ترجمة وتحرير: نون بوست
حكم قاضٍ فيدرالي يوم الإثنين الماضي بأن غوغل تصرفت بشكل غير قانوني للحفاظ على احتكارها في مجال البحث على الإنترنت، وهو قرار تاريخي يضرب نفوذ عمالقة التكنولوجيا في عصر الإنترنت الحديث، وقد يغير الطريقة التي يمارسون بها أعمالهم بشكل جذري.
قال القاضي أميت ب. ميهتا من المحكمة الجزئية الأمريكية لمقاطعة كولومبيا في حكم من 277 صفحة إن غوغل أساءت استخدام احتكار أعمال البحث. وكانت وزارة العدل والولايات قد رفعت دعوى قضائية ضد شركة غوغل متهمة إياها بتعزيز هيمنتها بشكل غير قانوني وذلك من خلال دفع مليارات الدولارات سنوياً لشركات أخرى، مثل آبل وسامسونغ، لكي تتولى غوغل تلقائيًا معالجة عمليات البحث على هواتفها الذكية ومتصفحات الويب الخاصة بها. وأكد القاضي ميهتا في حكمه أن “غوغل شركة محتكرة، وقد تصرفت كشركة احتكارية للحفاظ على احتكارها”.
يعد هذا الحكم قاسيًا على صعود شركات التكنولوجيا العملاقة التي استخدمت جذورها في الإنترنت للتأثير على طريقة تسوقنا واستهلاكنا للمعلومات والبحث على الإنترنت – ويشير إلى الحدود المحتملة لقوة شركات التكنولوجيا الكبرى. ومن المرجح أن يؤثر هذا الحكم على الدعاوى القضائية الحكومية الأخرى لمكافحة الاحتكار ضد غوغل وآبل وأمازون وميتا المالكة لفيسبوك وإنستغرام وواتساب. وكان آخر حكم مهم لمكافحة الاحتكار ضد شركة تكنولوجية قد استهدف شركة مايكروسوفت منذ أكثر من عقدين.
قالت ريبيكا هاو ألينسورث، الأستاذة في كلية الحقوق بجامعة فاندربيلت التي تدرس مكافحة الاحتكار: “هذه أهم قضية لمكافحة الاحتكار في هذا القرن، وهي الأولى في قائمة كبيرة من القضايا التي ستصدر ضد شركات التكنولوجيا الكبرى. إنها نقطة تحول كبيرة”.
يُعد هذا الحكم ضربة كبيرة لشركة غوغل، التي بُنيت على محرك البحث الخاص بها وأصبحت مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالبحث على الإنترنت لدرجة أن اسمها تحول إلى فعل في اللغة. وقد يكون للحكم تداعيات كبيرة على نجاح غوغل، خاصةً أن الشركة تنفق بكثافة للمنافسة في سباق الذكاء الاصطناعي، كما تواجه قضية فيدرالية أخرى لمكافحة الاحتكار بشأن تكنولوجيا الإعلانات التي من المقرر أن تُعرض على المحكمة الشهر المقبل. ولم يتضمن الحكم الصادر يوم الإثنين أي تعويضات عن سلوك غوغل، وسيقرر القاضي ميهتا ذلك الآن، مما قد يجبر الشركة على تغيير طريقة عملها أو بيع جزء من أعمالها.
ما قاله القاضي في حكمه
“بعد أن نظرت المحكمة بعناية في شهادة الشهود والأدلة ودرستها بعناية، توصلت المحكمة إلى الاستنتاج التالي: غوغل شركة احتكارية، وقد تصرفت كشركة احتكارية للحفاظ على احتكارها”. لقد كان حكم القاضي ميهتا بمثابة تتويج لقضية استمرت لسنوات – الولايات المتحدة وآخرون ضد غوغل – التي انتهت بمحاكمة استمرت 10 أسابيع في السنة الماضية.
