رغم أنهما في الظاهر حلفاء في خندق واحد، تجمعهم أهداف مشتركة من وراء دخولهم المعترك السوري ودعمهم لنظام بشار الأسد، فإن المسكوت عنه ربما يحمل خلافات تعكس براجماتية كل طرف في الحصول على أكبر المكاسب من “كعكة” سوريا التي أسالت لعاب الكثير من القوى الإقليمية.
إرهاصات تشير إلى تحول لافت في الموقف الروسي من وجود قوات إيرانية داخل سوريا خاصة في المناطق القريبة من هضبة الجولان المحتلة، حسبما أشار المحلل العسكري الإسرائيلي عاموس هرئيل في تقرير له بصحيفة “هآرتس” العبرية، يعكس احتمالية تغير بعض ملامح الخريطة السياسية السورية خلال الفترة القادمة.
هرئيل في تقريره ربط بين موقف موسكو الحاليّ والضربات التي وجهتها القوات الإسرائيلية لبعض المواقع الإيرانية وأخرى تابعة للأسد في سوريا في الـ10 من مايو/آيار الحاليّ وما قبلها، فهل بات تخلي الروس عن حليفهم الإيراني مسألة وقت في ظل تفاهمات جديدة ربما يتم التوصل إليها مع كل من واشنطن وتل أبيب؟
تفاهمات تقلم أظافر طهران سوريًّا
اجتهدت روسيا خلال الفترة الأخيرة في محاولة إعادة الولايات المتحدة إلى الملعب السوري مرة أخرى، لكنها العودة المستأنسة عبر إدماجها في اتفاقيات التهدئة، وهي الاتفاقيات التي تتحفظ عليها طهران بصورة كبيرة، لا سيما أنها تجهض وبنسبة كبيرة مخططات توسعة نفوذها داخل الأراضي السورية.
التقرير المنشور في الصحيفة العبرية أشار إلى إبداء الجانب الروسي استعداده لإبعاد القوات الإيرانية عن المناطق التي احتلتها “إسرائيل” عام 1967 من الجولان السوري، وإن لم يكن ذلك بالضرورة يفضي إلى إبعاد جميع القوات الموالية لإيران من الأراضي السورية، في إطار تفاهمات جديدة بين الأطراف المشاركة في الملعب السوري.
يذكر أن تل أبيب ولأكثر من مرة طالبت بإبعاد المليشيات الإيرانية حتى المناطق الشرقية من طريق دمشق – السويداء، التي تبعد نحو 70 كيلومترًا عن المناطق المحتلة من الجولان، غير أن موسكو لم تستجب لهذه المطالب بداية الأمر، واكتفت بالاتفاق الذي أبرمته مع الجانب الأمريكي على أن تبقى إيران وحلفاؤها على بعد 5 كيلومترات شمالي خطوط المواجهة بين قوات النظام السوري وقوات المعارضة، أي ما يقدر بمسافة تصل من 5 إلى 20 كيلومترًا من الجولان المحتل.
رفض موسكو تزويد طهران بمنظومة الصواريخ الدفاعية رغم الغارات الإسرائيلية يشير إلى أن الروس ربما أداروا ظهورهم عن حماية الإيرانيين
ومع ذلك – وفق هآرتس – لم يلتزم الإيرانيون بنص الاتفاق، إذ رصد الجيش الإسرائيلي قوات تابعة للحرس الثوري الإيراني والمليشيات الموالية لها في بعض الأحيان بالقرب من منطقة نفوذ الجيش الإسرائيلي في الجولان، وهو ما وضع موسكو في موقف حرج وهي التي تتجنب أي تصعيد مع أمريكا وحلفائها، فضلًا عن إعطائه تل أبيب ذريعة استهداف هذه القوات ومواقعها عبر هجمات متكررة.
روسيا في نهاية المطاف، وفي ظل الهجمات الإسرائيلية المتكررة على ما تدعي أنها أهداف إيرانية في الأراضي السورية، والدعم العلني الذي تتلقاه “إسرائيل” من إدارة ترامب، ربما تجد نفسها مضطرة لإبعاد الإيرانيين حتى المناطق الشرقية من الطريق الواصل بين دمشق ودرعا التي تبعد 60 كيلومترًا عن المناطق المحتلة من الجولان.
