ترجمة وتحرير: نون بوست
في مدينة درنة، لا يزال عدد القتلى في ازدياد بالتزامن مع توقف الإمدادات الغذائية والطبية. ويأتي ذلك بعد أسابيع من إطلاق الجنرال الليبي، خليفة حفتر، هجومه على المدينة الليبية المحاصرة منذ فترة طويلة. والجدير بالذكر أن درنة تعتبر آخر معقل للقوات المعارضة لحفتر شرق البلاد. ونتيجة للهجوم الذي بدأ في السابع من آيار/ مايو الجاري، لقي 27 شخصا على الأقل حتفهم، في ما أصيب أكثر من 44 شخص، من بينهم طفل. علاوة على ذلك، تم ترحيل حوالي 500 عائلة، وفقا لما أفادت به بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.
من جهتها، قالت ماريا ريبيرو، منسقة الشؤون الإنسانية في بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، يوم الخميس، إن عمال الإغاثة مُنعوا من دخول المدينة لتقديم الإمدادات الأساسية والمساعدة التي ستنقذ حياة الكثيرين، بما في ذلك الأدوية والمواد الغذائية. بناء على ذلك، طالب عمال الإغاثة بالسماح لهم بالدخول إلى المدينة بشكل فوري. وقد أفادت ريبيرو أنه “يجب أن نكون قادرين على مساعدة الناس دون تأخير لمنع وقوع المزيد من الخسائر في الأرواح”.
الجدير بالذكر أن هذا الهجوم الذي شنته القوات المسلحة الليبية، التي شكلها حفتر بنفسه، والتي أكد أنها “ستحرر” المدينة من المتشددين، جاء في أعقاب انتشار شائعات كثيرة حول تدهور صحته، وهو ما وصفه أحد المحللين بأنه محاولة لصرف الانتباه عما يحدث في البلاد. وصرح المحلل المختص في شؤون الشرق الأوسط سابقا لدى مجموعة أوراسيا، ريكاردو فابياني، قائلا: “حاليا، لا يتعين على حفتر أن يظهر لمؤيديه أنه بصحة جيدة فحسب، بل يتوجب عليه إظهار أنه أقوى وأكثر عنادا من أي وقت مضى”.
في المقابل، أفاد أكاديمي ليبي، اشترط عدم الكشف عن اسمه، لموقع “ميدل إيست آي” أن درنة هي المدينة الوحيدة في شرق ليبيا التي لا زالت تدعم ثورة شباط/ فبراير، كما وقفت ضد الزعيم معمر القذافي الذي حكم البلاد لسنوات طويلة. فضلا عن ذلك، ترفض هذه المدينة “عملية الكرامة” التي يقودها حفتر والحكم العسكري.
يقع حوالي 150 ألف مواطن في مرمى تبادل النيران في المدينة الليبية. وبعيدا عن تحرير درنة من الجماعات المسلحة، يرى البعض أن الهجوم الجديد، الذي بدأ قبل أيام من شهر رمضان المبارك، يبث الرعب في نفوس المتساكنين، الذين قضوا سنوات تحت الحصار والقصف. وخلال هذا الأسبوع، صرحت الناشطة المحلية التي تعرف باسم “لبؤة درنة”، لموقع “ميدل إيست آي”، أن “كلمة “جيش” في حد ذاتها تبث الرعب في نفوسنا. إن القوات المسلحة الليبية أشبه بتنظيم الدولة بالنسبة لنا”.
كما أوردت الناشطة أنه عوضا عن إحلال السلام وإقامة الصلوات خلال شهر رمضان، يستقبل العديد من السكان هذا الشهر بإعلان الحداد والتهجير. وأضافت “لبؤة درنة” قائلة: “نحن نرزح تحت الحصار ونشعر بالصدمة، فحتى المستشفيات لا تملك ما يكفي من الأكسجين وغيره من الإمدادات”.
سيطر تنظيم الدولة على المدينة، لكن تم طرده منها خلال شهر تموز/ يوليو سنة 2015. ولفترة طويلة، ادعت القوات المسلحة الليبية أن مجلس شورى مدينة درنة، الذي سيطر على المدينة منذ طرد تنظيم الدولة، هو تنظيم “إرهابي”، وهو مصطلح يتهم المنتقدون القوات المسلحة الليبية بإطلاقه على جميع خصومها.
