يوما الأربعاء والخميس 23 و24 من مايو أصدر الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، قرارات جمهورية، قضت جميعها بإعفاء شخصيات من شمال اليمن واستبدلها بقيادات محسوبة على الإمارات العربية المتحدة وجميعهم من الجنوب اليمني.
فالقرار رقم 107 صدر بتعيين اللواء الركن محمد صالح طماح رئيسًا لهيئة الاستخبارات والاستطلاع، بينما القرارات التي تلت ذلك، قضت بتعيين السفير خالد حسين محمد اليماني وزيرًا للخارجية بدلًا من عبد الملك المخلافي الذي عينه مستشارًا له، وهو منصب شرفي أو يمسى في منطقة الشرق الأوسط سلة نفاية السياسيين.
وصدر قرار آخر بتعيين أحمد عِوَض بن مبارك سفيرًا فوق العادة ومندوبًا للجمهورية اليمنية لدى منظمة الأمم المتحدة في نيويورك بالإضافة إلى مهامه كسفير فوق العادة ومفوضًا للجمهورية اليمنية لدى الولايات المتحدة الأمريكية، وهو أول قرار في تاريخ اليمن أن يتولى شخص منصبين (سفيرًا ومندوبًا لدى الأمم المتحدة)، وأيضًا كجنوبي.
جاءت تلك التعيينات بعد يوم واحد فقط من تصريحات السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر عن الطريقة التي خرج الجنرال علي محسن الأحمر من اليمن حينما اقتحم الحوثيون العاصمة صنعاء في 21 من سبتمبر 2014، وجعل لنفسه دور المنقذ تارة لنائب الرئيس وتارة للرئيس نفسه.
اتفق اليمنيون في مؤتمر حوار استمر لأكثر من عشرة أشهر وخرجوا بوثيقة شاملة لمشاكل اليمن ومن ضمنها حل مشكلة مناصب الوظائف العليا للدولة
كل ذلك يأتي بالتزامن مع التصعيد العسكري في الساحل الغربي وما تحققه القوات اليمنية المشتركة التي تدعمها الإمارات العربية المتحدة على الأرض، ورسالة أبو ظبي إلى الأمم المتحدة ردًا على رسالة الخارجية اليمنية، تؤكد تمسكها واحترامها للسيادة اليمنية وخصوصًا جزيرة سقطرى بعد أن سيطرت عليها قوات سعودية.
في هذا الموضوع سنحاول قراءة ما وراء التعيين المفاجئ الذي أجراه الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، وتوقيت ودلالات حديث السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، وكذلك التطورات الميدانية في الساحل الغربي لليمن الذي تتولى مهمته قوات حراس الجمهورية بقيادة العميد طارق محمد عبد الله صالح نجل شقيق الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح.
تعيينات الرئيس هادي
اتفق اليمنيون في مؤتمر حوار استمر لأكثر من عشرة أشهر وخرجوا بوثيقة شاملة لمشاكل اليمن ومن ضمنها حل مشكلة مناصب الوظائف العليا للدولة، عدا الاتفاق على شكل الدستور الذي كان يريد هادي أن يطبخه بالشكل الذي يعجبه هو ولا يعبر عن رأي وتطلعات الشعب، وهو ما كان أحد أهم الخلافات السياسية التي عارضها المؤتمر الشعبي العام وقادة الحراك الجنوبي “المنبثق عنه حاليًّا المجلس الانفصالي لعدن”.
هادي أول من خرق تلك الوثيقة، وغالبية من في الحكومة هم من أبناء مسقط رأسه، من محافظة أبين، أما المناصب السياسية الأخرى لأبناء المحافظات الأخرى، وخصوصًا منها الشمالية، لم يعد إلا ثلاثة مناصب إضافة إلى نائب الرئيس الذي تشن عليه وسائل إعلام سعودية حملة تشويه منظمة.