وقد خلص التقرير إلى أن الروس يلمحون إلى استعدادهم لإعادة النظر في مواقفهم السابقة، ومن ضمنها كل ما يتعلق بالشأن الإيراني، أما فيما يتعلق بالأسد فإنه بات غير معنيّ بالوجود العسكري الإيراني على الأراضي السورية، وذلك لتجنب الاحتكاك المباشر مع “إسرائيل”، وهو ما يعني بداية النهاية للوجود الإيراني داخل الأراضي السورية.
تفاهمات روسية إسرائيلية أمريكية تستهدف تحجيم نفوذ إيران داخل سوريا
خلافات تخرج للعلن
رغم تباين وجهات النظر بين موسكو وطهران حيال كثير من الملفات السورية فإنها كانت في نطاق السرية، حتى جاءت أزمة إجلاء المدنيين والمسلحين المحاصرين شرق حلب شمال سوريا ديسمبر/كانون الأول 2016 لتخرج خلافات كانت تحت الطاولة بين الروس والإيرانيين.
ورغم أن الإيرانيين حينها نفوا وجود مثل هذه الخلافات، فإن نفيهم لم يبد مقنعًا بعد تهديد روسيا بالرد على أي إطلاق للنار خلال عملية الإجلاء في حلب، حتى إن كان إطلاق النار من قوات النظام السوري أو المليشيات الموالية لها، تلك الخلافات التي أكدتها المعارضة السورية آنذاك، حين قالت إن المليشيات الإيرانية عرقلت عملية الإجلاء من خلال وضع شروط إضافية تتعلق بإخراج جرحى من قريتي كفريا والفوعة الشيعيتين المواليتين للنظام في ريف إدلب شمال غرب سوريا.
توالت بعد ذلك الملفات التي أظهرت وبصورة واضحة حجم الخلاف بين الجانبين في الصراع على النفوذ داخل الأراضي السورية، فطهران وبعيدًا عن الأهداف السياسية من وراء دعمها لنظام الأسد، فإنها تسعى للاستفادة من استثمارها الكبير في سوريا، على شكل عقود اقتصادية في مجال الإعمار وتبادل ثقافي وفتح فروع للجامعات الإيرانية في المدن السورية.
المليارات الـ6 التي أنفقتها إيران منذ الأزمة السورية – بحسب بعض التقارير– وفقدانها للمئات من جنودها من أجل دعم نظام الأسد لا بد أن يكون له مقابل، وهو ما دفع طهران إلى استباق الأحداث لإبرام حزمة من العقود الثمينة – ظاهريًا – مع حكومة دمشق للحصول على أكبر المكاسب المادية.
غير أنه من الواضح أن تلك العقود الموقعة لم تخرج بعد عن إطار الورق الذي كتبت عليه، إذ تم تأجيل معظمهما لأسباب عزاها البعض إلى تفضيل المسؤولين في النظام السوري الروس، ورغبتهم في جذب العقود الروسية والصينية مقارنة بالإيرانيين، وهو ما دفع إعلام طهران لشن حملة ضد نظام الأسد في الآونة الأخيرة.
الجانب الروسي أبدى استعداده لإبعاد القوات الإيرانية عن المناطق التي احتلتها “إسرائيل” عام 1967 من الجولان السوري، وإن لم يكن ذلك بالضرورة يفضي إلى إبعاد جميع القوات الموالية لإيران من الأراضي السورية
كذلك فإن الاتفاقيات التي جرت بين النظام السوري وموسكو بشأن إعادة إعمار سوريا استبعدت إيران وشركاتها من عملية إعادة الإعمار، فيما صدم دميتري روغوزين نائب رئيس الوزراء الروسي الإيرانيين حين أعلن نهاية العام الفائت أن بلاده ستنشئ مشغلًا واحدًا لتطوير حقل الفوسفات السوري الكبير، مضيفًا أن مهمة الروس العمل في الحقل ونقل مشتقاته ثم توريدها للدول التي بحاجتها.