سنوات من الحصار
دأبت القوات الموالية لحفتر، وهي واحدة من الفصائل العديدة التي تنافست على السلطة في ليبيا منذ انتفاضة 2011، إثر سقوط حكم القذافي الذي امتد لأربعة عقود، على القتال لعدة سنوات للسيطرة على درنة. وحيال هذا الشأن، صرح الأكاديمي الليبي أن “درنة تمثل أحد الجيوب المهمة للغاية بالنسبة لحفتر نظرا لأهميتها الوطنية والتاريخية. وتعرف درنة بقدرة شعبها على الصمود، كما أنها لطالما مثلت حجر الأساس للمقاومة”.
خلال تشرين الأول/ أكتوبر سنة 2014، سيطر تنظيم الدولة على المدينة، لكن تم طرده منها خلال شهر تموز/ يوليو سنة 2015. ولفترة طويلة، ادعت القوات المسلحة الليبية أن مجلس شورى مدينة درنة، الذي سيطر على المدينة منذ طرد تنظيم الدولة، هو تنظيم “إرهابي”، وهو مصطلح يتهم المنتقدون القوات المسلحة الليبية بإطلاقه على جميع خصومها.
خلافا لذلك، أفادت “لبؤة درنة” أن الفضل يعود للسكان المحليين في تحرير مدينتهم، في الوقت الذي سمحت في القوات المسلحة الليبية له بالتحرك بحريّة. وقالت “لبؤة درنة” إن “درنة كانت تعاني بسبب تنظيم الدولة، وفي ذلك الوقت لم يقدم أي أحد يد المساعدة. وعندما ولت قافلة تنظيم الدولة هاربة من درنة، مرت بالقرب من القوات المسلحة الليبية، التي سمحت لهم بالمرور بشكل آمن والذهاب إلى سرت. في الواقع، كان بإمكانهم إيقافهم بسهولة عن طريق الضربات الجوية، لكنهم سمحوا لهم بالذهاب إلى سرت”.
احتفال سكان درنة عقب طرد تنظيم الدولة سنة 2015.
واصلت الناشطة المحلية حديثها قائلة: “عندما واجهتنا مشكلة حقيقية مع الإرهابيين، لم نجد القوات الليبية المسلحة إلى جانبنا. وعندما تم تأمين درنة، قامت بمهاجمتنا”. والجدير بالذكر أن محاولة القوات الموالية لحفتر للاستيلاء على درنة للمرة الثانية خلال سنة 2016 لاقت معارضة الكثير من السكان المحليين. كما أضافت “لبؤة درنة” أن معظم المدنيين يدعمون قوات درنة، وعندما اكتشفت القوات المسلحة الليبية هذا الأمر، فرضوا الحصار على هؤلاء المواطنين بهدف تضييق الخناق عليهم، فضلا عن تكثيف الضربات الموجهة ضدهم. بعبارة أخرى، أرادت هذه القوات أن ينقلب المواطنون على أولادهم.
إلى غاية هذا الشهر، اقتصرت حملة القوات المسلحة الليبية بشكل كبير على الضربات الجوية والقصف من حين لآخر، واستهدفت المقاتلين في ضواحي المدينة ومخازن الذخيرة. علاوة على ذلك، قامت مصر، التي تدعم القوات الليبية، بقصف درنة، بذريعة أنها كانت تهاجم معسكرات تدريب المقاتلين الذين تم إرسالهم إلى مصر لتنفيذ الهجمات هناك. ومع هذا الهجوم الأخير، أفاد حفتر أنه يسعى لتخليص المدينة من المسلحين، وأخبر قواته هذا الأسبوع أنه لا وجود لخيار ثان في درنة غير سحق الإرهابيين، وذلك بعد رفضهم لجميع جهود السلام.
حفتر يعلن عن بدأ عملية درنة في وقت سابق من الشهر الجاري.
في الوقت الذي بدأت فيه القوات المسلحة الليبية هجماتها البرية في مطلع الشهر الجاري، أدى التصعيد في القتال خلال الأسبوع الماضي إلى مقتل العديد من المقاتلين من الجانبيْن، فضلا عن المدنيين. ووفقا لوسائل الأنباء المحلية، لقي عشرات المقاتلين التابعين لقوة حماية درنة التي تشكلت حديثا، وهي فرع عن مجلس شورى درنة، حتفهم خلال الاشتباكات، بالإضافة إلى خمسة أفراد من القوات المسلحة الليبية على الأقل.