مع اقتراب موعد اجتماع مجلس الأمن لبحث العقوبات المفروضة على نجل وأقارب الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، استبقى هادي لتعيين أحمد عوض بن مبارك مندوبًا لدى الأمم المتحدة، وهو من أشد أعداء عائلة الرئيس السابق
لهذه التغيرات بعدان أساسيان، هو ربما أن يكون قد تم الضغط على الرئيس اليمني من التحالف العربي، لإعفاء الشخصيات التي ساعدت في التصعيد ضد الإمارات العربية المتحدة في أزمة سقطرى اليمنية وساعدت الحوثيين على استعادة أنفاسهم بعض الشيء في بعض المناطق كميناء الحيمة بعد تجميعهم قوات من القبائل تحت ذريعة طرد الاحتلال الأجنبي على اليمن.
مع اقتراب موعد اجتماع مجلس الأمن لبحث العقوبات المفروضة على نجل وأقارب الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح، استبقى هادي لتعيين أحمد عوض بن مبارك مندوبًا لدى الأمم المتحدة، وهو من أشد أعداء عائلة الرئيس السابق ويرفض أي تقارب بينهم وبين الشرعية، إضافة إلى خالد اليماني الرجل الوفي للرئيس هادي.
يخشى الرئيس هادي من أن تنجح دبلوماسية الإمارات العربية المتحدة، مستغلة تحقيق القوات التي تدعمها على الأرض ويقودها نجل شقيق الرئيس اليمني السابق، بتغيير موازين وقواعد الحرب في اليمن من خلال تهميشه، بعد انتهاء الحرب في اليمن.
هناك تحركات عربية حثيثة لتحريك ملف العقوبات على أحمد علي عبد الله صالح من أجل رفعها عليه، لكن الرئيس اليمني يرفض ذلك ويدعو عائلة الرئيس السابق بالذهاب إليه لاستلام مناصب والجلوس معه في فنادق الرياض، قبل أن يطالب الأمم المتحدة برفع العقوبات، وهذه مكايدة سياسية يجب على الرئيس هادي الابتعاد عنها، لأن الاختلاف في الأرض ضره أكثر من أن نفعه، ويزيد شعبية الرئيس تآكلًا.
خرجت تصريحات من السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، تكشف الطريقة المهينة التي من خلالها استطاع كما يقول تهريب نائب الرئيس الحاليّ الجنرال علي محسن الأحمر، وإنقاذ الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي
أحمد عوض بن مبارك مدير مكتبه الأسبق وأمين سره وهو مهندس الدستور (لم يخرج إلى النور بسبب اندلاع الحرب الأهلية) الذي بسببه انفجرت إشكالية بين الرئيس هادي وسلفه صالح الذي رأى حينها أن الدستور يمحو الوحدة اليمنية التي حققها في الـ22 من مايو 1990، إضافة إلى خالد اليماني وهو مندوبه السابق في الأمم المتحدة وله علاقة واسعة مع بلدان عدة، سيشكلان ثنائيًا قويًا لصد أي محاولة إماراتية لرفع العقوبات عن أحمد علي عبد الله صالح بفضل علاقتهما الواسعة وقربهما للرئيس هادي.
وهذا ما يفسر عمق الخلافات بين الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي وأطراف في التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية، إضافة إلى خطورة الوضع على شرعيته مستقبلًا، لأن المتغيرات على الأرض ما ستحكم، وهو ما كشفه في أول حوار له عقب تعيينه وزيرًا للخارجية، أن هناك “بعض الاختلافات” في مجلس الأمن الدولي بشأن الملف اليمني، و”محاولات للمقايضة”.
السفير السعودي يهين رموز البلاد
قبل ساعات قليلة من التغييرات والتعيينات التي أجراها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي، خرجت تصريحات من السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، تكشف الطريقة المهينة التي من خلالها استطاع كما يقول تهريب نائب الرئيس الحاليّ الجنرال علي محسن الأحمر، وإنقاذ الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي.