وقد رفعت وزارة العدل والولايات دعوى قضائية في سنة 2020 بسبب هيمنة غوغل على البحث على الإنترنت، الذي يدرّ أرباحًا بمليارات الدولارات سنويًا. وقالت وزارة العدل إن محرك بحث غوغل أجرى ما يقارب 90 بالمائة من عمليات البحث على الويب، وهو رقم اعترضت عليه الشركة.
وتنفق الشركة مليارات الدولارات سنويًا لتكون محرك البحث التلقائي على متصفحات مثل سفاري من آبل وفايرفوكس من موزيلا. وقد دفعت غوغل لآبل حوالي 18 مليار دولار لكونها محرك البحث التلقائي في سنة 2021، وذلك حسب ما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز.
وفي بيان، قال جوناثان كانتر، كبير مسؤولي مكافحة الاحتكار في وزارة العدل، إن “هذا القرار التاريخي يحمّل غوغل المسؤولية. إنه يمهد الطريق للابتكار للأجيال القادمة ويحمي وصول جميع الأمريكيين إلى المعلومات”.
في المقابل، صرّح كينت ووكر، رئيس الشؤون العالمية في غوغل، بأن الشركة ستستأنف الحكم. وقال ووكر: “هذا القرار يعترف بأن غوغل تقدم أفضل محرك بحث، لكنه يخلص إلى أنه لا ينبغي السماح لنا بإتاحته بسهولة. ومع استمرار هذه العملية، سنظل نركز على صنع منتجات يجدها الناس مفيدة وسهلة الاستخدام”.
خلال المحاكمة، أدلى الرئيس التنفيذي لشركة مايكروسوفت، ساتيا ناديلا، بشهادته بأنه يشعر بالقلق من أن هيمنة منافسه قد خلقت “شبكة غوغل” وأن علاقتها مع شركة آبل خلقت “احتكار القلة”. وقال إنه إذا استمرت غوغل دون رادع، فمن المحتمل أن تصبح مهيمنة في سباق تطوير الذكاء الاصطناعي.
ردّ الرئيس التنفيذي لشركة غوغل، سوندار بيتشاي، في شهادته بأن غوغل أنشأت خدمة أفضل للمستهلكين. وقال محامو الشركة إن المستخدمين يختارون البحث على محرك غوغل لأنهم يجدونه مفيدة، وأن الشركة استمرت في الاستثمار لجعله أفضل. وقال جون شميدتلين، محامي غوغل الرئيسي في قاعة المحكمة، خلال المرافعات الختامية التي عُقدت بعد أشهر في أيار/ مايو: “إن غوغل تفوز لأنها أفضل”.
وجادلت الحكومة بأن غوغل من خلال دفع مليارات الدولارات لتكون محرك البحث التلقائي على أجهزة المستهلكين حرمت منافسيها من فرصة بناء النطاق المطلوب لمنافسة محرك بحثها. وبدلاً من ذلك، جمعت غوغل المزيد من البيانات عن المستهلكين التي استخدمتها لجعل محرك بحثها أفضل وأكثر هيمنة.
انحاز القاضي ميهتا إلى جانب الحكومة، قائلًا إن غوغل كانت تحتكر خدمات البحث العامة على الإنترنت. واتفاقات الشركة لتكون محرك البحث التلقائي على الأجهزة ومتصفحات الويب أضرّت بالمنافسة، مما جعل من الصعب على المنافسين تحدي هيمنة غوغل.
كتب القاضي ميهتا أن تلك الاتفاقيات “منحت غوغل على مدار أكثر من عقد من الزمان إمكانية الوصول إلى نطاق لا يمكن لمنافسيها مجاراته”. اتهمت الحكومة غوغل أيضًا بحماية احتكارها للإعلانات التي تُعرض داخل نتائج البحث. وقال محامو الحكومة إن غوغل رفعت أسعار الإعلانات بما يتجاوز الأسعار التي يجب أن تكون موجودة في السوق الحرة، وهو ما اعتبروه علامة على قوة الشركة. وتوفر إعلانات البحث مليارات الدولارات من العائدات السنوية لشركة غوغل.