في شأن ذي صلة، قال المحللون إن القائد العسكري وداعميه يسارعون إلى إضفاء الشرعية على حكمه وعلى حكم القوات المسلحة الليبية، التي تتوافق مع البرلمان والحكومة في شرق ليبيا، والتي رفضت بدورها حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة في طرابلس. وفي هذا الصدد، قال السياسي الليبي، جمعة القماطي، إن “الوقت ليس في صالح حفتر الذي يناهز عمره 80 سنة، لذلك، يريد مؤيدوه تسليمه السلطة المطلقة في ليبيا في أسرع وقت ممكن حتى يتمكن من خدمة مصالحهم الأنانية في البلاد”.
من جهته، أفاد ريكاردو فابياني أن درنة هي الهدف العسكري الواقعي الوحيد المتبقي لحفتر، حيث أن موارده محدودة للغاية، فضلا عن كون المدينة تتضمن خطوط الإمداد الموجودة بالفعل، وهو ما سيساعده على توسيع عملياته العسكرية نحو الجنوب في مدين فزان، أو الغرب نحو إقليم طرابلس. وأضاف فابياني أنه “في الوقت الحالي، لا بد لحفتر من التعافي من مشكلته الصحية التي لا زال يلفها الغموض. كما يمكنه اللجوء إلى درنة في حال أراد تسجيل نقاط سياسية وعسكرية ضد خصومه ومنافسيه في الداخل فقط. في الحقيقة، إن هذا هو خياره الوحيد ليثبت أنه لم يضعف بسبب الأحداث الأخيرة”.
تهدد القوات المسلحة الليبية النساء والفتيات اللاتي تنتقدنها، ويرجع ذلك لأن هذه القوات لا تريد أن تنكشف الحقيقة بشأنها
“نحن لسنا إرهابيين”
منذ فترة طويلة، دحض سكان مدينة درنة مزاعم حفتر ومؤيديه التي تفيد بأن المدينة باتت بمثابة مرتع للإرهابيين. وفي هذا الإطار، صرح حمزة درناوي، أحد مواطني درنة الذين شاركوا في القتال ضد تنظيم الدولة، لموقع ميدل إيست آي، قائلا: “نحن لسنا إرهابيين، ولا ندعوا للحرب”. وقبل سنة من الآن، وصف درناوي مدينته بأنها كانت معزولة من قبل القوات الموالية للجنرال المنشق، حيث كانت تنفذ المتاجر بسرعة من الطعام والدواء، ويواجه الناس حملات قصف متصاعدة، التي كانت تشنها، في ذلك الوقت، القوات المصرية المتحالفة مع حفتر.
في المقابل، لا يختلف المشهد الذي تم وصفه لموقع ميدل إيست آي خلال هذا الأسبوع كثيرا عما ذُكر آنفا، حيث أفادت الناشطة الليبية أن السكان تعبوا من إحصاء عدد القتلى، وقالت إنه “كان لهؤلاء الشباب حياة بأكملها أمامهم، حيث كانوا في مقتبل العمر”. وأضافت “لبؤة درنة” أن جنينا فارق الحياة وهو في رحم أمه بالأمس بسبب عدم توفر الإمدادات المطلوبة. كما تابعت الناشطة موضحة أن الناس في درنة لا يعارضون وجود جيش موحد، مدعين أن قوة حماية درنة أفادت بأنها ستلقي بسلاحها في حال إنشاء حكومة مستقرة. مع ذلك، قالت الناشطة إن قوة حماية درنة تدافع عن المدينة في الوقت الحالي ضد الجماعات المسلحة التابعة لحفتر.
في الأثناء، تهدد القوات المسلحة الليبية النساء والفتيات اللاتي تنتقدنها، ويرجع ذلك لأن هذه القوات لا تريد أن تنكشف الحقيقة بشأنها، وفقا لما أكدته الناشطة. وأضافت “لبؤة درنة” أن هذا هو شهر رمضان الثاني على التوالي الذي يشهد هذه الهجمات، حيث لقي الأطفال حتفهم بسبب الغارات الجوية التي شنت خلال شهر رمضان الفارط، كما تعرض أب وابنه للقتل أثناء سحبهما لبعض الأموال من البنك. وفي إشارة إلى حفتر، قالت الناشطة :”لقد دمرنا، لقد دمر نفسيتنا”.
المصدر: ميدل إيست آي