ففي حديثه أولًا عبر قناة “إم بي سي” السعودية، عن بطولاته في صنعاء والذي عُيّن قبل عشرة أيام فقط من الأحداث في البلاد، لها دلالتان، سنرويها بعد أن نفند الأخطاء التي وقع بها، بعد الاستماع إلى هذا المقطع.
قال آل جابر إنه أمر بنشر القناصة ورتب الوضع الأمني حول السفارة حتى لا تقتحمها قوات الحوثي وصالح للبحث عن علي محسن، حديث مبالغ فيه، فإذا أراد الحوثيون اقتحام السفارة السعودية آنذاك، لفعلوها بأقل من عشر دقائق، فما عساهم يصنعون القناصون أمام قوة أسقطت العاصمة بالكامل؟
وفي جانب من الحديث، قال السفير إنه تواصل مع صديق له في القوات الجوية اليمنية وطلب منه طائرة هيلوكبتر لتنقل العائلة (ويقصد فيها الجنرال علي محسن الأحمر بعد أن تنكر بزي نسائي) وقد رد عليه صاحبه بالقول “ابشر الصباح وهي عندك” (رد بالموافقة)، وهذه مبالغة كبيرة، ويريد القول إنه أيضًا كان يتحكم بتحركات الطيران في الأجواء اليمنية، ومن المعروف أنه لا يمكن أن تتحرك الطائرة إلا بتوجيه من القائد الأعلى للقوات المسلحة الرئيس هادي.
حديث آل جابر في هذه الجزئية، أظهر الرئيس أنه ضعيف ومسلوب الإرادة، وأنه من كان يتحكم بالأوامر التنفيذية للبلاد بكاملها ابتداءً من ممارسة مهام وزارة الداخلية بتأمين الوضع العسكري في الشوارع المحيطة بالسفارة اليمنية، وصولًا إلى السطو على مهام رئيس الجمهورية، ولهذا الحديث في هذا التوقيت دلالتان:
أولاً: ربما قد يكون هناك توجه لتغييره أو إعفائه من منصبه كسفير في اليمن بعد فشله في منافسة الإمارات العربية المتحدة، ولكنه من أكثر سفراء المملكة استفادة من هذه الحرب، ووجد أن إعفاءه سيجعله يخسر الكثير، فلجأ إلى هذه الحيلة لإظهار بطولاته وأنه قادر على فعل المستحيل في اليمن.
ثانيًا: قد يكون هناك أوامر بإحراج علي محسن الأحمر والضغط عليه من أجل تحريك الجبهات التي توقفت منذ أن بدأت القوات الجنوبية التهامية وقوات العميد طارق محمد عبد الله صالح، حملتها باتجاه مدينة الحديدة بعد تحقيق انتصارات كبيرة في الساحل الغربي لليمن، أو ربما محاولة ابتزاز لمواقف قادمة.
صعّد الحوثيون من عملياتهم الصاروخية والهجومية ضد المملكة العربية السعودية بعد الخسائر الكبيرة التي يتعرضون لها في الساحل الغربي لليمن
الأحداث العسكرية
رغم الأحداث السياسية التي تزدحم في اليمن، إلا أن الجانب العسكري أيضًا ما يُعيد الأنظار نحو الأرض، وما يحصل قد يكون نهاية تلك العمليات وما يقلب الأحداث جميعها رأسًا على عقب.
ففي الوقت الذي هدأت المواجهات المسلحة في عدن وتوقفت تمامًا في نهم، وسبتت المقاومات التي داخل المحافظات التي يسيطر عليها المليشيا الحوثية المدعومة من إيران، ربما بسبب شهر رمضان الفضيل، تشتعل الجبهات في الساحل الغربي لليمن ومحافظة صعده المعقل الرئيس للحوثيين.
