بعد غياب استمر لسنوات طويلة، عادت من بعيد “خطة مارشال” لتسيطر على الساحة المحلية والدولية مجددًا، كحل تستنجد به دولة الاحتلال الإسرائيلي لإنهاء أزمتها مع قطاع غزة، خاصة في ظل تدهور الأوضاع واتجاهها نحو حرب جديدة قد تكون الأكبر والأخطر منذ سنوات طويلة.
الخطة التي باتت تعرف باسم “مارشال” ولطالما رفضها الفلسطينيون، يعيد الاحتلال جرها للمنطقة ويستنجد بالدول العربية “الحليفة” قبل الغربية لإقناع الفلسطينيين وخاصة حركة حماس لقبولها، وتركز على إغراق قطاع غزة بالأموال والمشاريع الاقتصادية والتنموية مقابل وقف التصعيد وقبول هدنة طويلة الأمد.
أوصى”موردخاي”، دولة الاحتلال بدعم خطة واسعة النطاق تكون على أساس خطة “مارشال” من شأنها أن تجلب الأمل الحقيقي للتغيير الإيجابي لسكان غزة
وقبل أيام، دعت قيادات عسكرية إسرائيلية، وعلى رأسهم الجنرال يواف موردخاي منسق الأنشطة الحكومية في الأراضي المحتلة، إلى تنفيذ نسخة من خطة “مارشال” على قطاع غزة، من خلالها يوجه المجتمع الدولي كميات كبيرة من المساعدات لتحسين الاقتصاد في قطاع غزة.
وأوصى موردخاي، دولة الاحتلال بدعم خطة واسعة النطاق تكون على أساس خطة “مارشال” من شأنها أن تجلب الأمل الحقيقي للتغيير الإيجابي لسكان غزة، وتفادي الانفجار القريب.
ما خطة مارشال؟
قبل الخوض في الردود الفلسطينية على هذه الخطة ومدى استجابتهم أو رفضهم للتعامل معها خاصة بعد عودتها بقوة كخيار مطروح على الطاولة، سنتحدث عن تفاصيل هذه الخطة وأهدافها الخفية ومن المستفيد الحقيقي منها.
الدكتور حنا عيسى الخبير في القانون الدولي، وضع إجابات واضحة لتلك التساؤلات فقال: “الاحتلال عندما يتحدث عن مشروع مارشال فإنه يقصد الزاوية الاقتصادية لتنمية وتطوير قطاع غزة، على أساس أن يكون هناك مطار وميناء، ولكن تخضع لعدة اعتبارات”.
وأضاف “هذا المشروع الذي طبق منذ الستينيات، فهو يخدم السكان المدنيين، ويوفر فرص العمل لهم بالإضافة إلى الصحة والتعليم والإسكان والترميمات، وبالتالي فهو يستهدف الحياة المعيشية”، مشيرًا إلى أن “إسرائيل” تريد تطبيق كل ذلك حتى يُفصل قطاع غزة عن الضفة الغربية وباقي الأراضي الفلسطينية، ليتسنى لهم عدم التواصل الجغرافي، وبالتالي استحالة إقامة دولة فلسطينية إلى جانب “إسرائيل”، وأنه يوجه رسالة للفلسطينيين بأنه إذا شاءوا إقامة دولة، فلتكن في قطاع غزة”.
ويوضح الخبير في القانون الدولي أن هذا المشروع يكون بشروط أولها: أن يكون قطاع غزة منزوع السلاح وألا يكون هناك أنفاق، بالإضافة إلى وجود الرقابة الدولية على القطاع، مبينًا أن الهدف من هذا المشروع تقديم المساعدات للمواطن في قطاع غزة مقابل نزع السلاح، ولا يكون هناك أي أنفاق أو صواريخ.
بدوره، أوضح الدكتور أحمد رفيق عوض المحلل السياسي أن مردخاي عندما طرح مشروع مارشال في قطاع غزة يقصد بذلك ترميم القطاع ومساعدة أهاليه، ولكن هناك هدفًا سياسيًا يتمثل في التطويع ودمج القوى المعادية في رؤية جديدة تقوم على المشاركة والهدوء والتسوية.
وقال: “هذا المشروع يقوم على تحسين الوضع الاقتصادي، لأن تردي هذا الوضع سيؤدي إلى الانفجار، وبالتالي جاء مردخاي بهذا المشروع كي يمنع ذلك”، لافتًا إلى أن هذا المشروع اقتصادي ولكن ثمنه سياسي.
وبيّن عوض أن مردخاي طرح هذا المشروع في هذا الوقت بالذات عندما وجد حركة حماس تنعطف بشكل كبير وهناك قيادة جديدة ترى الأمور بطريقة مختلفة، وبالتالي فإن ذلك تشجيع للتيار الجديد والجهود الأمريكية المصرية والتسوية.
