ترجمة وتحرير: نون بوست
تعكف موسكو على تقييم نتائج الانتخابات البرلمانية، التي شهدتها العراق في 12 من أيار/ مايو، بعناية من حيث تأثيرها على العلاقات الروسية العراقية. وقد أشادت وزارة الخارجية الروسية بهذه الانتخابات حيث اعتبرتها “علامة فارقة في طريق تحقيق الاستقرار في البلاد”، مشددة على “أنها تأمل في أن يتم تشكيل حكومة عراقية جديدة تمثيلية، تتمتع بالكفاءة القانونية في المستقبل القريب”.
جاء في البيان الرسمي الصادر عن الحكومة الروسية أن موسكو ستكون جاهزة لمواصلة تقديم الدعم الفعّال للعراق لمقاومة الإرهاب الدولي. وأضاف البيان أن روسيا على استعداد أيضا لتقديم مساهمة محددة بغية مواصلة التعاون الروسي العراقي متعدد الجوانب.
في الظاهر، لا يملك ائتلاف سائرون، التابع للصدر الذي فاز بعدد كبير من المقاعد في مجلس النواب، علاقات بارزة مع موسكو. لكن، لا يعني هذا الأمر أن أحزاب الائتلاف غير قادرة على العمل على بناء شبكة قوية من الاتصالات مع الجانب الروسي. وتجدر الإشارة إلى أن الحاجة في هذه المرحلة، من منظور موسكو، تكمن في مراقبة عملية تشكيل الحكومة العراقية الجديدة التي يواجه فيها التحالف بعض المشاكل.
يجب على الصدر أن ينتبه إلى حقيقة أنه كلما ظهر رجل قوي على الساحة السياسية العراقية يسعى غيره من اللاعبين السياسيين إلى إيجاد طرق لكبح قدراته
في الأثناء، تشير تصريحات الصدر بشأن ضرورة بناء روابط براغماتية مع غيره من اللاعبين المنخرطين في المشهد العراقي إلى إمكانية محافظة رجل الدين العراقي صاحب النفوذ الكبير على نهج مماثل على مستوى السياسة الخارجية، في حال نجح في تشكيل الحكومة الجديدة. وإذا تحقق ذلك، ستتاح لموسكو فرصة جيدة ليس فقط للحفاظ على المستوى الحالي من العلاقات مع بغداد، بل تطويرها بشكل أكبر.
في الواقع، يقع التعاطي مع مشكلة الصدر وتحالفه على أنها مرتبطة بعدة عوامل متداخلة، من شأنها أن تؤثر على تشكيل أولويات السياسة الخارجية العراقية في المستقبل. ويتمثل العامل الأول في فشل ائتلاف سائرون في الحصول على الأغلبية المطلقة الضرورية لدعم أجندته بشكل خاص. وقد دفع هذا الأمر بالصدر إلى اللجوء إلى استراتيجية المناورة والسعي إلى المصالحة مع القوى الأخرى و تقديم حملة من التنازلات بشكل أساسي.
أما العامل الثاني فيكم في خاصية التنوع والاختلاف التي يتسم ائتلاف سائرون. ومن نواح عديدة، ساعد هذا التنوع في استقطاب الائتلاف على الأصوات التي نجح في الحصول عليها في هذه الانتخابات، لكن هذا المعطي يحيل أيضا إلى أبرز نقاط ضعف التحالف. وفي الغالب قد لا تتفق مختلف القوى القيادية داخل الائتلاف، على غرار الحزب الشيوعي العراقي، فيما بينها، في الوقت الذي تتمتع فيه بالقدرة على تعزيز مصالحها الخاصة على عكس “الاتجاه العام” الذي يتبناه الائتلاف.
ثالثا، يجب على الصدر أن ينتبه إلى حقيقة أنه كلما ظهر رجل قوي على الساحة السياسية العراقية يسعى غيره من اللاعبين السياسيين إلى إيجاد طرق لكبح قدراته. أما على مستوى السياسة الخارجية العراقية، فذلك يعني أن الصدر لا بد أن يحافظ على تنوع خياراته وسبل تعاطيه وتوجهاته فيما يتعلق بربط علاقات مع مختلف القوى العالمية والإقليمية الرئيسية، في آن واحد.
