لم يكن مسار المفاوضات كما تمناه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فقد اختتم قوله في تعليقه على مسيرات العودة بغزة “الله يستر” مؤجلًا موضوع الدولة حتى تنتهي ولاية ترامب.
الرئيس مريض، لكن كتبت له حياة جديدة وها هو يطالع صحيفة الحياة الجديدة، وهذه المرة لن تبقي “إسرائيل” الوضع على ما هو عليه، لأن عامل الاختزال السياسي المتمثل بشخص الرئيس عباس بدأ ينفد، فصحة الرجل ليست على ما يرام، وغيابه سيترك فراغًا سياسيًا كبيرًا، ما يعني فرط الحالة الأمنية على الأرض.
حسب القانون الفلسطيني ينوب عن الرئيس حال وفاته أو عدم قدرته على تقديم مهامه رئيس المجلس التشريعي عزيز دويك من حركة حماس، لكن الرئيس الفلسطيني عطل المجلس التشريعي، واختار محمود العالول نائبًا له دون التصويت عليه في التشريعي في فبراير 2017 حتى يفوت الفرصة على حماس.
فراغٌ سياسي كبير سيتركه رحيل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، وسينعكس ذلك سلبًا على القضية الفلسطينية، ففي الوقت الذي كان حل السلطة ورقة ضغط فلسطينية على أمريكا و”إسرائيل”، أصبح حل السلطة خيارًا لأمريكا و”إسرائيل” بعد أن رتبت الحالة الأمنية في الضفة الغربية، وتحويلها إلى نظام مؤقت قائم على الإدارة المدنية بشكل أقرب لشركات أمنية تدير الضفة الغربية مقابل تنمية اقتصادية محسوبة، وتحاول فك ارتباط غزة بالكامل عن الضفة سياسيًا جغرافيًا وفق خطة شارون للانسحاب من غزة 2005.
من دون كيشوت فلسطين الجديد؟
كتب الخبير في الشؤون العربية مردخاي كيدر أن الصراعات بدأت على خلافة عباس في المقاطعة في ظل تدهور صحة الرئيس محمود عباس المتكررة، متوقعًا عدم توصل الأطراف والمنظمات الفلسطينية إلى اتفاق واضح بشأن خليفة له، وطالب كيدر الحكومة الإسرائيلية بلاستعداد لتحل محل السلطة، أو تعد مجالس حكم محلية مستقلة لكل مدينة في الضفة.
في ظل الظروف السابقة للضفة الغربية هناك ثلاث شخصيات هي الأقرب لتولي زمام الأمور
وتوقع كيدر انهيار السلطة الفلسطينية بعد رحيل الرئيس عباس واختفائها تمامًا من مناطق الضفة الغربية، في حين أظهرت صحيفة معاريف قلقًا داخل الكيان الإسرائيلي من حالة فوضى قادمة في الضفة الغربية، وكشفت تحضيرات إسرائيلية أمريكية لما بعد رحيل الرئيس عباس.
خططت أمريكا مع الاحتلال الإسرائيلي بعد إلغاء حل الدولتين وإلغاء الاتفاقيات المبرمة مع السلطة الفلسطينية، وإغلاق مكتب منظمة التحرير في واشنطن لليوم الذي يتبع رحيل الرئيس الفلسطيني محمود عباس، فالتسلسل التاريخي للحالة التي وصلت إليها الضفة عبر السنوات الماضية، ابتدأت بعملية السور الواقي 2002، ثم الانقسام الفلسطيني 2006، واستلام سلام فياض رئاسة الوزراء 2007 محدثًا خصخصة نحو الليبرالية في الاقتصاد الفلسطيني، وتكوين أجهزة أمنية فاعلة تضمن حالة الاستقرار الأمني، ومجالس إدارية تشبه الإدارة المحلية.
في ظل الظروف السابقة للضفة الغربية هناك ثلاث شخصيات هي الأقرب لتولي زمام الأمور، ويتوقع أن يبقى رئيس الوزراء رامي الحمدالله في منصبه ويدير الأمور الإدارية لمنطقة الضفة الغربية دون مسمى سياسي، أما الملف الأمني يتوقع أن يديره رئيس المخابرات الفلسطينية السيد ماجد فرج.