مشروع مارشال خطة اقتصادية أُطلقت بمبادرة من وزير الخارجية الأمريكي الأسبق “جورج مارشال”، من أجل مساعدة البلدان الأوروبية على إعادة إعمار ما دمرته الحرب العالمية الثانية وبناء اقتصادها من جديد
وقال: “ينص هذا المشروع على أن يُمنح الفلسطينيون حياة كريمة لمنع اندلاع أي حروب مع الاحتلال، فالاحتلال الإسرائيلي يقول إنه يدفع مبلغ مليار دولار لقطاع غزة لترميمه بحيث لا تحدث أي حرب كل عامين أو ثلاثة، ويتم دفع مبالغ بشكل أكبر”.
صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية، أضافت بعد التفاصيل عن هذه الخطة، وقالت في تقرير سابق لها، إن استمرار الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، يتطلب دخول جهات إقليمية ودولية على الخط، وعدم إبقائها مقتصرة على التدخل الإسرائيلي، عبر إصدار قرار دولي للتوصل إلى صيغة تضع حدًا للعنف المتجدد في غزة بين حين وآخر، دون الإصرار على تنازل حماس عن سلاحها، تماشيًا مع خطة “مارشال”.
وأوضحت أن هذا التوجه قد ينجح من خلال إدارة مصرية، ومراقبين من الأمم المتحدة والجامعة العربية، يشكلون جهازًا سلطويًا مدنيًا مشتركًا بين حماس والسلطة الفلسطينية، على أن تكون هذه الترتيبات في غزة بعيدة عن أن تكون حصرية بالدور الإسرائيلي، ومع ذلك فإن إمكانية التوصل لتطبيق هذه الصيغة تساوي المخاطرة بها.
الصحيفة كشفت النقاب عن أن “تفاصيل هذه الخطة ما زالت موجودة على الورق، وتمت مناقشتها خلال الأسابيع الأخيرة في واشنطن، عبر قمة دعيت إليها دول عربية وأوروبية تتبرع لغزة، بجانب “إسرائيل” والسلطة الفلسطينية ومصر وطبعًا الإدارة الأمريكية، وتشمل إقامة مشاريع ومصانع لتحليه المياه، وأخرى لتوفير الطاقة والكهرباء، وقائمة طويلة من المشاريع المدنية الاقتصادية”.
ومشروع مارشال خطة اقتصادية أُطلقت بمبادرة من وزير الخارجية الأمريكي الأسبق “جورج مارشال”، من أجل مساعدة البلدان الأوروبية على إعادة إعمار ما دمرته الحرب العالمية الثانية وبناء اقتصادها من جديد.
الرد الفلسطيني
الفصائل الفلسطينية عبرت عن رفضها القاطع للتعامل مع خطة “مارشال”، معتبرين إعادة طرح هذه الخطة في هذا الوقت الحساس يندرج ضمن مخططات الدول العربية والغربية في مشاركة “إسرائيل” بتصفية القضية الفلسطينية.
وصفت حركة “فتح” خطة مارشال التي قدَّمها منسق الأنشطة الحكومية الإسرائيلية الجديد التي تتمثل بإعادة التهدئة في غزة مقابل خلق وضع اقتصادي أفضل بأنها مخطط لا ينفصل عن صفقة القرن.
وقالت الحركة على لسان المتحدث باسمها أسامة القواسمي: “المخطط لا ينفصل عن مخطط صفقة القرن ويهدف لتكريس دولة ذات حدود مؤقتة وإخضاع الضفة لحكم ذاتي، وإقامة دولة في سيناء من خلال التعاطي مع فكر حركة تُكرس الانقسام وتخدم الاحتلال”.
مردخاي لم يطلع هذا المشروع لبعده الإنساني بقدر البعد الأمني، باعتبار أن استمرار الحصار وازدياد البطالة والفقر والحرمان يولد الانفجار، وبالتالي هذا المشروع يمنع الانفجار من الناحية الاقتصادية
في حين قال المختص في الشأن الإسرائيلي الدكتور ناجي البطة: “نأسف بأن ينطلق هذا المشروع من أفواه إسرائيلية وليست عربية أو فلسطينية”، لافتًا إلى أنه عبارة عن مشروع تم بعد الحرب العالمية الثانية بعد انهيار اقتصادات الدول التي استنزفت في الحرب وخاصة أوروبا وتحديدًا بريطانيا وفرنسا وألمانيا، حيث تم ضخ مليارات الدولارات الأمريكية لاستنهاض اقتصادات هذه الدول.
وأضاف البطة: “هذا المشروع كان يهدف إلى نهضة أوروبا من جديد وانتشالها من آثار الحرب والدمار، حتى تستطيع أن تكون منتجة وتعيش الحياة التي تبعدها عن الحروب”، مضيفًا “هذا ما يدعو إليه مردخاي لتطبيقه في قطاع غزة، حيث كنا نتمنى إخراج القطاع من الحصار من خلال جهة فلسطينية أو عربية”.
وبيّن البطة، أن مردخاي لم يطلع هذا المشروع لبعده الإنساني بقدر البعد الأمني، باعتبار أن استمرار الحصار وازدياد البطالة والفقر والحرمان يولد الانفجار، وبالتالي هذا المشروع يمنع الانفجار من الناحية الاقتصادية.