خلفية الصدر وآراءه تشير إلى أنه لن يكون شريكا سهلا لروسيا. ومع ذلك، قد يتبين أن البراغماتية والحكمة والاتزان التي يتسم بها الصدر تجسد الميزات الضرورية لتحقيق أفضل النتائج فيما يتعلق بتوطيد العلاقات العراقية الروسية
في الحقيقة، لا يعد من الصواب الاعتقاد بأن اليساريين في ائتلاف الصدر سيمثلون القوة الدافعة والأبرز نحو تعزيز العلاقات الروسية العراقية. في المقابل، يكمن العنصر الأهم في هذا الإطار، من منظور روسيا، في الأثر الإيجابي الذي سينتج عن وجود القوى العلمانية ضمن هذا الائتلاف على الأجندة المحلية للعراق.
بالنسبة للعراقيين، وبغض النظر عن آرائهم السياسية، يعد وجود موسكو ضمن قائمة الحلفاء الذين ستعمل الحكومة على تعزيز العلاقات معهم، أمرا مفيدا. ونظرا لأن تأثير روسيا في البلاد محدود نوعا ما، فقد ساهم ذلك في عدم إثارة مخاوف جدية إزاء العلاقات الروسية العراقية. علاوة على ذلك، يرى الكثيرون أن روسيا ذات جدوى عندما يتعلق الأمر بالتعاون التقني العسكري. وفي هذا السياق، صرح رئيس مكتب مقتدى الصدر، إبراهيم الجابري، لصالح وكالة الأنباء ريا نوفوستي في 15 أيار/مايو أن التحالف بين الطرفين سيعمل على تدعيم قدرات العراق الدفاعية، ودعم سبل تطبيق القانون لحمايتها من التهديدات الأجنبية والمحلية.
عندما سئل عن رؤيته للمستقبل المشترك مع روسيا وإيران والولايات المتحدة الأمريكية، أجاب الجابري قائلا: “تجمع بيننا وبين روسيا علاقات مميزة وجيدة والأمر سيان بالنسبة لإيران. لقد قمنا بشن حملة عسكرية على القوات الاستعمارية، أي الحكومة الأمريكية، لكننا لا نكن أي عداء تجاه الشعب الأمريكي. لن نسمح لأي دولة، سواء كانت إقليمية أو غيرها من الدول، بالتدخل في الشؤون الداخلية للعراق”.
والجدير بالذكر أن خلفية الصدر وآراءه تشير إلى أنه لن يكون شريكا سهلا لروسيا. ومع ذلك، قد يتبين أن البراغماتية والحكمة والاتزان التي يتسم بها الصدر تجسد الميزات الضرورية لتحقيق أفضل النتائج فيما يتعلق بتوطيد العلاقات العراقية الروسية.
خلال أحد الاجتماعات الأولى التي حضرها السفير الروسي، ماكسيم ماكسيموف، لدى وصوله إلى بغداد سنة 2017، أشاد المشرّع العراقي، حاكم الزاملي، بالدور الروسي في دعم الحكومة العراقية في الحرب ضد تنظيم الدولة. ويرأس الزاملي لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب العراقي، في حين يتمتع بصلة وثيقة بالتيار الصدري. وقد تحدث الزاملي أيضا عن “الحاجة إلى تطوير علاقات ودية بين البلدين من خلال بناء جسور التعاون على المستوى الاقتصادي وقطاع الخدمات”.
يتسم منصب الجعفري في وزارة الخارجية بعدم الاستقرار في ظل كل التغيرات المحتملة في الحكومية العراقية
في شباط / فبراير، أدلى الزاملي بتصريح آخر لفت انتباه العديد من القوى الإقليمية إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية. فقد تطرق الزاملي إلى “حق العراق في امتلاك أسلحة متطورة للدفاع عن أراضيه ومجاله الجوي من الهجمات الجوية، وذلك في مواجهة إمكانية استخدام تنظيم الدولة للطائرات لشن هجمات على الأماكن المقدسة”. وقال الزاملي، في هذا الصدد، إن “العراق يعتزم امتلاك نظام مماثل لنظام أس-400 للدفاع عن أراضيه وأضرحته ومجاله الجوي. ونحن جادون في ذلك”.
