولة على اعتبارهن جزءا من جدول أعمال ولي العهد الرامي لتعزيز مكانة المرأة. ولن يتوقف نضال هؤلاء النساء بمجرد السماح لهن بقيادة سياراتهن جيب تويوتا.

يبقى السؤال المطروح، هل يشعر محمد بن سلمان بعدم ارتياح إزاء من حوله من  الوهابيين الموالين له بعد أن سمح للنساء بقيادة السيارات والذهاب إلى الحفلات ودور السينما؟ هل يريد أن يرضي المؤسسة الدينية ويطمئنها أنه في صفها، على اعتباره مسلما معتدلا يمد يده للمرأة ليمنحها قدرا من حقوقها، ليفتك حرياتها بالأخرى؟ تعكس اللغة الغامضة والمشحونة التي تستخدمها الصحافة السعودية لتبرير الاعتقالات بما في ذلك صفات من قبيل “الخيانة” الرغبة في تعبئة السعوديين ضد عدو خارجي خيالي. ولكن هل يمكن أن يكون هذا العدو إيران أو قطر أو كلاهما؟

طالما أنه يتم التلاعب بالرأي العام السعودي لجعله يعتقد أن المملكة مستهدفة من قبل “شياطين” أجانب وأنها محل حسد من قبل أعداء صمموا على تقويض أمنها ودينها ومصالحها الوطنية، لم يعد الأمر مهما حقاً. على الرغم من أنه تم استهداف مجموعات مختلفة خلال الأشهر الماضية، إلا أنه هناك أوجه تشابه تربط بين حملات الاعتقالات، حيث تكشف جاها أن محمد بن سلمان عازم على نشر الخوف، فضلا عن القضاء على المعارضة وتخويف الجماعات القبلية.

فضلا عن ذلك، يرغب بن سلمان في تطهير الحاضر من أي شخص يذكره بالماضي البعيد والحد من آثار الماضي التي طفت على السطح من جديد. بالإضافة إلى ذلك، يحاول ولي العهد دفن حركة نسوية شعبية قبل أن تصبح سياسية، وتتجاوز مرحلة المطالبة بحقوق النساء لتصل إلى المطالبة بحقوق الرجال السعوديين. ولكن من قال إن الحركة النسوية ليست سياسية؟

المصدر: ميدل إيست آي