وقد حكم القاضي ميهتا بأن احتكار غوغل سمح لها بتضخيم أسعار بعض إعلانات البحث. وقال إن هذا بدوره أعطى الشركة المزيد من الأموال التي تدفعها لمحرك البحث الخاص بها للحصول على موضع رئيسي. وقال في الحكم: “لقد غذت الزيادات غير المقيدة في الأسعار النمو الهائل في إيرادات غوغل وسمحت لها بالحفاظ على أرباح تشغيلية عالية ومستقرة بشكل ملحوظ”.
حكم القاضي ميهتا لصالح غوغل في بعض الادعاءات الأقل أهمية. وتقدم غوغل للمعلنين العديد من الأدوات، بما في ذلك أداة يستخدمونها لإدارة الإعلانات على محركات البحث المختلفة. وجادل المدعون العامون في الولاية خلال المحاكمة بأن غوغل استبعدت بشكل غير قانوني محرك بحث مايكروسوفت، بينغ، من جوانب تلك الأدوات، لكن القاضي ميهتا حكم ضد ادعائهم.
ويتوقع القانونيون أن يؤثر هذا القرار على الدعاوى القضائية الحكومية لمكافحة الاحتكار ضد عمالقة التكنولوجيا الآخرين. وقد بدأت جميع تلك التحقيقات، التي أجرتها لجنة التجارة الفيدرالية ووزارة العدل، خلال إدارة ترامب وتكثفت في عهد الرئيس بايدن.
رفعت وزارة العدل دعوى قضائية ضد شركة آبل، بحجة أن الشركة جعلت من الصعب على المستهلكين التخلي عن هاتف آيفون، ورفعت القضية الأخرى ضد غوغل. وقد رفعت هيئة التجارة الفيدرالية دعوى قضائية منفصلة ضد شركة ميتا، مدعيةً أن الشركة قضت على المنافسين الناشئين، وضد شركة أمازون، متهمةً إياها بالضغط على البائعين في سوقها على الإنترنت. وبهذه القضايا، تختبر الحكومة قوانين عمرها مائة سنة استُخدمت في الأصل لكبح جماح شركات المرافق العامة وغيرها من الشركات الاحتكارية مثل ستاندرد أويل.
قال ويليام كوفاسيتش، الرئيس السابق للجنة التجارة الفيدرالية، إن انتصار الحكومة يوفر مصداقية لمحاولتها الأوسع نطاقًا لاستخدام قوانين مكافحة الاحتكار لاستهداف الشركات الأمريكية. وصرح في مقابلة أجريت معه في حزيران/ يونيو: “إنه يخلق زخمًا يدعم قضاياهم الأخرى”.
وقد واجهت غوغل أيضًا تدقيقًا في مكافحة الاحتكار في أوروبا حيث اتهمها المسؤولون السنة الماضية بتقويض منافسيها في مجال الإعلانات عبر الإنترنت. وألقى آخر حكم قضائي أمريكي كبير في قضية مكافحة الاحتكار في مجال التكنولوجيا – في الدعوى القضائية التي رفعتها وزارة العدل في التسعينيات ضد مايكروسوفت – بظلاله على حجج غوغل. فقد ضغط القاضي ميهتا مرارًا وتكرارًا على المحامين لشرح كيف يمكن أن تتناسب تفاصيل القضية المرفوعة ضد غوغل مع السوابق القانونية.
زعمت قضية مكافحة الاحتكار التي رُفعت ضد مايكروسوفت أن عملاق التكنولوجيا جمع بين ممارسات مثل التنمر على شركاء الصناعة والاستفادة من شعبية منصتها الرقمية، التي لم يستخدم المستهلكون غيرها عادة، لخنق المنافسة.
وحكم قاضي المحكمة الجزئية في البداية ضد مايكروسوفت في معظم التهم المتعلقة بالانتهاكات المحتملة لمكافحة الاحتكار وأمر بتفكيك الشركة، لكن محكمة الاستئناف عكست بعض هذه القرارات، وتوصلت إدارة الرئيس جورج دبليو بوش إلى تسوية مع الشركة في سنة 2001.
المصدر: نيويورك تايمز