من جانب آخر، نفى السفير العراقي في روسيا، حيدر منصور هادي، لاحقا مناقشة بغداد وموسكو لهذه المسألة. ولكن طرح فكرة مماثلة يدفع المرء إلى الاعتقاد بوجود مجال لتنامي العلاقات بين البلدين في المجال العسكري. وفي ظل التحولات التي تشهدها كلتا الحكومتين، العراقية والروسية، لا بد من مراقبة طبيعة التطورات فيما يتعلق بالعلاقات الثنائية بين البلدين على مستوى المؤسسات.
قبل بضعة أيام، ترأس كل من نائب رئيس الوزراء الروسي، ديمتري روغوزين، ووزير الخارجية العراقي، إبراهيم الجعفري، اللجنة الحكومية الروسية العراقية المشتركة في مجال التجارة والاقتصاد والتعاون العلمي والتقني. ولكن، تم تعين روغوزين، عقب الانتخابات الرئاسية الروسية، في منصب المدير العام لوكالة الفضاء الروسية الفدرالية، روسكوسموس، وهو ما يعني تولي شخص جديد من الجانب الروسي لمنصب الرئاسة المشتركة للجنة.
في السياق ذاته، يتسم منصب الجعفري في وزارة الخارجية بعدم الاستقرار في ظل كل التغيرات المحتملة في الحكومية العراقية. ومع ذلك، فقد جمع العراق وروسيا قدر كبير من التفاعل الثنائي، فضلا عن تشاركهما الرؤى حول القضايا الإقليمية. وفي حين أن التعيينات الجديدة في صلب حكومتي كلتا الدولتين قد تستوجب بعض التعديلات المتعلقة بطريقة عمل المؤسسات الثنائية، ليس من المرجح أن يؤدي ذلك إلى تغييرات جذرية.
ستبقي موسكو على مسار المشاركة الثابتة والمنتظمة التي تربطها بجميع اللاعبين العراقيين والأهم من ذلك مؤسسات الدولة
تواصل شركات الطاقة الروسية، على غرار غازبروم نفط ولوك أويل، العمل على أكبر مخزونات النفط في العراق، الأمر الذي تعمل بغداد على تتبعه وتقيمه بشكل إيجابي. ويدفع كل ما سبق ذكره موسكو إلى الاعتقاد بأن الحكومة العراقية التي ستُشكّل في نهاية المطاف لن تتخلى على الأرجح عن فكرة شراء الأسلحة الروسية وتلقي الدعم بشأن تطوير حقول النفط وتنفيذ مشاريع إعادة الإعمار.
في واقع الأمر، تتمثل المعضلة الوحيدة التي قد تتطلب حلا جديّا في وضعية شركة روس نفط في العراق. وقد شكّلت المعلومات التي أصدرتها روس نفط في 23 أيار/مايو مؤشرا على الاهتمام طويل المدى للشركة بالعمليات في العراق. وتتمحور هذه المعلومات حول اكتشاف فرعها المتمثل في شركة باشنفت مصدرا نفطيا جديدا في جنوب غرب العراق، يعرف باسم “سلمان”.
في هذا السياق، لم تعطي الشركة معلومات دقيقة عن حجم الاحتياطي المكتشف، إلا أنها قالت إنها تعتبر الاكتشاف “علامة فارقة في تطوير مجال النفط خارج البلاد”. يحتمل أن يمثل المصدر الجديد للنفط محورا آخر ضمن الأجندة الثنائية. لذلك، ستبقي موسكو على مسار المشاركة الثابتة والمنتظمة التي تربطها بجميع اللاعبين العراقيين والأهم من ذلك مؤسسات الدولة. من جانبه، سيستمر العراق في التعاطي مع روسيا على ضوء قيمتها الكبيرة في مجالات مختلفة، مما سيساهم في بناء أسس متينة لتوطيد العلاقات الروسية العراقية.
المصدر: المونيتور