جدير بالذكر أن هذا الحقل الكبير الذي يقع في منطقتي الصوانة وخنيفيس بالريف الجنوبي الشرقي لحمص، كانت إيران قد حازت مطلع عام 2017 عقد استثماره، ما يعني أن الإعلان الروسي سيمنعها من تنفيذ استثمارها.
كذلك فإن الخطة الروسية الخاصة بالحل في سوريا كان لها نصيب من تعميق هذا الخلاف بين البلدين، خاصة فيما يتعلق برغبة موسكو إقامة نظام برلماني وتشكيل حكومة انتقالية تضم النظام والمعارضة، هذا بخلاف التقارب الروسي التركي الذي أثار حفيظة طهران بصورة كبيرة، وكشف أكثر عن حجم الخلاف بين الحليفين.
ففي الوقت الذي أعلنت فيه موسكو تأييدها للعملية العسكرية التركية في عفرين، كان للإيرانيين رأي آخر، إذ أعلنت طهران رفضها للعملية وطالبت بإيقافها فورًا منذ يومها الأول، في حين علق المتحدث الرسمي باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي عليها بأنها ستكون ذريعة من شأنها أن تساعد عودة عدم الاستقرار والإرهابيين.
موسكو تعرقل تزويد طهران بمنظومة الصواريخ “إس – 300” الدفاعية
تخلي موسكو عن طهران
لا يمكن قراءة التفاهمات التي ألمح إليها المحلل العسكري الإسرائيلي عاموس هرئيل في صحيفة “هآرتس”، بشأن مرونة روسية لإعادة النظر في موقفها من الوجود المسلح لطهران داخل الأراضي السورية، بمعزل عن رفض موسكو تزويد الميليشيات الإيرانية في سوريا بمنظومة الصواريخ “إس – 300” الدفاعية رغم حصول الجانب الروسي على المقابل المادي لها.
الخلاف الروسي الإيراني هو ما سمح لـ”إسرائيل” بالدخول وبقوة إلى الساحة السورية واستهداف المواقع الإيرانية، بحسب تقرير أليكس لوكي المنشور بموقع “بزنس إنسايدر” الذي يرى أن رفض موسكو تزويد طهران بمنظومة الصواريخ الدفاعية رغم الغارات الإسرائيلية يشير إلى أن الروس ربما أداروا ظهورهم عن حماية الإيرانيين، ما يترك إيران في سوريا تحت رحمة “إسرائيل” التي يمكنها الضرب في أي وقت تريده.
لوكي في تقريره أشار إلى أنه رغم الضربات التي تتعرض لها المواقع الإيرانية والتابعة للأسد في سوريا وضعف دفاعاتها الجوية، فإن مساعدًا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قال إن سوريا لديها كل ما تحتاجه، في تخل واضح عن الحليف الإيراني، كاشفًا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو كان في زيارة إلى موسكو في اليوم ذاته الذي ضرب فيه الطيران الإسرائيلي ما قال المسؤولون الإسرائيليون إنها مواقع إيرانية، مشيرًا إلى أن روسيا تملك نظام “إس – 300” المضاد للصواريخ في سوريا، إلا أنها لم تفعل أي شيء لوقف الغارات.
الموقع أوضح أنه رغم استهداف تل أبيب مواقع تابعة في معظمها للميليشيات الإيرانية في سوريا منذ 2012، فإنها كانت حذرة في عملياتها، غير أن الوضع الآن قد تغير بصورة كبيرة، وفي ظل فشل طهران في الحصول على منظومة “إس – 300” فإن قواعدها أصبحت مكشوفة ومن السهل تدميرها.
ومن ثم وفي ظل الضغوط الممارسة على طهران بشأن الاتفاق النووي من جانب، وتجنب موسكو الصدام مع واشنطن وحليفتها “إسرائيل” من جانب آخر، ربما يقود ذلك إلى تفاهمات مستقبلية تحجم من النفوذ الإيراني سوريًّا، كمرحلة أولية لإخراج الميليشات التابعة لها من الأراضي السورية كافة، لكن يبقى موقف نظام الأسد منها هو التساؤل الأبرز، خاصة حال تضمينه طرفًا فيه بما يضمن بقاءه على رأس السلطة، وهو الهدف الذي يحارب لأجله طيلة السنوات الـ7 الماضية.