ففي الساحل الغربي لليمن، حققت القوات المشتركة هناك (قوات العمالقة والمقاومة التهامية وحراس الجمهورية) بدعم إماراتي، انتصارات كبيرة، ومنذ انطلاق العملية العسكرية نحو الحديدة تمكنت تلك القوات من استعادة مناطق إستراتيجية مهمة، أبرزها كهبوب والبرح والوازعية وموزع وميناء الحيمة وقطابة وحيس والمتينة والفازة والتحيتا ومفرق زبيد، ويتوقع أن يتم اقتحام مدينة الحديدة قبل نهاية شهر رمضان الحاليّ.
في المقابل، صعّد الحوثيون من عملياتهم الصاروخية والهجومية ضد المملكة العربية السعودية بعد الخسائر الكبيرة التي يتعرضون لها في الساحل الغربي لليمن، وباتت المليشيات الموالية لإيران تطلق بشكل يومي صواريخ بالستية نحو المملكة العربية السعودية وأحيانًا طائرات مسيرة تريد من خلاها قصف أحد المطارات المدنية القريبة لليمن، للضغط على المملكة التي تقود التحالف بالحوار السياسي، وفي نفس الوقت ترسل وسطاء وتبعث برقيات إلى الأمم المتحدة تعلن استعدادها للحوار.
الحوثيون أنفسهم يدركون أنهم في مراحلهم النهائية، وأن القضاء عليهم بات مسألة وقت، ولهذا يحاولون أن يحافظوا على ماء وجههم أو يبقوا مشاركين في السلطة من خلال حوار سياسي يتوسلونه من المجتمع الدولي حاليًّا
وهذا ما يكشفه وزير الخارجية اليمني الجديد خالد اليماني، حيث تلقت الأمم المتحدة رسائل من الحوثيين تفيد بأنهم باتوا جاهزين لعملية السلام والانسحاب من المدن وتسليم السلاح إلى الدولة.
وذكر الوزير أنه لا حل للأزمة اليمنية سوى بـ”دفن الانقلاب، ومن ثم الدخول في الإجراءات الأمنية والعسكرية وتسليم الأسلحة والصواريخ، ويليه الترتيب السياسي”.
وأشار اليماني إلى أن “هذه الترتيبات مهمة ولا يمكن الدخول في عملية سلام من دونها”، لافتًا إلى أنه حال نفذها الحوثيون، فسيكونون جزءًا من المعادلة السياسية، في إشارة إلى إمكانية شراكتهم في حكم اليمن بعد الاتفاق.
ولفت المسؤول اليمني إلى أن المبعوث الأممي مارتن غريفث، سيقدم في الـ7من يونيو المقبل، رؤيته الخاصة للسلام في اليمن إلى مجلس الأمن الدولي.
الحوثيون أنفسهم يدركون أنهم في مراحلهم النهائية، وأن القضاء عليهم بات مسألة وقت، ولهذا يحاولون أن يحافظوا على ماء وجههم أو يبقوا مشاركين في السلطة من خلال حوار سياسي يتوسلونه من المجتمع الدولي حاليًّا، وهذا قد لا يكون محل توافق في الوقت الحاليّ إلا ما ندر من بعض الدول الإقليمية التي تدفع لإنهاء الأزمة اليمنية بالحل السياسي وليس العسكري.
لكن بعد أن قتل الحوثيون شريكهم الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح، انعدمت الثقة تمامًا بين القوات العسكرية والحكومة اليمنية ومختلف المكونات السياسية في البلاد، والتحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية نتيجة لأن الحوثيين لا يقدمون على أي حوار أو هدنة إلا من أجل استغلاله واستكمال مسيرتهم، حيث يسيرون وفقًا للمخطط المرسوم لهم.
لذا لن يكون لهم آذان صاغية لأي حوار سياسي، حتى إن قبلت الحكومة اليمنية ذلك الحوار، فالقوات المنتشية على الأرض بفضل الانتصارات التي تحققها ستفرض عمليًا أن يكون هناك حوار من عدمه.