أما الشخصية الثالثة فهي محمود العالول نائب الرئيس ونائب مسؤول حركة فتح، لكن أمريكا والاحتلال الإسرائيلي تبحث عن إدارة مدنية دون محتوى سياسي لتنفيذ صفقة القرن التي أعيد طرحها مجددًا بما تضمن تسهيلات اقتصادية للضفة الغربية دون كيان سياسي أو ترحيل الفلسطينيين في حال رفض العرض.
منذ استلام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقاليد الحكم في أمريكا كان واضحًا للعيان سيطرة اللوبي اليهودي على قراراته ابتداءً من مستشاره اليهودي مهندس السياسة الجديدة في الشرق الأوسط جاريد كوشنر
ثلاث خطوات اتبعتها أمريكا تؤسس لترانسفير جديد
يكشف صائب عريقات في حديث تليفزيوني عبر سكاي نيوز عقد في فبراير 2018 أن حالة التردي العربي والتسارع العربي الرسمي لحيازة الرضى الأمريكي أضر كثيرًا بالقضية الفلسطينية وبالذات مشروع حل الدولتين، وكشف عريقات أن أمريكا ترفض حل الدولتين وتطرح بديلًا مختلفًا قائمًا على عزل غزة جغرافيا وسياسيًا عن الضفة، وإقامة سلطة بلا سلطة، تشبه حرفيًا إدارة مدنية في الضفة الغربية، لكن هذا التوجه قد يدفع الفلسطينيين للانفجار وهو ما يخشاه الاحتلال الإسرائيلي.
منذ استلام الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مقاليد الحكم في أمريكا كان واضحًا للعيان سيطرة اللوبي اليهودي على قراراته ابتداءً من مستشاره اليهودي مهندس السياسة الجديدة في الشرق الأوسط جاريد كوشنر؛ ما دفع ترامب للتعرض لقضايا الحل النهائي بفرض سياسات جديدة تعزز الاستيطان في الضفة دون أي مواجهة عربية فاعلة لقراراته، ودون أي احترام للقوانين والمواثيق الدولية الأممية.
عريقات قال بكل وضوح إن المفاوضات الأخيرة مع رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتيناهو والرئيس الأمريكي دونالد ترامب أثبتت عدم سعي الإدارة الأمريكية لأي حل يرضي الفلسطينيين، إذ بدأت تفاوضًا على الكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية بتقليل مساحتها جغرافيًا واعتبارها أمرًا واقعًا، لكنها سارعت لاتخاذ خطوات أكثر خطورة تتعلق بقضايا الحل النهائي أولها قضية القدس، باعتبارها كاملة الشرقية والغربية عاصمة للاحتلال الإسرائيلي، ونفي حق الفلسطينيين في القدس الشرقية وفق مقتضى المفاوضات الفلسطينية على مدار 24 عام، ثم وقف المساعدات لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين ومحاولات حلها لتنهي معها قضية اللاجئين، حيث أنشئت الأونروا بقرار أممي يشمل حق العودة للاجئين الفلسطينيين وتعويضهم.
الأيام القادمة ستكون صعبة على الفلسطينيين، إذ لا يملك صانع القرار الفلسطيني في مؤسسات السلطة الفلسطينية كما صرح الرئيس الفلسطيني محمود عباس أي خيار سوى الانتظار حتى انتهاء فترة ولاية دونالد ترامب
في حال رفض الفلسطينيون أي اتفاق بعد نفي حل الدولتين يتوقع توطين من يعيش منهم في الشتات، أو إعادة توطين الذين يعيشون في مناطق الأزمات مثل سوريا ولبنان في دول غربية أو أمريكية، مقابل سيطرة الاحتلال الإسرائيلي كاملة على كل أراضي الضفة بإدارة فلسطينية مدنية دون أي قرارات.
الأيام القادمة ستكون صعبة على الفلسطينيين، إذ لا يملك صانع القرار الفلسطيني في مؤسسات السلطة الفلسطينية كما صرح الرئيس الفلسطيني محمود عباس أي خيار سوى الانتظار حتى انتهاء فترة ولاية دونالد ترامب لتأتي إدارة أمريكية جديدة تبدي تعاطفًا مع الحق الفلسطيني، ولكن عامل الوقت ليس في صالح الفلسطينيين مع تسارع وتيرة فرض الحقائق المضادة للحق الفلسطيني على أرض الواقع، كما أن الفراغ السياسي الذي سيحصل بعد غياب الرئيس دون المسارعة في إجراء انتخابات فلسطينية شاملة تشريعية ورئاسية قد يدخل الفلسطينيين في مرحلة تيه هي الأخطر.